هوامل الحديث عن الميديا


دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، الإمارات العربية المتحدة 2012

هوامل الحديث عن الميديا، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، الإمارات العربية المتحدة 2012

فاتحة الهوامل

 

إن الثقافة التي من المفترض أن تسمح لنا بالتفكير بأنفسنا، تجعلنا نفكر ” ثقافيا” أي بطريقة تعاقدية ونمطية. وهكذا نخضع لما رُسخ من اقتناعات، وللثقة والحذر السائدين.    
                                                                                                        
ع    إيدغار موران

في البداية يجب الاعتذار إلى فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، علي بن محمد بن العباس التوحيدي البغدادي، المكنى بأبي حيان عن اقتباس عنوان هذا الكتاب من أسئلته التي بعث بها إلى مسكويه الخازن. فرد عليه هذا الأخير بأجوبة سماها: الشوامل.

هذا الاقتباس لا يعني بتاتا أن هذا الكتاب يحمل أسئلة من طينة تلك التي طرحها أبو حيان التوحيدي والتي تقدح بوميضها الفكري والفلسفي وتتلألأ بلغتها المصقولة واللامعة. ولا يلمح  إلى أنه بلغ النتيجة التي تضمنتها الإجابة التي اختتم بها مكسويه شوامله، حيث قال : (وبقي مع الناس علم مختلف فيه، وجهل اصطلح عليه).

والهوامل في هذا الكتيب لا توحي أن صياغته تمت في شكل أسئلة تنتظر الإجابة، لأنها أرادت أن تنزاح عن الشوامل التي يُعتقد في زمننا هذا أنها تصدر عن المؤسسات الجامعية التي تتصدى بالإجابة عن الأسئلة المتعلقة  بالقضايا الكبرى التي يطرحها تطور عالم الإعلام والاتصال.

فهذا الكتيب يتطرق إلى بعض الجزئيات التي أهملها المشتغلون في حقل الإعلام وأدرجوها في خانة المسكوت عنه، الذي لا يلتفت إليه، ولا يحظ بوقفة تأمل وتفكير، مثل المشاهدة التلفزيونية المتواثبة، والمخفي في الكاميرا الخفية، ونظرة الآخر لقنواتنا التلفزيونية، والثرثرة المرئية، والإبهار البصري، وضريبة السرعة في نقل الأخبار التلفزيونية، وما جنته شبكة تويتر على الصحافيين، والقديم في الميديا الجديد أو الجديد في وسائل الإعلام القديمة، وغيرها من المواضيع التي يعتقد البعض أنها خفيفة وهامشية.

قد يعترض البعض على فكرة تناول موضوع” الميديا” Media  من خلال الهوامل لسببين على الأقل. أولهما أن مناقشة وسائل الإعلام في مجتمعاتنا لم تتزحزح من موقعها في قلب دائرة الهوامل منذ ميلاد الصحافة في المنطقة العربية.

ثانيهما، أننا أحوج إلى الشوامل التي تجيب عن التساؤلات الملتهبة التي ما انفكت تطرحها الديناميكية الاجتماعية والثقافية والتكنولوجيات المتجددة في قطاع الإعلام والاتصال. إجابات تنطلق من الرؤية الشاملة التي تقيس متغيرات الممارسة الإعلامية والاتصالية في مجتمعاتنا، وتعمق الوعي برهاناتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. ولا تتنازل لمناقشة التفاصيل وصغائر الأمور التي يثيرها تطور الميديا في عالمنا المعاصر.

للإجابة عن هذا الاعتراض يمكن القول أنه لا وجود لشوامل بدون هوامل. فالأولى تتوقف على الثانية، بمعنى:  ما هو مصير الشوامل إن لم تجد أي سؤال في الهوامل؟

أعتقد صادقا أن الشوامل يجب أن تصدر عن القلاع الأكاديمية، بينما يلاحظ أن الخطاب الذي تنتجه المؤسسات الجامعية في المنطقة العربية عن وسائل الإعلام لم يتمكن بعد، مع الأسف، من إحداث قطيعة معرفية مع الفهم الشائع لوسائل الإعلام السائد لدى عامة الناس. إنهما يشتركان في المسلمات نفسها، ويتسلحان بالبديهيات ذاتها، ويتقسمان الأحكام المعيارية عينها. أليس غريبا أن يظل الخطاب الذي تنتجه المؤسسات الجامعية العربية، في غالبيته، سجين البراديغمات Paradigms التي ظهرت في العقدين الأولين من القرن الماضي، والمتمثلة في البراديغم السلوكي والوظيفي. ولم يبلغ حتى الحقائق التي أكدها منظرو الإعلام، مثل كوتز Katz ولازرسفيلد Lazarsfeld في 1948 في سياق المجتمع الذي عاشا فيه؟ ناهيك عن البراديغم التأويلي الذي أصبح الممر النظري الضروري لفهم ديناميكية الميديا الجديد. لكن مع الأسف لازال بعض منتجي الخطاب المذكور يتعاملون بحثيا مع الميديا الجديد بالأدوات القديمة التي تعاملوا بها مع وسائل الإعلام الكلاسيكية. ولم يحدثوا قطيعة في التصور والإشكاليات والتصورات بين الميديا الجديد ووسائل الإعلام الكلاسيكية.

فالخطاب المذكور في تعميمه ما زال يختزل نشاط وسائل الإعلام الكلاسيكية والجديدة في التأثير. ويختصر هذا التأثير بشكل كاريكاتوري، حيث يراه شاملا ( وبهذا ينفي انتقائيته)، و مباشرا ( بدون وساطة اجتماعية أو ثقافية)، وآنيا ( بدون الأخذ بعين الاعتبار الوقت الذي يستغرقه للتغلغل في شبكة العلاقات بين الأشخاص ويترسب فيها).[1]

لذا نرى أننا بحاجة إلى الهوامل التي ربما سيحالفها الحظ لتساهم في خلخلة البنى الفكرية التي تنتج الشوامل، كما يعبر عنها الخطاب المذكور، لتنقل الحديث عن الميديا من التثبيت والاجترار إلى دائرة التجديد والابتكار.

على هذا الأساس يمكن اعتبار هذا الكتيب محاولة تخالف النصيحة الموجهة للكتاب الذين يرومون إرضاء قرائهم، والتي تدعوهم إلى إعادة إنتاج الأفكار المسلم بها. وعوامل القيام بهذه المحاولة نابعة من اقتناعنا بوجود قارئ وقارئ. قاري يستلم للمسلمات، ولا يقرأ إلا ما يتفق مع قناعاته وأفكاره حتى وإن كانت مسبقة وتجانب الواقع. وبهذا ينغلق على ذاته.  وقارئ يدرك أن نفكّر هو أن نتعلّم. وهذا أضعف الإيمان.

د. نصر الدين لعياضي

الشارقة 12/1/2012

[1] – Dayan Daniel: A propos de la théorie des effets limites,  HERMÈS, CNRS Editions, France, Numéro 4-1989

فهرس الكتاب:

فاتحة الهوامل……………………………………………………………………..ص

زمن المشاهدة المتواثبة…………………………………………………………….ص

المكسوت عنه في الكاميرا الخفية……………………………………………………ص

السؤال الذي ظل يطاردني………………………………………………………….ص

في لياقة الحديث التلفزيوني وفضيلة الإصغاء…………………………………………ص

الاقتصاد: الغائب الكبير في الحديث عن التلفزيون في المنطقة العربية……………………ص

التلفزيون لا يعتذر إلى زيد السروجي………………………………………………..ص

متاعب اللغة العربية في التلفزيون…………………………………………………..ص

توك شو أو ثرثرة؟……………………………………………………………….ص

ماذا فعل التلفزيون بالإعلان؟……………………………………………………….ص

الفيلم الوثائقي يعالج تآكل الذاكرة…………………………………………………..ص

هل يعمي الإفراط في الإبهار البصري عن المعنى؟…………………………………..ص

تداعيات المال والسلطة والإعلام…………………………………………………..ص

الهوية الوطنية والهويات الإعلامية…………………………………………………ص

كارثة خليج االمكسيك بين التلوث البيئي والإعلامي…………………………………..ص

الأخبار في القنوات التلفزيونية: ضريبة السرعة أو التسرع؟…………………………..ص

أكتوفيا نصر: ضحية شبكة تويتر أو قربان شفافية الإعلام؟………………………….ص

صحافة المواطن: مزالق المفهوم………………………………………………….ص

الفيس بوك بين العزلة والاندماج………………………………………………….ص

الإعلام الكلاسيكي والميديا الجديدة: القطيعة والاستئناف…………………………….ص

نُشر بواسطة د. نصرالدين

- د. نصر الدين لعياضي، كلية علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر - 11الجمهورية الجزائرية شارع مختار دود بن عكنون الجزائر العاصمة العنوان الإلكتروني: alayadi2014@outlook.com

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: