المفاهيم في بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة: رهانات التعريفات
The concepts in Social Media Studies in the Arab Region: the issues of definitions
نصر الدين لعياضي Nacer-Eddine Layadi
ABSTRACT:
Terms and concepts are not empty or neutral words in scientific research. They are the building blocks on which research objects are constructed, and a necessary tool for researchers to direct their reflections from theory to the field of research and vice versa.
Using concepts in social media research in the Arab world leads us to address many questions. Far from the accuracy of the translation process into Arabic owing to the fact that it appeared in a different technical and social context, so it contains a representation of this media and their users. In fact, they raise several issues that this study seeks to define its epistemological challenges
Key word: Concepts, social media, Mediation, Information, Communication, Social Networking Sites, Virtual Communities, Uses
الملخص:
المفاهيم ليست مجرد كلمات جوفاء أو محايدة. إنها حجر الأساس لبناء موضوعات البحث، وأداة ضرورية تسمح للباحثين بتوجيه تفكيرهم من الإطار النظري إلى ميدان البحث، ومن هذا الأخير إلى الإطار النظري.
يطرح استخدام المفاهيم في دراسات الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية أكثر من علامة استفاهم. فبعيدا عن دقة ترجمتها إلى اللغة العربية لكونها ظهرت في سياق تقني واجتماعي مختلف، تتضمن المفاهيم تمثلّا لهذه الميديا ومستخدميها. وتطرح الكثير من الإشكاليات الّتي تحاول هذه الدراسة تحديد رهاناتها الابستمولوجيّة.
الكلمات المفتاحية:
المفاهيم، الميديا الاجتماعيّة، الإعلام، الاتصال، مواقع الشبكات الاجتماعيّة، الجماعات الافتراضيّة، الوساطة، الاستخدامات.
المقدمة
تؤكد بعض البحوث في المنطقة العربيّة على التباين الواضح في استخدام المفاهيم والمصطلحات التي تناولت التحولات التي يعيشها قطاع الإعلام والاتصال. فمن “الإعلام الجديد” إلى “الإعلام البديل” مرورًا بـ “الإعلام الإلكتروني”.[1] وضمن هذا التباين لاحظ بعض الباحثين أن المفاهيم التي “اشتغلت عليها” بحوث ” الميديا الاجتماعيّة” تعاني من الكثرة[2]. وإن كنا نرجح هذه الكثرة إلى السعي إلى تحديدها الإجرائي، الذي يتخذ طابعا مؤقتا لمواكبة سرعة التطور التكنولوجي والتغيرات الاجتماعيّة والثقافيّة المرتبطة به. لكنّ الكثير من المفاهيم تخلت عن طابعها المؤقت لتستقر في الدراسات الإعلاميّة، ناهيك عن المفاهيم التي “اشتغلت بها” هذه البحوث؛ أي المفاهيم الوسيطة أو النّسقيّة التي تؤطر التّفكير في ” الميديا الاجتماعيّة”. لذا نرى أن الحاجة إلى مراجعتها وتقويمها تفرض نفسها. وتستلزم فتح حوار علمي حولها للكشف عن رهاناتها المعرفيّة والفكريّة.
إشكالية البحث:
بعض بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة التي درسناها لا تتوقف عند تعريف المفهوم الذي “تشتغل عليه”. وبعضها يكتفي باقتباسه من القواميس والموسوعات الأجنبيّة، ممّا يدفع إلى الاعتقاد بأن الإشكال الذي تطرحه المفاهيم يكمن في نقلها إلى اللّغة العربيّة فقط، مثل ترجمة Social Media إلى “الإعلام الاجتماعي” تارة، و” الشّبكات الاجتماعيّة” طورا[3] ،وإلى “شبكات التواصل الإلكتروني”[4] أحيانا. وترجمة Social Networking Sites إلى الشّبكات الاجتماعيّة[5]. لكن سرعان ما ندرك بأن الأمر يتعدى مسألة الترجمة ليطرح على مستوى المضمون الذي يحتويه كل مفهوم. فلو قبلنا تجاوزا بأن هذه الترجمة صحيحة ودقيقة، فإنّنا نصطدم بأن محتوى تعريف “الميديا الاجتماعيّة” يتطابق، بهذا القدر أو ذاك، مع محتوى الكثير من المسميات، مثل “وسائل التواصل الاجتماعي”، و”شبكات التواصل الإلكتروني الاجتماعية”، مما يوحي بأن البحوث تعاملت مع كل هذه المفاهيم كمرادفات تشخّص الواقع ذاته.[6] ويكشف هذا التعامل عن نوع من الارتباك والغموض في توظيف المفاهيم، ممّا يدعونا إلى التساؤل: هل استخدمت بحوث ” الميديا الاجتماعيّة” المفاهيم بوعي أم اعتبرتها مجرد كلمات؟ بمعنى هل جعلتها كفيلة بشرح الظواهر التي تقترح شرحها أو اعتبرتها مجرد لصيقات توضع على موضوعات الميديا الاجتماعيّة. فتعجز عن حصرها بدقّة، وتحليلها بعمق؟ وهل استطاعت “البحوث العربيّة” أن تمنح بعدا عمليًّا للمفاهيم النّسقيّة التي “اشتغلت عليها” وحمّلتها مضامين كفيلة باستيعاب خصوصية الاتصال في المجتمعات العربيّة؟ لعل الإجابة عن هذه الأسئلة تساهم في استجلاء تمثّل البحوث للميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة. ونقصد بالتمثّل هنا الإنتاج الخطابي لهذه البحوث، ومساهمته في رسم صورة لهذه الميديا، وتسييج فهمها بمخيال مشترك.
إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب استحضار الأبعاد التالي:
- البعد الانطولوجي Anthological: ما هو الواقع الذي تغطيه أبرز المفاهيم التي استخدمت في بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة؟ وهل تملك الوضوح القادر على تشخيص ما تدرسه من أجل استجلاء موقع هذه الميديا في التحولات الثقافيّة والإعلاميّة في تعيشها المجتمعات العربيّة؟
- البعد الاكسولوجيي Axiological : ما هو الشيء الذي تخبرنا عنه المفاهيم، وتراه يستحق فعلا أن يعرف عن الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة ؟
- البعد الابستمولوجي Epistemological : ما هي القيمة المعرفية التي تقدمها أبرز المفاهيم لإدراك الميديا الاجتماعية في المنطقة العربيّة، وما هي الطرائق التي اعتمدت عليها البحوث لبلوغها.
المقاربة المنهجيّة والنّظريّة:
نعتقد أن الإطار المنهجي الذي يساعدنا على بلوغ الأبعاد المذكورة أعلاه هو ” النموذج المثالي” Ideal Type” الذي يندرج ضمن تقاليد البحث الكيفي.
يُنسب هذا النموذج إلى عالم الاجتماع ” ماكس ويبر” Max Weber” الذي عارض الرؤية الضيقة للنّزعة الوضعيّة للمعرفة، إذ يعتبر بأن البحث الاجتماعي يتضمن مكونًا تأويليًّا.[7]ويرى أن هذا النموذج هو طراز مجرد يسمح برؤية بعض جوانب العالم الفعلي بطريقة واضحة ومنتظمة. إنه نموذج مبني يُستعمل للاقتراب من الواقع عبر انتقاء بعض العناصر والتركيز عليها.[8]
يتفق الكثير من الباحثين[9] على أن النموذج المثالي لا يعني أنه يمثل الواقع، الذي اسْتُقي منه، بشكل دقيق وشامل أو بطريقة أكثر وفاء لهذا الواقع. ولا يقصد به النموذج المأمول أو الأفضل. إنّه بناء يستخدم كعُدّة إرشاديّة واستكشافيّة متطورة لتحقيق غايات منهجيّة في تحليل الظواهر الاجتماعيّة. ويتشكّل من عناصر الظاهرة المدروسة وخصائصها. ولا يُنتظر منه أن يتوافق مع كل الخصائص التي تتمتع بها حالة معيّنة. إنّه نوع من الصور المركبة التي تقارن على أساسها كلّ الحالات في ظاهرة معيّنة. وتكون هذه الخصائص في الغالب تعرّيفيّة وليست مُنْتظرَة.[10] ولابد من التأكيد بأن المقصود ليس كلّ الخصائص، بل تلك الأكثر بروزًا، والتي تحوّل ما يتم تصنيفه إلى مثال.
يصف الباحث “جلاني مندارا” Mandara Jelani هذا النموذج بأنه عملية إدراج هذه البيانات في فئات من أجل تنظيم الأشياء، وفهمها انطلاقا من تشابهها واختلافها.[11] وغني عن القول أن هذه البيانات كيفية.
يشمل تحليلنا للمفاهيم التي “اشتغلت عليها” بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية” المستويات التالية: الوصف، المقارنة، والتأويل.
اخترنا عيّنة قوامها 80 بحثا منشورا في دوريات عربيّة محكمة وفق منطق العيّنات العمديّة المتاحة، خلال الفترة الممتدة من مطلع 2012، وهي السنة الّتي بدأ فيها البحث العلمي في المنطقة العربيّة يهتم بظاهرة الميديا الاجتماعيّة، بعد أن شكلت هاجسا معرفيًّا للدراسات الأجنبيّة نظرا لدورها النشيط المفترض فيما أصبح يعرف بالربيع العربي، إلى نهاية سنة 2021. واستقينا عشرين بحث من كل قاعدة بيانات من القواعد التالية: دار المنظومة[12]، والمنصّة الجزائرية للمجلات العلميّة[13]، ومنصّة الدوريات المصرية[14]، والعراقيّة للمجلات الأكاديمية العلميّة[15]. وقد استبعدنا في هذه العيّنة الدراسات المكرّرة التي عثرنا عليها في قواعد البيانات المذكورة أعلاه، وتلك المختصة في الجانب التقنيّ، أي المعلوماتيّة، وحافظنا عن تنوّع موضوعاتها. وتشمل أغلب البلدان العربيّة، وذلك بغية الحصول على نظرة أقرب إلى الشموليّة عن هذه الدراسات. وكان دليلنا في هذا الاختيار العناصر التالية: لغة النشر، وهي اللغة العربية، وأن يكون البحث منشورا كاملا، أن يتضمن عنوانه المفردات التالية: الميديا الاجتماعية، وسائل التواصل الاجتماعي، الشّبكات الاجتماعيّة، مواقع التواصل الاجتماعي، شبكات التواصل الإلكتروني، الاتصال الاجتماعي.
بشكل عملي نحاول القيام بتفكيك للمفاهيم، التي “اشتغلت عليها” البحوث المدروسة، إلى العناصر التالية: الأنشطة التي تسمح بها، والطريقة التي تحقق بها ذلك، ومحتوى هذه الأنشطة. ونركز على نماذج من التعريفات المقدمة لمفهوم مواقع التواصل الاجتماعي، الذي يعدّ الأكثر تواترا في البحوث حسب بعض الدراسات الكميّة. [16] ونحلّل المفاهيم النّسقيّة التي “اشتغلت بها” البحوث، والّتي تساهم في توجيه الباحثين وتمكّنهم من تحديد استراتيجيتهم البحثيّة، وعلى صياغة الأسئلة والفرضيات الّتي ينطلقون منها. ونحصرها فيما يلي: الاستخدام، والتأثير، والدور، والتفاعل، والمجال العام. ونظرا لأن جلّ البحوث قفزت على تعريف هذه المفاهيم، سنقوم بتحليلها انطلاقا من السياق النظري الذي وظفت فيه، وبالنظر إلى المكاسب المعرفيّة المحققة في مجال علوم الإعلام والاتصال.
ونعالج نتائج هذا البحث بالاستعانة بمقاربة البناء الاجتماعي للتكنولوجية Social Construction of Technology ) SCOT ( المستمدة من تقاليد الظاهراتية التي تؤمن بأن المؤسسات الاجتماعية تُبْنى اجتماعيا، بنشاط، من قبل أفراد المجتمع في حياتهم الاجتماعيّة وعبر أنشطتهم. وهذا لا يعني بتاتا بأن العالم الواقعي لا وجود له دون تصورات الأشخاص، مثلما يدعي ذلك أصحاب الاتجاه المثالي، بل أن فهم هذا العالم هو أيضا نتيجة عملية بناء انطلاقا من منظور الأشخاص ووجهات نظرهم، مثلما يؤكد ذلك “جوزيف ألكس مكسويل) Joseph Alex. Maxwell (.[17]فالميديا الاجتماعيّة، كمعطى تقني، يُبنى اجتماعيًّا انطلاقا من المصالح الاقتصاديّة والسّياسيّة لصُناعها ومديريها، ومن تصور المستخدمين والباحثين. ويتأثر تصور هؤلاء، بهذا القدر أو ذاك، بوجهات نظرهم، وتجاربهم وخلفياتهم الاجتماعيّة والثقافيّة، وسياقات الاستخدام والبحث.
في معنى المفهوم:
يميّز “لويس كلود باكن” Louis-Claude Paquin[18] المفهوم عن الكلمة والمصطلح بالقول: إنّ الكلمة تأتي من الاستعمال اليوميّ للّغة، فيقوم المعجميون بتسجيلها وتعرّيفها لتتشكل منها القواميس، وتصبح مقبولة في الاستعمال اليوميّ، أما المصطلحات فهي مجموعة من الكلمات المتخصّصة والمتعلقة بميدان محدّد من النشاط الإنساني ذي صلة بالعلوم والتّقنيّة في الغالب، وهي نتيجة نشاط معياريّ يكسبها معنى محدّدًا بعيدًا عن كل لُبس، بينما المفهوم لا يحيل إلى شيء أو كائن أو فكرة لأنه بناء ذهني داخل منظومة فكريّة، ومعطى مجرد أو ” رمز” لتمثيل شيء ما أو لإحدى خصائصه، أو لظاهرة أو سلوك معين”.[19] وبهذا يُعدّ جسر عبور من المجرد إلى المحسوس والملموس والمعيش في الواقع [20]
إذا، المفاهيم هي نتاج الفكر في ظاهرة ما وأداته وليست الظاهرة ذاتها[21]. وللاقتراب أكثر من هذه الأخيرة وحصرها، يُعِد الباحثون بروتكولا إجرائيًّا يفكّك بعض المفاهيم إلى عناصرها التكوينيّة بحيث يمكن استجلاء خصائصها، أو تحديد أبعادها لتيسير وصفها، وقياسها، وتفسيرها أو تأويلها.
ويصنف المختصون المفاهيم إلى أوَّليّة، أي الّتي تكتفي بذاتها وتفصح عن مضمونها ولا تحتاج إلى مفاهيم أخرى لتعريفها. “فتعريفها يكون ظاهريًّا ويمكن ملاحظته” [22]، وأخرى لا يتضح معناها دون الإحالة إلى مفاهيم أخرى تتشابك أو تقاطع معها أو تتفرّع منها.
في توصيف المفاهيم الّتي ” اشتغلت عليها” دراسات الميديا الاجتماعيّة:
إن فحص دراسات الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة دلّنا على المفاهيم التالية: مواقع التواصل الاجتماعي، وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائط التواصل الاجتماعي الإلكترونيّة، وسائل الإعلام الرقميّ، مواقع الميديا الاجتماعيّة، والميديا الاجتماعيّة، والإعلام الجديد، ووسائل الإعلام الاجتماعي، ومنصّات التواصل الاجتماعي، وشبكات التواصل الرقميّة، وشبكات التواصل الاجتماعيّ، والشّبكات الاجتماعيّة، وشبكات التواصل الإلكترونيّ، وشبكات التواصل الاجتماعيّ الرقميّة، وسائل التواصل الإلكترونيّ، وأدوات الاتصال الجديد، ومواقع الشّبكات الاجتماعيّة عبر الانترنت، والشّبكات الاجتماعيّة الافتراضيّة، ووسائل الإعلام الحديثة، والمواقع التّفاعليّة، ووسائط الإعلام الجديد، والميديا الجديدة.
وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة في توحيدها في مفهوم واحد يُحظى بإجماع الباحثين على غرار ما توصل إليه الباحثون الأجانب إلا أنها لم تفلح، مع الأسف. بل لم تتمكن من فعل ذلك على مستوى البلد العربي الواحد، بل حتّى في البحث الواحد!
ويسعى كل مسمى من هذه المسميات إلى تقديم تعريف خاص به. لكن الكثير من التعريفات لا يساعدنا في تحديد الواقع الذي يغطيه على وجه الدقّة، ولا يكشف عما يميّزه عن بقية التعريفات، مثلما هو موضح في الجدول الموالي:
جدول1- بعض التعاريف
مواقع التواصل الاجتماعي | مجموعة من التقنيات المتاحة على الشّبكات العنكبوتية والتي يستخدمها الأفراد كمساحة شخصية للتعبير عن توجهاتهم وآرائهم الشخصية حول مختلف الموضوعات والمجالات بغرض التواصل والتفاعل مع الآخرين.[23] |
وسائل التواصل الاجتماعي | تشير وسائل التواصل الاجتماعي إلى الطرق الجديدة في التواصل بين الأفراد في البيئة الرقمية بما يتيح لمجموعات صغيرة من الأفراد الالتقاء والتجمع على الشّبكات العنكبوتية (الانترنت) وتبادل المنافع والمعلومات، أي أنها مواقع اجتماعية تفاعلية تتيح التواصل الاجتماعي لمستخدميها مع الأصدقاء والمعارف والأهل من خلال واقع افتراضي يماثل الواقع الطبيعي، كما تمكنهم من تكوين علاقات صداقة جديدة مع الأفراد من مختلف الأعمار والأجناس ومن كافة أنحاء العالم الذين تجمعهم اهتمامات ونشاطات مشتركة بالرغم من اختلاف وعيهم وتفكيرهم وثقافتهم[24] |
وسائل التواصل الإلكتروني | عبارة عن جملة من المواقع الافتراضية عبر الانترنت يمثلها أفراد أو جماعات أو مؤسسات تتيح لملاين الأفراد التعريف بأنفسهم واهتماماتهم، كما تتيح تبادل ونشر الصور والمواد المكتوب وأفلام الفيديو وغيرها من خلال التطبيقات العملية لشبكة الانترنت[25] |
الشّبكات الاجتماعية | شبكات اجتماعيّة تفاعليّة تتيح لمستخدميها التواصل في أي وقت، باستخدام الصوت والصور والكلمات المكتوبة، ومشاركة الصور والفيديوهات وأوجه النقاش وغيرها من الإمكانات[26] |
شبكات التواصل الإلكترونيّ | هي مواقع للتواصل الاجتماعيSocial Media وتطبيقات تستخدم من خلال شبكة الانترنت للتفاعل والتواصل مع الأخرين، وتمكن هذه المنصّات مستخدميها من التواصل الاجتماعي ونشر ومشاركة المحتوى مع الآخرين نصي ومرئي وصوتي أو متعدد الوسائط، وهي مواقع متنوّعة ومتجدّدة. ومن أمثلتها الفيسبوك، وتويتر، وانستغرام وغيرها.[27] |
يتضح من هذه التعريفات عدم التمييز بين المفردات التالية: الشّبكات، الأدوات، الوسائل، المواقع، والتقنيات. وتعتبرها مجرد كلمات ذات محتوى واحد، وتدلّ على حقيقة واحدة. وتؤكد من خلال تقاطعها أو تداخلها على طابعها التعميمي وعدم اتساقها. إنها لا تعرّفنا بدقّة وبشكل واف عن الأنشطة التي تتيحها أو تسمح بها، ولا عن الطريقة التي تتجسد بواسطتها هذه الأنشطة، ولا المحتوى الذي يقدمه ما أصطلح على تسميته بـ “مواقع التواصل الاجتماعيّ”، كما هو مبيّن في الجدول التالي:
الجدول 2: تعريف “مواقع التواصل الاجتماعي”:
التعريف | الموضوعات | ||
الأنشطة الّتي تسمح الميديا الاجتماعي القيام بها | الطريقة الّتي تسمح بها | محتوى الميديا الاجتماعيّة | |
هي مواقع على شبكة الإنترنت تحقق التواصل بين الأعضاء، يتم من خلالها طرح الآراء والأفكار ومناقشتها، وتكوين وجهات نظر أو اتجاهات حولها، وهي تعد من الوسائل الحديثة، والتي أصبح لها أثر ملموس في الحياة الاجتماعية على فئات عديدة من المجتمع، والتي يعتبر الشباب فئة من هذه الفئات التي تتابعها وتستخدمها في العملية الاتصالية، ومن خلالها يتابع الشباب الإعلانات الإلكترونية ويستخدمها[28] | التواصل،
طرح الأفكار ومناقشتها |
الإعلانات | |
خدمات توفرها شبكة الانترنت تتيح للأفراد إنشاء بيانات شخصية وعامة أو شبه عامة ضمن نظام موحد ويمكنهم من إنشاء قائمة للأشخاص الذين يرغبون مشاركتهم في الاتصال ومشاهدة قوائمهم، وتلك القوائم يصفها الأشخاص الأخرون داخل النظام.[29] | إنشاء بيانات
إنشاء قوائم للأشخاص |
||
هي من أكثر وأسع المواقع على شبكة الانتًرنت انتشارا واستمرارا لتقديمها خاصية التواصل بين الأفراد والجماعات المستخدمين لها، حيث تمكنهم من التواصل وتبادل الأفكار والآراء والمعلومات والملفات والصور[30] |
التواصل بين الأفراد، تبادل الأفكار، والمعلومات والصور | ||
مجموعة الشّبكات الإلكترونية المختلفة التي يتمكن كل شخص فيها من فتح حساب خاص به أو أكثر، يمكن أن يتواصل من خلاله إلكترونيا مع أعضاء آخرين مسجلين هم أيضا بحسابات خاصة بهم، والتفاعل معهم في عالم افتراضي يتبادلون فيه الحوارات والأحاديث إما كتابة أو صوت أو صورة أو معا ويتبدلوا الصور وغيرها وتتنوع هذه المواقع منها الفايسبوك، التويتر، الأنستقرام، سنابشات.[31] | التواصل الإلكتروني
تبادل الحوارات، والأحاديث |
فتح حساب
االكتابة، الصوت والصورة |
|
مجموعة من المواقع على شبكة الانترنت العالمية، تتيح التواصل بين الأفراد في بيئة مجتمع افتراضي، يجمعهم الاهتمام أو الانتماء لبلد أو مدرسة أو فئة معينة، في نظام عالمي لنقل المعلومات والمعارف، وهي كذلك مجموعة من الشّبكات العالمية المتصلة بملايين الأجهزة حول العالم، لتشكل مجموعة من الشّبكات الضخمة، والتي تنقل المعلومات الهائلة بسرعة فائقة بين دول العالم المختلفة وتتضمن معلومات دائمة التطور[32] |
التواصل
نقل المعلومات |
||
هي برامج إلكترونية متاحة على شبكة الانترنت تسمح لمن يستخدمها بالتفاعل والتواصل مع الأخرين كتابة وصوتا وصورة وما تحمله من إمكانيات بالسلب والايجاب قد تؤثر على المجتمع بأكمله وقد تساهم في ظهور أو زيادة الطلاق [33] | التفاعل والتواصل تساهم في ظهور الطلاق أو زيادته | الكتابة، الصوت والصورة | |
وسائل إعلام جديدة ليست بثا أحاديا وتلقي إجباريا مثلما كانت تتميز به نظم الإعلام القديم، ولكنه تفاعل، يختار فيه الناس احتياجاتهم، ويشاركون في الوقت ذاته ليس بالرأي فقط، وبموجب نظام الإعلام الجديد يمكن لوسائل الإعلام أن تقدم لكل شخص ما يريد في الوقت الذي يريد، والإعلام هو إعلام تعددي بلا حدود ومتعدد الوسائط يؤدي أدوارا جديدة كليّا لم يكن بوسع الإعلام التقليدي تأديتها. وتتميز وسائل الإعلام الجديدة بالرقمنة، والتفاعلية، والشعبية، والتفردية، والتخصصية، والجماهيرية، وتزاوج الوسائط والتكنولوجيات. كما أن هناك مستحدثات إعلامية غير مسبوقة تأخذ مكانها الآن مثل الإعلام[34]. | الرأي |
تقدم هذه التعريفات ” مواقع التواصل الاجتماعي” على أنها برامج إلكترونية، ومجموعة من المواقع، ومجموعة من الشّبكات الإلكترونية، وخدمات. وبهذا تذكرنا بالخلط الذي يقع بين شبكة الانترنت والواب. فشبكة الانترنت هي بنية قاعديّة تستند إليها شبكات التواصل والكثير من التطبيقات. أما “الواب” فهو نوع من هذه التطبيقات. هذا علاوة على أنها تخلط في الغالب بين مكونات الوسائط المتعدّدة) الصورة، الكتابة، الصوت(والمحتوى الذي ينتجه أو ينشره ما اصطلح على تسميته بمواقع التواصل الاجتماعي أو بفضلها. ليس هذا فحسب، فبعضها يخلط بين مواقع الشبكات الاجتماعية والوسائط المتعددة والميديا الجديدة أو ما تسميه بالإعلام الجديد. وهذا يدعو إلى الشّكّ في فاعليّتها العلميّة. فالمفهوم يجب أن يُحدّد بدقّة، ويحصر الواقع الذي يغطيه، ويعيّن حدوده بوضوح.
من الممكن تقديم ما يشفع لهذا الخلط واللبس في استخدام المفاهيم في دراسات الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة كالقول مثلا، إنّ مجال البحث فيها لازال بكرًا، وأن مفهوم الميديا الاجتماعيّة اختلط في البحوث الأجنبيّة في بدايتها الأولى[35] مع المفاهيم المشابهة المرتبطة بالمعلوماتية وشبكة الانترنت، مثل “الجماعات الافتراضيّة”، و”الجماعات عبر الخط”، والواب2″، و” المعلوماتية الاجتماعيّة” و”الواب الاجتماعي”، و”الواب الجماعي”، و”الواب التشاركي”، و”الميديا التشاركية”، و”مواقع الشّبكات الاجتماعيّة”. وبعد مخاض فكري استقر رأي الباحثين على مفهومين رائجين ضمّا كل المسميات، وهما “الميديا الاجتماعيّة”Social Media و”الشّبكات السوسيو-رقميّة Reseaux socio-numériques. فالناطقون باللّغة الإنجليزية يميلون إلى استخدام المفهوم “الأول” بينما يفضل نظراؤهم، الناطقون باللّغة الفرنسيّة، استخدام المفهوم الثاني[36]، علما أن البعض من هؤلاء شرع في استخدام مفهوم “الميديا الاجتماعيّة” [37]بدل الشّبكات السوسيو-رقميّة. وهذا لا يدلّ قط على تطابق المفهومين في المعنى، كما سنوضح ذلك لاحقا. وإن كان يمكن تبرير عدم توجه بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة إلى توحيد مفاهيمها بما سبق ذكره، فإنّنا نتساءل عن مدى قدرة بعض البحوث الّتي صادفناها في عيّنة بحثنا على التعبير عن موضوعات دراستها لأنها تعاملت مع المفاهيم الّتي “اشتغلت عليها” بصفة مجردّة، ولم تقدم ما يجسّدها في الواقع العملي، إذ اكتفى بذكر دور أو تأثير “وسائل الإعلام الاجتماعي” أو “شبكات التواصل الاجتماعي”، على سبيل المثال، في الاستبانة الّتي وزعت على المبحوثين، دون أي تحديد، وكأنّ المبحوث يعرف بالضبط ما يقصده الباحث من هذين المفهومين، ونوع الميديا الاجتماعيّة الّذي يعنيه. وأنه يعرف مسبقا ما يريد الباحث قياسه بالضبط في غياب تحديد الشيء الّذي أُسْند إليه الدور أو التأثير. ومن هنا يتضح غياب البعد الأنطولوجي للكثير من المفاهيم التي “اشتغلت عليها” بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة.
المفاهيم وتمثّل البحوث للميديا الاجتماعيّة
سيكون فهم الرهانات المعرفية للمفاهيم في بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة قاصرا إن اكتفى بتلك الّتي “اشتغلت عليها”، ولم يتطرق إلى المفاهيم الّتي “اشتغلت بها”، والّتي تكشف، بهذا القدر أو ذاك، عن طريقة التّفكير فيها، أي اللاشعور الّذي يؤسس التّفكير.
تتقاطع مختلف التعاريف في القول أنّ النّظريّة هي جملة من المفاهيم، والتعريفات، والاقتراحات المتداخلة الّتي تعرض رؤية للظواهر، سواء كانت نسقيّة، أو جدليّة أو سببيّة، بإبراز العلاقة بين المتغيرات أو المؤشرات من أجل التحليل والشرح والتنبؤ بتطور الظواهر [38]أو تأويلها. فالنّظريّة هي مسار من التأويل، في أخر المطاف. والمفاهيم الّتي “يشتغل بها” الباحث وتمكّنه من تحديد استراتيجيته البحثيّة تسمى” المفاهيم النّسقيّة”، الّتي تساهم في تحديد تموقعه الابستمولوجي، وفي تحديد طبيعة الأسئلة والفرضيات الّتي ينطلق منها والأدوات التي يسخرها لذلك؛ أي استراتيجيته البحثية.
تكاد الدراسات الكميّة الّتي قامت بتحليل الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة تتفق على أن أكثر من نصف هذه البحوث بقليل لم يوظف أي إطار نظري، وأن نسبة تلك الّتي وظفت نظريّة أو أكثر تتراوح ما بين 20 و34%، وما تبقى منها، أي ما بين 30و16%[39]، أوردت النّظريّة من باب الذكر فقط. وهذا يعني عمليًّا أن نصف هذه الدراسات، أو أقل بقليل، لم يستعن بأي إطار نظري سواء عن قصد أو سهوًا! إنّ التفسير الذي قدم لهذا الأمر يحمل قدرا من التبرير كالقول مثلا أن النّظريّات الّتي تدرس وسائل الإعلام التقليديّة أو الميديا الاجتماعيّة ذات منشأ غربي أو أنها تنتمي إلى حقول معرفيّة، مثل علمي النفس والاجتماع، يصعب على الباحثين تطبيقها في الدراسات الإعلاميّة! أو أن البحوث تكتفي في الغالب بالمفاهيم وتختبر فرضياتها دون الاستعانة بأي نظريّة.[40]
بالفعل، يمكن أن نستشف من النسب المذكورة صعوبة توظيف الأطر النّظريّة لدراسة وسائل الإعلام التقليديّة أو الميديا الاجتماعيّة، وقد يعبر عنها بعض الطلبة بشكل مباشر وواضح عبر السؤال التالي: كيف أنزّل النّظريّة على موضوع بحثي؟ إن سبب هذه الصعوبة يعود في اعتقادنا إلى عدم فهم ماهية النّظريّة ودورها في البحث العلمي، وعدم إدراك مكانة المفاهيم في بناء موضوع البحث الّذي يعني إحالته إلى التخصص المعرفي؛ أيّ إلى علوم الإعلام والاتصال، والتشكيك في المظاهر الّتي يكتسيها هذا الموضوع كما تبرزها الممارسات المؤسساتيّة والاجتماعيّة بصفة عامة[41].هذا إضافة إلى أن المفاهيم تحدّد الأبعاد الإجرائية في البحث.
إنّ الكثير من البحوث في عيّنة دراستنا هذه، الّتي استخدمت الأطر النّظريّة، استعانت بتلك الّتي ارتبطت بدراسة وسائل الإعلام التقليديّة.[42] واعتمدت على أبرز المفاهيم النّسقيّة، مثل التأثير والأدوار والاستخدام من منظور وظيفي. فلم تتريث لتحديد محتواها بكل دقّة. بل اتجهت رأسا إلى اسقاط وظائف وسائل الإعلام التقليدية) الصحف، المجلات، الإذاعة، والتلفزيون(؛ أي الإخبار، والتثقيف والتعليم، وتكوين الاتجاهات، والترفيه على “الميديا الاجتماعيّة”. وبهذا ساوت بين وسائل ذات قيادة مركزية تنتج مواد إعلامية إلى جمهور، ومنصّات لا تنتج أي محتوى، بل تقوم بتوزيع ما ينتجه مستخدموها ويساهمون به.
يتم في غالب الأحيان القفز على مفهومي الأثر والتأثير في بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربيّة، التي ترى، ضمنيًّا، أنهما يتمتعان بقدر كبير من الوضوح، وغنيان عن كل تعريف لأن معناهما يحظى باتفاق واسع. أو يتم تعريفهما في بعض الأحيان بشكل بسيط ومبسط، كالقول عن التأثير إنّه” التغيرات الإيجابيّة والسلبيّة التي تطرأ على أفكار ومعتقدات ومعارف وسلوك ومشاعر الأفراد ضمن الإطار الاجتماعي والثقافي الذي يعيشون فيه”[43]، أو “التغيير الذي طرأ على مستقبل الرسالة الإعلاميّة فقد تلفت انتباهه ويدركها. وتضيف إلى رصيده المعرفي معلومات جديدة. وقد تجعله يكون اتجاهات جديدة أو يعدّل القديمة. وقد تجعله يتصرف بطريقة جديدة أو يعدّل سلوكه السابق”.[44]وغيرها من التعريفات المستقاة من تراث دراسة تأثير وسائل الإعلام التقليديّة، التي قال عنها “إلياهو كاتز” Katz Elihu أنها قلصت مفهوم التأثر مبكرا إلى درجة أصبح لا يتعلق سوى بنجاح الرسائل الاقناعيّة التي تستهدف آراء الأشخاص في الآجال القصيرة.[45] و ينتهي مفهوم التأثير في بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة بتأكيد الأحكام المسبقة ذات البعد النفسي التي تُختزل في تسهيل الاتصال، والعزلة، والاغتراب، والإدمان، وتغيير القيم، بشكل يفصل العلاقة بين المستخدم والعُدّة التّقنيّة عن سياقها الاجتماعي والثقافي بحيث يصبح التأثير مطابقا للاستخدام، أو نتيجة ضرورية وملازمة له.
لم تقم جلّ هذه البحوث بتعريف الاستخدام، بل تعاملت معه كمرادف للاستعمال كما يراه البراديغم الوظيفي، والذي جسدته نظرية الاستخدامات والاشباعات واختزلته في البعد النفسي، وقاستهّ بمؤشرات كمية، مثل: أقدمية الاستخدام، ومدته، ومكان الاستخدام، وسيلة الاستخدام، لغة الاستخدام، ودوافع الاستخدام.[46]
لسنا ندري كيف استطاعت بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية التوفيق بين التأثير ونظرية الاستخدامات والإشباعات؟ فالكلّ يدرك أن نظريات التأثير تنطلق من فرضية: ماذا تفعل وسائل الإعلام بالجمهور؟ بينما تطعن نظرية الاستخدامات والإشباعات في مركزية وسيلة الإعلام وتأثيرها انطلاقا من فرضيتها المركزيّة: ماذا يفعل الجمهور بوسائل الإعلام؟ هذا على الصعيد النظري، أما على الصعيد الأمبريقي فقد سقط الكثير من البحوث التي استندت إلى نظرية الاستخدامات والإشباعات إلى تناقض واضح من حيث لا يدري. يؤكد على أن هذه الميديا لم تقم سوى بما يجب أن تقوم به؛ أي تلبية حاجات مستخدميها. وبهذا يمنح مشروعيّة للمحتويات الّتي تنتجها وتنشرها أو تبثّها. ويحمّلها في الوقت ذاته المسؤولية على الانحرافات الاجتماعيّة والأخلاقيّة، فيعزّز الخطاب التّنديديّ بها وبمحتوياتها. ويؤكد أن هذه الوسيلة تهدر وقت مستخدميها، من جهة. ويبرهن، من جهة أخرى، على أن إشباع حاجاتهم يزداد بتزايد الوقت الّذي يصرفونه في استخدامها![47]
لقد تراجعت الرؤية النمطيّة والمعياريّة للاستخدام في ثمانيات القرن الماضي، مع ظهور المبتكرات التكنولوجية في عالم الاتصال. وأصبح الحديث عن الاستخدام بصيغة الجمع. واكتسب معان جديدة في ظل البراديغم البنائي والتأويلي، واتسم بنوع من التعقّد الذي يخرجه من سجل البديهيات ليضعه في قلب الإشكاليات. فاستخدامات مادة طبيعية أو رمزية لأعراض محددة، هو التأكيد على دلالات ثقافيّة معقّدة في سلوك الحياة اليومية، وفهمها يقتضي عدم النظر إليها باعتبارها فعلا فرديا وفق ما ذهب إليه البراديغم الوظيفي. إن الاستخدامات ذات بعد اجتماعي لكونها ” أنماطا من استخدامات الأفراد أو جماعات من الأفراد ) طبقة، شريحة، فئات( ، التي استقرت إلى حد ما خلال فترة تاريخية طويلة على نطاق اجتماعي أوسع ) مجموعات، جماعات، مجتمعات، حضارات(“.[48]وهذا يتطلب الأخذ بعين الاعتبار مجموعات المستخدمين: الجماعات التأويلية، والمجموعات عبر الخط Online.[49] ومن الصعب دراسة الاستخدامات دون الاتكاء على المفاهيم النّسقيّة المرتبطة بها، مثل التمثل Representation، والتَمَلّك Appropriation الّذي يعتبر كمسار يُمكّن المستخدم من تجاوز الخصائص التّقنيّة لعُدّة التواصل[50]. ليس هذا فحسب، بل إنه أيضا فعل يشكل به المستخدم ذاته[51].
على الرغم من أن الكثير من بحوث الميديا الاجتماعيّة جعلت من التفاعليّة متغيرا أساسيّا في عناوينها إلا أنها لم تتوقف عند تعريفها، بل اعتبرتها تحصيل حاصل. ورأت أنها كامنة في العُدّة التّقنيّة أو في تعامل المستخدم مع العُدّة، وذَوَّبَتها في الاستعمال الذي يقاس بعدد السنوات، وعدد المرات في اليوم، ومدة الاستعمال[52]، مثلما ذكرنا أعلاه. وبهذا سدّت أبواب التّفكير في التفاعلية كمفهوم إشكالي عانى من قِلّة الوضوح وعدم الاستقرار منذ بضعة عقود. فمعناه يتغير بتغير الأطراف المتفاعلة. فما تركز عليه الأدبيات العلمية[53]من خصائص التفاعليّة يتبدل من تفاعل المرء مع العُدّة التّقنيّة، مرورا بتفاعل المرء مع نظرائه عبر هذه العدّة وخارجها، وصولا إلى تفاعل المرء مع المضامين المتداولة، مما يجعل القبض على معناها الشامل والممتد صعب المنال.
إنّ الكثير من البحوث في عيّنة دراستنا هذه التي استخدمت الأطر النّظريّة استعانت بتلك التي ارتبطت بدراسة وسائل الإعلام التقليديّة،[54] لكن جلّها لم يشغل مفاهيمها السياقية. فالدراسات التي استعانت بنظريّة الفضاء العمومي، على سبيل المثال، وشملتها عينتنا لم تبحث عن جذور مفهوم الفضاء العمومي، وترصد التطور التاريخي لدلالاته. ولم تستعن بمرجعياته الأساسية، بل اكتفت باقتباس التعاريف الثانوية التي تشوهه وتختزله في النقاش داخل الجماعات! وبهذا جردته من بعده السياسي التأسيسي، حملتّه قيمة أخلاقية. هذا ما يستشف، على سبيل إن الدراسات الّتي استعانت بالميديا الاجتماعية لفهم المجال العام في المنطقة العربيّة، وشملتها عيّنة هذه الدراسة. فجاءت لتأكد على قوة ودور هذه الميديا في بناء هذا المجال. ولم تبحث عن جذور هذا المفهوم وترصد التطور التاريخي لدلالاته. ولم تستعن بمرجعياته الأساسيّة، بل اكتفت باقتباس التعاريف من المصادر الثانويّة المترجمة في الغالب فشوّهته، واختزلته في مجرد وجود نقاش داخل الجماعات! وجردته في بعض الأحيان من بعده السياسي، مثل التعريف التالي: “ومفهوم المجال العام يشير إلى النقاش المفتوح بين أعضاء جماعة بشأن اهتماماتها المشتركة، وبذلك يُعدّ أحد المجالات في الحياة الاجتماعيّة والّتي تؤثر بدورها على البناء القيمي للفرد”.[55]
ولم توظف ما يرتبط بالمجال العام من مفاهيم نسقيّة وفق المنظور الهابرماسي، مثل التداول العمومي والعلني للحجةThe public use of Reason ، والطابع المداولاتي للنقاش العمومي، والفضاء الخاص، والمجتمع المدني كوسيط بين الدولة والمجتمع . ولم تتسأل عن مدى تلاءم هذه المفاهيم التي ظهرت في التنظير للمجال العام البرجوازي، مع سياق الاتصال السياسي في المجتمعات العربيّة المعاصرة. وبهذا حولت “المجال العام” إلى مفهوم إيديولوجي سواء حظي بالاحتفاء أو التنديد. والدليل أنها لم تلتفت، إلا ما ندر، إلى المقاربات المابعد هابرماسية، مثل المجال العام المعارض، والبديل، والشعبي. ولم تستفد من المكتسبات العلمية التي رسخها الدّرس المعاصر في الاتصال السياسيّ، مثل تشذر المجال العام الرقميّ، ومرؤويته، والحق في الاعتراف، وغيرها من المفاهيم التي تأخذ بعين الاعتبار الخطابات المختلفة الّتي تستند إلى ” ثقافة العاطفة”[56] أو إلى الما بين الذاتيات التي تسري في الميديا الاجتماعيّة.
واعتبرت بعض البحوث التلقّي مجرد كلمة وليس مفهوما يثير الكثير من الإشكاليات في البيئة الرقمية[57]. لذا استغنت عن تشغيل مفاهيمه النّسقيّة، مثل الترميز، وفك الترميز، والتأويل، ومفهوم الصيد غير الشرعي الّذي صاغه الباحث “ميشال دو سرتو.
إن غلبة مقاربات التأثير في بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية تكشف عن محدودية ما يجب أن نعرفه عن هذه الميديا في المجتمعات العربية، خاصة وأن البيانات المتعلقة بمن يستخدم “الميديا الاجتماعية”) الجنس، العمر، المستوى التعليمي، المهن (في هذا البلد العربي أو ذاك، وأنواع الميديا الاجتماعية الأكثر استخدام؟ وأين يجري الاستخدام؟ ومتى يتم الاستخدام؟ ولغة الاستخدام؟ أصبحت في متناول الجميع بأقل جهد بفضل محركات البحث، والمواقع المتخصصة في شبكة الانترنت. هذا علاوة على أن بعض الانشغالات المعرفية التي تعبر عنها الأسئلة المتعلقة بمكان الاستخدام وزمنه، التي شغلت مسؤولي البرمجة التلفزيونيّة، أصبحت عديمة الفائدة في دراسة الميديا الاجتماعيّة التي يمكن استخدامها في أي مكان وفي كل وقت.
مناقشة نتائج البحث:
تشير كثرة المفاهيم التي اتخذت كموضوع للبحث في الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية إلى أن كل باحث ” يخلق” مفهومه بقدر من العفويّة، ودون دراية برهاناته. حقيقة، لقد حاولت بعض البحوث أن تضبط معنى المفاهيم التي “اشتغلت عليها” مستعينة في ذلك بالتعريفات التي أصبحت راسخة في الدرّس الإعلامي، خاصة تعريف الباحثتين “دونا بويد” Danah Boyd، ونيكول إلسون Ellison Nicole لمواقع الشّبكات الاجتماعية لكنها ظلت ناقصة أو غامضة لعدم الدقة أو الأمانة في ترجمتها.[58] وبعضها تجاهل التراث المعرفي الذي رسخته بحوث الإعلام والاتصال في تعريفها لهذه المفاهيم، وكأنه غير موجود. لقد فعل ذلك ربما بنية تجاوزه، لكنّ دون نقده أو تعليل البديل الذي يقترحه إن اعتبرنا ما قدمه بديلا فعلا. [59]
يمكن ايعاز الخلط في المفاهيم التي “اشتغلت عليها” بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة إلى أن جلّ تعريفاتها تحيل إلى مفهومي الإعلام والاتصال أو التواصل. فتعاملت معهما كمرادفين دون حذر. فمفهوم الإعلام الّذي يتزامن أنطولوجيا مع الاتصال يملك قيمة معياريّة، ويحيل إلى فكرة الحقيقة، بينما يحيل الاتصال إلى فكرة التبادل، بمعنى أن الإعلام ينشد الحقيقة، والاتصال يروم إقامة علاقة. فوسيلة الإعلام الّتي تحتكم إلى منطق المؤسسة ومعياريّة المهنة تقوم على التوزيع: توزيع الأخبار والمعلومات، بينما يتطور الاتصال بالعلاقة الّتي يقيمها مع الغير. ومن هذا المنطلق حددّ دومنيك ولتن[60] صعوبات الاتصال مقارنة بالإعلام. فأشار إلى أن صعوبة الإعلام تكمن في صياغة المادة الإعلاميّة – المضمون، بينما تعود صعوبة الاتصال إلى تَعقّد الآخر الّذي نسعى إلى إقامة علاقة معه. ويوضح هذه الصعوبة بالقول “إنّ الاتصال الّذي ظلّ لمدة طويلة بمثابة عامل انفتاح وتقارب بين الأفكار والشعوب، يمكن أن يصبح سببًا للعداوة، وحتّى الكراهيّة. ففي العالم الّذي يتنقل فيه كل شيء بسرعة، يُسلط فيه الضوء على الاختلافات بحيث أن تحمّل الأخر، عندما يكون قريبًا ومرئيًّا، يصبح أكثر صعوبة من تحمّله عندما يكون بعيدًا وغير مرئيّ”.[61]
يصبح الاتصال، في بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربيّة، تحصيل حاصل، ولا يثير أي إشكال ولا يطرح أي صعوبة. وبصرف النظر عن القول إن الإعلام أصبح هو الأخر يعاني من صعوبات نتيجة تعدّد حوامله وتشذر جمهوره، وانفصال الأخبار عن الإعلام لأول مرة منذ قرون، يجب الإشارة إلى الخلط بين مفهومي الإعلام والاتصال في البحوث العربية. والذي ترتب عنه الاعتراف الضمنيّ بالتطابق بين وسيلة الإعلام التقليديّة: الإذاعة والتلفزيون، الّتي ترتكز على الإنتاج والتوزيع، والميديا الاجتماعيّة الّتي تروم التّنشئة الاجتماعيّة وتشكيل جماعات حول اهتمام معين أو مصلحة مشتركة. وقد انجر عن هذا التطابق على الصعيد البحثي استعمال العُدّة النّظريّة والمنهجيّة ذاتها لدراسة وسيلة الإعلام التقليديّة والميديا الاجتماعية دون أي تكييف أو تعديل. فمفهوم الميديا، المشتق منMedium ، يحيل إلى الوساطة Mediation، الّتي تُعدّ هي الأخرى، مفهوم محوريًّا في علم الاجتماع، أضحت مفتاحا نظريا أساسيًّا لفهم التحولات الّتي يعيشها قطاع الإعلام والاتصال نظرا لكونها ” حيز لإقامة العلاقات”[62].
إننا نعيش في عصر تزحزت فيه الحدود الفاصلة بين إنتاج المواد الإعلاميّة التقليديّة وتوزيعها. وتحرر الإعلام من القطبيّة الثنائية)منتج- مستهلك أو متلقي(. وبرزت هجانة الاستخدام: المستخدم/ الجمهور)القارئ والمستمع والمشاهد في الآن ذاته(. وتعدّدت طرق معالجة الإعلام واستعادته وتخزينه. وتراجعت سيطرة منتجي الإعلام على مسار إنتاجهم، إن لم تغب نهائيًا، لارتحال هذا الإنتاج من سياق اجتماعي وثقافي إلى أخر، وتداوله من قبل جماعات تأويلية مختلفة. ففي ظلّ كلّ هذه التحولات ” تبدو الوساطة كأكفأ مفهوم قادر على اجتياز كل هذه الحدود.[63] لذا يتضح بأن ترجمةNew Media بالإعلام الجديد في البحوث العربيّة غير صائبة لأن النقاش حول هذا المفهوم أماط اللثام عن المسكوت عنه في تعريفه، والّذي لخصه “مارتن لستر” وآخرون[64] في القول إنّ لفظ الجديد هنا يرزح تحت ثقل إيديولوجيّ نظرا لما يملكه من بريق وإثارة يوحيان بالأفضل والطليعي، ويعبر عن العصرنة والتقدم الّلذين تجلبهما التكنولوجيا. هذا فضلا عن كون صفة ” الجديد” تجانب التّحديد، إن لم تتضمن الحشو، إذ تدلّ على طائفة من الأشياء غير المتجانسة تضمّ أجهزة وتطبيقات وممارسات: ألعاب إلكترونية، عُدّة رقميّة )صحافة الانترنت، وتلفزيون تفاعلي، وهاتف ذكي( ومواقع في شبكة الانترنت، والتدوّين الرقميّ، وتبادل الملفات عبر تقنيّة الند للندP2P. لكن ما يثير الإشكال في البحوث عن الميديا في المنطقة العربيّة لا يكمن في صفة الجديد، بل في مفهوم الإعلام الّذي جعلته الترجمة إلى اللغة العربيّة جديدا. فما أصبح مقبولا لدى الدارسين [65]هو أن الجديد يكمن في العديد من المظاهر، منها: أشكال نصّيّة جديدة، وقوالب جديدة في السرد والتعبير، وعلاقة جديدة بين المنتج والمتلقي/ المستخدم، وطريقة جديدة في تنظيم الإنتاج الإعلامي والثقافي، وأشكال جديدة من الرقابة على المنتج، وعلاقة جديدة بين المستخدمين. وكل هذه المظاهر يعجز مفهوم “الإعلام” على استيعابها، ممّا يتطلب استعمال مفهومًا أخر أكفأ، مثل مفهوم الميديا الّذي نراه أنسب، إلا أن بعض الباحثين العرب يُصرّون على رفضه سواء بحجة الحفاظ عن نقاء اللّغة العربيّة أو لاعتقادهم أن الميديا – الوسيط- يعني المحتوى، أي الإعلام. وعلى هذا الأساس تمّت ترجمةSocial Media بالإعلام الاجتماعي!
تًبَسِّط بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية الكثير من المفاهيم وتجردها من أي خلاف أو اختلاف بحيث لا تطرح أي رهانات تتعلق بسياقات استخدامها ما عدا الخوف أو التخوف الأخلاقي من تأثيرها المفتعل، على الأطفال والشباب والمرأة باعتبارهم” قاصرين”. فغني عن القول إنّ مواقع الشّبكات الاجتماعيّة، هي بنية قاعديّة تقنيّة وتفاعلية، وغير ساكنة ومتنقلة الاستعمال، لكنها تتضمّن في الوقت ذاته الكثير من الغموض والمفارقات على مستوى الحرية، والسلطة، والمراقبة، والتضامن، والاقصاء والسبب في ذلك يعود حسب بعض الباحثين[66] لكونها أداة تغيير تثير في الغالب ردود فعل متباينة. لعل البعض يتذكر كيف أن رهانات مواقع الشّبكات الاجتماعية، على سبيل المثال، تغيرت عبر مسار استخداماتها في المنطقة العربيّة. لقد اكتسبت الطابع الأخلاقي قبل 2011 ، ثمّ الطابع السياسي بعد أحداث ما أصبح يُعرف بالربيع العربي، وأخيرا، الطابع الاتصالي والإعلامي بعد بروز هاجس الأخبار المزيّفة Fake News
إن التجارب الّتي عاشتها الجماعة العلميّة الأنجلوسكسونية حققت الاجماع على مفهوم الميديا الاجتماعيّة. والذي لم يولد من العدم بل شارك فيه العديد من الباحثين.[67] الذين جددوا قراءتهم للتحولات التكنولوجيّة والاجتماعيّة التي عاشها حقل الإعلام والاتصال. هذا ما تأكده الباحثتان “لوري ماك بيت” ) Lori McCay-Peet ( و”أنبال كين-هيس” Anabel Quan-Haase ) ( ، في رصدهما للمصطلحات الّتي استخدمت لدراسة الميديا الاجتماعيّة في البحوث الأنجلوسكسونية خلال الفترة الممتدة من 2003 إلى 2014. لقد لاحظتا أن مسمى مواقع التشبيك الاجتماعي Social Networking Sites”، و”الشّبكات الاجتماعيّة عبر الخط”Online Social Networks هيمنا خلال الفترة 2003-2009، ثمّ تراجعا في الفترة الموالية، من 2009 إلى2014، لصالح مسمى الميديا الاجتماعيّة دون أن يختفيا نهائيًّا، إذ اعتبرا كمكَوِّنين من مُكَوِّنات “الميديا الاجتماعيّة” الّتي ظلّت موضع نقاش وتفكير لتحديد معالمها.[68]
والإجماع على المسمى لا يعني الاتفاق على تعريف ” الميديا الاجتماعية التي ظلت موضع اجتهاد متعدّد بتعدّد زوايا النظر لتشخيصها[69]. فبعض الباحثين ينظرون إليها من زاوية آليات إنشاء المحتويات، ومنهم من ينظر إليها من زاوية قدارة العُدّة التّقنيّة الّتي تجسدها، والبعض الأخر يراها من خلال غايات وجودها. إنّه التعدّد الذي يكشف الصعوبات الكامنة في محاولة الربط بين بعديها الأساسيين: البعد التقنيّ الّذي يتطور ويتجدّد بإيقاع متسارع، والبعد الاجتماعي الّذي يعيش هو الآخر تحولا كبيرا تختلف تداعياته من فئة اجتماعيّة إلى أخرى، ومن بلد إلى أخر. ووراء البعدين يتستر الخطاب الأيديولوجي عن الميديا الاجتماعيّة.
تعتبر العلاقة بين البعدين التقنيّ والاجتماعي المعيار المركزي الّذي تصنف على أساسه مكونات الميديا الاجتماعيّة. وتستبعد بعض التطبيقات من خانة الميديا الاجتماعيّة، مثل تطبيق “الوكي” Wiki، على سبيل المثال، الّذي اخترع في1995، وعلى رأسه موسوعة الوكيبيديا[70] التي يعتبرها البعض اللبنة الأولى في صرح الميديا الاجتماعيّة. ويُفسر هذا الاستبعاد بأن هذه الموسوعة تركز على ما هو عمومي فقط، وتهمل ما هو خاص؛ بمعنى أنها لا تشترط من مستخدميها إنشاء بروفيلاتهم من أجل الاستفادة من خدماتها ليتفاعلوا مباشرة مع بعضهم[71]. ففتح حساب في هذه الموسوعة لا يعادل إنشاء بروفايل فيها وفق ما هو معروف في مواقع الشّبكات الاجتماعيّة، مثل الفيسبوك، وانستغرام.
شكلت العلاقة بين الاتصال الشخصي والعمومي مبحثا أساسيًّا في دراسة الميديا الكلاسيكيّة) نظريّة انتقال المعلومات عبر مرحلتين، ولولب الصمت وتشكيل الرأي العام(. وتثير في الميديا الراهنة الكثير من القضايا السّياسيّة والقانونيّة والأخلاقيّة، مثل الخصوصيّة في البيئة الرقميّة، والهوّية الرقميّة، والمجال العام الرقميّ.
إن مصطلح منصّة ذو تضمين تقنيّ لكنّه ذو خلفية سياسيّة. ابتكرته شركات الانترنت الكبرى من أجل الإفلات من اكراهات التشريعات التي يخضع لها المتعاملون في حقل الاتصالات.[72] إنّها لا تنتج محتوى، كما هو شأن وسائل الإعلام الكلاسيكيّة، مثل التلفزيون، والإذاعة، والصحف، بل تمكّن المستخدمين من تبادل ما ينتجونه، وتتولى تدويره. ويختلف نموذجها الاقتصادي عن نموذج الميديا التقليديّة لأنه يقوم على ما تجنيه من بيع ما تجمعه من آثار مستخدميها. وهذا يطرح السؤال المتعلق بالحدود المتاحة لاختيارات استخدامها، وطبيعة العلاقات الاجتماعيّة الّتي تنشأ في هذه الميديا وعبرها ضمن المتاح التي توفره الخوارزميات. وقد حاول بعض الباحثين، مثل كردون، وويار[73] تحليل منطق إدارة خوارزميات وتعليمات بعض مواقع الميديا الاجتماعية.
تشير كل التعريفات المقدمة لما أصطلح على تسميته ” بمواقع التواصل الاجتماعي” على أنها اجتماعيّة، مما أثار تحفظات بعض الباحثين، وحتىّ عدم ارتياحهم لهذه الصفة. فالباحثة “باباشاريزي” لم تخف انزعاجها من تواتر استخدام هذه الصفة، إذ تساءلت: هل توجد ميديا ذات طابع اجتماعي أقل من أخرى أو غير اجتماعيّة، حتىّ نضيف لها صفة اجتماعية؟ [74] بالفعل، إن هذه الصفة تمنح الشرط الأنطولوجي للميديا الاجتماعيّة، بيد أن المنصّات والتطبيقات الرقميّة تتباين في ابراز طابعها الاجتماعي[75]بمعنى أن كل ميديا تكون اجتماعيّة بطريقتها الخاصة. وهذا مبحث شائك جدًّا في ظل تدافع المنصّات الرقميّة وتنافسها بتناسخها.[76]وكان على بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة الغوص أكثر فيه؛ أي مساءلة خلفيات الاشتراك في هذا الموقع من مواقع الشّبكات الاجتماعية بدل ذاك. وكيف تبنى العلاقات الاجتماعية وتنمو داخل الشّبكات وبفضلها؟ عوضا عن الاكتفاء بتقديم احصائيات عن المشتركين في هذه المواقع.
خاض الكثير من الباحثين[77] في الكشف عن الفرق بين المفهومين: “الميديا الاجتماعيّة”، و” الشّبكات السوسيو رقمية”. إن الواقع الّذي يغطيه المفهوم الأول يشمل المواقع الّتي تلبي الاستخدامات الجماعيّة القائمة على اهتمام ومصلحة مخصوصة )انشغالات، ممارسات مشتركة، منافع مهنيّة ( وإنتاج المحتوى وتقاسمه ) شرائط الفيديو، نصوص، صور(، والبحث عن الشهرة واللقاءات العاطفية، بينما يغطي المصطلح الثاني، الّذي يتميّز بالجمع بين البعدين: التقني والاجتماعي، واقعًا أقل سعة من الميديا الاجتماعيّة لأنه لا يستند إلى اهتمام محدد أو مصلحة معينة، بل يقوم على التّنشئة الاجتماعيّة Sociability، من خلال التفاعلات الاجتماعيّة المختلفة بين الأصدقاء، وأفراد العائلة، والمعارف، لتبادل الأخبار عن حياتهم اليوميّة. وعلى هذا الأساس استبعد البعض مواقع اجتماعية محدّدة، مثل موقع تويتر، من خانة الشّبكات السوسيو رقميّة لكونه يجمع مستخدميه حول هدف واحد: اقتسام الأخبار، بعد جمعها وتصنيفها.[78]
إن النقاش العلمي لا يسلط الضوء على ما يعلن عنه كل مفهوم فحسب، بل يكشف أيضا عما يخفيه، وما يثيره من إشكاليات معرفية. فمفهوم الشّبكات Networks، على سبيل المثال، الّذي يحظى بحضور طاغ في العديد من التخصصات المعرفيّة، يكاد يحلّ محلّ النظام System، والبنية Structure في انتقاله من الواقع التقني إلى مجال الاستعارة، متسترا في ذلك على الفاعل في الشّبكات، ممّا يمنح شرعية لطرح السؤال التالي :”هل تتطابق مقولة الفاعل والشّبكات دائما إلى درجة لا يمكننا البتة أن نعرف إن كانت الشّبكات تُعَدّل بشكل صدفي، أو أن الفاعل هو الّذي يلعب دورا استراتيجيًّا في ذلك ويتلاعب بها”؟[79]إنّه السؤال الّذي لازالت “نظريّة الشّبكات والفاعل” تجتهد في الإجابة عنه لتتصدى إلى التعسف في استثمار استعارة الشّبكات المرتبطة بسياقات الاستخدامات. ففي المجتمعات الّتي تعاني من تفكك وتنافر اجتماعيين يوظف مفهوم الشّبكات ليقوم بدور الربط، ويطمر الفجوات الاجتماعيّة الناجمة عن هذا التفكك.[80]لكنّ كيف تمّ توظيف استعارة الشّبكات في دراسة الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة؟ وما هي كبريات المشاكل الّتي تصدت لها؟
لا تميّز المفاهيم المستخدمة في بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة بين مواقع الشّبكات الاجتماعيّة Social Network Sites وفق ما حدّدته الباحثتان دونا بويد، وإليسن نيكول[81]وبين الشّبكات الاجتماعيّة. ولم تنج حتّى بعض البحوث الأجنبيّة من هذا الخلط.[82]فالأولى هي جملة من الخدمات الّتي تتيح للمستخدمين بناء بورفايلاتهم العموميّة ونصف العموميّة داخل نظام، وتسمح لهم بإعداد قائمة من المستخدمين الّذين يُقِيمُون معهم علاقة: “الأصدقاء”، وتصفح قوائم ترابطاتهم؛ أي تلك الّتي أنشأها مستخدمون أخرون في النظام) أي رؤية قائمة أصدقاء الأصدقاء(. أما “الشّبكات الاجتماعيّة”، فهو مفهوم سيوسيولوجي قديم وُجد قبل ميلاد شبكة الانترنت للدلالة على مجموعة من الأشخاص الّذين تجمعهم علاقة الدم أو التعاون والانسجام أو المصلحة المشتركة، كأن نقول شبكة الأصدقاء الّتي تشكلت وتطورت خارج شبكة الانترنت.
ولردم الاختلاف بين المفهومين تضيف بعض البحوث العربيّة صفة الافتراضيّة للشبكات الاجتماعيّة، ممّا يطرح مسألتين نظريتين تختلفان عما وصل إليه مفهوم الافتراضية virtuality من تطويع في الأدبيات الأجنبيّة، لينتهي به المطاف إلى الدلالة على منظومة المعلوماتيّة ضمن مسار التبادل والمبادلات الآلية الّتي لا تشير إلى البشر ولا تحيل إليهم بالضرورة.[83]المسألة الأولى تتعلق بمعنى الافتراضي، إذا يُفهم بأنه مرادف الخياليّ، فيعرّفه البعض بأنه “يشمل مساحة خياليّة تشكل الكلمات والفيديوهات والصور الّتي تبهر المستخدمين إلى حد الشعور بواقعيتها”![84]وانطلاقا من هذا الفهم حاولت بعض البحوث استخراج البعد التغريبيّ في الميديا الاجتماعيّة[85] بالاستلهام من “دروس” تأثير التلفزيون والسينما على الجمهور، متناسية الفرق القائم بين وسائل الإعلام التقليديّة والميديا الاجتماعيّة. فالمحتويات المتداولة في الميديا الاجتماعيّة هي نتاج مستخدميها ولم “تعرض/ تفرض” عليهم من خارج الجماعة الّتي ينتمون إليها.
لقد تجاوز التّفكير في علوم الإعلام والاتصال الاعتقاد بأن الافتراضي هو خيالي ونقيض الواقعي. فالافتراضي ليس خيالي لكنه يختلف عن الواقعي في صفة الأنية والحالية، بل يذهب الباحث “وولغار ستيف” إلى حد التأكيد على أن ما هو افتراضي أكثر هو أكثر واقعية، وأن التكنولوجيا الافتراضية تكمل النشاطات الحقيقيّة والفعليّة ولا تعوضها [86]
والمسألة الثانية تعود إلى عدم اكتفاء مصطلح الافتراضي بذاته، بل يكون في الغالب تابعا، فيقال، واقع افتراضي، وجماعة افتراضية. فمفهوم الجماعة الافتراضيةVirtual Community لم ينج هو الآخر من اللُّبْس، إذ عرّفها البعض بأنها “منصّات اتصال إلكترونيّة تتيح الاتصال عن بعد باستخدام الحاسوب وشبكة الواب، وهذا من أجل محتوى عبر فضاء عام افتراضي يتيح لمستخدميه تبادل ومشاركة هذا المحتوى من أجل بناء وتشكيل رأي عام حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك”[87]
إن الاشكال الّذي يثيره هذا التعريف يطرح على مستويين، الأول عملي ويتمثل في التقليل من شأن البشر كفاعل أساسي في تشكيل هذه الجماعة إن لم يلغهم بتركيزه على المنصّة الرقميّة، بينما المطلوب هو وصف كيف يتحول الأفراد إلى جماعة Communauty في تواصلهم عبر الوسائط الرقميّة من خلال تبادل المعلومات والأخبار واقتسامها في الشّبكات الاجتماعيّة الرقميّة. أما الثاني فإنه ذو طبيعة نظريّة، ويتعلق بمفهوم الجماعة ذاته. فــالباحث “فرانك ربيار” ينبه إلى أن الحديث عن الجماعة الافتراضيّة يتناسى، في الغالب، ما أكّده الباحث “أندرسن بنديكت” بأنّ الجماعة كيان متخيّل.[88]وهذا لا يعني بتاتًا أنه خيالي أو لا وجود له في الواقع، بل إنّ كل فرد يملك تصورا عن جماعته. ووجود الجماعات الافتراضيّة كأشكال جديدة من العلاقات الاجتماعيّة في غياب اللقاء الفيزيائي لا يلغي بتاتًا القول بأنها متخيّلة. وهذا يفضي إلى التأكيد بأن مفهوم الجماعة الافتراضيّة لم يأت بالشيء الجديد الّذي يمكن اضافته لمفهوم الجماعة وفق منطق “بنديكت”، سوى ديناميكيّة التشكل وموضوعات الاهتمام، وعدد المنتمين لها.
ما يلفت الانتباه في دراسة الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة أنها تقع على هامش الهواجس المعرفيّة التي تشتغل بال المحفل الأكاديمي العالمي، مثل الميديا الاجتماعية ومآل الخصوصية أو الحياة الخاصة. وكيف أصبحت مواقع الشّبكات الاجتماعية غير اجتماعية؟ والعلاقة بين الميديا الاجتماعية و” ظاهرة العربة” Bandwagon ” والتي تعني تأثير “الرأي العام” على ذاته من خلال تفضيل الأشخاص الانحياز إلى بالمواقف التي يعتقد أنها مواقف الأغلبيّة أو المواقف المهيمنة القائمة أو المنتظرة في المجتمع.[89] والميديا الاجتماعية و” غرفة الصدى” Echo chamber”، و” “الهموفيلي”Homophily، والتي تعني ميل المرء لكل من يشبهه ويتقاسم معه الأفكار والمعتقدات ذاتها، والاستقطاب السياسي. قد يقول قائل إن هواجسنا المعرفيّة في المنطقة العربية تختلف عن هذه الهواجس. وهذا الرأي لا يجانب الصواب، لكنّه يتجاهل أن هواجسنا تصب في انشغال مشترك، وهو ” سلطة الميديا الاجتماعية” التي أصبحت مثار جدل. ففي هذا الإطار تشير الباحثة الأمريكية دانا بوند [90] إلى هذا الانشغال المشترك، وتؤكد بأن انتشار الكراهية” و” الاستقطاب” في المجتمع هو دلالة عن وجود تفكك اجتماعي وغياب تواصل عميق وذي دلالة بين أفراد المجتمع. فالانقسامات هي اجتماعيّة قبل أن تكون تكنولوجيّة. فهذه الأخيرة ليست سوى انعكاسًا أو أنها تعزّز ظاهرة التفكك والانقسام.
تأسيسا على كل ما سبق يبدو أن القيمة المضافة التي قدمتها البحوث لمعرفة الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربية متواضعة جدا، وذلك ليس لكونها اعتمدت على أداتين أساسيتين لجمع البيانات، وهما: صحيفة الاستبيان، وتحليل المحتوى، وبدرجة أقل المقابلة، لبلوغ هذه المعرفة، فحسب، بل لاكتفائها بالمقاربات الوصفيّة. فمن المحتمل أن يكون الوصف في متناول الجميع لأنه يتطلب قدرا من الانتباه والتركيز والملاحظة فقط، حتى وإن لم يكن كاملا. إننا بحاجة ماسة إلى فهم ممارسات المستخدمين التي لا نملك القدرة على كشفها دون دراسة وتحليل وتأويل بالاستعانة بالنّظريّات ومفاهيمها النّسقيّة المؤهلة لذلك بعد تكييفها أو تجديدها في السياق الرقمي، أو الاستعانة بالنّظريّة المتجذرة المستوحاة من خصوصيات الظاهرة المدروسة.
الخاتمة:
بيّنت أغلب بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية تبعيتها للخطاب الصحفي الذي استعارت منه مفاهيمه ومصطلحاته، فتبنت ترجمة مصطلح Social Media بمواقع التواصل الاجتماعي الرائج في الصحف العربية. إنها الترجمة التي تعني، بنصّها وفصّها، أن الاتصال الاجتماعيSocial Communication أصبح له مواقع ومنصّات في شبكة الانترنت. فالمعنى الحرفي لمفهوم الاتصال الاجتماعي، الّذي حظُي بقبول أجيال من الباحثين قبل ظهور شبكة الانترنت وحتّى بعدها، يَدلّ على مجمل تقنيات الاتصال الّتي تروم التأثير على الأفراد من أجل تغيير تمثّلاتهم أو سلوكهم أو تعزيز تضامنهم.
وما سبق عرضه يبرز الملامح الكبرى للاتجاه المهيمن على بحوث الميديا الاجتماعيّة المنغمس في أمبريقية خالية من العمق الفكري والنقدي الكفيل بوضع هذه الميديا في قلب التحول الاجتماعي والثقافي في البلدان العربيّة. اتجاه مستغرق في الجدل المنهجي الشكلي، وسجين المؤشرات الإحصائية وعلاقتها الّتي لا تتعدى الحس المشترك Common Sense، بكل ما يحمله من امتثال. والذي يعمل على التسليم بما هي عليه الأشياء انطلاقا من مجموعة من المواقف والسلوكيات والمعتقدات الشعبيّة السائدة، أو القفز على واقع هذه الأشياء والحديث عما يجب أن تكون عليه من منظور المواقف والمعتقدات ذاتها.
إن الاستغناء عن المفاهيم النّسقيّة، الّتي تُنزّل موضوع البحث من عالم التجريد إلى الواقع الملموس، لا تساعد في فهم الجدوى من استخدام النّظريّة.
يقوم البحث الاجتماعي عادة بـ ” باقتطاع” الممارسات الاتصاليّة والإعلاميّة بما يسمح للباحثين بالكشف عن المعنى الاجتماعي لما يدرسونه من خلال عملية صياغة المفاهيم. وقد تساعدهم هذه الصياغة على الكشف عن أبعاد موضوعات الدراسة. فعلى سبيل المثال، لاحظ بعض الباحثين الأجانب أن المفاهيم الثلاثة التالية: المستخدمون، والاستخدامات، والتمثلات، مترابطة. فهي التي تحدّد ما يتعلق بميدان البحث) المستخدمين(، وبالبيانات )السلوك والخطابات التي تتيح النفاذ إلى التمثلات(، وبالتأويلات ) الاستخدامات([91]. ويبدو أن البحوث في المنطقة العربية تعاني من صعوبة القيام بهذا الاقتطاع لأنها سلخت المستخدم عن البيئة الاجتماعية والثقافية والإعلامية، وجعلت منه حالة فردية. وحشرته في علاقة أحادية مع ما اصطلحت على تسميته بمواقع التواصل الاجتماعي أو شبكات التواصل الاجتماعي، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو غيرها من المسميات. إنّها تعتبر الميديا الاجتماعيّة مجرد معطى تقنيّ يتحرك في الجسم الاجتماعي بقوّته المحايثة، ويتحدّد تأثيره ودوره انطلاقا من خصائصه التّقنيّة. وبهذا أعادت التّفكير في الميديا الاجتماعية إلى عشرينات القرن الماضي، عندما كان هاجس البحوث الاجتماعيّة يكمن في معرفة تأثير وسائل الإعلام. والكل يعلم أن هذا الهاجس تراجع بعد أن برهنت البحوث الأمبريقية على أن التأثير ليس بتلك القوّة المتخيّلة، وأن مدته محدودة جدًّا في ظلّ تأثير قادة الرأي، والعلاقات الاجتماعيّة على جمهور وسائل الإعلام. وهكذا انزاح الانشغال بالتأثير إلى دراسة الأدوار انطلاقا من سلطة “حراس البوابة الإعلاميّة”. وثم بدأ الاهتمام، في مطلع الثمانينات القرن الماضي، يتزايد بالاستخدامات الّتي منحت للفرد سلطة الاختيار والتدبير[92]الّتي كانت مغيّبة. وهكذا اتجه الباحثون إلى فهم ممارسات المستخدمين للتكنولوجيا أكثر من تحليل تأثيرها عليهم،[93]وإلى استكشاف المعاني الذي يمنحونها لاستخداماتهم.
ونتيجة للتركيز على العلاقة الأحادية المذكورة أعلاه تبلورت النّظرة التي تعتبر أن الميديا الاجتماعيّة تشكل عالما ثانيا، إن لم يكن موازيا للعالم المادي العيني.
لا نعتقد بأن الإشكاليات التي ذكرناها أعلاه ستجد حلّها الجذريّ، بمجرد عقد لقاءات بين الأكاديميين، لتوحيد مسميات المفاهيم والمصطلحات في بحوثهم، على الرغم مما تكتسيه هذه اللقاءات من أهمية قصوى ومستعجلة. فالأمر يتطلب مراجعة تعريفاتها التي تعبر عن تمثّلها للعدّة التّقنيّة. ويفرض تبني تعدّدية المقاربات النّظريّة والمنهجية التي تنطلق من الاقتناع بأن ” الميديا الاجتماعيّة لا تنفصل عنا، ولا نعيش معها، بل في داخلها”.[94]وهذا يعني النظر إليها كممارسة Practice،[95] ضمن جملة من الممارسات الاجتماعية اليوميّة؛ أي الانتقال من تحليل المحتوى والتحليل السيمائي للمحتويات والنصوص الّتي يتداولها المستخدمون إلى دراسة أفعالهم وإشاراتهم. ليس من خلال صحيفة الاستبيان فقط، بل أيضا بواسطة الترسانة المنهجيّة التي رسختها البحوث الكيفيّة التي تروم بلوغ معان ما يقومون به. وذلك لتجاوز منطق الحتميتين: التكنولوجية والاجتماعيّة، والانفلات من التركيز الشديد على علاقة المستخدم الضيقة بالميديا ودراستها في سياق أرحب: البيئة الاجتماعية والثقافيّة والسياسيّة.
أخيرا، يمكن القول إن التهاون في توظيف المفاهيم والتخلي عن الصرامة والدقة في تشغيلها أو الاشتغال عليها، هو أقصر طريق لتمييع علوم الإعلام والاتصال في المنطقة العربيّة.
المراجع:
[1] – أنظر البحث الذي أجري على عينة قوامها 57 أستاذا من أقسام الإعلام والاتصال في جامعات عربية شملت 12 بلدا عربيا، وبينت أن 44% من أفراد العينة يرون أن مفهوم الإعلام الجديد هو المفهوم السائد في الدراسات الإعلامية، بينما يرى 26% أن مفهوم الإعلام الرقمي هو السائد، ويرى 19% أن مفهوم الإعلام الإلكتروني هو السائد، فيما يرى 11% أن مفهوم الإعلام البديل هو السائد.
عبد الكريم علي الدبيسي، إبراهيم فؤاد الخصاونة: الإعلام الرقمي: إشكالية المفهوم وتحديد الوسائل في الدراسات الإعلامية، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلّد74، العدد1،2022، ص 944-961
[2] – في دراسة عبد الوهاب بوخنوفة: “بحوث مواقع الشّبكات الاجتماعية في المنطقة العربية: دراسة تحليلية من المستوى الثاني لأطرها النّظريّة، والمفاهيمية، والمنهجية”، مجلة الاتصال والتنمية، العدد 33، أب، أغسطس، 2022 ص 22- 39 قدر عددها بــ 12مفهوما.
-[3] أنظر على سبيل المثال. مها عبد المجيد صلاح : الإشكاليات المنهجية في دراسة تطبيقات الإعلام الاجتماعي- رؤية تحليلية، المجلة العربية للإعلام، العدد 15، مايو 2016 ص 91-142
[4] – محمود فوزي محمد خضر: توظيف شبكات التواصل الإلكتروني كرأسمال اجتماعي، دراسة ميدانية على عينة من ذوي الاحتياجات الخاصة. مجلة بحوث، العدد 5 ، مايو2021 ، ص 53-84
[5] – أنظر على سبيل المثال: مها عبد المجيد صلاح، مرجع سابق
[6] – أنظر على سبيل المثال:
أسعد بن ناصر بن سعيد الحسين: أثر وسائل التواصل الاجتماعي على سلوکيات وقيم الشباب من منظور التربية الإسلامية، كلية التربية، جامعة الأزهر، العدد: (١٦٩ الجزء الثالث) يوليو لسنة 2016، ص 325
[7] – E. Stapley, S. O’Keeffe, and N. Midgley: Essentials of Ideal-Type Analysis: A Qualitative Approach to Constructing Typologies , the American Psychological Association. Accessed February 2, 2022, https://doi.org/10.1037/0000235-001
[8] – Crossman, Ashley. “What Is an Ideal Type?” ThoughtCo, Apr. 6, 2021. Accessed February 2thoughtco.com/what-is-an-ideal-type-3026354
[9] – للاطلاع على الباحثين الذين يدافعون على هذه الفكرة أنظر:
Stapley, E., O’Keeffe, S. & Midgley, N: Developing typologies in qualitative research: The use of ideal-type analysis. International Journal of Qualitative Methods, Volume 21: 1–9 Accessed February 3 , 2022. Doi: 10.1177/16094069221100633
[10] – Harvey, L., Social Research Glossary, Quality Research International, 22-2012 Accessed February 4, 2022https://www.qualityresearchinternational.com/socialresearch/idealtypes.htm
[11] – نقلا عن:
Emily Stapley, Sally O’Keeffe, and Nick Midgley: Developing Typologies, op cit
[12] – نشكر د. عبد الوهاب بوخنوفة الذي زودنا بمجموعة كبيرة من البحوث من أرشيف ذار المنظومة.
[13] – https://www.asjp.cerist.dz
[14] – https://journals.ekb.eg
[16] – قدر عبد الوهاب بخنوفة نسبة تواتره بـ 88% في عينة من البحوث حول مواقع الشّبكات الاجتماعية في المنطقة العربية، قوامها 191 بحثا. – مرجع سابق.
Emily Stapley, Sally O’Keeffe Nick Midgley, op cit
[18]– Louis-Claude Paquin Méthodologie de la recherche-création (2007). Accessed February 20,2022 from https://cutt.ly/iHPzKpL
[19] ناشميا شاقا، داقيد فرانكفورت: طرائق البحث في العلوم الاجتماعية ، ترجمة ليلي الطويل، سوريا، بترا للنشر والتوزيع، 2004( ص 40
[20] Cossutta Frederic :Eléments pour la lecture des textes philosophiques (.France, Bordas, 1989) p 41.
[21] ناشميا شاڤا، داقيد فرانكفورت ص40
[22] – ناشميا شاڤا، داقيد فرانكفورت،
[23] – داليا مصطفى السواح: دور مواقع التواصل الإجتماعي في دعم مفهوم المساءلة الإجتماعية لدى الشباب الجامعي: دراسة ميدانية على عينة من الشباب المصري الجامعي في الجامعات الحكومية والخاصة، مجلة بحوث العلاقات العامة، الشرق الأوسط، العدد 23 السنة 2019، ص 161-223
[24] – سعود بن سهل القوس: دور وسائل التواصل الإجتماعي في تشكيل الوعي الإجتماعي: راسة ميدانية على عينة من الشباب السعودي بمنطقة الرياض المصدر: مجلة جامعة الفيوم للعلوم التربوية والنفسية، المجلد 10- العدد 1، 2018ص 1-65
[25] – محمد علي البطة: وسائل الإعلام الإلكتروني والتواصل الاجتماعي وآثارها الدينية والفکرية دراسة دعوية، مجلة كلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، المجلد 20، العدد 3، 2018، ص 1815-1882
[26] – حسن نياز الصيفي.. العوامل المؤثرة في اتجاهات المستهلكين نحو إعلانات الشّبكات الاجتماعية وعلاقتها باستجابتهم السلوكية. المجلة العربيّة للإعلام والاتصال العدد 17 مايو )2018(
[27] – محمود فوزي محمد خضر: توظيف شبكات التواصل الإلكتروني كرأسمال اجتماعي، دراسة ميدانية على عينة من ذوي الاحتياجات الخاصة. مجلة بحوث، العدد الخامس ، مايو ) 2021 (، ص 53-84
[28] – زهير عبد اللطيف عابد: استخدام الشباب الجامعي الفلسطيني للإعلانات الإلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي والاشباعات المتحققة منها، المجلة العلمية لبحوث العلاقات العامة والإعلان-العدد 6- أبريل 2016 ص 1-42
[29] – وفاء محمد أبو المعاطي صقر: المسؤولية الجنائية عن بث الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مجلة «روح القوانين-العدد الثالث والتسعون–يناير2021، ص 4- 142
[30] – محمد خليفة صديق، دعاة الإسلام المعاصرين في الوطن العربي وشبكات التواصل الاجتماعي. الواقع وآفاق المستقبل، لمجلة الجزائرية للدراسات الإنسانية، المجلد03/العـــدد:01(السنة2021)، ص36-63
[31] – مراد بومنقار: شهرزاد حواسنية، مجلة الأسرة والمجتمع، المجلد:07/العدد: 2019- 1 ص:31–48
[32] – مشتاق طالب فاضل: دور مواقع التواصل الاجتماعي في تكوين الرأي العام، المحلي 2014-2017، مجلة تكريت للعلوم السياسية، العدد 12- 2018، ص193- 231
[33] – تهاني أنور اسماعيل السريح منتظر محمد مغماس: دور مواقع التواصل الاجتماعي في الطلاق، مجلة كلية التربية، جامعة واسط، العدد 44- الجزء 1- أب، 2021
[34] – محسن يوسف هني، حنفي حيدر أهين، أحمد عبد الكافي: مقترح في إنتاج الصحف الإلكترونية المدرسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي على تنمية التفكير الإبداعي لدى تلاميذ المرحمة الإعدادية- مجلة البحوث في مجالات التربية النوعية- المجلد السادس العدد السابع والعشرينـ مارس2020، ص 1-36
[35] – أنظر :
– Thomas Stenger et Alexandre Coutant. Les médias sociaux : une histoire de participation Le Temps des médias, Vol 1N0 18 (2012) p76-86
[36] – أنظر مداخلة الصادق الحمامي التقديمية لأشغال المؤتمر الدولي ” الميديا الاجتماعية، السياسة، المجتمع، معهد الصحافة وعلوم الأخبار تونس، 30-31مارس- أذار- 2022- مداخلة غير منشورة.
[37] – أنظر:
– Thomas Stenger et Alexandre Coutant, op cit
– Andria Andriuzzi, Géraldine Michel : A conversation de marque : pratiques linguistiques sur les médias sociaux selon la théorie du face-work, Recherche et Applications en Marketing, Vol 36N01 (2021) Accessed February 1, 2022, DOI: 10.1177/0767370120962610
[38] – Kerlinger, F. N. & Lee, H. B quoted by Charles Kivunja: Distinguishing between Theory, Theoretical Framework, and Conceptual Framework: A Systematic Review of Lessons from the Field. International Journal of Higher Education Vol 7 No 6 -2018. Accessed January, 25,2022. DOI: https://doi.org/10.5430/ijhe.v7n6p44
[39] – عبد الوهاب بوخنوفة، مرجع سابق.
[40] عزة عبد العزيز عبد اللاه عثمان.الإشكاليات المنهجية لبحوث الإعلام الجديد في العالم العربي، دراسة من منظور تحليلي نقدي، جامعة القاهرة، كلية الاعلام،. ، المجلة المصرية لبحوث الاعلام، يونيو /جوان 2012
-[41] لعياضي نصر الدين: مناهج البحث في علوم الإعلام والاتصال في السياق الرقميّ: خِلاف واختلاف، مجلة لباب، قطر، العدد 14، مايو/ أيار) 2022(، ص 13- 63
[42] – نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر، نظرية الاستخدامات والإشباعات التي تحتل مكانة مهيمنة، والاعتماد على وسائل الإعلام، والفضاء العمومي، ونظرية انتشار المبتكرات المستحدثة، ونظرية إثراء الوسيلة الإعلاميّة، والغرس الثقافي، والتماس المعلومات، ونظرية التلقي، ونظرية بناء الأجندة، وحارس البوابة، وتأثير الشخص الثالث، ونظرية الحضور الاجتماعي، والنّظريّة الموحدة لقبول التّقنيّة واستخدامها Unified theory of acceptance and use of technology ، والتفاعلات الرمزية.
[43] – محمد سليم الزبون، ضيف االله عودة أبو صعيليك: الآثار الاجتماعية والثقافية لشبكات التواصل الاجتماعي على الأطفال في سن المراهقة في الأردن، المجلة الأردنية للعلوم الاجتماعية، المجلد7 العدد 2السنة 2014 ص 225- 251
[44] – نقلا عن رحيمة الطيب عيساني: استخدامات طلاب جامعة الشارقة، للأنترنت والهواتف النقالة وتأثيراتها على تواصلهم الاجتماعي، المجلة العربية للإعلام والاتصال، العدد 11، مايو 2014، ص 169-248
[45] – KATZ Elihu : A propos des médias et de leurs effets », dans COUTLEE Gilles et Lucien SFEZ (dir.), Technologies et symboliques de la communication, Actes du colloque de Cerisy (juin 1988), Grenoble : Presses universitaires de Grenoble , 1990, p. 274.
[46] – أنظر على سبيل المثال، وليس الحصر : وديع محمد العزعزي : استخدامات الشباب الجامعي لشبكات التواصل الاجتماعي، فيسبوك، دراسة مسحية على أربع جامعات عربية. المجلة العربية للإعلام والاتصال، العدد 14- نوفمبر 2015 ص 79-134
[47] – لعياضي نصر الدين: التّفكير في عدّة التّفكير: مراجعة نقدية لنظرية الاستخدامات والإشباعات في البيئة الرقمية، مركز الجزيرة للدراسات، ديسمبر/كانون الأول، 2020، ص 1-14
[48] – Jouët Josiane. « Retour critique sur la sociologie des usages », Réseaux, 100, 2000, p. 487-521
[49] – Serge Proulx: Penser les usages des technologies de l’information et de la communication aujourd’hui: enjeux – modèles – tendances in Lise Vieira et Nathalie Pinède (dir): Enjeux et usages des TIC: aspects sociaux et culturels, Tome 1, Presses universitaires de Bordeaux, Bordeaux, 2005, p. 7-20
[50] – Paquienséguy Françoise. L’usage au fil des Tic Une genèse à raviver pour mieux le repenser? Interfaces Numeriques Vol 3 No 6 ( 2017) p 464-481.Acceced February, 6,2022.from doi:10.25965/interfaces-numeriques.2621.hal-01756058
[51] – Jouët Josiane, op cit
[52]– أنظر على سبيل المثال: رحيمة عيساني، أشكال التفاعلية لدى مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي من الشباب العربي، المجلة العربية للإعلام والاتصال، عدد 15- مايو 2016، ص 11-90
[53] – Yuping, and L.J. Shrum. “What Is Interactivity and Is It Always Such a Good Thing? Implications of Definition, Person, and Situation for the Influence of Interactivity on Advertising Effectiveness.” Journal of Advertising 31, no. 4 (December,2002) p 53–64. Accessed February, 12, 2022. DOI:10.1080/00913367.2002.10673685
[54] – نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر، نظرية الاستخدامات والإشباعات التي تحتل مكانة مهيمنة، والاعتماد على وسائل الإعلام، والفضاء العمومي، ونظرية انتشار المبتكرات المستحدثة، ونظرية إثراء الوسيلة الإعلاميّة، والغرس الثقافي، والتماس المعلومات، ونظرية التلقي، ونظرية بناء الأجندة، وحارس البوابة، وتأثير الشخص الثالث، ونظرية الحضور الاجتماعي، والنّظريّة الموحدة لقبول التقنية واستخدامها Unified theory of acceptance and use of technology ، والتفاعلات الرمزية.
[55]– محمد بكر علاقة وسائل الاتصال الحديثة باعتراب الاجتماعي للشباب المصري. المجلة المصرية لبحوث الإعلام، كلية الإعلام، القاهرة، عدد26، جانفي-مارس ) 2006(
[56] – نصر الدين لعياضي فضاء عمومي أو مخيال إعلامي: مقاربة نظريّة لتمثَل التلفزيون في المنطقة العربية، حولية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، عدد 336، مجلد 31، يونيو 2011 ( ص 7- 125)
[57] – للاطلاع على بعضها يمكن العودة إلى: نصر الدين لعياضي، ماذا بقي من نظرية التلقّي لدراسة الميديا الرقميّة، مجلة الزهير للدراسات الاتصالية والإعلامية، المجلد 1، العدد 1 أيلول 2021، ص 19-54
[58] – أنظر التعريف الذي تقدم به محسن يوسف هني حنفي حيدر أهين، أحمد عبد الكافي لمواقع التواصل الاجتماعي المدرج في الجدول 2 والذي يقول أصحابه أنهم استقوه من تعريف الباحثتين المذكورتين لمواقع الشبكات الاجتماعية.
[59]– نذكر على سبيل المثال التعريف التالي للميديا الاجتماعية: “هي خطاب إعلامي متكامل، يتضمن مجموعة من العناصر الأساسية والّتي تتمثّل في: النّصّ، الصورة، الصوت، الرسوم المتحركة، الفيديو، بالإضافة إلى التّفاعليّة الّتي تتيح للملتقّي فرصة إبداء رأيه في المحتوى. وعند إضافة مرونة الاستعمال تتحول هذه الوسائط إلى وسائط فائقة Hypermédia”.
وردية راشدي. الانزياحات الدلالية للغة الإعلاميّة المتداولة عبر الميديا الاجتماعية دراسة تحليلية سيميائية لعينة من الخطابات. مجلة اللغة العربيّة وآدابها، المجلد1 العدد 8جوان/ يونيو ) 2020(، ص 205-228
[60] – ولتن دومنيك.. الإعلام ليس اتصالا )لبنان، دار الفارابي،2012 (ص 23
[61]-Wolton Dominique : Les fausses promesses de la « société internet » Sortir de la communication médiatisée – monde diplomatique- Juin (1999
[62]-Meunier Dominique, « La médiation comme lieu de relationnalité » Questions de communication, No11(2007) P 323-340
[63]– Lievrouw Leah A: New media, mediation, and communication study, Information, Communication & Society, Vol 12 N0 3 (2009) p 303-325. Accessed January, 24,2002 .DOI: 10.1080/13691180802660651
[64]– Martin Lister, Jon Dovey, Seth Giddings: New Media: a critical introduction Second Edition (USA, Routledge, 2009) P11-12
[65]– Martin Lister, Jon Dovey Seth Giddings, p13
[66] – Jeremy Harris, Lipschultz : Social Media Communication Concepts, Practices, Data, Law and Ethics Second Edition Taylor & Francis 2018, p26
[67] – أنظر:
– Aurélie Girarad : Réseaux Sociaux Numériques . Revue de littérature et perspectives de recherche , France, Accessed January 15,2022 from : https://cutt.ly/THA1Uws
[68]– Lori McCay-Peet and Anabel Quan-Haase :What is Social Media and What Questions Can Social Media Research Help Us Answer? In Luke Sloan and Anabel Quan-Haase, The SAGE Handbook of Social Media Research Methods – ( UK, SAGE Publications Ltd, , 2017 )
[69] – أنظر بعض التعريفات الواردة في:
Lori McCay-Peet and Anabel Quan-Haase :What is Social Media and What Questions Can Social Media Research Help Us Answer? In Luke Sloan and Anabel Quan-Haase, The SAGE Handbook of Social Media Research Methods –SAGE Publications ,2017, p16
[70] – Varinder Taprial & Priya Kanwar, Understanding social media. (Denmark, Ventus Publishing ApS 2012), p 6
[71] – Graham Meikle: Social media Communication, Sharing and Visibility (USA, Routledge, 2016) p6
[72] – Gillespie, Tarleton, 2010, The Politics of ‘Platforms’ New Media & Society, n° 12/3, 2010. pp. 347-364- DOI: 10.1177/1461444809342738
[73] – أنظر على سبيل المثال،
-Dominique Cardon : A quoi rêvent les algorithmes, nos vies à l’heure des big data ; (France, le seuil, 2005) 96 pages
– Wiard, Victor ; Mercenier, Heidi ; Dufrasne, Marie et autres. « Ce qui est filtré, ce qu’on me propose » : Analyse exploratoire de l’influence des algorithmes de recommandation sur la formation des opinions des jeunes bruxellois. Digital Society Conférence (Rennes du 23/05/2019 au 24/05/2019). Accessed January, 25,2022 . http://hdl.handle.net/2078.3/217554
[74]– Zizi Papacharissi: We Have Always Been Social, Social Media + Society,Vol1No2, (2015). Accessed January, 26,2022 .DOI: 10.1177/2056305115581185
[75]– McCay-Peet. Lori , Quan-Haase Anabel, p15
[76] – نصر الدين لعياضي: مواقع الشّبكات الاجتماعية: التنافس بالتناسخ، تم الاطلاع بتاريخ 12 شباط / فبراير 2022 من الموقع: https://wordpress.com/page/nlayadi.com/89
[77] – أنظر:
Coutant, A. Les jeunes et les réseaux socio numériques : questions d’identités. Dans Thomas Stenger (dir) Digital natives. Culture, génération et consommation (Paris : EMS Editions, 2015) P149-184. Accessed January, 25,2022 . https://urlz.fr/hOqv
ويمكن الاطلاع على مختلف التعاريف بالرجوع إلى:
Thomas Stenger et Alexandre Coutant (dir.). Ces réseaux numériques dits sociaux.
Boyd, D Why youth (heart) social network sites: The role of networked publics in teenage social life. In Buckingham, Youth, Identity, and Digital Media (Cambridge: MIT Press 2008) pp.119-142.
[78]-Nawel Chaouni: Etude de réception transnationale d’une série télévisée et ses effets sur l’attractivité touristique d’une région rurale. Thèse de doctorat en Sciences de l’information et de la communication. Université Montpellier Paul Valéry, 2018
-[79] برنار مياج: الفكر الاتصالي، من التأسيس إلى منعطف الألفية الثالثة. ترجمة أحمد القصوار) المملكة المغربية، دار توبقال للنشر،2011 ( ص 58
[80]-Ouellet Maxime, Mondoux André and Marc Ménard Médias sociaux, idéologie invisible et réel : pour une dialectique, du concret . Revue tic&société , Vol 8 N01-2. P58-82 Accessed December 28,2021 from doi:10.4000/ticetsociete.1391
[81]-danah m. boyd, Nicole B Ellison , op cit
[82] – أنظر:
Rhee, L. and all: Social by definition: How users define social platforms and why it matters. Telematics and Informatics, Vol 59 (2021) Accessed February 16, 2022. https://doi.org/10.1016/j.tele.2020.101538
[83]– Proulx Serge : Les communautés virtuelles construisent-elles du lien sociale ? communication Colloque international « L’organisation média. Dispositifs médiatiques, sémiotiques et de médiations de l’organisation », Université Jean Moulin Lyon . (Novembre, 19-20,) 2004.
-[84] عبد العالي الديربي نقلا عن شيخي سارة: أزمة الهوية لدى المراهقين بين الافتراضي الواقعي. مجلة حقوق معرفية للعلوم الإنسانية،الجزائر، مجلد 2 عدد 3 ) 2021 (ص 138-149
[85] – أنظر على سبيل المثال:
محمد أحمد خليفة: استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لدى الشباب وعلاقته بالعزلة الاجتماعية والاغتراب النفسي لديهم، الفيس بوك أنموذجا، 2009، تم الاطلاع بتاريخ 5 يناير 2022 من الموقع: https://cutt.ly/lXtcTcX
خليل نزيهة: دور العالم الافتراضي في نشر مظاهر الاغتراب الاجتماعي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مجلة الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة بسكرة، المجلد 2، العدد 13، 2021، ص 433- 450
[86] – Woolgar Steve.. Virtual society? Technology, cyberbole, reality, ( UK, Oxford University Press 2002) p 17-18.
[87] – مبارك زودة.. بناء الرأي العام وتشكيله في المجتمعات الإفتراضية عبر مواقع الشّبكات الإجـــتماعية موقـعي الفايسبوك وتويتر أنموذجا– أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه علوم في علوم الإعلام والإتصال، جامعة باتنة، (2020-2021)
[88] -Rebillard Franck Le web 2.0en perspective, une analyse socio-économique de l’internet. (France, L’harmattan 2007) P 24
[89] -Rüdiger Schmitt-Beck : Bandwagon Effect in Wolfgang Donsbach. The international encyclopedia of communication, Blackwell Publishing, 2008, P308
[90] – نقلا عن:
Hubert Guillaud : Pour apaiser nos réseaux, il est temps de prendre soin de la construction du tissu social Accessed February 16, 2022. https://cutt.ly/RCLltdr
[91] – Joëlle Le marec : Ce que le « terrain » fait aux concepts : Vers une théorie des composites, Habilitation à diriger des recherches- – Université Paris 7- Cinéma, communication et information, Année universitaire 2001 – 2002 Accessed February 16, 2022 https://cutt.ly/lCL2zQl
[92] Charest Francine and Bédard François. Les racines communicationnelles du Web (Canada: Presses de l’Université du Québec 2009) p14
[93]– Proulx S. Breton.P : L’explosion de la communication à l’aube du XXIe siècle (Montréal: Boréal., 2002) p248
[94] – Deuze M.Media life. Media. Culture & Society، Vol 1No33 (2011) Accessed February 12, 2022 from doi:10.1177/0163443710386518
[95] – منهم
Nick Couldry Theorizing media as practice, Social Semiotics, Revue Vol14 No2 (2004)P 115-132, Accessed January 16, 2022 from https://doi.org/10.1080/1035033042000238295
Bolter David: Theory and Practice in New Media, in Gunnar liestol, and Andrew Morrison, and Terje Rasmussen, Digital Media Revisited Theoretical and Conceptual Innovation in Digital Domains, UK, The MIT Press, 2003 p 15-34
ما وراء الأزمة: مقاربة لفهم عُسر تحوّل الصّحافة الورقيّة العربيّة في البيئة الرّقميّة
Beyond the crisis: An approach to understand the difficult transformation of the Arab press in the digital ecosystem
نصر الدين لعياضي Nacer-Eddine Layadi
نشر بمجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام- العدد الأول – كانون الثاني- يناير 2023
Abstract
This study attempts to explain why the Arab press is still facing the crisis while some newspapers in the United States and Europe have been able to overcome it. Despite the fact that it shares the same output of various studies; which show that the crisis of the Arab newspapers is of a political and economic nature owing to the absence of democracy in journalistic practice; and the difficulties of building an alternative economic model. It pleads in favour of a comprehensive approach that relies upon the theory of Pierre Bourdieu and its key concepts; namely “the FIELD” and “the HABITUS”, both allow us to return to the origins of this crisis.
Key Words: Journalism, Field, Habitus, non-linear writing, Paywall
الملخص:
تحاول هذه الدراسة أن تشرح لماذا لازالت الصحف العربية تواجه الأزمة التي استطاعت بعض الصحف في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا أن تتجاوزها. وإن كانت تلتقي مع العديد من الدراسات التي ترى أن أزمة الصحافة العربية ذات طبيعة سياسية واقتصادية وتعود إلى غياب الديمقراطية في الممارسة الصحفية، وصعوبة بناء نموذج اقتصادي بديل، إلا أنها ترافع لصالح مقاربة تفهمية التي تحشد نظرية بيار بورديو، ومفاهيمها الأساسية ممثلة في ” الحقل” والتطبع Habitus ” التي تسمح لنا بالعودة إلى جذور هذه الأزمة .
الكلمات المفتاحية: الصحافة، الحقل، التّطبّع، الكتابة غير الخطيّة، تقييد النفاذ
تسأل أحد الباحثين الأجانب[1] في السنة 2014 عن الأسباب الّتي جعلت الصُّحف الورقيّة العربيّة في منأى عن الصعوبات الّتي كانت تعاني منها الصُّحف الورقيّة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيّة. لقد لاحظ آنذاك أنها تنعم بنوع من الاستقرار النسبيّ، حيث ظهرت صحف جديدة [2] لتعوض تلك الّتي لجأت إلى النشر عبر شبكة الانترنت، وأن إقبال القراء عليها أزداد في سعيهم للحصول على أخبار وآراء مغايرة لتلك الّتي كانت وسائل الإعلام الرسميّة تروجها، خاصة بعد اندلاع أحداث ما أصبح يعرف بالربيع العربي. ففي تلك السنة وما قبلها بقليل، كانت المؤتمرات، الّتي يشارك فيها محترفو العمل الصّحفيّ، تُعقد تباعا في بعض البلدان العربيّة للنظر في أزمة الصّحافة الورقيّة.
لقد تابعنا بعضها على أمل الاطلاع على الاستراتيجيات الّتي اتخذتها المؤسسات الصّحفيّة العربيّة أو ستتخذها لمواجهة أزمة الصّحافة لكن دون جدوى. لقد تحولت هذه المؤتمرات، مع الأسف، إلى لقاءات لتبادل الأشجان، وتأبين الصّحافة الورقيّة بعد استعراض بعض الإحصائيات عن الصّحف الّتي توقفت عن الصدور في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيّة أو هاجرت إلى النشر عبر شبكة الانترنت.
زالت اليوم مبرّرات طرح التساؤل المذكور أعلاه بعد أن تغيرت المعطيات. فالكثير من الصُّحف في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيّة استطاعت أن تستعيد عافيتها وتتجاوز أزمتها، بل أن بعضها قدم نماذج للنجاح يُستلهم منها وتراجعت الصحافة الورقيّة العربيّة؟
إشكالية البحث
من يراجع أبرز قواعد بيانات البحث العلمي في العلوم الاجتماعية والإنسانية، مثل المنصّة الجزائريّة للمجلات العلمية، ومنصّة الدوريات المصريّة، والمنصّة العراقيّة للمجلات العلميّة يدرك أن أزمة الصّحافة لم تشكل هاجسًا علميا مركزيًّا في بحوث الإعلام في المنطقة العربيّة. فالكثير منها انصرف إلى دراسة الصّحافة الإلكترونية ليس لانتشارها الاستعراضي، بل لإيمان ضمني بأن زمن الصّحافة الورقيّة قد ولى، بدليل أنها لم تبحث عما حققته الصحف الورقية من منافع ملموسة من إصدارها لنسخها الورقية. وبعضها طرح مسألة حرية التعبير في الصّحافة[3]. والقليل منها من اهتم بجانب واحد فقط من وضع الصحف في هذا البلد أو ذاك، مثل الجانب الاقتصادي[4] أو توزيع الصحف[5] أو قفز على هذه الأزمة واتجه إلى تقييم أداء بعض الصحف من منظور الجودة الشاملة[6]. والقليل من قليلها اهتم بتحوّل الصحف في هذا البلد العربي أو ذاك في بيئة الواب.[7]
يتفق الباحثون ومحترفو العمل الإعلامي وأصحاب القرار السياسي في جل البلدان العربيّة على أن وضع الصّحافة الورقية أزداد صعوبة منذ انتشار الفضائيات واتساع الاستخدام الاجتماعي للأنترنت. وفي الحديث عن هذه الصعوبة يغيب السؤال التالي: لماذا يزداد وضع الكثير من الصُّحف الورقية العربيّة هشاشة في البيئة الرّقميّة بينما استطاعت الكثير من الصُّحف الورقيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة وأروبا، مثل نيورك تايمز و” لوموند” الفرنسية، أن تنجو من الإفلاس، وتمكّنت من الاندماج في البيئة المذكورة؟
إنه سؤال جدير بالطرح لا نسعى من خلاله إلى اجراء مقارنة بين الصحف الورقيّة العربيّة وبعض الصحف الورقية الأجنبيّة لانعدام وجه المقارنة، بل نروم فهم أسباب هشاشة الصّحافة العربيّة التي تتواتر في الخطاب الصحفي وتلك التي عسرت وتعسر تحولها في بيئة الواب مقارنة ببعض الصحف الأجنبيّة. وعسر التحول يعني ببساطة عدم توفيق المؤسسة الصحفية في تسخير طبعتها الرقميّة لإنقاذ الطبعة الورقيّة، واستغلال رأسمالها الثقافي والرمزي من أجل تطوير الطبعة الرقميّة التي يجب أن تستثمر كلّ إمكانات الواب واخضاعها لخصوصية العمل الصّحفي.
يشكل السؤال المطروح أعلاه هاجسا معرفيا بامتياز تتحدد أبعاده عبر الأسئلة التفصيلية التالية:
1-شابت الصحف العربيّة على البراديغم Paradigm التقليديّ المُحدّد لماهية الصّحافة، والصحافي، والقراء. فهل يمكن للتشبّث به أن يطوّرها في ظلّ انفجار مصادر المعلومات والأخبار، وتعدّد الحوامل الإعلاميّة، وتلاشي الحدود الفاصلة بين منتجي المادة الإعلاميّة ومتلقّيها، وبروز “هجانة الاستخدام”[8].
2- هل يمكن لتأخر الصّحافة الورقيّة العربيّة في ابتكار نمط اقتصادي جديد أن يفسر عسر تحوّلها في بيئة الواب بعد أن تراجعت فاعليّة النمط الاقتصاديّ الكلاسيكيّ حتّى في إخراجها من وضعها الهشّ؟
3- بماذا يمكن تفسير نجاح بعض الصحف الأجنبيّة في التغلب على الصعوبات التي كانت تُهدّد وجودها، وتمكّنت من تحقيق اندماجها في بيئة الواب بطريقة سمحت لنسخها الورقيّة من التطور وضمنت مقومات ازدهار نسخها الرقمية؟
4- كيف يمكن أن فهم هشاشة وضع العديد من الصحف العربيّة، وندرك العوامل التي تعيق تحوّلها في بيئة الواب؟
الإطار المنهجي:
تتطلب محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة تبني مقاربة ملائمة لفهم وهن الصّحافة العربيّة الورقيّة كممارسة ومهنة، ومؤسسة اجتماعيّة، وأشخاص ونصوص، من جهة، واستيعاب الاستراتيجيات الّتي تبنتها الصُّحف الأجنبيّة لمواجهة أزمتها، ولبعث صحافة في شبكة الانترنت تخضع للمبادئ الّتي أضحت تحظى بإجماع الباحثين[9] وطوّرتها، وهي: آنية الأخبار وتحديث المحتويات، والتّفاعل مع القراء والمستخدمين، وإنتاج مواد متعدّدة الوسائط، والكتابة غير الخطيّة، أي التوظيف الفعال للنّصّ المتشعب Hypertext في السَّرْد الصّحفيّ.
إننا نؤمن بأن اختيار أي منهج بحثي لا ينفصل عن تصور الباحث لموضوع بحثه وللغاية الّتي يتوخاها من إنجازه. لذا سنستعين بالمقاربة التفهّميّة التي لا تعني استيعاب الظواهر الاجتماعيّة والثقافيّة بطريقة حدسيّة وتعاطفيّة، بل إنها تروم تسليط الضوء عليها لجعلها معقولة ومنطقيّة في إطار مشروع معرفيّ وفكريّ عقلانيّ.[10]
استعارت بحوث الإعلام والاتصال المقاربة التفهّميّة من علم الاجتماع، ووظفتها في دراسة بعض الظواهر التي تقع في دائرة اختصاصها دون أن تحدّد بروتوكولها الإجرائي[11]. وهذا ما دفعنا إلى العودة إلى المنظور الويبري) نسبة إلى ماكس ويبرMax Weber (الّذي يشخص هذه المقاربة انطلاقا من المخطط التحليلي المتكون من العناصر التالية: الفهم والتفسير والتأويل.[12] فالعنصر الأول استخدمناه لفهم المعنى الّذي يقدمه الصحافيون/الكتاب/ المؤسسات الصحفية لهشاشة الصّحافة الورقيّة العربيّة عبر المتوفر من كتابتهم. وقد أبرزناه في الجدول رقم 1. والعنصر الثاني خصصناه لإبراز العلاقات السببية التي تجمع مجموعة من المتغيرات والتي يفسر بها المذكورون أعلاه تبعات وضع الصّحافة الورقية العربيّة الهش، كما هو مبين في الجدول رقم2. هذا بجانب الوصف الّذي قمنا به لحضور بعض الصحف في شبكة الانترنت قصد معرفة مدى استفادتها من الإمكانات التي يوفرها الواب، والاطلاع على قدرتها على تجسيد الخصائص التي ذكرناها أعلاه. وقد اعتبرنا هذا الأمر كمؤشر يكشف عن مدى تحوّل هذه الصحف في البيئة الرقميّة بالنظر إلى استراتيجية الصحف الأجنبيّة – نيويورك تايمز الأمريكيّة، ولوموند الفرنسيّة في هذا المجال. وغني عن القول إن هذا العنصر الأخير يحيل إلى حتمية متسترة، بينما بعبر العنصر الأول، أي التفهم عن اختيارات حرّة وواعيّة.[13]
أما العنصر الثالث، والأهم، فقد ركزنا فيه على تأويل هشاشة الصّحافة العربيّة، وعسر تحوّلها في البيئة الرقميّة ممّا يضفي الطابع الموضوعيّ على العنصرين السابقين. ويُمنطق تمثّلات الفاعلين الأساسيين في الحقل الصحفي، ونقصد بهم الصحافيين /الكتاب/ المؤسسات الإعلامية، لوهن الصّحافة. ويُعقْلن معنى حضورها في شبكة الانترنت، وهذا من خلال منح بعد نظريّ لما وراء أزمة الصّحافة الورقيّة الّذي نستعرضه لاحقا في الإطار النّظريّ للبحث.
لإعطاء بعد تطبيقيّ للعنصر الأول والثاني، اخترنا عيّنتين:
العيّنة الأولى: وهي عيّنة متاحة من المواد الصحفية – مقالات تحليلية وتحقيقات صحفية –
قوامها 40 مادة صحفيّة نشرت خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى2022[14] أبرز أصحابها الأسباب الّتي فاقمت أزمة الصُّحف “العربيّة”. وغني عن القول إن هذه العيّنة لا تمثل كلّ ما كتب عن أزمة الصّحافة “العربيّة”. لذا لم نتعامل مع مضمونها إحصائيا، بل حاولنا من خلالها استنباط وجهات نظر الصحافيين والكتاب ومسؤولي المؤسسات الصّحفيّة ومواقعها في شبكة الانترنت أسباب هذه الأزمة، وتفسيرهم لها.[15]
وقد قمنا بتفكيك هذه المواد الصحفيّة لاستنباط العوامل التي يرى الصحافيون والكتاب والمؤسسات الصحفيّة والمواقع الإخباريّة وفي شبكة الانترنت أنها سببا في هشاشة الصّحافة في أغلبية البلدان العربيّة) 16 بلدا(. وقد استخرجنا منها 16 عاملا- كما هو مبين في الجدول رقم1- وكذا التداعيات التي يرى هؤلاء أنها نجمت عن وضعية الصّحافة الورقيّة العربيّة. وقد حصرناها في تسع متغيرات) أنظر الجدول رقم 2(
العيّنة الثانية: تتضمّن 16 موقعا للصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت[16] . لقد تمت متابعتها لمدة أسبوعين من 5 إلى 19 يونيو 2022. وليست لها أي علاقة بالعيّنة الأولى لأنها تشكلت من أجل استخراج المؤشرات الكاشفة عن مدى استخدام كلّ صحيفة للإمكانيات الّتي يوفرها الواب 2، ودرجة تقيّدها بالخصائص الّتي تميّز الصّحافة الرّقميّة، خاصة التفاعلية التي شخصناها في 13 بعدا – أنظر الجدول رقم 4. وقد استأنسنا في ذلك بشبكة تحليل مواقع الصُّحف الّتي أعدها الباحث” فرنودو زاميث( Fernando Zamith [17] ( وكيّفناها لمقتضيات هذا البحث. ولا نزعم بأن هذه المواقع المدروسة تعكس بدقة خريطة الصحف العربيّة في شبكة الانترنت على الرغم من أنها تشمل مواقع لصحف من 16 دولة. وتّتسم باختلاف وضعها القانوني: مستقلة، وحكومية. وبتعدّد توجهاتها السّياسيّة والأيديولوجيّة. وتمثل تجارب صحفيّة مختلفة بعضها راسخ في القدم، وبعضها حديث النشأة.
لقد تم استقاء بيانات التحليل من المحتويات المنشورة التي تضمنتها العيّنة الأولى، ومن متابعة مواقع الصحف المدروسة في شبكة الانترنت. ومن المصادر الأساسية) التقارير الصادرة عن الهيئات والمنظمات ومراكز البحث، والبحوث العلميّة، والمصادر الثانوية) المقابلات والشهادات الّتي قدمها مسؤولو المؤسسات الصُّحفيّة والباحثين في سياقات مختلفة( المثبّتة في مراجع هذا البحث وإحالاته، من أجل استجلاء وهن الصّحافة العربيّة من جهة، ورصد استراتيجيا صحيفتي نيويورك تايمز ولوموند، من جهة أخرى.
الإطار النّظريّ:
يعتبر المقال المرجعي “نفوذ الصّحافة”، الّذي نشره عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديوPierre ) Bourdieu (في مجلة ” البحث في العلوم الاجتماعية “[18] الّتي كان يشرف عليها، الإطار المؤسّس لنّظريّة ” الحقل الصحفي” Journalism Field ، بيد أن البعض يعتقد أن أصل هذه النَّظَرِيَّة يعود إلى مؤلفاته السابقة، مثل الورثاء: الطلبة والثقافة (1964)، وإعادة الإنتاج: مواد من أجل نظرية لنظام التعليم ) 1970(، والحس العملي (1980) . وقد شارك المساهمون[19] معه في تحرير تلك المجلة في تطوير هذه النَّظَرِيَّة الّتي لقيت رواجا كبيرا في الفضاء الأكاديمي الأنجلوساكسوني على يد ثُلّة من الباحثين النقدين المعاصرين[20] لتمارس تأثيرها على الدراسات الإعلاميّة.
يرى بيار بورديو أن العالم الاجتماعي مجزأ إلى عدد كبير من العوالم الصغرى: إنّها حقول Fields، ولكل حقل موضوعاته ورهاناته ومصالحه الخاصة، كالحقل الأدبيّ، والعلميّ، والقانونيّ، والدينيّ، والفنيّ والصّحفيّ. وأقسام هذا العالم مستقلة نسبيا، أي أنها حرة في إقامة قواعدها الخاصة، ومنفلتة من التبعية لغيرها من الحقول الاجتماعيّة.[21]
ويرى أن المجتمع مبني على التعارض الأساسي بين السلطتين: الاقتصاديّة والثقافية، وكلّ حقل من الحقول مُهَيكل حول التعارض بين القطب الّذي لا يتمتع باستقلاله الذاتي، والّذي يمثله رأسمال الاقتصاديّ والسياسي) القوى الخارجة عن الحقل(، والقطب ” المستقل ذاتيا” ممثلا في رأسمال الخاص بالحقل ) رأسمال الفني أو العلمي أو نوع أخر من رأسمال الثقافي( [22] فــ “الحقل الصحفي عبارة عن ميكرسومMicrosome له قوانينه الخاصة. يتحدّد بموقعه في العالم الشامل، ومن خلال ما تمارسه عليه بقية الميكروسومات من تجاذب وتنافر”.[23]
يساعد مفهوم الحقل الدارسين على الربط بين العوامل الاجتماعيّة الكبرى: البُنى الاقتصاديّة والاجتماعيّة وجماعات الضغط السياسيّة، والعوامل التّنظيميّة الصغرى: علاقات العمل وأساليبه والتراتيبية وتوزيع السلطة داخل المؤسسات الإعلاميّة. ويتم هذا الربط دون الارتكاز على متغير واحد، مثل طبيعة ملكية الصُّحف أو التكنولوجيا الّتي تستخدمها.[24]
ويساهم التّطبّعHabitus في تشكيل البُنى التنظيمية الصغرى في حقل الصّحافة. ويُعرّف التّطبّع بأنه جملة من الاستعدادات الشخصية الخاصة بالشعور والإدراك والتفكير والفعل حسب نماذج استبطنت خلال مختلف مسارات التنشئة الاجتماعيّة[25]. ويُعرّف أيضا بأنه مبدأ موحد ومُفًسِر للسلوكيات، الّتي تبدو في الظاهر متباينة لكنها تشكل وجودا واحدا.[26] يتدخل بفاعليّة في تشكيل رأسماله الاجتماعيّ والرمزيّ. فلا يمكن الحديث عن أي حقل دون رساميله.
يعتقد بيار بورديو أن الصّحافة تشكلت كحقل يملك معاييره الخاصة ورساميله في القرن 19، وسط نزاع بين صحافة الإثارة وصحافة الرأي، وبين صحافيي الصّحافة الوطنية أو القومية والصحافيين المحليين على القيمة الاعتبارية. وبدأ هذا الحقل يفقد تدريجيا استقلاليته نتيجة خضوعه للسوق الّذي يمثله الإعلان والجمهور، لكنه ويا للمفارقة تزايد نفوذه وامتد إلى مختلف حقول الإنتاج الثقافي، كالحقل الأدبيّ والفنيّ والقانونيّ والعلميّ.[27]
لا يوجد في حدود علمنا من تناول بالدراسة وسائل الإعلام العربيّة من منظور الحقل سوى قلة محدودة جدا، نذكر منهم الباحثة نهى ميلور، الّتي أقرّت أن نظريّة الحقل تقدم إطارا جديدا لدراسة الصّحافة العربيّة بوصفها حقلا اجتماعيّا يتلاءم مع الحقول الأخرى في المجتمع كالحقل السياسيّ والاقتصاديّ.[28] وهذا على الرغم من مأخذها على هذا المنظور، كالقول أنه مستلهم مما آل إليه التلفزيون الفرنسي الّذي ارتهن إلى سوق الإعلان وقياس نسبة المشاهدة، خاصة بعد أن تنازلت الدولة الفرنسيّة على احتكار الإعلام التلفزيوني بدءًا من 1981. وأن التماثل بين منتجي الإعلام ومستهلكيه في امتلاك رأسمال الثقافي ينعدم في الإعلام العربي. ودليلها في ذلك مستوى لغة الصحافيين في الأخبار التلفزيونية وجمهورهم العريض بشكل أساسي.[29]
استخدمت نهى بلور مفهوم الصّحافة كمهنة. لذا ركزت في تحليلها على القنوات التلفزيونية العربيّة، وبيّنت النزاع بين القنوات التلفزيونية والفضائيات القوميّة، وبين الفضائيات الإخباريّة والترفيهيّة. وبهذا همشت الصّحافة الورقيّة. وبخصوص هذه الأخيرة نسجل تحفظنا على مأخذ “ميلور” المتعلق بلغة الصّحافة الورقية وقراءها في المنطقة العربيّة. لقد نشأت هذه الصّحافة نخبويّة، وظلت كذلك في بيئة حضرية، أي أن صحافييها وقراءها يتقاسمون اللغة العربيّة الفصحى.
إنّنا نستخدم مفهوم الحقل في دراسة وهن الصّحافة العربيّة وعسر تحولها في البيئة الرقمية من حيث انتهى إليه بورديو، وتحديدا في إشارته إلى فقدان هذا الحقل استقلاليته إزاء الحقل الاقتصاديّ. وحجتنا في ذلك أن الصّحافة العربيّة لم تفقد استقلاليتها اليوم، بل حدث ذلك عبر مسار تشكلها الطويل، بوتيرة مختلفة من بلد عربي إلى أخر. ونزعم بأنها فقدت استقلاليتها عن الحقل السياسيّ بدرجة أساسية، وليس من الحقل الاقتصادي لأننا نعتقد أن هذا الحقل مرهون للحقل السياسي، كما سنوضح في ثنايا تحليلنا.
إن الوظيفة الأساسيّة لأي حقل هي الحفاظ على انفصاله العملي عن بيئته المكوّنة من حقول أخرى، عن طريق تحويل كلّ المؤثرات الّتي تأتيه من البيئة إلى عبارات وإجراءات وتصورات تتفق مع آليات عمله. وعندما يفشل الحقل بذلك يتبدّد بكلّ بساطة، وينحلّ في بيئته، تماماً كما تتبدّد بقعة من الحبر في كأس ماء.”[30]
متغيرات هشاشة الصّحافة الورقيّة العربيّة
نجانب الصواب إن اعتقدنا بأن الصّحافة العربيّة تشكل كتلة واحدة متجانسة لأسباب متعددة، منها تفاوت نسبة الأميّة بين البلدان العربيّة، ومستويات الدخل الفردي والقدرة الشرائية، ودرجة تطور البنية القاعديّة للصناعة الصّحفيّة، ونسبة تغلغل شبكة الانترنت في كلّ بلد عربي، واختلاف التّقاليد الثّقافيّة والّسياسيّة وتنوعها الّتي تؤكّدها مجموعة من الشواهد والقرائن. فلو اقتصرنا على البلدين الجارين: الجزائر والمغرب فقط فإننا نلاحظ أن الصُّحف الأسبوعيّة والحزبيّة أكثر حضورا في المغرب من الجزائر. فضلا عن غياب النوع الأخير من الصُّحف في الكثير من البلدان العربيّة. لكن بصرف النظر عن هذا الاختلاف تعاني جلّ الصُّحف العربيّة من هشاشة مزمنة شاملة تختلف وطأتها من بلد إلى أخر.
في محاولة فهمنا لهذه الهشاشة ارتأينا التركيز على تصور بعض المؤسسات الصّحفيّة العربيّة وصحافييها وكتابها لها. إذ لاحظنا أن جلّ مسؤولي المؤسسات الصّحفيّة وملاكها مقتنعون بأن الصّحافة العربيّة جزء من الصّحافة العالميّة، الّتي تعاني من أزمة شديدة الوطأة، وأن مآلها الزوال آجلا أو عاجلا. والصّحافة الورقيّة العربيّة لا تشكل الاستثناء. وخلافا لذلك يرى البعض أن أزمتها وليدة انعدام الديمقراطية وتشدّد القوانين الّتي تحدّ من حريتها. فـــ ” استمرار ممارسة الرَّقابة على ما تنشره الصُّحف وممارسة الصحافيين للرقابة الذاتيّة ينال من حرية التعبير، ويقوض النماذج الاقتصاديّة للمؤسسات الإعلاميّة القابلة للتطبيق في المنطقة العربيّة.” [31]وهكذا يتضح أن رهان تطور الصّحافة العربيّة يظلّ مرتبطا بتغيير النظام السياسيّ والدليل على ذلك أن حركة إصلاح وسائل الإعلام انخرطت في الحركة الأوسع، والمتمثلة في التغيير السياسي،[32] مثلما جرى في تونس بعد تنحية الرئيس زين العابدين بن علي من الحكم.
إن القراءة المتأنّية لما كتبته الصُّحف عن أزمة الصّحافة العربيّة يدلّ على نوع من الالتباس بين أسبابها ونتائجها وذلك لطبيعتها المعقّدة؛ أي بين المتغيرات المستقلة في هذه الأزمة وتلك التابعة. سنحاول أن نبيّن في الجدول رقم 1 المتغيرات المستقلة الّتي تكشف، بهذا القدر أو ذاك، عن العوامل الّتي صنعت هذه الأزمة أو عجلت في قدومها أو جعلتها مزمنة. بعضها يبدو خاصا بهذا البلد أو ذاك، وأكثرها يبدو مشتركا بين كلّ البلدان العربيّة:
الجدول رقم 1: المتغيرات المستقلة في أزمة الصّحافة من منظور المؤسسات الصّحفيّة وكتابها.
تضخم اليد العاملة | ضعف رأسمال الصُّحف | أزمة الثقافة العربيّة | منافسة الانترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية | أزمة عالمية | أزمة توريث | تخريب مقرات الصُّحف
|
تراكم ديون الصُّحف | تراجع التمويل السياسي | ضعف إدارة الصُّحف | قيود قانونية وانعدام الحرية | صعوبات التوزيع | تراجع عائدات الإعلان | ارتفاع كلفة الإنتاج والتوزيع | قلة القراء | احتكار الإعلان | البلد |
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | موريتانيا | |||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | المغرب | ||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | الجزائر | ||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | تونس | ||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | ليبيا | ||||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | مصر | |||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | السودان | |||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | لبنان | |||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | الأردن | |||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | العراق | ||||||
√ | √ | √ | √ | √ | الإمارات | |||||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | قطر | |||||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | السعودية | |||||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | الكويت | ||||||||||
√ | √ | √ | البحرين | |||||||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | اليمن |
الجدول رقم 2: المتغيرات التابعة في أزمة الصّحافة من منظور المؤسسات الصّحفيّة وكُتّابها.
تقليص عدد الصفحات | تراكم ديون الصُّحف | ضعف الكوادر | نراجع القراء وارتفاع المرتجعات | تراجع السحب | تسريح الصحافيين | التوقف عن الصدور | النشر الإلكتروني | إفلاس المطابع أو توقفها المؤقت
|
البلد |
√ | √ | √ | √ | موريتانيا | |||||
√ | √ | √ | √ | √ | المغرب | ||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | الجزائر | |
√ | √ | √ | √ | تونس | |||||
√ | √ | √ | √ | ليبيا | |||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | مصر |
√ | √ | √ | √ | السودان | |||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | لبنان | |||
√ | √ | √ | الأردن | ||||||
√ | √ | √ | √ | العراق | |||||
√ | √ | √ | √ | √ | الإمارات | ||||
√ | √ | √ | قطر | ||||||
√ | √ | √ | √ | √ | السعودية | ||||
√ | √ | √ | √ | √ | الكويت | ||||
√ | البحرين | ||||||||
√ | √ | √ | √ | اليمن |
ارتفاع كلفة إنتاج الصّحافة الورقيّة وتوزيعها
يستشف من الكتابات الّتي قمنا بتحليلها توافق تام على ما يؤكده الاقتصاديون الّذين يرون بأن الصّحيفة الورقيّة سلعة شديدة التلف. وسعر بيعها لا يغطي تكاليف إنتاجها. إنّها تخضع لمعادلة ذات أطراف متعدّدة ومتداخلة: الناشر، والمعلن أو المُشَهِر، والموزع، والقارئ. لذا يتسم اقتصادها بالتعقّد. وهي السّمة الّتي لا ينفيها اختلاف الوضع القانوني للناشر (تابع للقطاع العام أو الخاص)، ولا ما أصبح يعرف في عالم الاقتصاد “بالعوامل الخفيّة” الّتي تؤثر على الإنتاج والاستهلاك.
في توصيف إحدى مستويات أزمة الصّحافة العربيّة يمكن القول أنّها نتيجة خلّل كبير، ما انفك يتفاقم من سنة إلى أخرى، بين الأطراف المذكورة، حيث نلاحظ بيسر تشابه مؤشرات هذه الأزمة وتقاربها فيما يلي:
- تعاني الكثير من الصُّحف العربيّة من ارتفاع متزايد في تكلفة إنتاجها مع التراجع المستمر في مواردها الماليّة. فالورق والطباعة، على سبيل المثال، أصبحت تستحوذ على ما بين 75 و80 % من نفقات الصُّحف.[33]وهذه النسبة مرشحة للارتفاع في ظل تراجع قيمة العملات الوطنيّة أمام العملات الأجنبيّة. لقد استمر سعر الورق في الارتفاع في السوق الدوليّة منذ تسعينات قرن الماضي ليبلغ، على سبيل المثال، نسبة 90 % في مصر في السنة 2018[34].
وأدى هذا الارتفاع إلى توقف بعض المطابع عن سحب الصُّحف لعدة أسابيع متواصلة، كما حدث في موريتانيا في2014. وإلى إفلاس بعض المطابع في السودان. وتراكمت ديون نظيراتها الحكومية في الجزائر، مما أدى بمطبعة مدينة “ورقلة ” بالجنوب الجزائري إلى غلق أبوابها.
وعلاوة على ارتفاع كلفة الطباعة، تزايدت كتلة أجور عمال الصُّحف الّتي من المفروض ألا تجاوز 35 % من رقم أعمال الصّحيفة حتّى لا تتعرض ميزانيّتها إلى الاختلال، لكنها أصبحت تستأثر بما بين 60 و70 % من نفقات العديد من الصُّحف العربيّة. فموارد الجريدة التونسيّة المسماة ” الصّحيفة”، على سبيل المثال، لا تكفي لسد سوى 25 % من أجور الأعوان العاملين فيها![35]
وتعاني الصُّحف العربيّة من زيادة تكاليف توزيع الصُّحف. فالموزعون أصبحوا لا يرضون بـ 20% من سعر الصّحيفة في السوق، وشرعوا في اقتطاع حوالي 30% من مبيعاتها.
إن ارتفاع تكلفة الطباعة والتوزيع أدى إلى عجز بعض الصُّحف عن تسديد رواتب عمالها لعدة أشهر متتالية، وإلى تراكم ديون البعض منها. فديون الصُّحف القومية المصريّة على سبيل المثال قفزت إلى حوالي مليار و100 مليون دولار في 2018 بعد أن بلغت 700 مليون دولار في السنة الّتي سبقتها![36] وأجْبرت بعض الصُّحف الجزائرية الخاصة على التوقف عن الصدور بعدما يئست من تسديد ديونها. هذا ما فعلته الصّحيفة الجزائرية الخاصة La tribune، على سبيل المثال، في 2015 عندما ارتفعت ديونها إلى 3,624,173.23 دولار.[37]وبلغت خسائر يومية “الصّحافة” التونسية في2011 ما يعادل 1406173 دولارا أمريكيًّا.[38] بالطبع لا تعاني كلّ الصُّحف العربيّة من ضائقة مالية، من حسن الحظ، ربما لأسباب غير اقتصاديّة.
سعت الصُّحف الّتي تعاني من ضائقة مالية أو خلّل في ميزانيتها إلى رفع سعر الجريدة[39] من أجل تحسين وضعها المالي، مثلما جرى في السودان، والجزائر لكن دون جدوى، بل بالعكس ساهمت بفعلها هذا في رفع نسبة مرتجعاتها.
تراجع السحب والتوزيع وتزايد المرتجعات!
وحاولت بعض الدول العربيّة معالجة هذه الظاهرة بأشكال مختلفة. فتونس على سبيل المثال اعفت استيراد ورق المطابع من ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية بنسبة 25% في منتصف تسعينات القرن الماضي. لكن هذا الإجراء لم يطبق سوى على الصُّحف الّتي تستورد كميات كبيرة من الورق![40] وقامت الجزائر، من جهتها، بتسديد الفارق في سعر الصرف الناجم عن شراء الورق بعد تدهور عملتها الوطنية.[41]
لعل أكبر العوامل الّتي تقف وراء تراجع مبيعات الصُّحف يكمن في تناقص عدد قرائها الفعليين في كلّ البلدان العربيّة تقريبا، إذ تراجع قراء الصُّحف اليوميّة في كلّ من مصر، والإمارات العربيّة المتحدة، وقطر، والمملكة العربيّة السعوديّة، والأردن ولبنان وتونس بنسبة تتراوح ما بين 47% إلى 25% خلال الفترة الممتدة من 2013 إلى 2017. وتراجعت نسبة قراء المجلات في الدول ذاتها خلال الفترة الزمنية عينها من 26% إلى 19%[42]. ويربط الكثير من المهنيين والباحثين هذا الانخفاض بوفرة الأخبار والإعلام وتعدّد حواملهما، والتوجه المتزايد لتلقّي الأخبار عبر الهواتف الذّكيّة. فثلاثة أرباع من الّذين شملتهم الدّراسة المسحيّة الّتي أُجْريت في البلدان المذكورة أعلاه في 2017 تلقوا الأخبار عبر هذه الهواتف.[43] وأن الشّباب في المنطقة العربيّة هم الفئة الّتي تغير نمط ” استهلاكها” للأخبار أكثر من بقية الفئات الاجتماعيّة الأخرى. فالبحوث أكدت أن 49% من الشّباب في البلدان العربيّة يتلقون الأخبار يوميًّا من موقع شبكة الفيسبوك.[44]
ظلّت الصّحافة في بعض البلدان العربيّة تعاني ضعف الصّلة بقرائها للعديد من الأسباب، منها سوء توزيعها، وتأخر وصولها إلى السوق[45] الّذي يشتكي منه العديد من مالكي الصُّحف. ففي العراق، على سبيل المثال، تمنح الدولة إعانة مالية لموزعي الصُّحف، لكنهم لم يبذلوا، مع الأسف، الجهد المطلوب لإيصالها إلى القراء في كلّ الأقاليم. والأدهى أنهم لا يدفعون لإدارة الصُّحف ثمن الصُّحف الّتي باعوها.[46] والكثير من الصُّحف الجزائريّة الّتي نشأت في زخم التعدّدية السّياسيّة والإعلاميّة بموجب دستور 1989 اختفت بسبب الموزعين الّذين لا يوزعون كلّ النسخ الّتي يستلمونها من المطابع. ويقومون بتدوير قسطا كبيرا منها بذريعة أنها مرتجعات!
لا يشكو الناشرون من سوء توزيع صحفهم واضطرابه في بعض الأحيان فحسب، ولا من تأخر الموزعين عن منحهم مستحقاتهم المالية عن مبيعات صحفهم فقط، بل يشتكون أيضا من عدم استلام البيانات المتعلقة بخارطة توزيع صحفهم، وعدد المرتجعات في آنها حتىّ يتحكموا في السحب، ويضبطون عملية التوزيع. ويظلّ مشكل توزيع الصُّحف قائما، خاصة وأنه لا يخضع للمراقبة والتدقيق من قبل مؤسسات معتمدة في التوزيع في البلدان العربيّة باستثناء المغرب والإمارات وعمان.
إن سوء التوزيع وتراجع القراء أديا إلى خفض سحب الصُّحف. فحسب التقديرات الّتي قدمها محمد شومان لم يزد معدل توزيع الصُّحف المصريّة عن 300 ألف نسخة يوميًّاً في 2018. وهذا الرقم لا يمثل سوى العُشر الّذي وزعته هذه الصُّحف في 2000. لقد كانت توزع آنذاك 3.5 مليون نسخة.[47] وعلى الرغم من ارتفاع عدد الصُّحف اليوميّة في الجزائر من 131 عنوانا في 2012 إلى 133 عنوانا في 2017 إلا أن معدل سحبها اليومي تراجع خلال الفترة ذاتها من 2 850 160 إلى 1009520 نسخة.[48] فالسحب اليومي لصحيفة الشروق، على سبيل المثال، وهي أكبر صحيفة جزائرية ناطقة باللغة العربيّة، انخفض خلال الفترة ذاتها بـ 17.83% ليبلغ 35551 نسخة. وهذا الرقم بعيد جدا عن المليون نسخة الّتي كانت تسحبها في 2010.[49] وعلى الرغم من أن الصُّحف المغربيّة الصادرة باللّغة العربيّة تعد أكثر مقروئية من الصُّحف الصادرة باللّغة الفرنسيّة إلا أنها اضطرت هي الأخرى إلى تقليص سحبها. لقد انخفض سحب صحيفة المساء، على سبيل المثال، الّتي تُعتبر أكثر انتشارا في المغرب، من 113 ألف نسخة في 2010 إلى ما يزيد قليلا عن 47 ألف نسخة في2017؛ أي أنها قلصت سحبها بنسبة 59 %. وتراجع سحب صحيفة الصباح المغربية بنسبة 50 %.[50] قد يبدو للبعض أن تراجع سحب العديد من الصُّحف لا يعدّ مؤشرا قوّيًّا يدلّ على أزمة الصّحافة العربيّة وذلك لأزمة الورق الّذي تعاني منه المطابع فتضطر إلى تقليص سحب الصّحف من جهة، وإلى المساومة[51] الّتي تمارسها المطابع، خاصة الحكوميّة، على بعض الصُّحف لتغيير خطها التحريري، من جهة أخرى.
على الرغم من اضطرار الصُّحف العربيّة إلى تخفيض متفاوت في عدد سحبها إلا أن مرتجعاتها لم تتناقص، بل تجاوزت النسبة المقبولة دوليّا والمقدرة بـ 15 %. فعلى سبيل المثال، تشير الإحصائيات إلى أن مرتجعات الصحف العربيّة تتراوح ما بين 23%[52]لصحيفة الاهرام المصريّة و76.8! % لجريدة ” الصّحافة ” التونسيّة[53]
منطق الصّحافة الورقيّة غير الاقتصاديّ
تؤكد اقتصاديات الإعلام على أنه يتوجب على الصّحيفة الّتي توزع 20 ألف نسخة يوميّا، وتضمن على الأقل 40 %من عائداتها من الإعلان، حتّى تتمكن من تحقيق توازنها المالي.[54] لكن عائدات العديد من الصُّحف العربيّة من الإعلان ظلّت بعيدة عن هذه النسبة لسببين أساسيين، على الأقل، وهما:
- بدأ سوق الإعلان في الدول العربيّة في التراجع التدريجي منذ بداية الأزمة الاقتصاديّة العالميّة في 2008، وما أنجر عنها من انخفاض في سعر النفط الّذي يعدّ المصدر الأساسي للدخل الوطني بالنسبة لبعض الدول. وتشير شركة الأبحاث الألمانية Statista في تقريرها إلى أن الإنفاق الإعلاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تراجع بنسبة 6%، أي انخفض من 3 مليارات دولار في 2019 إلى 2.69 مليار دولار في 2020.[55] هذا علاوة على أن الصُّحف العربيّة أضحت تتقاسم سوق الإعلان مع منافسين جديد، مثل شبكة الانترنت الّتي ارتفع نصيبها من عائداته بـ 5.1 %في 2020.[56]
إن نسبة تراجع سوق الإعلانات ليست ذاتها في كلّ بلد عربي. فالاتفاق الإعلاني في السعودية على الرغم من تراجعه لا يقارن بالإنفاق الإعلاني في الجزائر على سبيل المثال، والّتي تعد في قائمة البلدان النفطيّة، والّذي تراجع بـ 60% خلال السنوات الأربع (2014-2018).[57]. ووقع هذا التراجع على الصُّحف يختلف من بلد إلى أخر. ففي المغرب، الّذي يتسم بالاقتصاد الحر، انخفض نصيب الصّحافة من هذا السوق بنسبة 55% خلال الفترة الممتدة من2010 إلى2018 حيث انتقل ممّا يعادل 75 مليون إلى ما يعادل 34 مليون دولار أمريكي.[58] هذا مع العلم بأن تنافس الصُّحف مع شبكة الانترنت في سوق الإعلان غير متكافئ. فشبكة الانترنت تعرض إعلاناتها بسعر أقل من الصُّحف الورقيّة بنسبة 80 %[59]، وبنجاعة أفضل لأنها تتجه رأسا إلى الزبون المعروف بملامحه الشخصيّة والاجتماعيّة وسلوكه الاستهلاكيّ.
2- أمام احتكار سوق الإعلان في بعض الدول المشار إليها في الجدول رقم 1 يجري توزيعه على الصُّحف على أساس غير مهنيّة إن لم تكن مشبوهة، لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار وزن كلّ صحيفة في السوق ولا تأثيرها السياسي والاجتماعي على القراء، ولا متطلبات الخدمة العموميّة، بل يخضع للولاءات السّياسيّة والمحسوبيّة. فالكثير من الصُّحف توقفت عن الصدور بعد أن عوقبت على مواقفها السّياسيّة وحُرمت من عائدات الإعلان.[60]
لقد تحول الإعلان إلى مفسدة المنظومة الصّحفيّة في أكثر من بلد عربي في نظر الكثير من المسؤولين في قطاع الإعلام، إذ يذكر المدير السابق للوكالة المحتكرة لسوق الإعلان في الجزائر[61]، أن هذه الأخيرة أنفقت حوالي 38 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2020 على 40 جريدة لا علاقة لأصحابها بالإعلام” أصلا. فبعضهم أصدر صحفا مصنفة على أساس أنها أسبوعية لكنها تصدر 3 مرات في الأسبوع! وبعضهم يملك صحيفتين أو أكثر بنفس المسمى، وبعضهم الأخر لا يوزعها بعد طبعها، بل يتركها مكدسة في المطبعة لأنه غاية وجودها هو الريع الإعلاني لا غير.
تأسيسا على ما سبق ذكره من متغيرات يمكن أن نفهم تزايد عدد الصُّحف العربيّة الّتي توقفت عن النشر في جلّ البلدان العربيّة. ففي مصر على سبيل المثال توقفت 53 صحيفة عن الصدور خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2019[62]. وفي الجزائر توقفت 26 صحيفة يومية و34 مجلة أسبوعية عن الصدور في 2014. لقد امتدت الأزمة إلى المطبوعات العريقة، مثل ” صحيفة الحياة” السعودية، و” النهار ” والسفير” اللبنانيتين، لتجبرها على التوقف عن الصدور. أما الصُّحف الّتي استطاعت أن تصمد فقد اضطرت إلى تقليص عدد صفحاتها في كلّ من الجزائر والعراق وحتّى في الكويت. فصحيفة القبس الكويتية، على سبيل المثال، تخلت عن نصف صفحاتها المعتادة.
ويمكن تفسير الصعوبات الّتي تواجهها بعض الصُّحف بتراجع تمويلها السياسي سواء القادم من الخارج أو الداخل في كلّ من لبنان، واليمن، والكويت، على سبيل المثال، والّذي يأخذ أشكالا مختلفة، مثل الإعانات المالية مباشرة أو بشكل غير مباشر مثل الإعلان المقنع، وشراء كميات كبيرة من النسخ، وتزويد الصّحيفة بالتجهيزات الضرورية.
ويمكن ايعاز أزمة بعض عناوين الصُّحف في المنطقة العربيّة إلى ضعف إدارة المؤسسات الصّحفيّة الّتي أوكلت إلى من لا يملك خبرة في العمل الصّحفيّ ولا في إدارة وترشيد النفقات.[63] وتجلى هذا الضعف في التوظيف العشوائي دون الاستناد إلى معايير مهنيّة، ممّا أدى إلى تضخم اليد العاملة في بعض الصُّحف، ووجود عدد من الصحافيين والعمال الّذين يتقاضون رواتب دون أن يؤدون واجبهم المهني.[64] وعدم استثمار الطاقات البشرية، والاحجام عن الاستثمار في قاعة التحرير.
الصّحافة العربيّة ومساعي التحوّل:
شرعت بعض الصُّحف العربيّة في النشر عبر شبكة الانترنت قبل العديد من الصُّحف الأجنبية، مثل صحيفة “لوموند” الفرنسيّة) 19 ديسمبر- كانون الأول 1995( و”نيويورك تايمز” الأمريكية ) 22 يناير -جانفي 1996 (. فصحيفة الشرق الأوسط، على سبيل المثال أنشأت موقعها في شبكة الانترنت في 9 سبتمبر – أيلول 1995، ثم تلاها العديد من الصُّحف العربيّة. واليوم لا تخلو أي صحيفة ورقيّة في المنطقة العربيّة من نسخة رقميّة لكنها تعثرت بينما نجحت الكثير من مواقع الصُّحف الأجنبيّة في شبكة الانترنت في انقاذ الطبعة الورقية ورفع تأثيرها في المجتمع، وجعل المؤسسة الّتي تنشرها علامة تجارية ناجحة، كما سنرى لاحقا.
ربما يدفع هذا التعثر إلى السؤال عن الأسباب الّتي دفعت مسؤولي الصُّحف العربيّة إلى إنشاء مواقع لها، ومتعدّدة، نذكر منها أن بعض أرباب الصُّحف الجزائرية لجأوا إلى النشر عبر الانترنت في البداية تحسبا للرقابة والمنع الّذي قد تتعرض له طبعتهم الورقية. هذا ما حدث فعلا لبعض الصُّحف الجزائرية الّتي منعت من الطبع لمدة شهر في 1998. لكنها لم تتوقف بل استمرت في النشر عبر شبكة الأنترنت لأنها تصدر بعنوان بلد أجنبي.[65] وبعضها أراد بلوغ القراء القاطنين خارج الوطن والمحرومين من النسخة الورقية[66]. ربما آمن بعض المسؤولين بأن الانتقال الرقمي لصحفهم أضحى ضرورة حتمية للخروج من الأزمة الّتي تتخبط فيها لأن الطبعة الرّقميّة غير مكلفة مقارنة بالطبعة الورقيّة.[67] ومهما اختلفت أسباب إنشاء طبعات رقمية للصحافة يتضح أن أصحابها لم يملكوا الوعي والدراية بمتطلبات هذا الانتقال على الصعيد التنظيمي، والتأهيلي للصحافيين، وعلى أشكال التعبير الصّحفيّ الرقميّ، واعتقدوا في البداية أن شبكة الانترنت مجرد” لوح” لنشر محتويات الصُّحف الورقيّة والّذي يؤدي في أخر المطاف إلى الاستغناء عن الورق[68]. لذا شرعت جلّ الصُّحف العربيّة في نشر محتوياتها كنسخة مصورة عن الطبعة الورقيّة في شبكة الانترنت في قالب PDF ويمكن للقراء الاطلاع على محتوياتها مجانا، بل حتىّ تحمّيلها، وبعضها استمر في ذلك. ثمّ أدرك ناشرو الصُّحف أن هذا الأمر يدفع إلى العزوف عن قراءة النسخة الورقيّة. فقرروا تأخير موعد النشر في شبكة الانترنت لإتاحة الفرصة لبيع النسخ الورقيّة.[69]
على الرغم من التطور الملحوظ على بعض واجهات الصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت والممثل في الابتعاد عن الجمود، وتوفير شريط الأخبار العاجلة، وابتكار بعض الصحف تطبيقا رقميًّا خاصا بها، مثل تطبيق نبض في صحيفة الدستور الأردنيّة، إلا أن السؤال يظل قائما: هل استغلت الصُّحف العربيّة كلّ الإمكانات الصُّحفية الّتي يوفرها الواب 2؟
لم تتحرّر جلّ مواقع الصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت من مخيال الصّحافة الورقيّة، إذ ظلت مواظبة على إعادة إنتاج نفس المحتويات الّتي تنشرها في طبعتها الورقيّة، حتىّ بعد انتقالها إلى النشر في قالب ” HTML “. وهذا الأمر ينطبق حتّى على الصُّحف الّتي أنشأت قاعة تحرير خاصة بالطبعة الرّقميّة.[70] والدليل على ذلك أن الكثير منها تتعامل مع الأخبار بالطريقة ذاتها الّتي تتعامل معها الصُّحف المكتوبة الّتي تصدر كلّ 24 ساعة. ولا تقوم جلّ مواقع الصُّحف بتحديث محتويات ما تنشره، بل أن بعضها يتماهي مع الصّحافة الورقيّة فيصدر المحتويات بالتاريخ الّذي صدرت به النسخة الورقية، والكثير منها يظل يحتفظ في الواجهة بالمحتويات ذات الطابع الإخباري وليس الفكري الّتي نشرت قبل أيام بل أسابيع! كما تفعل صحيفة سراج الأخبار الموريتانية على سبيل المثال, حقيقة هناك مواقع بعض الصُّحف، تذكر وقت نشر محتوياتها بالساعة والدقيقة كمؤشر على مدة حضورها في واجهة الموقع، لكن هذا الأمر غير كاف إن لم يتم تحديث المحتويات الّتي تتطلب ذلك لمواكبة تطور الأحداث من جهة، وللتصدي لمواقع الشبكات الاجتماعيّة الّتي أصبحت اليوم تنافسها. فعدم تحديث محتويات قد يشكل عائقا لكل مسعى يروم كسب قراء جدد.
يكشف تحليل بعض مواقع الصُّحف العربيّة – أنظر الجدولين رقم 3 و4- على عدم الاستفادة من الخصائص الّتي تتسم بها الصّحافة الرّقميّة، والّتي ذكرناها آنفا، وهي تحديث المحتويات، والكتابة غير الخطيّة، والمتعدّدة الوسائط، ولا تستخدم التّفاعليّة إلا في حدودها الدنيا.
تعتمد جلّ مواقع الصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت على الكتابة الخطية شأنها في ذلك شأن الصّحافة الورقيّة. فلم تستثمر في النّصّ المتشعب بل اكتفت باستخدامه في حدوده الدنيا: الكبس على عناوين المواد الصّحفيّة للاطلاع على محتوياتها أو على المقالات السابقة لبعض الكتاب فقط، أو المواضيع ذات الصلة مثلما هو الأمر في صحيفة الأخبار اللبنانية وأخبار الخليج على سبيل المثال. فالكتابة وفق النّصّ المتشعب تعني إعادة النظر في العمل الصّحفيّ التقليديّ. وبصرف النظر عن بعدها الأنطولوجي والوظيفي في مواقع الصُّحف في شبكة الانترنت، تساهم الوصلات Links الرّقميّة، الّتي تشكل العنصر المكون للنّصّ المتشعب، في تطليق فلسفة المادة الصحفية المغلقة أو الصحافي المكتفي بذاته لأنها تدفع النّص الصحفي إلى الانفتاح على المزيد من المعلومات والبيانات الرّقميّة ذات الصلة، وإلى إقامة حوار ضمني مع القارئ[71]، وتقديم وجهات النظر والحجج الّتي تخدم النّصّ الصّحفيّ أو تدعو القارئ إلى التساؤل. هذا علاوة على أنه يمكن اعتبار النّصّ المتشعب ” حيلة” لشدّ الانتباه الّذي يتعرض إلى منافسة محتدّة تؤجّجها المواقع الإخباريّة في شبكة الانترنت والميديا الاجتماعيّة. ويعتبر النّصّ المتشعب أيضا مصارحة القارئ ضمنيا بشفافية العلاقة مع مصادر الأخبار مما يزيد في منسوب مصداقية المحتويات الّتي تنشرها المواقع الصّحفيّة. ولعل نقطة ضعف الصّحافة العربيّة تكمن في هذا المجال، إذ أنها تتعامل مع مصادر الأخبار بطريقة أقل ما يقال عنها أنها غير شفافة وغير مهنيّة.
الجدول رقم 3: استغلال الإمكانيات الّتي توفرها شبكة الانترنت
الذاكرة | محرك بحث داخلي | التحديث | الأنية | كتابة متعددة الوسائط | النّصّ المتشعب | التّفاعلية | الصّحيفة | |
غير منظم | منظم | |||||||
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الاتحاد | ||
نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | السياسة | ||
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الراية | ||
نعم | نعم | لا | نعم | لا | نعم | عكاظ | ||
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | أخبار الخليج | ||
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | عدن الغد | ||
نعم | نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الأخبار | |
نعم | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | الدستور | |
نعم | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الصباح الجديد | |
نعم | نعم | نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الأهرام |
لا | لا | لا | لا | لا | صدى الأحداث | |||
نعم | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | الناس | |
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الشروق | ||
نعم | نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الخبر | |
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الصباح | ||
نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | السراج الاخباري |
تميل الصّحافة الأجنبيّة إلى استخدام ” الوصلات الرّقميّة” Links ” لربط نصوصها وأرشيفها بغية شدّ القارئ للبقاء أطول مدة ممكنة في موقعها. ولا تلجأ إلى استخدام الروابط الرّقميّة الخارجيّة الّتي تحيل القارئ إلى خارج موقعها في شبكة الانترنت لأسباب معرفيّة فقط، بل لأسباب تجارية أيضا، وذلك لأنّ هذه الوصلات تساهم في زيادة انتشارها وتمنحها الفرصة لكسب المزيد القراء والمعلنين الجدد.
تتنافس مواقع الصُّحف في شبكة الانترنت لأخذ أحسن ترتيب في “الباحوث” المختص في الأخبار، مثل ” غوغل نيوز” Google News، وذلك لأن نصف قراء الصُّحف الأوروبية في شبكة الانترنت في 2013 وصلوا إليها بفضله.[72] ومنذ ذاك التاريخ وعددهم ما انفك يتزايد، ممّا أدى بالصُّحف في البلدان الأوربية) فرنسا، اسبانيا، بلجيكا(… والولايات المتحدة الأمريكية وأخيرا استراليا إلى رفع دعوات قضائية ضد “غوغل” الّذي اتهموه بكسب المال بجهدهم.
بعض الصُّحف العربيّة القليلة الّتي درسناها تستخدم الكلمات المفتاحية، مثل الأهرام المصريّة، بغية الحصول على أفضل ترتيب في هذا الباحوث. لكن كيف تحقّق ذلك وهي تفرِّط في تحديث محتوياتها؟ إنّ التحديث يُعدّ الشرط الأساسي والحاسم في ترتيب الصُّحف الّذي تُعدّه خوارزميات هذا الباحوث. هذا إضافة إلى أنه من المحتمل أن يكون لهذا الترتيب نتائج سلبية على الصّحيفة إن كانت الكلمات المفتاحيّة تقود القارئ، بفضل هذا الباحوث، إلى مواد صحفية خالية من أي قيمة مضافة، بل تجترّ ما تتداوله وكالات الأنباء من أخبار.
في ظل التنافس على جذب الانتباه في البيئة الرّقميّة، وأمام طوفان الأخبار الطافحة في شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فضلت الصُّحف الأجنبيّة أن تكون مرئية أكثر دون التفريط في حق قرائها الّذين يزيد عمرهم عن 50 سنة في قراءة المواد الدسمة. وعلى هذا الأساس اتجهت الصّحافة العربيّة إلى استعمال شرائط الفيديو لنقل الأخبار في مواقعها الرّقميّة، بل أن بعضها أختار نشر أخبار في القناة المرئية الّتي أنشأها، مثل صحيفة الأخبار والراية القطريّة، ويتماشى هذا الاختيار مع الحقائق الّتي تبيّنها الدراسات الميدانيّة القليلة، والّتي تؤكد على أن الشّباب والطلبة في بعض البلدان العربيّة الّذين يتابعون الصُّحف الرّقميّة يفضلون الاطلاع على الأخبار عبر شرائط الفيديو أكثر من النّصّوص المكتوبة[73]. ويساير هذا الاختيار أيضا الاحصائيات الّتي قدمتها احدى الدراسات المسحيّة الّتي جرت في 2017[74] والّتي تكشف على أن مشاهدة الفيديو في الشرق الأوسط وبلدان المغرب العربي ارتفعت في العموم بنسبة 15 % منذ العام 2010، وذلك لزيادة استخدام الهواتف الذّكيّة. فكلّ السعوديين والقطرين والإماراتيين امتلكوا هاتفا ذّكيّا مقابل 80% من الأردنيين و65 % من التونسيين في 2017. وأن أكثر من ثلاثة أرباع من سكان المنطقة العربيّة أصبحوا يتابعون الأخبار عبر هواتفهم.
نعتقد أن استخدام الفيديو في مواقع الصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت بطريقة مستقلة بذاتها يجعلنا نتردّد في القول أن المادة الإعلاميّة في المواقع الرّقميّة للصحافة العربيّة أضحت متعددة الوسائط، أي أنها تستخدم النّصّوص القصيرة والصوتية والمرئية وأشكال الأنفوغرافيا الّتي تجسد شكلا جديدا من السَّرْد الرقمي، الّذي يعرفه “رالف أندرسون” بأنه ” يقوم على تطويع الأدوات الرّقميّة لسرد قصة ما، تحوي وسائط متعددة من نص وفيديو وصورة وصوت، إضافة إلى الأدوات والتطبيقات المتاحة، عن طريق دمجها وفق سيناريو مدروس يوصل القصة بشكل تفاعلي يعكس العقلية الّتي وصل إليها المتلقي بفعل التطور الرقمي”.[75]
لا تقف مواقع الصُّحف العربيّة في مستوى واحد في استخدامها لشريط الفيديو، فهناك فرق واضح بين صحيفة الاتحاد الإماراتية الّتي تقدم بورتريهات صحفية لأبناء الإمارات الّذين تميزوا في مهنهم الفنية أو نشاطهم الخيري، وصحيفة الراية القطرية الّتي تحاور مواطنيها والمقيمين فوق ترابها، وبعض الصُّحف العربيّة الّتي توظف شريط الفيديو لنقل مقاطع من الخطاب الرسمي المهيمن بعد نسخه ونشره في طبعتها الورقية، مثل صحيفة الخبر الجزائرية. وعلى الرغم من هذا التباين في استخدام الفيديو من الصعب القول إن مواقع الصُّحف العربيّة انتقلت إلى السَّرْد التّفاعلي أو الجزم بمساهمة شرائط الفيديو في رفع عدد زوار مواقع هذه الصُّحف وزيادة عدد مشتركيها في ظل غياب الاحصائيات. إن الكتابة وفق منطق الوسائط المتعددة باختيارات تقنية وجمالية متعددة لا يعتبر فعلا مجانيا، بل طريقة لتحقيق قدرا من التّفاعل ومشاركة القارئ.[76]
لعل التعريف الأكثر رواجا وقبولا للتفاعلية هو ذاك الّذي يراها ” كإجراء يمكن لتكنولوجيا الاتصال أن تنشئ بموجبه البيئة الّتي تحولت إلى ميديا والّتي يستطيع المشارك التواصل من خلالها، والمشاركة في تبادل الرسائل”[77]. فهل يسمح هذا التعريف بالاقتناع بأن التّفاعليّة في مواقع الصُّحف في شبكة الانترنت هي تحصيل حاصل لأنها تكمن في قدراتها Affordance التِّقنيَّة؟ وهل وقعت مواقع الصُّحف الجزائرية في شبكة الانترنت ضحية هذا الاقتناع الّذي يفصل المخيال الاجتماعي عن المخيال التقني في الصّحافة الرّقميّة، ويختزل التّفاعليّة في بعدها التقني؟ تقوم بعض مواقع الصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت بإرسال إشعارات لمشتركيها عبر الهواتف الذكية أو البريد الإلكتروني- أنظر الجدول رقم 4- تتضمن عناوين محتوياتها أو تعتمد على آليات الخلاصات RSS لإشعار مشتركيها بالجديد الّذي تنشره. لكن بعض الصُّحف الّتي قمنا بتحليلها لا تدرج حتى العنوان الإلكتروني لقاعة تحريرها، وتكتفي بالعنوان الإلكتروني لقسم الإعلانات والتوزيع! وتكتفي بذكر صندوق بريد مقر الصّحيفة ورقم الفاكس! ولا تسمح بنشر العنوان الإلكتروني لصحافييها وكتابها. ولا ندري مدى تفاعل الصحافيين في الصُّحف الّتي تسمح لهم بتذييل كتابتهم بعنوانهم الإلكتروني الشخصي مع القراء لأن تفاعلهم إن حدث يجري في الغالب في إطار خاص بعيدا عن البنية التنظيميّة للمؤسسة الصُّحفية. وبالتالي لا يبدو له أثر واضح على الممارسة الصُّحفيّة.
تخصص الكثير من الصُّحف خانات للتعليق على ما تنشره، وقد ذكرنا في الجدول رقم 5 أنها غير مفعلة، لاو ندري هل السبب يعود لإدارة الصُّحف الّتي احجمت عن نشر تعليقات القراء على ما تنشره بحجة سياسية أو أخلاقية أو أن القراء لا يعلقون أصلا على ما يقرؤونه. وبصفة عامة، يمكن القول إن الاقبال على التعليقات في بعض الصُّحف العربيّة يظل متواضعا جدا، إذ لا يتجاوز نسبة 0.5% من عدد الّذين اطلعوا على المادة موضوع التعليقات. وتنخفض عن هذا الحد في مواقع الصُّحف الصادرة بلغة أجنبية مثل الفرنسيّة.[78]
تجدر الإشارة إلى أن الصُّحف العربيّة لا تكشف في الغالب عن سياستها في مجال التعليقات الّتي تسمح لها بتأطير مساهمات القراء لتتجنب التجاوزات الّتي يعاقب عليها القانون، مثل بقية الصُّحف الأجنبيّة، كصحيفة لوموند مثلما ذكرنا آنفا، بل تكتفي بتحدّيد عدد الكلمات المتاحة في استمارة التعليقات. حقيقة، لقد بادرت بعض الصُّحف العربيّة بإنشاء مدونات منتديات في مواقعها الإلكترونية ثم تراجعت عنها، إذ اضطرت إلى غلقها لكونها اخذت مسارا يخالف اتجاه الصّحيفة[79]. وهذا التراجع لا يطرح الإشكال الّذي واجهته الصّحافة الأجنبيّة في انتقالها في بيئة الواب، والمتمثل في التوفيق والتناغم بين منطق المؤسسة الصُّحفية ومنطق القراء أو لنقل التفاوض حول “سلطة القول” في الصّحيفة، والّذي كان محل توتر شديد انتهي برسم الحدود بين منتجات الصحافيين ومساهمة القراء[80] بشكل ضمني أو صريح ومدون في ميثاق، كما هو الشأن بالنسبة لصحيفة لوموند الفرنسية. إن هذا التراجع يسائل مدى استعداد هذه الصُّحف لقبول آراء القراء والاضطلاع أيضا بدور منشط النقاش العام ومؤطره في الوقت ذاته، ومدى قدرتها على مراجعة تصورها للقارئ. لعل عدم قيام هذه الصُّحف بتصحيح الأخطاء الواضحة الّتي ترتكبها والّتي يشير إليها القراء في تعليقاتهم: تحديد موقع الأماكن والتواريخ، والأسماء،[81] ناهيك عن الاعتذار لهم، خير دليل على نظرتها لقرائها. قد يقول قائل إن بعض مواقع الصُّحف تستفتي قراءها عبر استطلاعات رأيهم في هذه القضية أو تلك. بالفعل إنها تفعل ذلك لكن جلّها لا يستغل نتائج الاستطلاع، مع الأسف، بصرف النظر عن مدى صحته من أجل إثارة النقاش العام، ودفع القارئ للإحساس بأنه شريك في دينامية التحول الّذي تعيشه الصّحيفة.
الجدول رقم 4: التّفاعليّة في الصُّحف العربيّة
الإعجاب | أكثر قراءة | محتوى تفاعلي | تعليق
|
مدونة إلكترونية | استطلاع الرأي | منتدى | RSS | نشرة إخبارية | الاتصال بالمصادر | الاتصال بكل الصحافيين | الاتصال ببعض الصحافيين | عنوان أو استمارة للاتصال بالصّحيفة | الصّحيفة | |
غير مفعل | مفعل | |||||||||||||
لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | نعم | الاتحاد | |||
لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | السياسة | ||||
لا | نعم | لا | نعم | لا | نعم | نعم | لا | نعم | نعم | الراية | ||||
لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | نعم | عكاظ | |||
لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | نعم | أخبار الخليج | ||||
لا | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | نعم | عدن الغد | |||
لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الأخبار | ||
لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | نعم | الدستور | |||
لا | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | نعم | الصباح الجديد | |||
نعم | نعم | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الأهرام | ||
لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | صدى الأحداث | ||||
لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الناس | ||
لا | لا | لا | نعم | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الشروق | ||
لا | نعم | لا | نعم | لا | نعم | لا | نعم | لا | لا | لا | نعم | الخبر | ||
لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | نعم | الصباح | ||
لا | لا | لا | نعم | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | السراج الاخباري |
لا يستشف مما سبق ذكره أي تقديس للتفاعلية، وغيابها لا يدل على أن موقع الصّحيفة ضعيف أو سيء، بل يمكن أن يقدم خدمة ممتازة لقرائه الّذين يطالبون بالأخبار المختصرة والمكثفة والّتي يتم تحديثها نهارا وليلا[82]. لكن هذا الأمر صعب التحقيق في المنطقة العربيّة الّتي تعكف مواقعها في شبكة الانترنت على إعادة نشر برقيات وكالات الأنباء، الّتي تبثها وسائل الإعلام الأخرى، دون أي تحديث. وهذا الأمر يضعها في وضع المنافس الضعيف للمواقع الإخبارية في شبكة الانترنت المتحرّرة من المسؤولية المهنيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة الّتي تتحملها الصّحيفة.
لم تتردّد جلّ الصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت عن استعمال مواقع التواصل الاجتماعي- أنظر الجدول رقم 6- لكن دون وعي برهانات اتصالها. هذا ما يتضح من خلال صب “محتويات النسخة الورقية” ذاتها في مختلف مواقع هذه الشبكات دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصية مستخدميها. فما معنى أن تنشر صحيفة يومية شاملة، مثل صحيفة السراج الإخباري الموريتانية، بعض محتوياتها الموجهة للعامة في موقع مهني مثل ” لينكد إن”؟ بالفعل لقد قامت صحيفة لوموند بذلك لأنها تصدر العديد من الملاحق المتخصصة الّتي يشرف عليها مختصون وتوجه إلى مهنيين في شتى المجالات. وما معنى أن تنشر ملخصات نصّيّة لمحتويات الصّحيفة في موقع ” انستغرام” المخصص لتبادل الصور وشرائط الفيديو؟ ولا تراعي حتى طبيعة مستخدمي هذه المواقع.
إن الغاية المرجوة من استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية لا تكمن في النشر، بل تشكيل جماعات Communities مرتبطة بالصّحيفة. وإن كنا لا ننفي احتمال تقاطع هذه الجماعات فإنها تتطلب متابعة ومهارات في إدارتها تفتقدها هذه الصُّحف. لذا نعتقد أن السؤال: كيف ساهم استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية في تحويل العلاقة بين الصّحافة والصحافيين والقراء؟ والّذي شغل الباحثين والصحافيين الأجانب منذ أزيد من عقد[83]، لا محل له من الاعراب في الصّحافة العربيّة.
لم تحقّق مواقع الشبكات الاجتماعيّة عائدا ماليًّا للصحف الأجنبيّة لكنها ساهمت في توسيع مرؤويتها في الفضاء الافتراضي، وفي إضفاء مسحة إنسانية عليها. وأضحى استعمالها بمثابة ” حيلة ” تستخدمها الصُّحف لتشكيل جماعات Communities وللتقرّب من الشّباب والانخراط معهم في انشغالاتهم وجرهم تدريجيا نحو “المواد الإعلامية الكلاسيكية” لتعويض قرائها الّذين شاخوا[84].
الجدول رقم 5 : حضور الصُّحف العربيّة في مواقع الشبكات الاجتماعية
Tumbler | Telegram | Snapchat | Tic Toc | Timber | YouTube | الصّحيفة | ||||||
x | x | x | x | الاتحاد | ||||||||
x | x | x | x | السياسة | ||||||||
x | x | x | x | x | x | الراية | ||||||
x | x | x | x | x | x | عكاظ | ||||||
x | x | x | أخبار الخليج | |||||||||
x | x | x | عدن الغد | |||||||||
x | x | x | x | الأخبار- | ||||||||
x | x | x | x | x | x | الدستور | ||||||
x | x | x | الصباح الجديد | |||||||||
x | الأهرام | |||||||||||
x | x | صدى الأحداث | ||||||||||
x | x | x | x | الناس | ||||||||
x | x | x | x | x | x | x | الشروق | |||||
x | x | x | الخبر | |||||||||
x | x | x | x | x | x | الصباح | ||||||
x | x | x | x | السراج الاخباري |
ما سبق ذكره لا يجب أن ينسينا أن أبرز صعوبة تعاني منها الصّحافة العربيّة تتمثل في غياب نموذج اقتصادي يلائم خصوصيتها. فالنموذج السابق القائم على عائدات الإعلان ومبيعات الصُّحف الورقيّة قد كشف عن محدوديته في ظلّ التحولات الّتي تعيشها الصّحافة. والإعانات غير المباشرة والمباشرة الّتي تقدمها الدولة للنهوض بالصّحافة لم تستطع أن تنقذ العديد من المؤسسات الصّحفيّة الّتي لا تملك رؤية عصرية ومقدامة ومتبصرة لمستقبلها، وما استطاعت تقديمه هو التقليل من خسائرها[85] فقط، حتّى وإن كانت هذه الإعانات توزع على الصُّحف بعيدا عن كل شفافية[86] وتقترن في الغالب بالمساومة على خطها الافتتاحي. أما النمط الجديد القائم على تقييد النفاذ إلى محتويات الصُّحف في مواقعها في شبكة الانترنت Paywall، لإجبار القارئ على دفع مقابل مالي وفق اختيارات متعدّدة، والّذي أصبح يساهم نسبة 66% من دخل الصُّحف وبنسبة71% من عائدات المجلات الأوربية[87]، لم تلجأ إليه الكثير من الصحف العربيّة، ويبدو أنه غير مشجع للصحف القليلة الّتي شرعت في استعماله،[88] لأنه لم يتمكن بعد من تغطية سوى 5% من نفقات بعض الصحف المغربيّة، على سبيل المثال، ومن الصعب التعويل عليه في الظروف الحالية لتعويض خسائر الصحف الناجمة عن تراجع مبيعات النسخ الورقية، وانخفاض عائد الإعلانات [89]. وعلى الرغم من رمزية الاشتراك في الصحف الرّقميّة في البلدان العربيّة[90]إلا أن نسبة القراء غير المستعدين لدفع أي مقابل مالي لقراءة الصحف الرّقميّة كبيرة. لقد قدرت بـ 74 %في الأردن، و75 % في قطر، و61 % في تونس.[91] وحتىّ تغري القراء بدفع هذا المقابل المالي على الصحف العربيّة أن تتوفر على مجموعة الشروط، منها على وجه التحديد تقديم مادة صحفية ثرية ومتنوعة تختلف عن تلك المتوفرة مجانا في شبكة الانترنت ومواقع الشبكات الاجتماعيّة. وخلاصة القول في هذا الباب أن مواقع الصحف العربيّة في شبكة الانترنت لم تتمكن بعد من تمويل ذاتها، بل أن بعضها شكل عباءً ماليًّا إضافيًّا على الطبعة الورقيّة عوضا أن يساهم في انقاذها، مثلما فعلت بالنسبة للعيد من الصحف الأجنبيّة.
أزمة الصّحافة الورقيّة الأجنبيّة واستراتيجية “نيويورك تايمز” و”لوموند” للخروج منها.
يؤكد كل الكتاب والصحافيين- كما هو مبيّن في الجدول رقم 1- أن هشاشة وضع الصّحافة العربيّة لا تشكل حالة استثنائية، بل إنّها جزء من أزمة عالميّة. وهذا حق أريد منه باطل كما سنبين ذلك من خلال استجلاء بعض العوامل الّتي كانت فاعلة في أزمة بعض الصحف الأجنبيّة، الفرنسية والأمريكية تحديدا.
وتشير بعض البحوث الميدانيّة الّتي أُجْريت في قاعات تحرير الصحف الورقية في هذا البلد العربي أو ذاك إلى اقتناع عدد متزايد من صحافيي الصحف الورقيّة أن مصيرها الزوال، بجانب حكم الكثيرين منهم بأن أزمة الصّحافة الورقيّة لا حل لها.[92] وهذا ما سنحاول أن ننفيه من خلال استعراض استراتيجيتي صحيفة “نيويورك تايمز” و”لوموند” للخروج من الأزمة. لقد تم اختيارهما لكونهما يمثلان تجربتين مختلفتين، وأن كليهما أصبح يمثل مرجعًا في انقاذ النسخة الورقيّة من الإفلاس وفي التطوير المتجدّد للنسخة الرقميّة في آن واحد.
على الرغم من اختلاف الأنظمة السّياسيّة والتّشريعات القانونيّة في البلدان الغربيّة إلا أن الصّحافة ظلّت تمثل منبرا فاعلا في النقاش العمومي في البلدان الديمقراطيّة، وأداة مُعَزِّزة للتعدّدية الإعلاميّة الّتي تعكس تنوع الآراء المختلفة في المجتمع.[93] وتسهر الدولة، الّتي تمثل القاضي، على ضمان هذا التنوع إيمانًا منها بأن الديمقراطيّة تنعدم في غياب التعدّدية الإعلاميّة ومصادرة الحق في الإعلام. لذا فإن موت الصّحيفة في هذه البلدان يمثل خسارة سياسيّة وفكريّة تدفع الديمقراطية ثمنها. لهذا السبب تلحّ جلّ التشريعات في البلدان المذكورة على ضرورة ضمان تعدّدية الإعلام وتحدّد إجراءاتها التنفيذيّة. وتقنّن الإعانات المباشرة وغير المباشرة الّتي تستفيد منها الصّحافة، مثل الاعفاء من ضريبة القيمة المضافة، ورسوم البريد بالنسبة لتوزيع الصُّحف عبر الاشتراكات، ومساعدة الموزعين على إيصال الصُّحف إلى القراء، وغيرها. ففرنسا على سبيل المثال خصصت 900 مليون يورو لمساعدة الصّحافة على تجاوز صعوباتها ولمرافقتها في انتقالها إلى البيئة الرّقميّة في 2010.[94] هذا إضافة إلى المساعدة من أجل عصرنة المطابع والتخفيف من أعبائها الماليّة. وتعاملت لأول مرة مع صحافة الانترنت، مثل) Rue89, Mediapart (على قدم المساواة مع الصُّحف الورقيّة. فخصصت لها 60 مليون يورو لمدة ثلاث سنوات.[95] وعلى الرغم مما تثيره هذه الإعانة من خلاف حول جدواها وطبيعة الصُّحف المنتفعة منها إلا أنها تتم في أطر قانونيّة وبكل شفافيّة. ولا تفقد الصُّحف بموجبها استقلاليتها. وفرنسا لا تشكل استثناءً في الدول المتقدمة، رغم ما يُقال عن سخائها مع الصّحافة. فجلّ الدول الأوربية تمنح إعانات مباشرة للصحف مثل الدنمرك، وبلجيكا، ولوكسمبورغ، وهولندا، والسويد، والنمسا،[96]، وأخرى تضيف لها إعانات غير مباشرة.
لقد أعطت هذه الإعانات دفعة قوّية لصحافة الانترنت وأطالت عمر العديد من الصُّحف الورقيّة لكنها لم تقدم الحل الأمثل لإخراجها من أزمتها. لقد أشرنا إلى هذه الإعانات لتوضيح جانبا فقط من الفرق بين الصّحافة في البلدان العربيّة والبلدان الأوربيّة المتقدمة. ففي عز الأزمة سحبت بعض الدول العربيّة الإعانات غير المباشرة التي كانت تمنحها للصحف، وكأنها تريد بذلك التخلص من عباء ثقيل.
إن كانت الصّحافة الورقيّة تعاني من الأزمة في البلدان الصناعية المتقدمة فإن وطأتها تختلف من بلد إلى أخر، ومن صحيفة إلى أخرى. ويبدو أن الصُّحف اليوميّة تضرّرت منها أكثر من الصّحافة المتخصصة والمجلات الشعبية People الّتي لازلت صامدة، بهذا القدر أو ذاك، وتقاوم، بل أن بعضها استطاع الخروج من هذه الأزمة.
وبصرف النظر عن التباين في أوضاع الصّحافة في البلدان الغربيّة، يمكن حصر أبرز أسباب أزمتها في الولايات المتحدة وفرنسا، فيما يلي:
1-إن النمط الاقتصادي الكلاسيكي، الّذي ظهر في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وتحكم في الصُّحف لمدة تزيد عن القرنين بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة. لقد تمثل هذا النمط في تخفيض سعر بيع الجريدة في السوق بغية توسيع قاعدة قرائها المحتملين. والاعتماد المتزايد على عائدات الإعلان في تمويلها. لذا قيل إن الجريدة تباع مرتين في الوقت ذاته: مرة للقراء ومرة للمعلنين.
لقد استثمر هذا النمط الاقتصادي إلى أقصى حد، فأصبحت الصُّحف تباع للزبون الثاني فقط؛ أي المُعْلِن. وهذا ما تجسد في الصُّحف المجانيّة الّتي ظهرت في منتصف تسعينات القرن الماضي. ونُسب لها الضرّر الّذي لحق بالصّحافة نتيجة تراجع سوق الإعلان في العالم، وتراجع نصيب الصُّحف من عائداته. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، انخفض نصيب الصُّحف الورقيّة من الإعلان بـ 60 % خلال الفترة الممتدة من العام 2000 إلى 2008.[97] وقد ترتب عن هذا الانخفاض تراجع توزيع الصُّحف بالنسب التالية: 5.18% في الولايات المحتدة الأمريكيّة، و5.85% في أوربا، و2.52 % في اليابان خلال الفترة الممتدة من 2003 إلى 2007 [98]. وحتّى الصُّحف المجانيّة ذاتها عانت من هذا التراجع في أكثر من بلد. فالصّحيفة الفرنسيّة المجانيّة 20 Minutes، على سبيل المثال أضحت توزع 932 307 في 2019 بعد أن كانت توزع مليوني نسخة يوميًّا في 2005.
إن أزمة الصّحافة في الولايات المتحدة الأمريكيّة تاريخية ولا ترتبط عضويا بشبكة الأنترنت. أنها تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، إذ ظلّت في يد العائلات الثرية الّتي توارثتها أبا عن جد، وحقّقت بفضلها أرباحا طائلة في منتصف القرن 20، مما أغرى العديد من المستثمرين بالاستدانة من البنوك لإنشاء صُّحف أو شراء بعضها. فشهد قطاع الصّحافة حركة اندماج واسعة تُوجت بتأسيس شركات استثماريّة كبرى ذات أسهم مربحة في البورصة. ولم تستثمر أرباحها في تحديث قاعات التحرير وتطوير إنتاجها، بل وجهت إلى رفع نصيب أصحاب الأسهم من الأرباح[99]. وبعد تراجع توزيع الصُّحف في الولايات المتحدة وانخفاض حصتها من عائدات الإعلان تراكمت ديونها.
أما مصدر أزمة الصّحافة في فرنسا فيمكن القول إنّه فلسفي. لقد ظلت فرنسا مؤمنة بأن الصّحافة تمثل مرفقا عاما يعمل لصالح النفع العام وضمان حرية التعبير. لذا حرصت على سن القوانين المناهضة للاحتكار في قطاع الإعلام. وقد ترتب عن هذا الحرص ضعف رأسمال الصُّحف الّذي تحتاجه لتطوير بنيتها القاعدية حتىّ تواكب التطور التكنولوجي. فلجأت إلى رجال المال والأعمال وأرباب الصناعة الّذين تولوا إدارتها بالذهنية الّتي كانوا يديرون بها أي مشروع صناعي أو تجاري دون الوعي بخصوصيتها![100] استطاعت بعض الصُّحف، مثل صحيفة “لوموند” إدراك التحولات الّتي تنتظر الصناعة الصّحفيّة فتبنت استراتيجيا مقدامة للخروج من الأزمة، كما هو مبين في الجدول رقم 6.
2- سقطت الصّحافة الورقيّة فيما يسميه الباحثان ” فيلب مايير”) Philip Meyer (و “يوان زهانغ “) (Yuan Zhang بلولب الموت” Death spiral.[101] ولخصاه في القول إنّ الصُّحف الّتي تعاني من وطأة الأزمة اضطرت إلى تقليص ميزانيّاتها. فتراجعت نوعية المواد الصّحفيّة الّتي تنشرها إلى درجة انصراف القراء عنها، فقلت مبيعاتها ممّا أدى إلى تراجع نصيبها من عائدات الإعلان. واضطرت، مرة أخرى، إلى تقليص الميزانيّة والاستغناء عن المزيد من الصحافيين. والنتيجة الاستمرار في تقديم مادة إعلاميّة هزيلة تنفّر القراء منها، وهكذا دوالك.
3-فَهم مسؤولو الصّحافة الورقيّة أن النشر في شبكة الانترنت في مطلع الألفية يخفّف من كلفة الإنتاج، إذ يوفر لهم ثمن الورق والطباعة والتوزيع الّذي يثقل كاهلهم. ولم يقدّروا إلا متأخرين التحولات الّتي أحدثتها شبكة الانترنت في قطاع الصّحافة الورقيّة. لقد اعتقدوا أن خطر هذه الأخيرة يكمن في مجانيّة الأخبار الّتي تنشرها، وليس في سحب احتكار الإعلام من قبضتها وقبضة غيرها من وسائل الإعلام التقليديّة. لقد رأوا، مثل جلّ الصُّحف العربيّة، أن شبكة الانترنت مجرد حامل جديد لنشر المحتويات، ولم يعملوا على توثيق علاقاتهم بالقراء الّذين يقدمونهم ” لقمة صائغة” للمعلنين. لذا نلاحظ أن بعض الصُّحف الأمريكيّة، مثل نيويورك تايمز، قامت بتصحيح هذا المسار. فمنحت الأولوية لقرائها قبل المعلنين. ونجحت في ذلك.
أقتنع المستثمرون في الصناعة الصّحفيّة وملاك الجرائد في الدول الغربيّة في 2000 أن التكنولوجيا الرّقميّة تعمق أزمة الصّحافة، ومن المتوقع أن تقضي عليها إن لم يتخذوا زمام المبادرة بالإجابة عن السؤال التالي: هل بالإمكان الحفاظ على صحفهم الورقيّة وجعلها رقميّة أكثر؟ تعددت الإجابة عن هذا السؤال حسب القدرة التنافسية لكل صحيفة وموقعها في المنظومة الإعلاميّة الوطنية والدوليّة، ومواردها البشريّة، وقدرتها على التكيّف مع البيئة الرّقميّة. ومهما اختلفت الإجابة عن هذا السؤال فالأمر يتطلب مرحلة انتقالية. فصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية العريقة، الّتي تأسست في 1851، والّتي كادت تعلن افلاسها في 2000، بعد أن تنازلت على جلّ ممتلكاتها واستغنت عن خدمات عُشر أعوانها، حدّدت هدفا أوليًّا، وهو تحويل قراء الصّحيفة إلى مشتركين، ثّم منح نسخة رقميّة للمشتركين في النسخة الورقيّة، وتحويلهم تدريجيا إلى مشتركين في هذه النسخة بمقابل مالي[102]. وقد تحقّق هذا الهدف في نهاية 2013 حيث زاد عدد المشتركين في النسخة الرّقميّة عن عدد المشتركين في النسخة الورقيّة، إذ بلغ عددهم799 ألف مقابل 731 ألف مشتركا في النسخة الورقيّة، بل أن 90% من قراء هذه النسخة اختاروا أيضا الطبعة الرّقميّة[103]. ليس هذا فحسب، بل أن عدد المشتركين في الصّحيفة تجاوز الأربعة ملايين، ثلاثة ملايين منهم اشترك في النسخة الرّقميّة في الفصل الثالث من السنة 2018. لقد حقّقت نسبة زيادة قدّرت بـ 24.4% سنويا[104]. فأضحى القراء يساهمون بنسبة%70 في مواردها الماليّة في 2020 بعد أن كانت نسبتهم لا تتجاوز 50% في 2011. [105]
إن النتائج الّتي حقّقتها هذه الصّحيفة هي ثمرة نقاش استند إلى الاقتناع بضرورة المخاطرة والتخلي عن بعض تقاليد الصّحافة الورقيّة، وهذا ما عبر عنه التقرير الداخلي الّذي أعده رئيس تحرير صحيفة نيويورك تايمز باسم مشروع للسنة 2020. [106]ورسم فيه الخطوط العريضة للاستراتيجيا الّتي يجب أن تتبناها الصّحيفة، والّتي استندت العوامل التالية: دراسة استراتيجيا المؤسسات الصّحفيّة المنافسة، استيعاب التحولات التكنولوجيّة، دراسة سلوك القراء ومستخدمي موقع ومنصات الصّحيفة. وفيما يلي أبرز الخطوط العريضة لهذه الاستراتيجية:
- دفع مقابل مالي للاطلاع على بعض محتويات الصّحيفة Metered Paywall، بدل سياسة ” الكل مجاني”، أي النفاذ إلى كل محتويات موقع الصّحيفة دون رسوم، والّتي سادت من 1996 إلى 2011- أنظر الجدول رقم 6-
2-جعل الصّحيفة مؤسسة لإدارة البيانات Data-Driven من خلال تشكيل فريق ذي كفاءة في هذا المجال لجمع بيانات تفصيلية ودقيقة عن قراء الصّحيفة في الواب: سنهم، مستواهم التعليمي، مقر تواجدهم، موقعهم الاجتماعي. وكيفية تفاعلهم مع موقعها. وبهذا تمكّنت من الاطلاع على سبب عزوف القراء عن قراءة المواد الصّحفيّة المصاغة بالطرق التقليدية) بعدها المرئي ضعيف، وقيمتها المضافة متواضعة…(، أي إنها شبيهة بالمواد الصحفية المتوفرة في المواقع الإخباريّة المجانيّة.
3-تفضيل القارئ على المعلن: سعت الصّحيفة إلى كسب رضا القارئ قبل المعلن. لذا منحته الأدوات الّتي تمكنه من متابعة تطور الأحداث بيسر وفهمها من خلال تحديث المحتويات وتسهيل العثور عليها بسرعة، وابتكار أشكال جديدة من السَّرْد باستخدام تكنولوجيا الأبعاد الثلاثية والوسائط المتعدّدة، وتأطير التعليقات على ما تنشره من محتويات.
4-الانزياح أكثر نحو صحافة الخدمات: تقديم كل ما من شأنه تيسير الحياة اليوميّة للقارئ إضافة إلى الأخبار والاستشارات الّتي يحتاجها، والّتي تضفي على الصّحيفة الطابع الاجتماعي أكثر.
5-تعزيز عنصر التنوع البشري في هيئة تحرير الصّحيفة من ناحية النوع: ذكر/أنثى، السن، العرق، الدين لتتناغم أكثر مع التنوع السائد في أوساط القراء.
6-المهارة في تطوير منتجات جديدة: عملت الصّحيفة على التجريب والمجازفة إذ راهنت على بعض المنتجات وأخفقت في بعضها، مثل ” المدونات الإلكترونية المباشرة، و” وتطبيق خاص برأي الصّحيفة” NYT Opinion. وحققت نجاحا صحفيًّا باهرًا في بعضها الأخر، مثل التطبيق الرقمي المسمى ” نيويورك تايمز الآن” الموجه لفئة الشّباب، و”نيويورك تايمز الطبخ” الّذي يمكن متابعته مجانا، وغيرها من التطبيقات والاختيارات المتاحة عبر مختلف الحوامل: الهاتف الذّكيّ، اللوح الرقميّ، الكمبيوتر، وهذا الأمر تطلب من الصّحيفة إعادة تشخيص هويّة كل قسم في الجريدة، وتحديد أهدافه في المؤسسة.
إن الابتعاد عن تقاليد الصّحافة المكتوبة لا يعني اهمال النسخة الورقيّة، بل بالعكس لقد استفادت هذه الأخيرة من التحول الرقميّ الّذي تعيشه المؤسسة، وأصبحت تقدم محتوى نوعيّ يجذب الكثير من القراء. ويعتقد المدير العام للصحيفة أن التحولات الّتي عاشتها وتعيشها نيويورك تايمز لم تجعلها تفرط في ثقافتها ولا في مهنتها المتمثلة في إنتاج صحافة الجودة الّتي تستأهل أن يدفع القارئ المقابل المالي للاطلاع على محتوياتها[107]. وهكذا استطاعت هذه الصّحيفة الانتقال من وضعية صحيفة كبرى تنافس نظرائها إلى مؤسسة ثقافيّة ذات أهمية عالميّة.[108]
عاشت صحيفة “لوموند” مرحلة عصيبة كادت أن تعصف بها، إذ سجلت سلسلة من الاستقالات لطاقمها المسير، وازدادت خسائرها من سنة إلى أخرى لتبلغ 15 مليون يورو في السنة 2017 وحدها. وتراجع توزيعها بنسبة 10 %، وانخفضت معه عائداتها من الإعلان بـــ 40 % خلال السنوات الأربع الّتي سبقت هذا التاريخ.[109] لكنها بدأت تستعيد عافيتها بدءًا من 2019، إذ رفعت عدد صحافيين إلى 500 صحافي بعد أن كان عددهم لا يزيد عن 400 صحافي في 2014. وبالمقابل قلصت عدد المواد الصّحفيّة الّتي تنشرها بنسبة 14% لتركز على الكتابة المتأنية والمعمقة.[110] وارتفع عدد مشتركيها لأول مرة في تاريخها ليبلغ 531 ألف مشتركا: 414 ألف مشتركا في النسخة الرّقميّة، و87 ألف مشتركا في النسخة الورقيّة، يضاف لهم 30 ألف قارئ يشترى نسختها الورقيّة يومياًّ داخل فرنسا وخارجها. وهكذا تمكنت من رفع عدد مشتركيها الرقميين ليتجاوزوا نسبة مشتركي الطبعة الورقيّة بأكثر من أربع مرات.[111]
نجحت الخطة الّتي اتبعتها الصّحيفة للخروج من الأزمة، ويأتي في مقدمتها تشكيل مجمع صحفي بتمويل من أرباب المال نسبة 72.5%، مع فصل السلطات بين المستثمرين وهيئة المحررين عبر إبرام ميثاق لأخلاقيات العمل في 2010 يحدّد ” حقوق وواجبات المستثمرين” يلزمهم بعدم التدخل في نشاط قاعة التحرير، أي عدم فرض نشر مادة صحفية، أو تغيير مضمون مقال صحفي أو منع نشره”. وبهذا استطاعت أن تحدّ، بهذا القدر أو ذاك، من الاضطراب في العلاقة بالمستثمرين والقوى السّياسيّة المختلفة من جهة أخرى، وقاعة التحرير من جهة أخرى.
يوعز البعض نجاح صحيفة لوموند إلى إعانات الدولة الفرنسيّة لأنها حصلت على التوالي على 17 مليون يورو[112] في 2010 وعلى 16.9 مليون يورو في 2011 وعلى 18.6 مليون يورو في 2012، [113]وبهذا أضحت على رأس الصّحف المستفيدة من الإعانات الماليّة المباشرة المخصصة لدعم توزيع النسخ الورقيّة، وعصرنة قاعة التحرير، والانتقال إلى البيئة الرّقميّة مع كسب أكبر عدد من القراء الشّباب، ناهيك عن الإعانات غير المباشرة الّتي تحصل عليها الصُّحف الفرنسيّة والّتي تتمثل في خصم نسبة 2.1% من رسوم القيمة المضافة المفروضة على الصُّحف، و20% من قيمة الاشتراكات لصناديق التأمين الاجتماعي، والإعفاء من تكلفة الخدمات البريديّة وتخفيض سعر الاتصالات.[114]
ولئن ساعدت هذه الإعانات الصّحيفة في النهوض من أزمتها إلا أنها لا تستطيع أن تخفي الجهود المبذولة لتطويرها. لقد استثمرت كثيرا في البيانات وشكلت منها قاعدة ضخمة يستفيد منها صحافيوها لتقديم مادة صحفية معمقة ودسمة يرضى عنها القراء الّذين يدفعون مقابلا ماليا لقراءتها. وسعت إلى احداث التقارب الثقافي بين صحافيي النسختين الرّقميّة والورقيّة، إذ أصبح هؤلاء يوظفون تقنيات صحافة البيانات في منتجاتهم الصّحفيّة. وعززت قدراتها في استغلال مواقع الشبكات الاجتماعية لجعل قرائها شركاء، وليس مجرد متصفحي محتويات ما تنشره. لقد أوكلت مهمة معالجة التعليقات على محتوياتها في موقعها شبكة الانترنت) 4 آلاف تعليق يوميا ( وفي موقع الفيسبوك ) 11 ألف رسالة يوميا( لشركة خاصة في مدغشقر، وذلك نظرا لارتفاع تكلفة هذه المهمة. ومن باب الفاعلية زودتها بـ “ميثاق المساهمات” لتجنب القذف والشتم وحتى المجاملات، وتشجيع تلك الّتي تثري النقاش، خاصة بين المشتركين[115].
اختارت الصّحيفة نمطا اقتصاديٌّا هجينا: موقع إلكتروني يسمح للقارئ بالاطلاع على عناوينها ومقدمات بعض المواد الصّحفيّة ممولاً بعائدات الإعلانات، مع نظام تقييد النفاذ إلى محتوياتها منذ 2010، يسمح للقراء بــ “شراء” المادة الصّحفيّة الّتي تهمهم أو الاشتراك في نسخة الرّقميّة في قالب البي دي أف PDF الّتي تُثرى بمواد صحفيّة من النسخة الورقيّة. وبهذا تحولت صحيفة لوموند إلى نموذج تحتذي به الصّحافة الفرنسيّة[116].
لم تزد عائدات الصّحيفة من الإعلانات عن نسبة 22 % من رقم أعمالها في 2020، بينما ارتفعت نسبة مبيعاتها إلى 68% موزعة كالتالي: 25% من الاشتراك في النسخة الرّقميّة، و23% من المبيعات في الأكشاك، و20% من الاشتراك في الطبعة الورقيّة.[117] وتدلّ هذه الاحصائيات على أن الصّحيفة لم تستسلم إلى منطق النشر الرقميّ الكامل، والتخلي عن النسخة الورقيّة. بل بالعكس، لقد طورت مؤسسة “لوموند” بعض المجلات الأسبوعية والشهرية، نذكر منها ” لوموند ديبلوماتيك، ولافي – La vie و”كوري انترناسيونال” الّتي لازالت تحتفظ بقرائها الأوفياء. ولازالت تعمل على تنويع منتجاتها بملاحق، وصفحات متخصصة في الفنون والسينما والمسرح، التكنولوجيا الرّقميّة، والأدب، والاقتصاد والمال، المودة، وغيرها لتصل إلى شرائح مختلفة من الجمهور داخل فرنسا والمنطقة الناطقة باللغة الفرنسيّة.
الجدول رقم 6: التدابير العملية لتجسيد استراتيجية الصحيفتين: نيويورك تايمز و” لوموند”
ابتكار النمط الاقتصادي | صحيفة نيويورك تايمز | ||||
الرعاية المالية | الإعلان | المبيعات/ الاشتراك | |||
التركيز على المشاريع
الّتي تجلب الرعاية المالية مثل: رعاية ” صفحة السفريات “ من قبل خريطة “غوغل إرث” |
§ إعلان مشخص
على مقاس كل قارئ
§ إعلان متغير بتغيير الوقت تحت مسمى Mobil Moment
§ شريط إعلاني لتمويل الربورتاجات |
§ التراجع التدريجي عن مجانية القراءة منذ 2011: من 20 مقال إلى 5 مقالات مجانية شهريا.
§ الاشتراك الأسبوعي للنسخة الرّقميّة بـ 0.25 دولار قصد بلوغ القراء داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها عرض أنواع مختلفة من الاشتراكات في 2011 تعكس تنوع القراء: ) الواب+هاتف ذكي( )الواب+اللوح الرقمي ( – الاشتراك في النسخة الورقيّة + كل الحوامل الرّقميّة (
§ إشعار القراء بالأحداث عبر نشرة الأخبار المشخصة حسب اهتمامات القراء.
|
|||
استراتيجيا الكتابة والتحرير والإنتاج | |||||
إدماج الميديا الاجتماعية | تنوع المحتوى | التغيير في قاعة التحرير | |||
استخدام Podcast
استخدام منصة Wechat لنشر موادها باللغة الصينية
استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل Snapchat والفيسبوك لتعريف العالم إلى الصّحيفة، وإقامة علاقة دائمة مع مستخدمي هذه المواقع.
على كل صحافي إرسال 5 تغريدات عبر موقع تويتر عن كل مقال من مقالته
إصدار نسخة باللغة البرتغالية قصد بلوغ القراء في البرازيل |
تحديث المحتويات كل ثلاث ساعات[118]
كتابة النّصّ المتشعب، والاعتماد على الوسائط المتعددة واستخدام تقنية الأبعاد الثلاثية3D جعل الصّحيفة اجتماعية أكثر [119] الاستثمار في الصّحافة ذات الجودة العالية ترقية التعليقات على المواد المنشورة من أجل إشراك القراء لشّباب في الصّحيفة – 40% من القراء على الحوامل المتنقلة هم أقل من 35 سنة [120] ترجمة بعض المقالات إلى اللغة الاسبانية والصينية قصد بلوغ القراء باللغتين. التحسين المستمر لواجهة الصّحيفة في موقع شبكة الانترنت لرفع عدد القراء وإبقائهم لأطول فترة.
استغلال 14.7 مليون مقال من الأرشيف الّتي تمتد إلى 1851 لإنتاج مواد إعلامية في مختلف المجالات: السينما، المسرح، الفنون، التاريخ والعمران……. تطوير ” اختبار Quiz للهجات المستخدمين الّذي يحظى بإقبال كبير |
تشكيل فريق من 1300 شخص للطبعة الرّقميّة
إنشاء قاعة تحرير موحدة للطبعتين، الورقيّة والرّقميّة
جعل القراء امتدادا لقاعة التحرير دون أن تفقد الصّحيفة شخصيتها.
اتاحة الفرصة لأفضل الكفاءات في المحال الرقمي لتفجير طاقتها داخل قاعة التحرير
تعين رئيس تحرير مسؤول عن الرّقمنة إنشاء فريق خاص بالميديا الاجتماعية لجمع البيانات والأخبار وللنشر والمتابعة
تعيين محررين يسهرون على زيادة انتشار أي مادة إعلامية
عدم التركيز في اجتماعات التحرير على محتويات الصفحة الأولى والاهتمام بكيفية التغطية الإعلامية في الطبعتين وعبر المنصات الرّقميّة المختلفة
تشرف قاعة التحرير على كل الإدراجات في مواقع الشبكات ومتابعتها
استفادة قاعة التحرير من برنامج «نيوز أنالتيك ” لتحليل كيفية تفاعل القراء مع موقع الصّحيفة |
|||
ابتكار النمط الاقتصادي | صحيفة لوموند | ||||
الرعاية المالية | الإعلان | المبيعات/ الاشتراك | |||
الحصول على إعانة مباشرة وغير مباشرة من الدولة للطبعتين: الورقيّة، والرّقميّة
تبرعات مالية من مؤسسات وهيئات خاصة
الرعاية المالية للملاحق والملفات الصّحفيّة دون منح الراعي حق للراعي في المحتويات
الحصول على أموال من موقع الفيسبوك جراء المساهمة في عدة التحري حول صحة الأخبار والبيانات الّتي تسمح للموقع المذكور من الكشف عن الأخبار غير الموثوق فيها الحصول على أموال MSN من بوابة ميكروسوفت جراء نشر موادها في الموقع الإلكتروني |
إنشاء منصة Skyline بالاشتراك مع صحيفة الفيغارو لشراء الإعلانات الرّقميّة من المعلنين لمواجهة موقع الفيسبوك وغوغل
الاستمرار في تطوير الإعلانات مع الحفاظ على الاستقلالية من المعلنين بتنويع مصادر دخل الصّحيفة
ابرام اتفاق مع صحيفة نيويورك تايمز من أجل ترجمة ونشر ” دليل المستهلكين Wirecutter
|
الاشتراك الشهري الثلاثي:
(web, iPhone, iPad). سمح بزيادة الاشتراكات
الرهان على تحويل مستخدمي الانترنت إلى مشتركي الطبعة الرّقميّة، أو زبائن بالقطعة أو الاشتراك الشهري أو السنوي للنسخة الرّقميّة.
ترقية الاشتراك في النسخة الورقيّة ورفع عدد زبائنها في الأكشاك،
ارسال نشرة يومية عبر البريد تتضمن فهرس المواد الصّحفيّة لكل زوار موقع الصّحيفة
استخدام صيغة ” Freemium” [121] الّتي تتيح للقراء من الاطلاع على بعض المواد مجانا مثل الفيديوهات القصيرة، ومقدمات بعض المواد، بينما تخصص المقالات المعمقة والدراسات والربورتاجات للمشتركين سواء في الطبعة الورقيّة والإلكترونية
استخدام خوادم خاصة بالصّحيفة الّتي مكنتها من اقتراح الاشتراك على القراء في اللحظة المناسبة
تعويض الخسارة الناجمة عن تراجع عائدات المبيعات الورقيّة والإعلان، بالاشتراك الرقمي
|
|||
استراتيجيا الكتابة والتحرير والإنتاج | |||||
إدماج الميديا الاجتماعية | تنوع المحتوى | التغيير في قاعة التحرير | |||
استخدام 7 مواقع من مواقع الشبكات الاجتماعية
إنشاء طبعة خاصة لموقع سنب شات تتضمن أبرز الأخبار الموجزة الموجهة للشباب مع الحفاظ على هوية الصّحيفة والتزامها بمبادئها.
” تطبيق لوموند الصباحي” يُحمّل مجانا على الهواتف الذكية ويتضمن المواد الإعلامية المكتوبة والفيديوهات تكليف شركة خارجية مختصة Netino by Webhelp لمتابعة و معالجة تعليقات القراء في موقع Le Monde. fr » وصفحة الجريدة في الفيسبوك
|
الاتجاه نحو صحافة البيانات واستخدام الأنفوغرافيا، وإثراء المواد الإعلامية بالبيانات
عدم الذهاب إلى أبعد نقطة في شخصنة المحتويات باعتبار أن الصّحيفة عامة وموجهة للجمهور العريض
الالتزام في 2014 بميثاق يفصل بين المواد الصّحفيّة والإعلان والمواد الترويجية
الانطلاق في تنظيم الأحداث الّتي تنتج عنها مواد صحفية ذات جودة: مهرجان صحيفة لوموند، المحاضرات، وحوارات متخصصة، مثل ” افريقيا والعالم:، وندوات حول الصحة، والرياضة……
إشعار القارئ بمستحدثات الأحداث عبر تطبيق خاص بالهاتف الذكية واللوح الإلكتروني
في 2014 تم إنشاء صفحتي ” Decodeurs للتحري في صحة البيانات والاطلاع على تقنيات صحافة البيانات ثم Décodex وهو محرك بحث في موقع الصّحيفة للتحري في المعلومات والأخبارـ و Pixels لرصد الثورة الرّقميّة والتحولات في الحياة الافتراضية
انتاج مواد المشتقة من نشاطها: كتب، دي في دي”، والملاحق تطوير قسم الخدمات: تعلم اللغة الإنجليزية، دليل الشراء، البستنة، مخزون الأقوال المأثورة، الكلمات المتقاطعة…… |
إنشاء قاعة تحرير للطبعة الرّقميّة
توظيف المزيد من الصحافيين
تخصيص فريق من الصحافيين للميديا الاجتماعية ) 6 محررين للصحيفة في موقع سنابشات على سبيل المثال ( |
|||
بالنظر إلى توصيف هشاشة الصّحافة العربيّة يمكن القول إنها تعاني من أزمة بنيويّة قد تختلف عن تلك التي عاشتها الكثير من الصحف الأجنبيّة في مطلع الألفية الحاليّة. فدرجة استفادتها المتباينة من الإمكانات التي يتيحها الواب تشي بأنها لم تساهم كثيرا في القضاء على هشاشتها، خاصة في غياب نمط اقتصادي بديل ناجع، على غرار ما قامت به الصحيفتين الاجنبيتين المذكورتين التي كشفت استراتيجيتهما أنه يمكن تجاوز الأزمة التي مرتا بها.
ويكشف تحليلنا لمواقع الصحف العربيّة في شبكة الانترنت أن الصحف الخليجية قطعت شوطا متميزا في استخدام العدّة المرئيّة لتكون أكثر قربا من جيل القراء الرقميّ. لكننا نتساءل هل أن تطورها مرهون بقدراتها الذاتيّة أم مرتبط بما تتلاقه من دعم مادي؟ إنّ مبرّر طرح هذا السؤال يكمن في غياب البيانات الاقتصاديّة التي تكشف عن دخلها من الإعلانات ومن مبيعاتها واشتراك قرائها في نسختيها الورقيّة والرقميّة؟
تأسيسا على العوامل الفاعلة في هشاشة الصّحافة الورقيّة العربيّة، وعدم بلوغها درجة التحكم في خصائص صحافة الانترنت في ظل غياب نمط اقتصادي بديل واضح المعالم، نجازف بالقول إن أزمة الصّحافة العربيّة هي مظهر من مظاهر صعوبة بناء الدولة الوطنيّة. وهذا القول لا يعني بتاتا اختزال هذه الأزمة في البعد السياسي وفي غياب الديمقراطية تحديدا على الرغم من أهميته القصوى. إن الانتقال الديمقراطي في الجزائر خلال الفترة الممتدة من 1989 إلى1991، وفي تونس ومصر في المرحلة الّتي تلت رحيل الرئيسين: زين العابدين بن علي وحسين مبارك، لم يمكّن الصّحافة من تجاوز أزمتها. لقد أجهض هذا الانتقال دون أن يحقّق شروط هذا التمكّين والمتمثلة في تبني سياسة عموميّة شفافة ومُنصِّفة لدعم الصّحافة الورقيّة من الاندثار، وحماية سوق الإعلان من المحسوبيّة والولاءات السّياسيّة واللّغويّة والعصبيّة، وإقامة نظام المنافسة الشريفة في قطاع الإعلام، وجعل الصحافيين يتمتعون بأحكام الضمير Close of conscience ، واخضاع المؤسسات الإعلاميّة لمحاسبة هيئات مستقلة، واخضاع مهنة الصّحافة لآليات الضبط الذاتي، وغيرها من الشروط الأساسيّة التي تدير الصّحافة باعتبارها حقلا بالمفهوم الّذي ذكرناه في الإطار النّظريّ.
يمكن القول إن استمرار هشاشة الصّحافة الورقيّة العربيّة في غياب أفق تطورها يمكن تفسيره بعدم تشكلها كحقل قائم بذاته ومستقل، والّذي يعبر عنه الصحافيون بالقول إنّنا نعاني من غياب الاحترافية. وأن خروجها من الأزمة وضمان انتقالها الناجح في البيئة الرقميّة مرهون بتكاثف الجهود لبناء هذا الحقل الّذي يفرض على الجميع قيمه ومعاييره ونظمه. حقل يقاوم من أجل استقلاليته عن بقية الحقول، خاصة الحقل السياسي لأننا نؤمن بأن الحقل الاقتصادي الّذي رأه بيار بورديو مهددا لاستقلالية الحقل الصحافي في فرنسا، هو مجرد تابع للحقل السياسي في المنطقة العربية. وهذا ما يتجلى بوضوح في مجال تمويل الصحف وتوزيع ريع الإعلان عليها، كما ذكرنا آنفا.
حقيقة إن تشكل الصّحافة كحقل قائم بذاته ومحافظا على استقلاليته ليس بالأمر الهين. لقد بينت التحارب العالمية أنه جرى ويجري في ظل التوترات والتجاذبات والتصدي لهيمنة بقية الحقول الاجتماعية على الصّحافة. وأكبر عائق وقف في وجه تشكل الصّحافة العربية كحقل يكمن في نشأتها في ظل الكفاح من أجل استعادة الاستقلال الوطني. فاتسمت بطابعها التعبوي والتجنيدي، الّذي يفضل الأنواع الفكريّة) المقال والتحليل (، على حساب الخبر والاستقصاء. فالصحف العربية لم تولد في بدايتها من رحم الصّحافة الإخبارية اليوميّة بما تتطلبه من حرص على جمع الأخبار، والتحري حول صحتها، والسهر على آنيتها، وتطوير مهارات التعامل مع أكثر من مصدر للخبر مع حفاظ على هامش من الاستقلالية، ناهيك عن عدم الخضوع وحتّى الخنوع للمصادر. لقد بدأت الصحف العربيّة مسيرتها كصحف أسبوعية وشهرية ذات طابع سياسي وثقافي تميل للاضطلاع بدور سياسي أكثر منه إخباري. فما نسمعه اليوم من مطالبة الصحافيين بتطبيق الديمقراطية في الصّحافة العربية لا تعني، في الغالب، التشجيع على الاستقصاء والبحث الحر عن المعلومات، وإنجاز التحقيقات الصحفية والربورتاجات، ومساءلة السياسة العمومية[122] بقدر ما تعني المساهمة في النقاش، وإبداء الرأي المعارض. ففي الجزائر على سبيل المثال لم تنزعج السلطة في السابق من الرأي الناقد والموجه لرموز النظام، بما فيه الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة ذاته، بل جعلت هذا النقد حجة ضد الّذين “يزعمون” بعدم وجود ديمقراطية في الجزائر، لكنها كانت تكشر عن أنيابها إن “تجرأت” هذه الصّحيفة أو تلك وقامت بنشر الوقائع الموثقة التي تخالف الخطاب الرسمي، أو حاولت النبش في ملفات الفساد وتقديم الحقائق المشفوعة بالوثائق والشهادات في تحقيقات صحفيّة.
إن عدم تمكّن الصّحافة في المنطقة العربيّة من بناء ذاتها كحقل جعلها رديفا للأحزاب السياسيّة إن لم تكن بمثابة أحزاب. وتتصورها السلطات العمومية كأنها كذلك. وتحاسبها على هذا الأساس. إذ تطلب منها، صراحة أو ضمنيّا، أن تكون أداة مساندة للسلطة القائمة وتمارس دور العلاقات العامة. وإن لم تفعل تعتبرها معارضة، فتراقبها وتلاحقها قضائيا وتخنقها اقتصاديا. في ظل هذا السياق لم تستطع الصّحافة العربية امتلاك المعايير المعروفة في العمل الصحفي وضوابط المهنة عبر مسارها. وإن نجحت بعض الصحف في بعض المرات في التشبثّ فرضها في هذا البلد العربي أو ذاك فسرعان ما تراجع أمام نفوذ الحقل السياسي. لقد رأينا ضمن مسارنا في العمل الصحفي في أكثر من بلد عربي كيف أن الصحف تلّوي عنق الوقائع وتقلب الحقائق حتى تساير توجهها السياسيّ الظرفي وتخدم ايدولوجيتها!
وبناء على ما سبق ذكره تحدّدت مكانة الصحافي ومهامه. لقد ظلّ منذ خمسينات القرن الماضي يرى أن مهمته سياسيّة ونضاليّة[123]، ليس بالمعنى الغربي ” ككلب حراسة”[124] أو ” كقوة رقابيّة على السلطة التنفيذية”، بل باعتباره مناضل سياسي أكثر منه صحافي. لذا نلاحظ أن الكثير من الصحافيين يفضلون أن يكون مسماهم الوظيفي كاتب صحفي على مسمى ” محرر” للأخبار. فعملية جمع الأخبار وغربلتها والتحري حول صحتها لدى أكثر من مصدر تبدو نشاطا متواضعا إن لم يكن دونيًّا أمام نبل كتابة المقالات التحليلية والفكرية التي يعتقد أنها ترفع رصيد رأسمال الرمزي لمن يمارسها.
إن ما يقف عمليًّا في وجه المحاولات الّتي تظهر هناك وهناك لدفع الصّحافة لتشكل حقلا بالمعنى الّذي ذكرناه أعلاه، يتمثل في تقاطع المصالح بين النخبة السياسيّة ومسؤولي الصحف، وفي توظيف الصحافيين على أسس غير مهنية، وترقيتهم على أساس “الثقة ” والولاء والمحسوبية، واعتماد الصحف على التمويل السياسي بصرف النظر عن وزنها لدى القراء، وعدم اخضاع الإعلان لمنطقي السوق والخدمة العامة، بل استخدامه كورقة للضغط ومساومة الصحف على خطها التحريري، وإعادة انتاج الخطاب السياسي بحذافيره دون اخضاعه لخصوصية العمل الصحفي، والاعتماد على المصدر الرسمي والوحيد للأخبار، وعدم التميّيز بين الأحداث والوقائع والرأي ووجهات النظر إزاءها، وعدم الاعتراف بالحق القانوني في الرد، وحق الأشخاص في صورهم مما فتح المجال للكثير من التجاوزات، بل أن هذه التجاوزات أصبحت بمثابة عرف في قاعات تحرير بعض الصحف.
إن النمط غير الاقتصادي الّذي اتبعته الصّحافة العربيّة بدرجات متفاوتة جعلها لا تولى القدر الكافي من الاهتمام بالقراء. فالقسط الأكبر من مداخيلها لا يأتي من مشتركيها ومبيعاتها، بل من السلطة التنفيذية في شكل إعانات دائمة. ومن عائدات الإعلان المضمون والمتواصل بصرف النظر عن عدد مرتجعات كل صحيفة. لذا نلاحظ اليوم في عز أزمة الصّحافة أن النجاح التجاري الّذي تحقّقه بعض الصحف العربيّة يتوقف على مدى قربها من أصحاب القرار السياسي أكثر من ” شطارتها” في مهنة الصّحافة.[125] القرب الّذي يعني، بشكل أو أخر، أن القرارات الإعلامية تتخذ من خارج قاعات التحرير.
ففي ظل التطور التكنولوجي والاجتماعي والاقتصادي الّذي بدأ يضغط على الصّحافة لتتخلى عن كونها منبرا لتقديم المحاضرات وتتحول إلى ساحة للنقاش، وجد الصحافيون أنفسهم مضطرين للمشاركة فيه وإشراك القراء معهم. وهذا يصطدم مع التّطبّع الّذي تحكم في مفاصل العمل في قاعة التحرير في الصّحافة العربيّة. فالصحافيون القادمون من مشارب مختلفة والمالكون لمسارات حياتية وخلفيات ثقافية متنوعة، ينغمسون بسرعة في روتين العمل التراتيبي الّذي يبني علاقات تقاطع فيها مصالحهم مع مصالح مصادر الأخبار. ويستبطنون الرَّقابة الذاتية. ويتدربون على أشكال التعبير التقليدية. إنهم يمارسون اليوم المقاومة بهذا القدر أو ذاك لأي تغيير في قاعة التحرير، وللمعايير والقيم المهنية الجديدة الّتي تفرضها البيئة الإعلامية ومتطلبات القراء واهتماماتهم المتنوعة. إن التنافس المحتد للالتحاق بالعمل الصحفي في ظل أزمة الصّحافة يجعل الصحافيين حذرين أكثر وامتثالين. يساهمون في إعادة إنتاج ما تعودوا عليه. وما يزيد الطّين بلّة هو غياب النقاش المثمر بين الصحافيين والفنين ذاتهم داخل قاعة التحرير، وبين الصحافيين ومسؤولي التحرير، وبين السلطات العمومين والناشرين، حول هوية الصحافي اليوم، وإعادة تعريف ماهية الصّحافة المعاصرة الّتي يقول عنها المختصون أنها “تمر من كونها صناعة منسجمة، نوعا ما، إلى طائفة من المماَرسات المختلفة والمتنوعة (…) فالصناعة الصّحفيّة ماتت بْيَد أن الصّحافة توجد في أماكن عديدة.”[126]
إن المواقع الإخباريّة في شبكة الانترنت ومواقع الشبكات الاجتماعيّة أصبحت تنهك أكثر الصّحافة الورقيّة العربية، ليس لقوتها التنافسيّة فحسب، بل لوقوفها الضمني أيضا ضد كل المحاولات الجادة الّتي تقوم بها بعض الصُّحف العربيّة في سبيل ترسيخ بعض المعايير الاحترافية. فتحليل محتوى ما تنشره بعض المواقع الإخبارية الناشئة في شبكة الانترنت يكشف أنه عبارة عن مزيج من منتجات العلاقات العامة، والإعلان المبطن والأخبار المُضَلِّلة والملفقة[127]. وهذا نتيجة التسرع في نقل الأخبار، وخضوعها لمنطق الخوارزميات الّتي تهتم بعدد “النقرات” على المنشورات، وعدد المعجبين بها. إنه المنطق الّذي يحدّد نصيبها من عائدات الإعلانات. ولئن ينطبق هذا الأمر على المواقع الإخبارية الّتي تطالب بالاعتراف بها كمؤسسات صحفية على غرار تلك التقليديّة، فما هو تأثير مواقع الشبكات الاجتماعية في المنطقة العربيّة الّتي تحولت إلى سلاح بيد مختلف القوى ذات الهوية المجهولة لتمييع العمل الصحفي وتلويثه. وهذا الأمر يجرنا إلى التفكير في المفارقة التي ذكرها بيار بورديو، وأشرنا إليها أعلاه، والمتمثلة في القول: إن الصّحافة فقدت استقلاليتها كحقل لكن تأثير نفوذها على بقية الحقول قد ازداد. ربما ينطبق هذا القول على القنوات التلفزيونيّة أكثر في المنطقة العربيّة لأن القيمة الاعتباريّة للصّحافة الورقيّة التي اكتسبتها في مرحلة النضال لاستعادة الاستقلال السياسي قد تراجعت بعد أن تحولت الصحف الورقيّة في العديد من البلدان العربيّة إلى أدوات السلطة تديرها، بشكل مباشر أو غير مباشر، كُتل سياسيّة ومجموعات اقتصاديّة. تستعمل لغة مشفرة عن قصد لأن وظيفتها الأساسية قد تغيرت. فلم تعد تروم إخبار الناس، بل تسعى إلى بعث رسائل مشفرة إلى جماعات الضغط في السلطة أو المعارضة، وأن القراء ليسوا سوى وسيلة.[128]
الخاتمة:
يستخلص من كل ما سبق ذكره ما يلي:
1-إن لجوء الصحف الورقيّة العربية إلى النشر عبر شبكة الانترنت أو تحولها كليا إلى النشر الرقمي لم يخرجها من وضعها الهش، بل أضافت لها عبئا آخر خاصة وأن الكثير منها أعاد انتاج النسخة الورقيّة في شبكة الانترنت، مما يعني توسيع نطاق هشاشتها. وهذا خلافا لما قامت به بعض الصحف الأجنبيّة، مثل نيويورك تايمز ولوموند والتي بينت تجربتهما أن الطبعة الرّقميّة أصبحت تختلف كثيرا من الطبعة الورقيّة بعد أن تمكنت من ترسيخ الخصائص الرقميّة الّتي يتفق عليها عدد متزايد من محترفي العمل الصّحفيّ والباحثون[129]، والّتي تمنح الحرية للصحافيين في ابتكار أفضل القوالب السّرديّة للأخبار عبر الوسائط المتعدّدة، وتلك الّتي تتيح للقراء التّفاعل مع المحتويات وحتّى شخصتنها – من خلال السَّرْد التّفاعلي- والتفكير في أدوات ربط المواد الصّحفيّة بالبيانات والمعطيات واستغلال أرشيف الصّحيفة، واستخدام النّصّ المتشعب.
- بيّنت تجربة الصّحافة الأجنبيّة وجود علاقة وثيقة بين محتوى الصحف واقتصادها، فالأول يقود الثاني وليس العكس. وهذا ما يتضح من خلال استغلال بيانات القراء وتوظيفها في اختيار الموضوعات وتجريب المنتجات الإعلامية الجديدة للطبعتين الورقيّة والرّقميّة. وبهذا زالت فكرة التنافس بينهما لتحلّ محلّها فكرة التكامل والتنوع للوصول إلى مختلف شرائح القراء. وهذا درس من الدروس التي يجب أن تدرك في تحول الصّحافة المعاصرة في البيئة الرقميّة.
- لا تعاني الصّحافة الورقيّة العربيّة من هشاشة مؤقتة مما يتطلب حلولا ظرفية ذات طبيعة إدارية أو مالية أو تقنية على أهميتها. بل إنّها تعيش أزمة وجوديّة جوهريّة تتطلب العمل الدؤوب على إعادة بنائها كحقل مستقل بذاته، يتطلب تطليق البراديغم التقليدي للصحافة وللعمل الصحفي. وإعادة النظر في معنى وجود الصّحافة في المجتمع المعاصر، وما هي طبيعتها ودورها على ضوء التغيرات الّتي طرأت على القراء، ولماهية الصحافي المُجْبر على إعادة تكوين ذاته وتَطبّعه بما يتماشى والتحولات التي تعيشها قاعات التحرير استجابة لمنطق التكنولوجيا من جهة ولحاجات القراء من جهة أخرى. وهذا يستدعي إقامة حوار دائم بين الثقافتين: ثقافة الصّحافة الورقيّة، وصحافة الانترنت وتوظيف الكفاءات الجديدة: مدير الجماعات Community Manager، وقائد البياناتData Driver، وفنيي الغرافيكس، ومُعَدّل التعليقات Moderator وغيرهم. والاستفادة من نشاطهم من أجل تقديم مادة عامة وشخصانية، دسمة وخفيفة في الوقت ذاته. وجديرة بأن يدفع القارئ مقابلا ماليًّا للاطلاع عليها مع تنويع المقاربات لإشراكه فيها. وهكذا يمكن لها أن تشق طريقها الخاص، وتؤسس لنموذجها الاقتصادي الجديد الّذي يساهم في انقاذها من الإفلاس.
- المراجع والهوامش
[1] – أنظر على سبيل المثال:
Yonatan Gonen: What Does the Arab Newspaper Think About Itself? Middle East Review of International Affairs, Vol. 18, No. 2 ،Summer 2014. Accessed June 11, 2022. https://cutt.ly/dZQkctQ
[2] – لو اقتصرنا على تونس على سبيل المثال، الّتي انطلقت منها شرارة ” أحداث الربيع العربي، نشير إلى أن الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال – وهي هيئة استشارية أنشئت في مارس 2011 بعد مغادرة الرئيس زين العابدين بن علي البلد– وافقت على صدور 228 عنوانا في 2011 ! نقلا عن:
- Klaus- Olivier Koch :Les presses privées post-2011 en Tunisie : mutations économiques et politiques, Questions de communication, No 32,2017, p 287-306
[3] – أنظر على سبيل المثال: حازم عبد الحميد النعيمي، العوامل المؤثرة على حرية ا لتعبير في الصّحافة العراقية المطبوعة: دراسة استطلاع رأي في عينة صحف يومية مستقلة، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، عدد 34- السنة 2011، ص 32-53
[4] – أنظر على سبيل المثال:
– مجدي الداغر: الازمة المالية والإدارية في الصّحافة السعودية وتأثيراتها على مستقبل الصّحافة المطبوعة في المملكة دراسة على القائم بالاتصال، المجلة الجزائرية لبحوث الاعلام والرأي العام، المجلد 4- العدد02 – د يسمبر-2021 / 264 -286
– بلحاجي وهيبة، الشروط الاقتصادية لحرية الصّحافة الخاصة في الجزائر 1999-2015، المجلة الجزائرية للعلوم الإجتماعية والإنسانية ، المجلد 4، العدد 7، 2016، ص 285-308
[5] – موني عبد الوهاب :العوامل المؤثرة في توزيع الصحف في مصر ، دراسة ميدانية على موزعي الصحف
المجلة المصرية لبحوث الرأي العام، العدد 2-2013، ، ص 381-424
[6] – أنظر على سبيل المثال:
السباعي مهَيرة : تقييم أداء المؤسسات الصحفية المصرية في إطار مدخل إدارة الجودة الشاملة، دراسة ميدانية علي عينة من المؤسسات الصحفية المصرية ، أطروحة دكتوراه غير منشورة ،كلية الاعلام ، جامعة القاهرة .
[7] – أنظر على سبيل المثال:
-نصر الدين لعياضي: الصّحافة الجزائرية في بيئة الواب: إرهاصات التغيير، المجلة الجزائرية للعلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة الجزائر 3، العدد 6، جوان- يونيو 2016، ص171- 193
-المعز بن مسعود: الصّحافة الورقية العربية ، صراع البقاء ورهانات الرّقمنّة، مركز الجزيرة للدراسات ، ديسمبر، كانون الثاني 2016، تم الاطلاع عليه في 6 يونيو 2022 من الموقع:
النقر للوصول إلى ddb6066845244777844c7915c58afcf3_100.pdf
رضوان بوجمعة: أزمة الصّحافة الورقية في الجزائر و مسار الانتقال الرقمي من 1993 إلى 2017، المجلة الجزائرية للاتصال، المجلد 17 العدد ( 02) 2018 ،ص50 ــــــ 73
[8] – Virginie Sonet, “Enjeux méthodologiques de l’hybridation des pratiques: le cas de L’audiovisuel sur smartphone,” Les Enjeux de l’Information et de la Communication , no. 17/3A, (2016): 213-224, “ accessed September 12, 2021”. https://bit.ly/3Ap01Vb.
[9] – Eugenia Siapera , Andreas Veglis: The Handbook of Global Online Journalism, John Wiley & Sons, 2012, p5
[10] – Francois-André Isambert: weber désenchanté ; l’année sociologique, vol 43, 1993- 357-397
[11] – أنظر على سبيل المثال
–Claire Oger , Caroline Ollivier-Yaniv Analyse du discours institutionnel et sociologie compréhensive : vers une anthropologie des discours institutionnels- Les Mots ; Les langages du politique 71/2003, pp. 125-145, accessed June 4, 2022 .https://doi.org/10.4000/mots.8423
–Nozha Smati et Pascal Ricaud, « Les nouveaux modes de relation des journalistes à leurs publics. Les usages numériques chez les journalistes de RFI », Revue française des sciences de l’information et de la communication 7 , 2015 accessed June 6, 2022 http://journals.openedition.org/rfsic/1484 ; DOI : https://doi.org/10.4000/rfsic.1484
[12] – Projet BaSES ; Apprentissage des notions de base en sciences économiques et sociales ; financé par l’université de Lausanne. accessed June 6, 2022. https://cutt.ly/6ZQk6Vc
12- Idem
[14] – نشرت هذه المواد في الصحف والمواقع التالية: صحيفة الشرق الأوسط، الحياة، آراء حول الخليج، الأهرام الاقتصادي، العربي الجديد، المرصد العربي للصحافة، الوطن، الغد، أخبار الخليج، القبس، الخليج الإماراتية، أخبار اليوم المصرية، اليوم السابع، صحيفة العرب ، الأهرام اليومي، بيت الإعلام العراقي، الرياض، القدس العربي، مكة، زمان الوصل، عرب 48، بيان اليوم، الصّحافة، مجلة المجلة، الشروق المصرية، Independent عربية، le soir d’Algérie، al-ain.com، http://www.bbc.com عربي، almayadeen.net، sasapost.com، ..zawya.com .zawya.com . ، ammonnews.net، .jmidigitalmedia.com، middle-east-online.com،
[15] – تم اختيار هذه العيّنة بالاعتماد على محركات البحث التالية: Google.com، duckduckgo.com ، Ask.com، bing.com باستخدام الجمل التالية: أزمات الصّحافة الورقيّة العربيّة، أزمة الصحف الورقيّة ظاهرة عالمية، الصّحافة الورقية العربية، الصّحافة في العالم العربي، صحافة ورقية، صعوبات الصّحافة الورقية، الصّحافة العربية. فحصلت على بعض المئات من النتائج، الّتي تطلبت وقت لفرزها وغربلتها. واستخرجنا منها عينة قوامها 40 مادة صحفية.
تبدو هذه العينة متواضعة بالنظر إلى عدد الصحف العربية، ومدة الدراسة. لكن العينة المتاحة لا تزعم أنها تمثل مجتمع البحث خير تمثيل – أي كل الصحف، وكل الأيام والأسابيع والسنوات. كان من الأسمى أن نختار مادة صحفية لكل بلد عربي لكل سنة على الأقل. لكن هذا غير متاح في مجتمع البحث الّذي استخرجنا منه العينة بناءً على المعايير التالية: وحدة الموضوع والتركيز على بلد أو بلدان عربية، والنوع الصحفي – مقال تحليلي أو تحقيق- وعدم التكرار. لذا استبعدنا كما هائلا مما نشر سواء لأنه أخبار قصيرة منقولة عن وكالات الأنباء، مثل توقفت الصحيفة الفلانية عن الصدور أو لأنه يحدث عن وضع الصّحافة في الولايات المتحدة الأمريكية أو في أوربا أو عن أزمة الصّحافة في بلدان عربية أخرى، مثل مصر لبنان في الغالب، أي غير البلد الّذي تصدر فيها الصحيفة. وهناك بعض الصحف والمواقع الإعلامية في شبكة الانترنت تكرر نفس العوامل الّتي صنعت الأزمة في أكثر من مقال. لذا استبعدناها. إن بحثنا ليس كميا، أي أننا لم نقم بإحصاء نسبة تواتر المتغيرات المستقلة. وأن هذا الإحصاء لا يفيد بحثنا ولا يقدم قيمة معرفية إضافية. ويبدو لي أنه لو توفر للباحث عدد أكبر من المقالات فمن المحتمل جدا الا يحدث تغيير دال في العوامل الواردة في الجدولين 1 و2. لقد شملت العينة 16 بلدا عربيا، أي ليس كل البلدان العربية، لأن ما تم جمعه من مواد لم يتطرق إلى أزمة الصّحافة الصومالية على سبيل المثال. وطالما أن البحث ليس كميا فإن غياب أي بلد عربي في العين لا يلغي أي متغير من متغيرات البحث.
[16] – تم اختيار عيّنة متاحة من مواقع الصحف في شبكة الانترنت، وهي: الدستور الأردنية، والسياسة الكويتية، والراية القطرية، والشروق التونسية، والخبر الجزائرية، وعكاظ السعودية، و”صدى الأحداث” السودانية، والأخبار اللبنانية، والأهرام المصرية، وعدن الجديد اليمنية، والصباح المغربية، والاتحاد الإماراتية، والصباح الجديدة العراقية، والسراج الإخباري الموريتانية، والناس الليبية.
[17] – Fernando Zamith A methodological proposal to analyze the news websites use of the potentialities of the Internet , 9th International Symposium on Online Journalism University of Texas at Austin, April 5, 2008 Consulted June 2022. Available at : https://cutt.ly/TZQlvp4
[18] -Pierre Bourdieu : L’emprise du journalisme ; Actes de la Recherche en Sciences Sociales No101-102, 1994 , pp. 3-9
Alain Accardo, Patrick Champagne, Rémi Lenoir, Dominique Marchetti et Louis Pinto ; Michael J. Powell
[20] – أنظر على سبيل المثال
- Benson Rodney & Neveu Erik (dir.). Bourdieu and the Journalistic Field. Cambridge, Polity Press. 201, 256 pages
- Botma Gabriel J. « Cultural Capital and the Distribution of the Sensible : Awarding Arts Journalism in South Africa (201-2014) ». Journalism Studies, 18(2) , 2015, p 211-227
- External Competition ? ». Transnational Worlds of Power Journal, 1(1), 2015 p177-189
- Couldry Nick :« Media Meta-Capital : Extending the Range of Bourdieu’s Field Theory ». Theory and Society, 32(5-6), 2013, p 653-677.
[21] – شوفالي، ستيفان؛ شوفري، كريستيان، معجم بورديو، ترجمة الزهراء إبراهيم، (دار الجزائر، سوريا، 2013)، ص 147.
[22] – Rodney Benson : Review, Field Theory in Comparative Context: A New Paradigm for Media Studies, Theory and Society, Vol. 28, No. 3. (Jun., 1999), pp. 463-498
[23] – Bourdieu Pierre, «Champ intellectuel et projet créateur» , Revue Les temps modernes, n° 246, Gallimard, 1966, p.866
[24] – Rodney Benson: Review essay: Field Theory in Comparative Context: A New Paradigm for Media Studies Rodney Benson Theory and Society, Vol. 28, No. 3. (Jun., 1999), pp. 463-498. Accessed June 8, 2022 . https://cutt.ly/2ZlXHCy
[25] – Idem
[26] – Panofsky E: Architecture gothique et pensée scolastique, Traduction et postface de Pierre Bourdieu, ed de minuit; le sens commun; 1970; p164
[27] – Pierre Bourdieu , L’emprise du journalisme, op cit
[28] – نهي ميلور: الصّحافة العربية الحديثة، المشكلات والتوقعات. ترجمة منذر محمد محمود، دار العبيكان، 2007، ص 92
[29] المرجع ذاته: ص 17
[30] – نقلا عن مصطفى سامي الكيال: ثقافة الإفادات: هل يجب أن «نصدّق الضحايا» في الأعمال الفنية؟ القدس العربي، 29/7/2020، مسترجع بتاريخ 30/07/20 من الموقع: https://cutt.ly/DZlXRtW
[31] –Aboubakr Jamaï Digital Media in the Arab World In Fernando Bermejo: Digital Journalism Making News, Breaking News ; Open Society Foundation,2014, P303.
[32] – أنظر على سبيل المثال:
Rana F. Sweis – Dina Baslan : Mapping Digital Media: Jordan: A report by the Open society Foundations, 10 October 2013
[33] -هذه النسبة تنطبق على العديد من البلدان العربية، خاصة تونس- أنظر:
الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، التقرير العام، ، الجمهورية التونسية، 2012، مسترجع بتاريخ 22 يونيو 2022 من الموقع: https://cutt.ly/AXvDU5I
[34] – محمد شومان: أزمة الصّحافة المصرية تكمن في قياداتها قبل محتواها، صحيفة الحياة الصادرة في 21 أغسطس، 2018
[35] – الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال : مرجع سابق
[36] – المرجع ذاته.
[37] – La Tribune : la faillite était inéluctable accessed Mayo 20, 2022.
http://bourse-dz.com/la-tribune-la-faillite-etait-ineluctable/
[38] – الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام، مصدر سابق
[39] – ارتفع سعر الصّحيفة اليومية في الجزائر من 10 دج في مطلع التسعينات إلى 15 دج في مطلع الألفية إلى 20 دج في 2014 إلى 30 دج في 2019 إلى 40 دج في 2022
[40] – الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، مرجع سابق
[41] – كان سعر صرف الدولار يساوى 76.87 دينار جزائري وارتفع في 2016 ليبلغ 110.89 دينار جزائري
[42] – Dennis E, Martin J and Wood R : Media Use in the Middle East, 2017: A Seven-Nation Survey. Northwestern University in Qatar. Accessed June 12, 2021. http://www. mideastmedia.org/survey/2017/
[43] – Ibid
[44] –Mahsoom Thottathil : MENA Social Media Usage Trends report 2018, Accessed June 12, 2022. https://cutt.ly/pZQxeyX
[45] – ذكر جمال براوي أن الصّحيفة الّتي كانت في 2006 تباع في الدار البيضاء على الساعة السابعة بعد الزوال تصل إلى طنجة وأغادير في اليوم الموالي على الساعة التاسعة والحادية عشر صباحا وهذا ما يفسر وجود أكثر من 50% من قراء الصحف المغربية على محور الدار البيضاء- الرباط. أنظر:
Jamal Berraoui : Pourquoi la presse au Maroc est en crise ? Accessed June 12, 2022
[46] – سلام زيدان : العراق … الصحف الملونة مع ساستها نشر بمعهد الجريدة للإعلام مجلة الصّحافة في 8 أكتوبر, 2019، مسترجع بتاريخ 20/2/2020 من الموقع: https://institute.aljazeera.net/ar/ajr/article/869
[47] – محمد شومان، مصدر سابق
[48] – Batache Abderrahmane, Bouzar Chabha, Arkoub Ouali : L’industrie de la presse écrite en Algérie : de « l’entreprisation » au défi de la numérisation, Revue des sciences administratives et financiéres Volume: 05 / N°:01 (2021), P: Accessed June 12 , 2022. DOI: 10.37644/1939-005-001-030
[49]– Riyad Hamadi: Presse écrite algérienne , les chiffres du déclin Accessed June 12 ,2022. https://cutt.ly/XZQcqMP
[50] – Salma Khouja La presse papier marocaine est-elle en danger? Consulted June 12, 2022. https://www.agora-francophone.org/MAROC-La-presse-papier-marocaine
[51] – تمنح المطابع الحكومية الجزائرية الأولوية للصحف الحكومية قبل صحف القطاع الخاص فتؤخر طبعها مما يؤدي إلى تأخير توزيعها. وتلجأ في بعض المرات إلى تخفيض سحب بعض الصحف غير المرغوب فيها. وفي المغرب ستند المطابع إلى صحف فتشترط على الصحف المنافسة أن تسلم مادتها لها في وقت مبكر جدا، أي قبل الساعة الثانية زوالا! وإن تأخرت في تسليمها يـأخر طبعها وبالتالي توزيعها! لمزيد من التفاصيل أنظر:
Jamal Berraoui, op cité
[52] – محمد شومان، مصدر سابق
[53] – الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام
[54] – Éric Fottorino, Emmanuel Bachellerie :La presse écrite va-t-elle survivre ? Réflexion sur un modèle économique en péril; Le débat en images; Consulted June, 12 2022 https://cutt.ly/fZQWD32
[55] – نقلا عن محمد جمعة: MBC .. تخطط للاستحواذ على سوق الإعلانات في السعودية، صحيفة القبس الصادرة يوم 15 سبتمبر 2015 مسترجع بتاريخ يونيو 12، 2022 من الموقع
https://alqabas.com/article/5800816 :
[56] – نقلا عن محمد جمعة، مرجع سابق
[57] – La presse écrite impactée par la crise économique et la concurrence de la presse électronique,” http://www.aps.dz, 3 Mai 2018, “accessed June 4, 2022”. https://bit.ly/3pg1msv.
[58] – مجلس الصّحافة المغربي: تقرير لجنة المنشأة الصحفية وتأهيل القطاع حول أثار جائحة كورونا على قطاع الصّحافة وإجراءات الخروج من الأزمة ماي/ يونيو 2020، مسترجع بتاريخ 24/07/2022 من الموقع: https://cnp.press.ma/1334-2/
[59]– Nacereddine Elafrite; crise de la presse au Maroc: quelques explications, Consulted June 12, 2022. https://www.medias24.com/crise-de-la-presse-au-maroc-quelques-explications-2217.html
[60] – ذكر المدير السابق للوكالة الوطنية للإشهار الجزائرية، السيد محمد العربي أن عدد الصحف الّتي أغلقت أبوابها لهذا السبب 23 صحيفة. أنظر: توزيع الاشهار العمومي: اعتماد “15 مقياسا موضوعيا” في انتظار صدور قانون الاشهار، وكالة الأنباء الجزائرية، برقية رقم 070930 الجزائر، الصادرة في 20 مايو 2020
[61] – المصدر ذاته
[62] – أحمد السيد أحمد : الصّحافة الورقية العربية على مفترق طرق وأمام خيارين: التجديد والتكيف أو الاندثار، صحيفة اخبار الخليج، الصادرة في 04 آذار/مارس 2020
[63] – قدر أحسن جاب الله أن نسبة موت الصحف في الجزائر بعد 1990 بلغت 75% وذلك لعدم قدرة أصحابها على إدارة المؤسسة الصحفية، أنظر
Ahcene-Djaballah. (2011). Economie de la presse et des médias. Alger : OPU 2011, p77
[64] – الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، مصدر سابق
[65] – Fatima Zohra Taiebi Moussaoui, « Le développement de la presse électronique en Algérie : Des dispositifs aux pratiques journalistiques », L’Année du Maghreb 15 | 2016 ; p. 61-76. Consulted June 13, 2022 DOI : https://doi.org/10.4000/anneemaghreb.2796
[66] – هذا ما أردته بعض الصحف اللبنانية، والجزائرية، ففي هذا الصدد تذكر نعمة عباس، المديرة السابقة لصحيفة المجاهد الحكومية، أنهم يركزون كل جهودهم على النسخة الرقمية بهدف الوصول إلى القراء في أنحاء العالم، خاصة الجزائريين المقيمين في الخارج الّذين بلغ عددهم 7 ملايين، وإشراك الجيل الصاعد معهم.
حديث أدلت به يوم 23/2/2012 بالجزائر العاصمة للباحث سمير عرجوني أنظر:
Ardjouni Samir – Les dispositifs numériques au sein des entreprises de presse en Algérie : Emergence de nouvelles formes de médiation. Revue Maarif ; N 18-juin 2015 pp288-318
[67]– تشير بعض التقدير أن تكلفة النسخة الرقمية أقل من تكلفة النسخة الورقية، بـ 60% إذ توفر لأصحابها النفقات الموجهة لشراء الورق و الطباعة وتوصيل الصّحيفة إلى الزبائن – التوزيع. أنظر:
Charon, J., & Le Floch : La presse en ligne, Paris : La Découverte, 2011, p65
[68]– للدلالة على ذلك يمكن الإشارة إلى أن صاحب صحيفة ” إيلاف الإلكترونية”، الّتي توصف بأنها أول صحيفة إلكترونية عربية، يبرر غياب مشاركة القراء وتفاعلهم مع موقع صحيفته بالقول: ” الإعلام طبقات، والإعلام الإلكتروني إحدى طبقاته، إلا ان المنتديات من الطبقات السفلى له، ولا علاقة لها بالصّحافة الإلكترونية” – أنظر: سعد الدوسري : باتجاه الأبيض، مزبلة الجواهر، حوار مع عثمان العمير ، جريدة الرياض، 8 نوفمبر 2002 مسترجع بتاريخ 25/07/2022من الموقع https://www.alriyadh.com/27410
هذا في وقت استطاعت الصحف الأجنبية، مثل لوموند الفرنسية، أن تكسب العديد من القراء وتؤسس لتحولها الرقمي بفضل منتدياتها الّتي يديرها صحافيون مختصون وخبراء وفنانون في مختلف المجالات مع القراء والمشتركين.
[69] – هذا ما انتهجته العديد من الصحف العربية، خاصة الجزائرية الناطقة باللغتين: العربية والفرنسية . أنظر:
Batache Abderrahmane, Bouzar Chabha , Arkoub Ouali : ’industrie de la presse écrite en Algérie : de « l’entreprisation »au défi de la numérisation, Revue des sciences administratives et financières, Volume: 05 / N°:01 (2021), P: 549-566
[70] – هذا ما تؤكده البحوث الميدانية للنسخ الرقمية لبعض الصحف الجزائرية، خلال الفترة الممتدة من 1 إلى 7 سبتمبر 2020 – أنظر:
Batache Abderrahmane, Bouzar Chabha , Arkoub Ouali , op cit
[71] – Alexandra Saemmer : Etude sémio-rhétorique du rôle de l’hypertexte dans le discours journalistique, Revue MEI ( Médiation et information ) France , N 3/2015 accessed June 14, 2022 . http://www.mei-info.com/wp-content/uploads/2015/03/MEI_34_10.pdf
[72] – نصر الدين لعياضي: الاتصال والإعلام والقافة: عتبات التأويل، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، 2015، ص 166
[73] – Jacob Cherian- Sherine Farouk: Proliferation of E-Newspapers and Its Financial Impact on the Publishing Industry in UAE International Journal of Economics and Finance; Vol. 7, No. 3; 2015 Accessed June 12, 2022 .Doi:10.5539/ijef.v7n3p194
[74] – Dennis E, Martin J and Wood R : op cit
[75] – رالف أندرسون: الصحفيون العرب مهيأون للتحول إلى عالم “الديجيتال، حديث أدلى به إلى موقع أريج، الأردن، دون تاريخ، مسترجع بتاريخ 11 جوان 2022 من الموقع: https://cutt.ly/LZtkfa5
[76] – Baños-Moreno, María-José; Pastor-Sánchez and all : Interactivity features of online newspapers : From a facsimile model to a Multimedia one : Interactivity in Online Journals , Anales de Documentación, vol. 20, núm. 2, 2017, pp.1-18. Accessed June12, 2022
http://www.redalyc.org/articulo.oa?id=63552793002
[77] – KIOUSIS, Spiro. Interactivity: a concept explication. New Media & Society [online]. 9 January 2002. Vol. 4, no. 3, pp 355–383. Consulted June12, 2022. https://cutt.ly/4ZQT6fH
[78] – نصر الدين لعياضي: الصّحافة الجزائرية في بيئة الواب: مصدر سابق
[79] – يمكن الإشارة إلى صحيفة إيلاف الإلكترونية اضطرت إلى إلغاء خدمة المنتدى بعد أن طغت فيه الآراء والأفكار الّتي تعارض وجهة نظر الصّحيفة.
أنظر: محمد شومان: الصحف الإلكترونية العربية (دراسة تطبيقية على صحيفة إيلاف) المجلة المصرية لبحوث الإعلام، العدد العشرين، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، أكتوبر، ديسمبر 2003، ص 227-263
من الصحف الّتي كانت لها تجربة جريئة في هذا المضمار في بداية الألفية الحالية، صحيفة ” الرياض” الّتي أنشأت “منتدى الكتاب” و” منتدى الصحافي الإلكتروني” لكنها مع الأسف أجهضت. أنظر:
الشحري، فائز بن عبد الله، دراسة مسحية شاملة على رؤساء تحرير الصحف السعودية ذات الطبعات الإلكترونية، بحث مقدم لندوة الإعلام السعودي: سمات الواقع واتجاهات المستقبل، (المنتدى الإعلامي الأول لجمعية السعودية للإعلام والاتصال، الرياض، جامعة الملك سعود، 20-25 مارس/آذار 2003)،
[80] – أنظر:
Seth C. Lewis : The tension between professional control and open participation : Journalism and its boundaries, Information, Communication & Society Vol. 15, No. 6, August 2012, pp. 836 –866, Consulted June 12, 2022 .https://cutt.ly/8ZQYHD1
-[81] هذا ما تعاملت به صحيفة الشروق أون لاين الجزائرية على ما علق به القراء على الخبر الّذي نشرته بعنوان : جدّة بن زيمة “تؤدّب” الصّحافة الفرنسية – يوم 2012/04/04لقد طالبوا من الجريدة التوضيح من هي المرأة المقصودة في الخبر هل هي جدة اللاعب الجزائري أم خالته نظرا للخلط في كتابة الخبر. وقاموا تصحيح بتصحيح اسم الصحافي الإيراني في التعليق على عمود الصحافي سعد بوعقبة يوم 31 ماي 2013م في الصّحيفة ذاتها، وهو طه العامري.
[82] – Mark Deuze : The web and its journalisms: considering the consequences of different types of newsmedia online.New Media & society ,Vol5(2 ) June 2003 p 203-230 Accessed June13. 2022 DOI: 10.1177/1461444803005002004
[83] – Florence Van Hove Médias d’actualité, journalistes et publics sur Twitter : vers un renouvellement des relations ? pour l’obtention du grade de Docteur ès sciences sociales- La Faculté des sciences économiques et sociales de l’Université de Fribourg (Suisse), 2019 , 318 pages
[84] – Pignard-Cheynel Nathalie, Brigitte Sebbah: La presse quotidienne régionale sur les réseaux sociaux, Sciences de la société n° 84-85 – 2011/2012, pp 171-191
[85] – إن الدعم العمومي الّذي تستفيد منه الصحف المغربية، الّتي تتوفر على رقم اللجنة الثنائية المتساوية الأعضاء، محدود، إذ بلغ ما يقدر بــ 6,15 مليون دولار في السنة 2019 واستفادت منه 88 صحيفة من بينها 19 يومية و14 أسبوعية و4 شهريات و20 جهوية و27 نشرة رقمية و4 نشرات حزبية في إطار التعددية السياسية– أنظر تقرير مجلس الصّحافة المغربي ، مرجع سابق
[86]– إن كانت الجزائر تركز على إعانتها غير المباشرة للصحف إلا أنها أنشأت صندوقا خاصا بقيمة 22 مليون دولار بموجب قانون المالية لعام 1991،.وظلَّ قائما حتى عام 2015 ليختفي في وقت حاسم وصعب. ولم تنشر معايير الاستفادة منه، ولا المؤسسات الإعلامية الّتي استفادت منه، ولا مبالغ الاستفادة. أنظر: نصر الدين لعياضي: وسائل الإعلام في الجزائر: تكلفة المحسوبية، نشر في كارولا ريشتر، وكوديا كلوزمان: نظم وسائل الإعلام العربية، ترجمة دعاء نبيل سيد الأمبابي، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، 2022، ص 335
[87] – Alessio Cornia,and all: Pay Models in European News, Reuters Institute, May 2017. Accessed June 13, 2022 https://cutt.ly/VZQUjO9
[88] – استعملته الصّحيفة اللبنانية الناطقة بالفرنسية، L’orient le Jour للحصول على عائد مالي من الجالية اللبنانية الّتي تشكل أغلبية قرائها وليس على كل القراء في لبنان. أنظر:
Laurent Giacobino : « Les médias en ligne au Maghreb sont très récents, mais en plein boom » , Interview accordée à Marlène Panara ; jeune Afrique 4 juin 2015. Accessed June 13,2022 Available at https://cutt.ly/XZQUIug
[89] – المقصود الصحف الرقمية التالية: لوديسـك Desk Le ،»و تيل كيـل Tel quel ” ، وليكونوميسـت « L’economiste نقلا عن: عبد الرحيم بلشقار: الصّحافة الرقمية المدفوعة الأجر بالمغرب، تحديات النموذج الاقتصادي ومتطلبات التطوير، معهد الجزيرة للإعلام، 2021، مسترجع بتاريخ 24/07/2022 من الموقع: https://cutt.ly/2ZdPMqT
[90] – يمكن أن نذكر على سبيل المثال أن الاشتراك الشهري للاطلاع على النسخة الكاملة لصحيفة الوطن الجزائرية بصيغة PDF يقدر بــ 2.38 دولار وبحوالي 16.32 دولار مقابل الاشتراك الممتاز في صحيفة الخبر الجزائرية لمدة ستة أشهر. ويبلغ الاشتراك الشهري في نسخة صحيفة “الشروق ” التونسية بصيغة PDF حوالي 7.91 دولار، و 20.56 دولار لمدة ثلاثة أشهر، و 69.62 دولار لمدة سنة.
[91] – Dennis E, Martin J and Wood R, op cit
[92] – أنظر على سبيل المثال :
فاتن أحمد المتولي حمزة کريم: واقع ومستقبل الصّحافة الورقية في مصر من وجهة نظر الصحفيين العاملين بها. المجلة العلمية لكلية التربية النوعية – جامعة المنوفيةـ المجلد 6، العدد 21، أكتوبر 2019، مسترجع بتاريخ 12/06/2022 في الموقع:
DOI: 10.21608/molag.2019.152879
[93] – Cabedoche Bertrand, Damian Gaillard Béatrice, Rebillard Franck, Smyrnaios Nikos: « Mutations de la filière presse et information », in Bouquillion Philippe et Combes Yolande (dir.), Diversité et industries culturelles, L’Harmattan, 2011 Paris, pp 77-114
[94] – Jean-Marie Charon : “Partout un problème se pose pour financer une information de qualité” Journal Le Monde du 02.01.10
[95] – Idem
[96] – Paul Loridant, Jusqu’où aider la presse ? Rapport d’information n° 406 ; Le Senat français le 7 juillet 2004
[97] – Jeremy Littau: Aux origines de la crise de la presse US, trois erreurs stratégiques; Traduit par Florence Delahoche — 15 février 2019. Accessed June 17, 2022. https://cutt.ly/EZQW6m8
[98] -Jean-Marie Charon, De la presse imprimée à la presse numérique, Le débat français. Revue Réseaux 2010/2-3 (n° 160-161), pp 255- 281
[99] – Jeremy Littau :Op cit
[100] – Éric Fottorino, Emmanuel Bachellerie, op cit
[101] – Philip Meyer ,Yuan Zhang: Anatomy of a death spiral: newspapers and their credibility, Accessed June 20, 2022 .https://cutt.ly/dZQEaAB
[102] – باتريك إفينو ، أستاذ تاريخ وسائل الإعلام بجامعة السوربون، باريس، نقلا عن:
Lorène Paul : Quand la stratégie numérique du New York Times paye et en devient un exemple Revue challenge du 21.08.2020. Accessed June 20, 2022
https://www.challenges.fr/index/2020/08/21/
[103] -Bernard Poulet : The New York Times ou quand l’empire contre-attaque, La revue des médias , INA, octobre 2014 Accessed June 20, 2022 https://larevuedesmedias.ina.fr/new-york-times-ou-quand-lempire-contre-attaque
[104] – AFP : Le « New York Times » passe la barre des 4 millions d’abonnés », Journal la presse , Canada du 3 novembre 2018, Accessed June 20, 2022 https://cutt.ly/JZQEH8b
[105] -Le Monde : Le « New York Times » compte 3,7 millions d’abonnés » du 4 mai 2018 Accessed June 20, 2022 https://cutt.ly/MZQE9Ik
[106] – Arthur Gregg Sulzberge NYT Innovation Report 2014 Accessed June 20, 2022 https://cutt.ly/aZQRy82
[107] – Mike Vorhaus : Digital Subscriptions Boost New York Times Revenue And Profits, accessed June 13, 2022 https://cutt.ly/TZQRaIP
[108] – Nikki Usher Making News at The New York Times- University of Michigan Press; 2014, p222
[109] -Éric Fottorino, Mon tour du Monde, Paris, Éditions Gallimard, 2012, p. 395.
[110] – David–Julien Rahmil : Moins d’articles, plus de journalistes et plus d’audience : la formule gagnante du journal Le Monde, Accessed June 14, 2022 https://urlz.fr/cl9t
[111] -Gilles van Kote : Pour ses 77 ans, « Le Monde » s’offre un record de 500 000 abonnés , Le Monde 21 décembre 2021
[112] –Vincent Truffy Subventions : la presse passe au contrôle, Mediapart , 16 avr 2012 Consulted March 2022. Available at https://cutt.ly/MZlVyUV
[113] -Le journal Sud-Ouest vit-il ses derniers jours ? infos-bordeaux.fr, 13 novembre 2013. Accessed June 20, 2022 https://cutt.ly/zZQRHPs
[114] – Le Monde: Les revenus du « Monde », des sources diversifiées, le 26 janvier 2021
[115] -Patxi Berhouet:La modération des commentaires au « Monde », un exercice nécessaire mais complexe, le monde 30 novembre 2021
[116] -Anne Penketh , Philip Oltermann ,Stephen Burgen : European newspapers search for ways to survive digital revolution, The Guadian June, 12 , 2014. Accessed June 20, 2022 https://cutt.ly/zZQRHPs
[117] – Olivier Laffargue: Le Monde » sur TikTok : la même info, de nouveaux codes, Le monde le 18 juin 2020
[118] – في البداية كان تحديث المواد الصحفية كل ساعة أو نصفها، ثم تحول إلى كل ثلاث ساعات.
أنظر:220 Nikki Usher Op cit;,p
[119] – لم تقف الصّحيفة عند اشراك القراء في موادها الصحفية، بل حاولت أن تكون أكثر قربا منهم ، إذ يمكن أن نذكر أن الصحافية المختصة في الاقتصاد، Catherine Rampell، لا تحيل في كتاباتها إلى الروابط الرقمية الّتي توصل القارئ إلى المواد الجيدة المنشورة في شبكة الانترنت ، بل تدرج النكت المسلية المتعلقة بالطريقة الّتي نصرف بها أموالنا. أنظر:
Nikki Usher Op cit Op cit;p220
[120] –Joseph Lichterman: 4 takeaways from The New York Times’ new digital strategy memo; Accessed June 17, 2022 https://cutt.ly/iZQTQ1V
[121] – كلمة مركبة من ” Free ” مجاني و ” premium ” الممتاز
[122] – Fatima El-Issawi : Arab National Media and Political Change, Recording the Transition
The Palgrave Macmillan -New York 2016, p63
[123] -أشار الدبلوماسي الأمريكي في لبنان في خمسينات القرن الماضي، “توماس ماكفادن” McFadden في كتابه : الصّحافة اليومية في الدول العربية إلى “أن غالبية المحررين في الدول العربية يولون اهتماما ضئيلا للدور الإعلامي للصحافة في المجتمع وثمة مقدار من الاتفاق على أن الصراع من أجل القضايا يأتي في المقام الأول وتقديم الأخبار في المقام الثاني. نقلا عن، بوخنوفة عبد الوهاب، دور الإعلام العربي في المرحلة الراهنة: دراسة في تصورات الصحفيين العرب، مداخلة في مؤتمر الإعلام العربي واسئلة التغيير، الجامعة اللبنانية بيروت 5،6و7 مايو 2016
[124] – Idem P16
[125] – لعل هذا الأمر ينطبق على العديد من البلدان العربية، يأتي على رأسهم لبنان الّذي يتميز بقرب صحفه من الأحزاب السياسية والطوائف ورأسمال الأجنبي. أنظر:Aboubakr Jamaï Op cit, P307
والجزائر، ففي الوقت الّذي تعاني الصحف الجزائرية من السنوات العجاف، يفيدنا موقع الإلكتروني الاقتصادي bourse ـ com.dz بأن صحيفةL’Expression’ الصادرة باللغة الفرنسية والّتي لا تملك أي تأثير على الحياة السياسية الوطنية الّتي تسحب 20000 نسخة فقط في اليوم، والّتي لا توزع في المتوسط سوى نصف هذا العدد، معظمه على المؤسسات الرسمية وشركات الطيران والفنادق الحكومية ـ حققت أرباحا كبيرة، تتراوح من سنة إلى أخرى، ما بين 506 ألف و5.1 مليون دولار، خلال الفترة2009 ـ 2016 ،بفضل الإعلان العمومي. هكذا، أضحت هذه الصّحيفة أكثر ربحا من كل الصحف الجزائرية.
نصر الدين لعياضي: وسائل الإعلام في الجزائر… مرجع سابق، ص 336
[126] – Chris Anderson, Emily Bell. Clay Shirky: Post-Industrial Journalism: Adapting to the Present (Colombia Journalism school, 2012), P76
-[127] أنظر إلى تحليل مضمون المواقع الإخبارية التالية : ساريا نيوز – الأردن، المواطن مصر، وهسبريس -المغرب- وكبيتاليس – تونس،
Bouziane Zaid , Mohammed Ibahrine, Jana Fedtke: The impact of the platformization of Arab news websites on quality journalism, Global Media and Communication, No 3, Accessed June 10, 2022.DOI: 10.1177/17427665221098022
[128] – أنبرتو إيكو: دروس في الأخلاق، ترجمة سعيد بن كراد، المركز العربي الثقافي، 2010، ص 87
[129] – Mark Deuze : The web and its journalisms: considering the consequences of different types of newsmedia online, New Media & Society .Vol5(2 ) June 2003 p 203-230 Accessed June 20, 2022. DOI: 10.1177/1461444803005002004
رهانات تدريس الأنواع الصحفية في المنطقة العربية في ظل مواقع الشبكات الاجتماعية
د. نصر الدين لعياضي
مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية ، جامعة الشارقة، المجلد 8، العدد 2، يونيو 2011 ، ص ( 87-139)
ABSTRACT
The challenges of teaching Journalistic Genres in the Arab world in the era of social network Sites
The researcher aims to study the experiments of some mass communication departments and colleges in the Arab countries in the pedagogical of the journalistic genres in terms of content, span of time, and teaching methods.
Based on the previous, the researcher tries to identify certain parameters of the college level education. For example, there is a need for examining the journalistic genres in the curriculum plans. Also, there is need for figuring out the epistemological boundaries in the educational process and how does this relate to the new changes in the field of mass media studies. Other areas of inspection include the: identity of the contemporary journalist, interactivity, and the changing nature and structure of the journalistic text.
.Even though many of the media schools and departments try the best to supply the market with well-trained media personnel, still many obstacles appear recurring in the field. First, there is no reciprocal cooperation between scholars of communication and media studies on the one hand and professional media personnel on the other hand in educating journalists. Second, many of the schools and departments of media studies do not offer innovative courses that meet the requirements of new media organizations in the Arab World.
Thus, the researcher demonstrates that the teaching of journalistic genres became a technical issue that benefits neither the scientific contributions of sociology and semiotics of mass media or the philosophy of communication in the age of social networks.
Key Words: Journalistic Genres, Informative Genres, Editorial Genres, Journalistic Field, text, Journalistic Paradigm
ملخص:
يستعرض الباحث تجربة بعض أقسام الإعلام وكلياته ومعاهده في المنطقة العربية في مجال تدريس الأنواع الصحفية Journalistic Genres من ناحية المضمون، والمدة الزمنية، وطرق التدريس.
وحاول أن يكشف عن حدود هذا التدريس من ناحية تناسق مساقاته عبر مراحل التعليم الجامعي، وغياب بعض الأنواع الصحفية في الخطط الدراسية ، وبيّن الحدود المعرفية في هذا التدريس على ضوء التغييرات الكبرى الذي يعيشها عالم الإعلام والاتصال ، والتي طرحت الكثير من التساؤلات عن هوية الصحافي ودوره، و مكانة الجمهور المشارك بفاعلية في العملية الإعلامية التي تتسم بالتفاعلية، والتغيير الحاصل في مفهوم النص الصحفي وأشكال بنائه.
لقد سعت أقسام الإعلام وكلياته ومعاهده في المنطقة العربية لتلبية حاجات سوق العمل من خلال ربط البعدين النظري والعملي في تعليم الصحافيين. هذا ما يثبته تزودها بمختبرات المكنتوش واستوديوهات الإذاعات والتلفزيون. لكن هذا المسعى يظل يعاني من عدة نقائص منها، هشاشة التعاون بين الأكاديميين والمهنيين في مجال تعليم الصحافيين من جهة، وسقوط مؤسسات التعليم الجامعي في الامتثال، بمعنى أنها تعيد إنتاج قوالب الكتابة الصحفية ذاتها، وكأنها قوالب جامدة لا تتطور بتطور متغيرات العمل الإعلامي، كما تكشف عنه الممارسة الإعلامية الحديثة في العالم وفي المنطقة العربية ذاتها.
و يبرهن الباحث على أن تدريس الأنواع الصحفية تحول في بعض أقسام الإعلام وكلياته في المنطقة العربية إلى مسألة تقنية أو شكلية. لا يستفيد من الزاد المعرفي في مجال سوسيولوجية وسيميولوجية الإعلام والاتصال، واقتصاد المؤسسات الإعلامية، وفلسفة الاتصال في ظل الشبكات الاجتماعية في الانترنت.
الكلمات المفتاحية: النوع الصحفي، الأنواع الإخبارية، الأنواع الصحفية الفكرية، البراديغم الصحفي، الحقل الصحفي، النص.
المقدمة
يُعدّ تدريس الكتابة الصحفية العمود الفقري لتكوين الصحافيين. فالمؤسسات الإعلامية تُقيّم خريجي كليات الإعلام ومعاهده، عادة، بالنظر إلى مدى تحكمهم في الأنواع الصحفية. وإذا كان المهنيون والباحثون في مجال الصحافة في الدول المتقدمة قد وضعوا تدريس الأنواع الصحفية موضع تساؤل وتفكير منذ سنوات، فلم يشكل الحديث عن الأنواع الصحفية، في الأوساط الأكاديمية والمهنية في المنطقة العربية، هاجسا معرفيا أو مهنيا.
إن ما يسمى الميدبا الجديدة جدّد النقاش حول الأنواع الصحفية، وطرح على مؤسسات تعليم الصحافيين الكثير من الأسئلة الجوهرية التي تتعلق بمشروعية أشكال الكتابة الصحفية التي ظهرت، وتطورت في ظل وسائل الإعلام الكلاسيكية، بل مشروعية وجود هذه الوسائل ذاتها.
إن صمود الصحافة المكتوبة في ظل التنافس بين الأشكال الإعلامية المختلفة، أو انتقالها إلى صحافة إلكترونية أو الاحتفاظ بطبعتيها: الورقية والالكترونية معا، هو اختيار لم تمله ضرورة تجارية فقط، بل فرضه التغيير الحاصل في ايكولوجية عالم الإعلام والاتصال، وصناعة الصحافة، وتمثّل الجمهور للوسيلة الإعلامية وموادها الصحفية.
إن النقاش الذي يتجدّد في اللقاءات التي تجمع المهنيين والأكاديميين في الدول الغربية، و تحول إلى هاجس أساسي، يختصره السؤال التالي: كيف ينعكس هذا التغيير الايكولوجي على مستوى أشكال التعبير الصحفي؟ بمعنى يمكن القول أن وسائل الإعلام، والصحافة المكتوبة تحديدا تعيش مرحلة التغيير في قوالب كتابتها نظرا لظروف إنتاجها، وتعدد المساهمين في حلقات إنتاجها، والاكراهات المرتبطة بظهورها في الشاشة وشروط قراءتها غير الخطية، وتغير موقع القارئ في المعادلة الإعلامية الكلاسيكية.
نعتقد أن هذا النقاش لم ينطلق بعد في المنطقة العربية ليس لقلة المنابر التي تجمع المهنيين والأكاديميين فحسب، بل لأن اللقاءات التي اقتصرت على المهنيين، أو الأكاديميين، تجنبت طرح مثل هذه التساؤلات لأسباب موضوعية وذاتية لا يسع المقام لذكرها. أما المواعيد التي فتحت جسور اللقاء والنقاش بين المهنيين والأكاديميين فقد استحوذ عليها الهاجس السياسي والانشغال التقني اللذان قاداها إلى المراهنة على فناء الصحافة المكتوبة والاحتفاء بالصحافة الإلكترونية.
إشكالية الدراسة:
إنّ مراجعة بعض البحوث العلمية حول الأنواع الصحفية تؤكد أنها صيغ تعبيرية غير جامدة، تتميز بمرونتها ومقدرتها على التجدد والتغيير. فثباتها واستقرارها في الممارسة الصحفية يكتسي طابع النسبية. والسؤال النظري الذي يثار عادة يتمثل في طبيعة القوانين التي تتحكم في استقرارها النسبي، والعوامل التي تتدخل في تجديدها وتغييرها.
فإذا كان تغيير الأنواع الصحفية في العقود السابقة يتسم ببطء ولا يتجلى إلا عبر التراكم الطويل نتيجة ثقل الترسبات الثقافية والاجتماعية والسياسية، ووطأة تقاليد العمل الصحفي وروتينه، فإن التغيير في الأنواع الصحفية أصبح، اليوم، أسرعا، وأكثر إلحاح ضمن إيكولوجية الإعلام الجديد وتنوع وسائطه المختلفة.
إن محاولة طرح مسألة التغيير/التجديد في أشكال الكتابة الصحفية في المنطقة العربية يتطلب التفكير في مؤسسات تدريس الصحافة والإعلام التي من المفروض أن تواكب كل جديد يطرأ على الأنواع الصحفية كما تتجلى في الممارسة المهنية. فما هو المنطق الذي يتحكم في تدريس الأنواع الصحفية في المنطقة العربية؟ وكيف تتمثل كليات الإعلام ومعاهده الكتابة الصحفية في ظل الإيكولوجية الجديدة التي يعيشها حقل الإعلام والاتصال؟
تساؤلات البحث:
ما هو حجم الاهتمام الذي توليه الكليات ومعاهد الإعلام في المنطقة العربية لتدريس الأنواع الصحفية؟
ما هي أهم المفردات التي يُعتمد عليها لتأهيل طلاب الصحافة قصد تمكينهم من التحكم في الكتابة الصحفية على الصعيدين النظري والعملي؟
كيف يصمد منطق تدريس الكتابة الصحفية في كليات الإعلام ومعاهده في ظل الايكولوجية الجديدة للإعلام، أو يتكيّف معها؟
منهج البحث وأدواته :
اعتمد الباحث على المنهج الوصفي المقارن لدراسة الخطط التدريسية التي تطرحها بعض كليات الإعلام ومعاهده في المنطقة العربية. ووظف تقنية تحليل المضمون معتمدا على وحدات التحليل والتصنيف التالية: المساق التدريسي[1]، حجم الساعات التدريسية للأنواع الصحفية والمساقات المساندة، ومجمل الساعات التدريسية المعتمدة في الخطط التدريسية، وعدد مساقات الأنواع الصحفية مع الساعات الممنوحة للمساقات المساندة، وعدد المساقات المطروحة في الخطط الدراسية لنيل شهادة البكالوريوس في الصحافة. هذا مع الإشارة إلى الباحث قام بتحليل الخطط الدراسية الخاصة بتخصص الصحافة المكتوبة دون غيرها.
وقد اعتمد الباحث على عينة قصدية قوامها ثماني كليات الإعلام في المنطقة العربية[2]، نعتقد أنها تغطي مجمل المدارس والرؤى لتدريس الصحافة في المنطقة العربية. إن القصدية هنا فرضتها طبيعة البحث الذي يشترط الإطلاع على الخطة التدريسية وتوصيف مساقاتها. فالقليل من كليات الإعلام في المنطقة العربية تنشر خطتها التدريسية مع توصيف وحداتها التدريسية. والعديد من كليات الإعلام لا تنشر خطتها الدراسية ، وبعضها يكتفي بنشر محاور التدريس بالكلية فقط. لذا اعتمد الباحث على عينة من الكليات التي توفر معلومات عن خطتها الدراسية في مجال الصحافة المكتوبة. وتجنب إدخال المعاهد والمدارس غير الجامعية ضمن مجتمع بحثه.
وقد قارن الباحث بين الوحدات إحصائيا للكشف عن التطابق والاختلاف في تدريس الأنواع الصحفية في المعاهد وكليات الإعلام في المنطقة العربية.
لقد بدا للباحث أن أداة تحليل المضمون قاصرة عن معالجة الإشكالية المطروحة أعلاه، والإجابة على أسئلة البحث. لذا لجأ الباحث إلى توظيف إحدى أدوات البحوث الكيفية، وهي الملاحظة بالمشاركة. وقد تشكلت هذه الملاحظة لدى الباحث من خلال ممارسته للتدريس الأنواع الصحفية في عدة جامعات عربية لعدة سنوات، ومعايشته لأساتذة الإعلام في العديد من الجامعات العربية، واستمراره في الكتابة للصحف والمجلات العربية، واحتكاكه الدائم بالصحافيين، ومواكبته لأشكال التعبير الصحفي فيها. وقد تعززت هذه الملاحظة من خلال إطلاع الباحث على كل ما يستجد على صعيد التفكير في مجال الأنواع الصحفية.
الدراسات السابقة:
لم يشكل تدريس الأنواع الصحفية موضوع بحث مستقل في التراث العلمي حول علوم الإعلام والاتصال في المنطقة العربية، بل احتل جزءا من الاهتمام الكبير بمسألة تكوين الصحافيين وتأهيلهم الذي يعتقد الكثيرون من خاضوا فيها بأنها تظل مطروحة في كل الحقب التاريخية بسبب التغيرات الاجتماعية والثقافية والتطور التكنولوجي المتزايد.( Rieffel ، 2001، Larue-Langlois ، 1989) وقد شاركت بعض البحوث العربية القليلة في التفكير في مسألة تكوين الصحافيين وتأهيلهم خاصة في مجال التلفزيون، وطالبت ” بضرورة إعادة النظر في أساليبه لأنه لا يستند إلى رصيد فكري معرفي، ولا يملك إطارا نظريا يكون بمثابة المرجعيّة العلميّة. إنّه يجري على نحو يغيّب التفكير في ما يحيط بالصّورة من أطروحات وأدبيات تفسّر وظائفها وتحلّل أبعادها؛ أي إنّه غارق برمّته في المنظومة التقنية الخالصة.( الحيدري، 2005)
ويظل الاهتمام الفكري والمعرفي بالأنواع الصحفية في المنطقة العربية شبه غائبا مقارنة بعدد البحوث والدراسات التي حظيت بها في فضاءات ثقافية مختلفة، حيث يمكن أن نذكر على سبيل المثال، وليس الحصر، برنامج البحث الذي حمل عنوان: “الهجانة وإبداع الأنواع الإعلامية: حقائق، وتمثّلات، واستخدامات تحولات الإعلام” (Ringoot ,Utard ،2009: 215)، والذي جمع 27 باحثا من مجالات علمية متعددة وبلدان مختلفة: كندا، وفرنسا، والبرازيل”. لقد تساءل الباحثون عن الأنواع الصحفية باعتبارها قرائن لتطور الإنتاج الصحفي على المستويات الثلاثة التالية: القواعد الخطابية المتحكمة في الإنتاج الصحفي ، والعلاقة بين الأنواع الصحفية والخط التحريري أو سياسة الوسيلة الإعلامية، وتحولات الأنواع الصحفية في الصحافة الوطنية، والمقارنة بين الأنواع الصحفية عبر الثقافات…
حاولت القليل من البحوث العربية استبصار أشكال الصحافة في المنطقة العربية من خلال دراسة الصحافة الإلكترونية، حيث يمكن أن نذكر في هذا المقام، البحث المعنون: الصحافة الإلكترونية: أحادية الشكل وتعدد المضامين أم أنواع صحفية جديدة؟ ( لعياضي، 2006 : 20 ) و” تجديد الإعلام: مناقشة حول هوية الصحافة الإلكترونية”. ( الحمامي،2009) وقد تقاطع البحثان مع العديد من الإشغالات العلمية التي اهتم بها العديد من الباحثين الغربيين والتي ركزت على أشكال الكتابة الصحفية في صحافة الانترنت وتأثيرها على قوالب التعبير الصحفي الكلاسيكي.
نتائج تحليل الخطط التدريسية للأنواع الصحفية في الكليات في المنطقة العربية: تتراوح مدة الحصول على شهادة البكالوريوس صحافة في كليات الإعلام ومعاهده في المنطقة العربية ما بين 170 ساعة ( قسم الإعلام، بكلية الآداب بجامعة عدن)، و125 ساعة ( قسم الإعلام بكلية الآداب، جامعة 7 أكوبر بليبيا)-
كما تتراوح نسبة الحصة الزمنية التي تحظى بها مساقات الأنواع الصحفية والمساقات المساندة ما بين 6% من مجمل الساعات التي حددتها الخطة الدراسية لكلية الإعلام بالقاهرة، و17% من مجمل الساعات التدريسية في قسم الإعلام والسياحة بكلية الآداب بالبحرين. وهي النسبة ذاتها التي تعبر عن علاقة مساقات الأنواع الصحفية بمجمل المساقات التي تتضمنها الخطط الدراسية.
تكتفي بعض الكليات بتدريس الكتابة الصحفية فقط، كما هو شأن في كليتي الإعلام في القاهرة وبغداد. بينما تسعى الكليات الأخرى، بدرجات متفاوتة، إلى إضافة تدريس مساق الكتابة الإعلامية والكتابة الإذاعية ، كما هو الأمر بالنسبة قسم الإعلام بكلية الآداب، جامعة 7 أكوبر بليبيا- والكتابة لوكالات الأنباء بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار.
لتقريب تدريس الأنواع الصحفية من الممارسة اكتفت بعض الكليات بتخصيص مساق للتدريب على الكتابة الصحفية سواء في المؤسسات الإعلامية أو داخل الكلية، أو توجيه الطلبة لإعداد أنواع صحفية ثقيلة ( تحقيق صحفي، ريبورتاج)، كما هو الأمر بالنسبة لقسم الاتصال الجماهيري، بكلية الآداب، جامعة الإمارات، وقسم الإعلام، بكلية الآداب بجامعة عدن، وقسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية. واتجهت الكليات الأخرى إلى إدراج مساقات ضمن الخطة الدراسية وهي عبارة عن معمل أو ورشة تحمل عناوين مختلفة، مثل ورشة الكتابة الصحفية، أو تطبيقات في الصحافة، كما هو الأمر بالنسبة لكلية الإعلام بالقاهرة وبغداد، ومعهد علوم الأخبار بتونس، وقسم الإعلام والسياحة بكلية الآداب بالبحرين.
تختلف أساليب تدريس مساقات الكتابة الصحفية في كليات الإعلام في المنطقة العربية فبعضها يفصل بين النظري والتطبيقي من ناحية عدد الساعات، كما هو الشأن في معهد الصحافة وعلوم الأخبار بتونس، وقسم الإعلام بليبيا، وقسم الإعلام باليمن(عدن). لقد خصصت هذه المؤسسات الجامعية ساعات عملية لتطوير مهارات طلاب الصحافة وتدريبهم على كتابة ما تعلموه نظريا. ويتراوح حجمها الساعاتي ما بين 5 ساعات، و18 ساعة ( وهذه عبارة عن أعمال موجهة يطبقها معهد الصحافة وعلوم الأخبار تمتزج فيها مراجعة المعلومات النظرية وممارستها). أما بقية الأقسام وكليات الإعلام فقد تركت الأمر بيد أستاذ المساق الذي يمكنه أن يخصص جزءا من محاضراته إلى الممارسة إذا أراد ذلك، أو يكلف الطلبة بكتابة أنواع صحفية معينة خارج الوقت المخصص للمحاضرة.
يبدو أن ما سبقه ذكره من اختلاف في تدريس الكتابة الصحفية أمر طبيعي، لأنه يعبر عن اختلاف المدارس في تكوين وتأهيل الصحافيين في المنطقة العربية ومرجعياتها، وهو الاختلاف الذي نشاهده على مستوى دولي. فتقسم ساعات تدريس الأنواع الصحفية في العديد من المؤسسات الجامعية الأوربية إلى قسمين: قسم نظري، وقسم عملي. وإن كانت الأهمية تولى إلى القسم النظري. أما في التجربة الأنجلو سكسونية والأمريكية تحديدا، فيمتزج النظري بالعملي. لكن تشترك التجربتان في الاستفادة من خبرات المهنيين في تدريس الكتابة الصحفية.
لقد كشفت التجربة أن نسبة تدريس الأنواع الصحفية من مجمل الساعات المحددة في الخطة الدراسية تبدو غير كافية، لأن الكثير من الطلبة يلتحقون بكليات الإعلام دون أن يتحكموا في قواعد الكتابة بصفة عامة. لكن المسألة لا تقف عند الكم، بل تطرح ما هو أعمق.
لتوضيح جوهر الأنواع الصحفية، والاختلاف بينها نورد التصنيفات التالية:
التصنيف الأول: قدمه الباحث De Baucker Masé (Adam، 1997) ، حيث وضع الأنواع الصحفية الكبرى ضمن خانتين فقط، وهما: الأنواع الإخبارية والأنواع التعليقيةof Commentaries Genres . وهذا التصنيف يقوم على مسلمة الفصل بين الخبر والتعليق بالاستناد إلى المعايير الثلاثة التالية: الموضوع، وقصدية الكتابة الصحفية. بمعنى هل تستهدف هذه الأنواع الصحفية الإخبار والتبليغ أو تفسير الأحداث والتعليق عنها؟ وما هو موقف الصحافي في خطابه؟ وما هي مصادره الإخبارية؟
التصنيف الثاني ( لعياضي، 2007: 30،31 ) يرى أن الأنواع الصحفية تتسم بثرائها ومساهماتها المختلفة والمتباينة في بناء الواقع، فتصنيفها يجب أن يعكس هذا الثراء ويكون أكثر شمولية، ويعتمد على معايير متعددة تتجاوز القصدية والموضوع، والموقف من المصدر لتشمل حجم المادة الصحفية، وعملية تلفظها، وآنيتها، لذا أدرجها في مجموعات تبدو أنها متقاربة، مثل الأنواع الإخبارية ( الخبر والتقرير الصحفيين)، والأنواع الفكرية ( المقال الافتتاحي، والمقال التحليلي، والعمود الصحفي)، والأنواع الاستقصائية ( التحقيق الصحفي) والأنواع التعبيرية ( الريبورتاج، والبورتري( Portrait ) أو البروفايل ) (Profil .
لا يأخذ تدريس مساقات الكتابة الصحفية في العديد من كليات الإعلام وأقسامه في المنطقة العربية بعين الاعتبار مسألة التدرج المعرفي والعملي للأنواع المصنفة أعلاه. فجل الكليات والمعاهد الإعلامية في الدول المتقدمة تشرع في تدريس الأنواع الإخبارية أولا، ثم تنتقل إلى تدريس بقية الأنواع وذلك انطلاقا من فهم صائب وهو أنه من الصعب التحكم في الأنواع الصحفية الفكرية، والاستقصائية، بدون التعرف على الأنواع الإخبارية. بيد أن بعض كليات الإعلام القليلة تحشر تدّريس التقرير الصحفي وسط الأنواع الفكرية، أو تنتقل مباشرة من تدرّيس الخبر الصحفي إلى تدريس التحقيق الصحفي. وهذا خلافا للتصور الذي يرى أن تدريس التحقيق الصحفي يجب أن يتوج التحصيل العلمي في جميع مساقات الكتابة الصحفية لأنه يستوعب الكثير من العناصر الأنطولوجية للأنواع الصحفية؛ أي أنه يتطلب الإلمام بالوظيفة الإخبارية التي يقوم بها الخبر والتقرير الصحفيين ( لأنها تجيب على سؤال ماذا جرى؟، واستيعاب مقومات المقابلة الصحفية ( تقديم شهادة أو خبرة…) والتحكم في الكتابة التي تحلل الأحداث ( المقال الصحفي).
إذا كان معهد الصحافة وعلوم الأخبار بتونس يُدرّس الريبورتاج، ويتعامل مع البورتري كصنف من أصناف الحديث الصحفي، فإن الكثير من معاهد الإعلام وكلياته في المنطقة العربية لا تتجاهل تدريس الأنواع الصحفية التعبيرية، مثل البورتري و الريبورتاج، على وجه التحديد، فقط بل تنفي مشروعية هذا الأخير كنوع صحفي قائم بذاته، وتنكر وجوده كشكل من أشكال الكتابة الصحفية الأكثر نبلا، والذي بُني عليه التمثّل الجماعي للمراسل الصحفي في المنتصف الثاني من القرن العشرين
يرتبط الريبورتاج في ذهن المهنيين في الدول الأوربية بالممر الذي انتقل عبره الكثير من الكتاب إلى عالم الأدب.[3] لقد ظهر هذا النوع الصحفي في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الممتدة من 1861 إلى 1865، وأرسى الأسس المهنية للصحافة، لأنه أنزل الصحافي إلى الميدان لمتابعة ما يطرأ من تغيرات في الحياة اليومية، وليكون” الشاهد” المؤقت على حدوثها.( Balle ، 1987: 87)
إن الريبورتاج الذي يعبر عن ازدهار عصر الصحافة التجارية التي أطرت الصحافة الإخبارية طرح على الصحافة الأوروبية ضرورة الانتقال من سيطرة الكتابة ذات الطابع الفكري، التي انشغلت بتأويل ما يجري، إلى الكتابة الصحفية التي تهتم بما يجري ( أي نقل الأحداث والوقائع). ويجد هذا الاهتمام جذوره الفلسفية في السوسيولوجية الوظيفية (Ruellan ، 2008) التي حررت العمل الصحفي من ارتباطه بالمصادر الرسمية والمؤسساتية، وفتحته على تعددية المصادر ليستقي معلوماته من مختلف الأطراف الاجتماعية بما فيها المواطن العادي.
فإذا كان تطور الريبورتاج الصحفي الذي يقوم على الالتصاق بتفاصيل الواقع قد أثار نقاشا نظريا حول البعد الذاتي في الكتابة الصحفية، فإنه ساهم في تعزيز شرعية للصحافة التجارية التي سعت للانفلات من الرقابة الكلاسيكية التي تمارسها السلطة السياسية، وشارك في تأسيس الصحافة المعاصرة وهي تعيش مرحلة تصنيعها، حيث أضحى جمع المعلومات والأخبار نشاطا اقتصاديا مربحا.(Ruellan ، 2008)
إن تغييب تدّريس الريبورتاج في الكثير من كليات الإعلام وأقسامه يمكن تفسيره بقلة استخدامه في وسائل الإعلام العربية، والصحافة تحديدا، لأن الصحافة العربية تغذت ولا زالت تتغذى من الترسبات التاريخية والاجتماعية، والتي دفعتها إلى تجسيد انشغال سياسي وثقافي، وحمّلتها رسالة نضالية وكفاحية. لذا نلاحظ أن الصحف العربية تبجل المقال، وتتعالى على الخبر الذي يشكل لحّمة الأنواع الصحفية. فولع الصحف العربية بالمقال، وانشغالها بكل ما هو رسمي جعل الخطاب الصحفي العربي شديد الارتباط بالخطاب السياسي، يتغذى أساسا بالمقال والتقرير الصحفي. والنتيجة أن التقرير هيمن في الممارسة الصحفية وتدّريسها الأكاديمي لأنه يتناغم مع النشاط الرسمي والمؤسساتي أكثر من الريبورتاج، لكن ظروف الدول العربية تغيرت، ووسائل انتقال المعلومات تغيرت هي الأخرى ولم تعد حكرا على المؤسسات الرسمية.
إن تدريس الكتابة الصحفية في أكثر من جامعة عربية، والاحتكاك بتجارب مختلف الأساتذة العرب من جامعات عربية مختلفة يؤكدان أن تدريس الأنواع الصحفية لم يستفيد بشكل مباشر أو غير مباشر، من تقاليد السرد في الثقافة العربية الإسلامية.
إن المتتبع الحصيف للتراث العربي الإسلامي يعثر فيه على بعض سمات الريبورتاج. هذا ما نلاحظه على سبيل المثال في كتاب تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار لابن بطوطة، والذي يروي فيه رحلاته التي قادته إلى الهند والصين. وكتاب أحمد بن العباس بن رشد بن حماد المعروف باسم بن فضلان الذي يسرد فيه رحلته إلى روسيا وبلغاريا.
ولم يستلهم تدّريس الأنواع الصحفية على الصعيد النظري مما توصلت إليه الأنواع الأدبية العربية التي تعد أكثر تأثرا بالمتغيرات الثقافية والفكرية في العالم والمنطقة العربية. فمفهوم النص الصحفي المفتوح الذي يعني عدم خضوعه لنمطية القالب الواحد في الكتابة نتيجة الكتابة في شبكة الانترنت وفق منطق النص الفائق أو الفائض HyperText قد وجد في الأدب. ومارسه بعض الأدباء العرب في إنتاجهم الروائي الذي اجتمعت فيه عناصر الرواية والشعر والقصة القصيرة والمقالة. ( العزاوي،2000 )
يوجد عدد قليل من كليات الإعلام في المنطقة العربية التي أدرجت الصحافة الإلكترونية في تكوين الصحافيين. إن هذا الإدراج في اعتقادنا يطرح ضمن مطلب إطلاع الطالب على خصوصية الصحافة الإلكترونية، وتعريف الطلبة بالفرق بينها وبين الصحافة الورقية على صعيد الإخراج والتبويب، والمواد الصحفية المنشورة، أكثر من التفكير في التحول الجذري الذي تعيشه الصحافة اليوم على صعيد الكتابة والهوية، والناجم عن العديد من العوامل والتي تساهم كلها في تطور النظرة لما هو النص الصحافي وأشكال بنائه أو تشظيه.
أعتقد أن التصور المعمول به في تدريس ” الكتابة الصحفية” يقف عند طموح واحد ومحدد: تخريج طلاب يستطيعون أن يتأقلموا بسرعة مع ظروف العمل الصحفي والبيئة التقنية لهذه الوسيلة الإعلامية أو تلك، ويلتحقون بسرعة في دورة الإنتاج الصحفي. وهذا خلافا لخريجي بقية العلوم الاجتماعية والإنسانية الذين يقضون فترة أطول حتى يعول عليهم في المؤسسة الصحفية. ولعل هذا الطموح كان وراء إدراج بعض أقسام، مثل قسم الإعلام بجامعتي الإمارات والبحرين، مساقات ذات طابع تقني- إجرائي في الخطة التدريسية، وهو استخدام الكمبيوتر وبرامجه في تأهيل الصحافيين لجمع المعلومات، و إظهار البيانات والإحصائيات بشكل أسرع وأدق باستخدام برنامح SPSS، و ميكروسفوت أوفيس أكسس، وإكسال، وون نوت ( Microsoft Office One Note )
يبدو أن هذا الطموح منطقي ومبرر لأنه يسعى إلى التناغم مع متطلب سوق العمل في المجال الإعلامي، لكنه يعاني من نقيصتين. النقيصة الأولى وتتمثل في دفع التعليم الجامعي في مجال الإعلام إلى الامتثال؛ أي تكوين صحافيين قادرين على إعادة إنتاج قوالب الكتابة المهيمنة في وسائل الإعلام بدون امتلاك رصيد معرفي يسمح لهم بتجاوزها. لقد شكلت هذه النقيصة مأخذا على معهد تكوين الصحافيين الفرنسيين، الذي يُعّد أقدم وأبرز هيئة تعليم مهن الصحافة والإعلام في فرنسا. لقد اتهم بأنه مصنع لإنتاج الامتثال في الصحافة، لأنه يعكف على تدريب الصحافيين على القوالب التعبيرية ذاتها بالأسلوب ذاته الذي ظل سجين الصور النمطية لارتهانه لسلطة المال التي تتحكم في معظم وسائل الإعلام الفرنسية. (Ruffin، 2003)
ما يرسخ هذا الاعتقاد هو عدم انفتاح تدّريس الكتابة الصحفية في المنطقة العربية على المهنيين، وغلق المعرفة النظرية في مجال الكتابة على بعض الكتب المقررة، التي تتوارث المعلومات ذاتها مجسدة منطق ” المحلية الأكاديمية”. وبهذا فإنها لم تتجدد بما ينشره المهنيون عن تجاربهم وخبراتهم المهنية، ولا تثري بما يستجد من الكتابات الفكرية الخاصة بتطور أشكال الكتابة الصحفية في العالم، والتي تناولها بالتفصيل لاحقا. هذا إضافة إلى وجود نسبة من أساتذة الصحافة في الجامعات العربية لا تملك رصيدا مهنيا في مجال الممارسة الصحفية، واستمرار القطيعة، بهذا القدر أو ذاك، بين الأكاديميين والمهنيين.
تأسيسا على ما تقدم نعتقد أن مسمى ” الكتابة الصحفية أو الإعلامية”، و” فنيات التحرير” أو التحرير الصحفي” المدرج في الخطط الدراسية في أقسام وكليات الإعلام العربية يرسخ الفهم السائد والمتمثل في أن تدريسها مسألة تقنية تختصر في تلقين الطالب مجموعة من القوانين المرتبطة ببعض الأنواع الصحفية، وليس كلها، وتطبيقها على الأحداث والوقائع. وبهذا توحي ضمنيا بأن الكتابة الصحافية ظلت على ما هي عليه منذ ظهور الصحف الأولى في المنتصف الأول من القرن السابع عشر! لهذا نلاحظ أن المؤسسات الأكاديمية المكلفة بتكوين الصحافيين وتأهيلها، تتجنب التعامل مع الكتابة الصحفية في بعدها الفكري، أي لا تحولها إلى إشكالية ترتبط بكيفية نشوء الأنواع الصحفية والعوامل المتحكمة في تطورها، أي لم تضعها في نقطة تقاطع الكثير من العلوم: اللسانيات، السيمولوجيا، علم الاجتماع، الفلسفة، كما هو معمول به في أقسام الأدب وكلياته التي تعكف على تدريس الأنواع الأدبية. وحتى كليات الصحافة في أوربا. فالمدرسة العليا للصحافة بمدينة ليلLile الفرنسية رفدت تدريس الكتابة الصحفية بمساق خاص بالتفكير في تعقد مهنة الكتابة الصحفية.
يمكن القول من باب الإنصاف، أن الكثير من كليات الإعلام وأقسامه، تمهد لتدريس ” الكتابة الصحفية أو الإعلامية” بمادة معرفية عن الفرق بين الصحافة والأدب، وخصائص الأسلوبين الصحفي والأدبي. وقد تجد هذه المادة مبرر وجودها في مساهمة المؤسسات الأكاديمية في تحرير الكتابة الصحفية من الإرث الأدبي الذي أثقلها. فالكل يعلم أن الصحافة في المنطقة العربية لم تظهر، في بدايتها، في شكلها اليومي الإخباري الذي يسمح لها بمتابعة الأحداث ونقلها بآنيتها، كما أن أغلبية محرريها كانوا من الأدباء والمصلحين إلى درجة أن بعض الأحداث الدولية كانت تنقل شعرا في الصحافة![4] لكن الأمور تغيرت، ولا توجد ضرورة للحديث المسهب عن الفرق بين الأدب والصحافة. فالضرورة تكمن في تشخيص الفرق بين الخطاب السياسي والإعلامي. فالكل يعلم أن الخطاب السياسي قد ” اغتصب” الخطاب الإعلامي في المنطقة العربية منذ الخمسينيات من القرن الماضي.
إذا من أجل فهم رهانات تدريس الكتابة الصحافية في ظل الإعلام الجديد يجب التوقف قليلا عند الفهم السائد للأنواع الصحفية وتمثّل Representation لتطورها في الوسط الأكاديمي.
أطروحتان لإدراك التغيرات التي عاشتها وتعيشها الصحافة.
من الصعب أن نفهم الأنواع الصحفية بدون إدراك أن الصحافة كائن حي يتغير، ويتجدد بفعل مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. فالمقارنة بين نسخ الصحف الأولى التي ظهرت في مطلع القرن التاسع عشر، وطبعات بعض عناوين الصحف الحالية، يبرز التغيير الكبير في سجل مواضيع المادة الصحفية، ومحتوياتها، وطرق تبويبها وإخراجها. ويكشف عن تطور أشكال كتابتها. إن هذه التغييرات لم تحدث مرة واحدة، ولم تسلك مسلكا خطيا، ولم تقض على كل تقاليد الممارسة الصحفية السابقة، بل كانت وليدة مسار معقد، ومتفاوت التأثير من منطقة إلى أخرى.
يفضل الباحث فرنسو دُمير (Demers، 2007) وصف هذا المسار بـ” الفك وإعادة التركيب”، بينما يعبر عنه :Camille Laville 2008 بتغيير التشَكًل أو التكوين Configuration الذي استلهمه من كتابات الباحث Norbert Elias ، فيرى ( أن الممارسات الصحفية تندرج ضمن عملية تشكيل تؤسسها مجموعة من العوامل الاقتصادية والثقافية والتقنية والسياسية. فكل هذه العوامل تتجسم في الواقع الملموس الذي تصنعه المؤسسات، والفاعلون، والتقنيات. إنها تصنع تشكيلا غير ثابت، يتطور عبر التاريخ.”)
الأطروحة الأولى: “براديغم” الصحافة journalistic paradigm
لفهم منطق هذا التشكيل، يوظف الباحثان الكنديان: جون دو بوفيل Jean de Bonville، و جون شارو Jean Charron مفهوم براديغم الصحافة journalistic paradigm. ويعرفانه بأنه نسق معياري أنجبته الممارسة القائمة على الأنموذج والمحاكاة، ويتشكل من افتراضات، ومخططات تأويلية، وقيم وقوالب نموذجية ترجع إليها جماعة من الصحافيين في إطار زماني ومكاني محدد. وتعمل على تمتين انتمائهم. وتستخدم لإعطاء شرعية للممارسة الصحفية. (Charron ،Bonville، 2000)
عند تنزيل هذا النسق المعياري في أرض الواقع يصبح يغطي ما يمتلكه الصحافيون من قواعد إنتاج المادة الصحفية. وهذه القواعد ليست ذات طبيعة قانونية أو أخلاقية، كما يذهب إليه الباحثان، بل جملة من المعايير الشكلية المتسترة التي يستبطنها الصحافي في الممارسة، وتحدد ما يجب قوله في هذا القالب الصحفي، والأسلوب الذي يقال به، وما لا يجب قوله، بل تفرز جملة من القوالب التي يمكن أن تستوعب هذا النوع من القول أو ذاك.
يرى الباحثان المذكوران أن براديغم صحافة الاتصال نابع من التغيير الحاصل في التصور للإعلام Information، حيث أصبح مختلفا عما كان سائدا من تصورات سابقة، إذ يؤكدا بأن مفهوم الإعلام أصبح في الصحافة المعاصرة يغطي حقلا سميائيا أكثر اتساعا من ذاك الذي يحصره في نقل، و الإخبار أو التعليق عن الأحداث السياسية والدبلوماسية. وقد حاول الإعلامي بونوا رفائيل (Benoit ، 2008 ) حصر ثماني” جينات” Genes التي يتكون منها الحامض النووي DNA Deoxyribonucleic acid الجديد للإعلام في العصر المعاصر في مدونته الإلكترونية، وهي كالتالي: التشظي الفائق، والتراكم من وحدات إعلامية صغرى، والنقل المباشر، ورشة مفتوحة دائما، ذو طابع اجتماعي أكثر، شخصي أكثر، لا يخضع لتراتبية الوسيلة الإعلامية مثلما كان في السابق، ذو قابلية لإعادة للتشكُل. وعلى هذا الأساس تغيرت الصحافة المعاصرة بفعل الجينات الجديدة التي غيرت محتوى الإعلام وشكله.
يرى البعض أن سبب بروز براديغم صحافة الاتصال يعود إلى التغيير الحاصل في تمثّل المؤسسات الصحفية ومنتجيها للجمهور. فالجمهور كان مناضلا في تصور صحافة الرأي ، ومواطنا في تصور الصحافة الإخبارية يتمتع بحقه في الإعلام والمعرفة، وزبونا في تصور صحافة الاتصال ينتظر من وسائل الإعلام أن تقدم له سلعة.
الأطروحة الثانية: التشكيل الخطابي للصحافة journalistic discursive formation
وظف الباحثان روزلين رنغوت Roselyne Ringoot وجون ميشال ايوتار Jean-Michel Utard أطروحة أخرى لشرح التحولات التي تعيشها الصحافة، إنها أطروحة التشكيل الخطابي للصحافة journalistic discursive formation (Ringoot ، Ruellan ، 2006)
ويرى الباحثان أن التشكيل الخطابي للصحافة يعبر عن حالة من التجاذب بين النظام والتشتت. فالمقصود بالنظام قواعد العمل الصحفي أما التشتت فعبر عن التغيير في أشكال الكتابة الناجم عن المؤثرات الخارجية التي تؤثر على الصحافة باعتبارها مؤسسة. فإذا سلمنا بنظام الخطاب الصحفي، فإننا نسلم، أيضا، بالتشتت القادم من خارج الخطاب. (Ruellan ، Ringoot ، 6200)
إذا كانت الأطروحتان تشتركان في الإيمان بأن الصحافة هي اختراع اجتماعي متجدد، تعكس ديناميكية التغيير وتساهم فيها، فإنهما تختلفان في الرؤية لثقل وتأثير القواعد والانتظام regularities & rules. ) Charron ، Bonville: 1996) في إنتاج المادة أو الخطاب الصحفي.
تعتقد أطروحة البراديغم الصحفي أن القواعد rules المختلفة تشكل نظاما معياريا؛ أي أنها هي التي تؤدي إلى انتظام الإنتاج الصحفي وتواتره وفق نفس المواصفات. بينما يرى أصحاب أطروحة التشكيل الخطابي للصحافة أن هذه المعيارية تتشكل من خلال الانتظام، والانتظام لا يأتي من داخل المؤسسة الصحفية بل تفرضه مختل قوى خارجية.
لتوضيح الاختلاف بين الأطروحتين يمكن القول أن أصحاب الأطروحة الأولى يعتبرون الأنواع الصحفية هي قواعد إنتاج المادة الصحفية، بينما يعتبرها أصحاب الأطروحة الثانية أن هذه الأنواع هي مظهر مؤقت لمسار في الكتابة أو الإنتاج.
إن القواعد التي تحدث عنها أصحاب الأطروحة الأولى تتعلق بالنشر والكتابة، ويمكن أن تكون ذات طبيعة إجرائية أو سميائية أو معيارية. فالمقارنة بين الأنواع الصحفية المختلفة: الخبر، والريبورتاج والتقرير، والتحقيق الصحفي تبيّن أن هذه القواعد إجبارية وملزمة وتفرض على كل خطاب ينتجه هذا النوع الصحفي أو ذاك. وبهذا فإن هذه القواعد هي تأسيسية بالنسبة للأنواع الصحفية. والأكثر من هذا أنها تكتسي طابعا كونيا وتتسم بصرامتها. بينما لا تنفي الأطروحة الثانية هذه القواعد، لكن لا تعطيها القوة والتأثير ذاته، بل تراها بجانب عناصر أخرى، مثل: الموضوع، ونمط التلفظ، وتراها عبارة عن استراتيجيات تنتظم لتتحول إلى قواعد.) Charron ، Bonville، 1996)
إذا الأطروحة الأولى تقر بحالة من الثبات والاستقرار في الكتابة الصحفية، ضمن أفق الانتظام. بينما تؤكد الأطروحة الثانية طابع التغيير في الكتابة الصحفية. فهذه الأخيرة لا تتغير بفعل القواعد الداخلية التي تتحكم فيها والتي تتحول إلى قوة محايثة تعيد إنتاجها، بل تتطور بفعل ما ” يوجد من الخارج في داخلها”، أي بفعل الأطر الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والسياسية والثقافية والفاعلين الذي ينتجون خطابات اجتماعية مختلفة فتمنحها استقرارا مؤقتا.
يجد بعض الباحثين صعوبة في فهم الأنواع الصحفية على ضوء الأطروحتين المذكورتين، لأنهما يشترطان التمييز الدقيق بين الثابت والمتغير في الصحافة. ويقترحون الانطلاق في مناقشة الأنواع الصحفية من زاوية النص. وبهذا، فإنهم يسايرون اللسانيين الذين يعتبرون هذه الأنواع ظاهرة لسانية. ويحصرون النص في التعريف الذي قدمه له اللساني برونكارت جون بيار Bronckart J.-P.؛ ولخصته Florimond فيما يلي: ( هو كل وحدة منتجة لفظيا تنقل رسالة منظمة لسانيا وتسعى إلى ممارسة تأثير منسجم على متلقيها. فهذه الوحدة اللفظية يمكن أن نعتبرها كوحدة اتصالية بدرجة أساسية.) (Florimond، 2002). فكل نص يحافظ على مجموعة من العناصر التي تزوده بنوع من الاستقرار من جهة، وتحدد موقعه بالنسبة لبقية النصوص. فطائفة النصوص التي تلتقي في قواسم مشتركة يمكن القول أنها تشكل نوعا. فالنص الصحفي يتشكل من العناصر التي حصرها خضور ، 1993: 57، 58) في: الموضوع، الشرح والتفسير، التعليق والتحليل، الحقائق والوقائع، الأسلوب، الحجم أو المساحة. ويمكن أن نضيف لها عنصرين أساسيين، وهما: الآنية، وقصدية النص اللتان يؤكد عليهما اللسانيون.
إن العلاقة القائمة بين هذه العناصر والقوانين، التي تزن بثقلها لترزح كفة عناصر على حساب عناصر أخرى، هي التي تحدد انتماء نص ما إلى نوع صحفي معين. فإذا كان قصد النص، على سبيل المثال، الإبلاغ والإخبار، وتضمن عنصر الآنية، وامتثل لمتطلب الحجم أو المساحة المطلوبة، يمكن إدراجه في خانة الخبر الصحفي.
إن النظر إلى الأنواع الصحفية بالانطلاق من مفهوم النص تطرح مسألتين شائكتين، وهما:
إذا كان حقل الأدب يؤكد لنا صعوبة الإجماع على أن الوحدة المنتجة لفظيا والتي تنقل رسالة منظمة لسانيا وتسعى إلى ممارسة تأثير منسجم على متلقيها تُعّد نصا، بمعنى أن ما تعتبره هذه الثقافة نصا لا يعد كذلك في ثقافة أخرى. ( كيليطو، 2007: 21) فإن الأمر يعدو أكثر صعوبة في الحقل الصحفي، وذلك لأن كل ما يكتب لا يُعّد نصا صحفيا، فيُزكى انتماؤه لهذا النوع الصحفي أو ذاك، والسبب لا يعود لخلو هذا النص من العناصر المذكورة أعلاه، بل لأسباب تتعدى النص والمؤسسة الإعلامية. وللتأكيد على هذه الفكرة نشير إلى أن الصحافي الجزائري سليمان جوادي نشر، في منتصف الثمانينات، بعض النصوص في صحيفة الشعب الجزائرية في شكل مقامات تعالج الأحداث والقضايا المطروحة في المجتمع الجزائري. لكن إدارة الجريدة أوقفت نشرها، والسبب في ذلك لا يعود إلى أن الصحيفة المذكورة اقتنعت بوجهة نظر بعض النقاد الذي يرون أن المقامات لم تأت بأي جديد على صعيد المضمون، فاكتفت باللعب على اللغة وبها، بل لأن المنظومة الإعلامية والسياسية في ذاك الوقت كانت تحدد النص الصحفي بمدى قدرته على الامتثال لغائية الصحافة التجنيدية والتعبوية التي تميزه بالجدية. وتخشى أن تفعل المقامات في الصحافة الرسمية في ذلك الوقت، ما فعلته في الأدب في زمن ازدهارها: ( حرية في التخيل، وعدم التقييد بقيود الرواية والنقل والأسانيد التقليدية.) (مروة، 1985: 209)
لقد أفلحت هذه المنظومة، في فضاءات ثقافية أخرى، في احتواء بعض النصوص التي تنشرها المدونات الإلكترونية، فأدمجتها في مستوياتها التعبيرية المختلفة: الأبواب الصحفية والأنواع الصحفية. لقد تعاملت معها كريبورتاج أو مقال الصحفي. فصحيفة الغردين اللندنية The Guardian ، على سبيل المثال، كانت تنشر بشكل نصف شهري ما ينشره Salam Pax، وهو الاسم المستعار لصاحب مدونة Where’s Raed ، عن يوميات الحرب في العراق ومزاج الشارع البغدادي في مدونته، فتعاطت الصحيفة المذكورة مع هذه الكتابات على أساس أنها نوع صحفي قائم بذاته: المقال الصحفي. بينما نشرتها الطبعة الشهرية التي تصدرها الصحيفة الفرنسية ” لوموند” في ركن: ” فاكسات” (fac similé). إن الفرق في التعامل مع النصوص المذكورة يقاس بمدى تبني الصحيفتين لمضامين النصوص أو عدم تبنيها.
تأسيسا على ما سبق من الصعب تعميم القول أن الأنواع الصحفية هي قوالب تعبيرية كونية تتجاوز الثقافات والمجتمعات. والدليل على ذلك أن الصحافة الفرنسية، على سبيل المثال، تستخدم أنواعا لا توجد بالمسمى والشكل والمحتوى ذاته في الصحافة العربية، مثل: Maronnier ، الذي يُعرف بأنه مادة صحفية قصيرة تتناول الموضوع ذاته تنشره مرة كل سنة، وEcho والذي يدل على خبر قصير يتسم بطابعه التنكيتي وأسلوبه الساخر، وPotin ( (Gossip والتي تعني ثرثرة عن أشخاص أو شائعة. ويمكن الإشارة إلى أن الصحافة الجزائرية الصادرة باللغة الفرنسية مازالت تحتفظ ببعض هذه الأنواع الصحفية، على غرار صحيفة ” ليبرتي” ) Liberté) الجزائرية التي تصدر البعض من موادها المختصرة تحت مسمى ” Télé Potins” ، أي ثرثرة عن التلفزيون.
إذا انطلقنا من تصور بأن الخطاب الصحفي هو تعبير سميائي عن الممارسة الاجتماعية، فإننا نستنتج بأن متنه تتقاطع فيه جملة من الخطابات الصادرة عن الأطراف المرتبطة بهذه الممارسة، أي مصادر إخبارية مختلفة، وشهود عيان، وخبراء وأخصائيين، ومعطيات وثائقية، وخطابات صحفية سابقة أو موازية عن الحدث/ الموضوع الذي يتناوله. فهذه الخطابات لا تحمل جملة من الملفوظات التي تحدد سياق النص الصحفي أو معطياته فقط، بل تتضمن مقاصده الاتصالية أو غاياته. لذا يمكن التعامل مع النص في مجال الصحافة على أساس أنه ملتقى العديد من النصوص، فهو ثمرة التناص Intertextuality.
إن النص الإلكتروني يسير بالتناص إلى أقصى حدوده( الصادق،2009)، إذ أنه يمّد حدوده عبر جملة من الإحالات إلى داخله ) في الصفحة التي يظهر فيها أو المواقع الإلكتروني) أو خارجه ( إلى وثائق ونصوص أخرى). إذا النص الصحافي الإلكتروني هو إفراز لتناص التناص، أي يتشكل من مستويين من التناص ، المستوى الأول كامن في الشرط الأنطولوجي لكل نص صحفي، كما ذكرنا أنفا، والمستوى الثاني هو إفراز لمنطق الكتابة وفق متطلبات النص المتشعب HyperText التي أخرجت النص الصحفي من أحاديته بما تتيحه من تنوع النوافذ التي يطل منها على الحدث/الموضوع. (الصادق، 2009)
الأنواع الصحفية في متغيرات الحقل الإعلامي.
إن تعريف الصحافة كممارسة بناء اجتماعي للواقع تسمح بتعزيز الافتراض بأن ما نعيشه من ممارسات صحفية لا يتناغم مع ظاهرة مزج الأنواع الصحفية، بل ينسجم مع إعادة تحديد الممارسات الصحفية. ( Ringoot ،Utard، 2005: 105)
نعتقد أن هذا الفهم يحيلنا إلى التساؤل عن دور المؤسسة الصحفية في تأسيس النوع الصحفي. فإذا كان الحديث عن النوع الصحفي مجردا فإنه يقلل من مساهمة الوسيلة في ميلاده، أما إذا أبرزنا دور المؤسسة الحاسم في نشوء الأنواع الصحفية وتطورها وفق خصوصيتها التواصلية والجمالية، فلا مناص من ربط الأنواع الصحفية بالوسيلة، كأن نقول الأنواع في الصحافة المكتوبة، أو الأنواع الإذاعية، أو التلفزيونية، أو نربطها بالحقل كما حدده عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو، والذي يعرفه بأنه ( تشغيل للمبدأ الأساسي الذي ينطلق من أن الواقع الاجتماعي هو علائقي. فما يوجد في الواقع هو حزمة من العلاقات ليس بمعنى العلاقات الاجتماعية، بل بمعنى البُنى غير المرئية….. كما أن تشغيل هذا المبدأ يؤدي إلى بناء حقول، مثل الحقل السياسي، والحقل الفكري، والحقل الفني، والحقل الديني…). (Mauger ،Pinto ، 1994) فالحقل الصحفي يضم الفاعلين الأساسيين ( الصحافيين، المؤسسات الصحفية وملاكها سواء كانوا خواص أو غيرهم، ومشرعي العمل الصحفي ومنظميه) والجمهور ( الفعلي أو المحتمل)، ومصادر الأخبار والمعلومات ( مؤسسات رسمية وطنية وأجنبية، أحزاب سياسية وتجمعات المجتمع المدني، وخبراء ومختصين، نجوم ومشاهير، عامة الناس)، ووسائط الاتصال المختلفة ( جرائد ومجلات ورقية، صحافة إلكترونية، إذاعة وتلفزيون…)
ظل التفكير في التغيرات التي أحدثتها تكنولوجيا الاتصال رهينة النظرة الاقصائية التي ترى أن كل واسطة اتصالية جديدة تقضي على القديمة، وتستعيد الوظائف التي كانت تقوم بها، وتستحدث وظائف أخرى جديدة . (De Laubier، 2000: 65). لقد استنفذ هذا التفكير أفقه المعرفي بعد أن قدمت الأيام البرهان على أن ما يُعّد إعلاما “جديدا” لم يلغ ما يُعّد قديما. وبدأ الحديث عن تكامل وسائل الإعلام يتزايد لتبرير ارتفاع عدد وسائط الاتصال وتنوع مضامينها دون اندثار وسائل الإعلام الكلاسيكية.( Maigret ،2007)
نعتقد أن مصطلح ” التكامل” هو صيغة تعبر عن نزعة توفيقية في النقاش الحاد بين أنصار وسائل الإعلام الكلاسيكية ومناصري “الإعلام الجديد” New Media، وتحد من غلو منافحي الحتمية التكنولوجية أكثر مما تفسر ما تعيشه وسائل الإعلام من تغيير. فالتكامل يطرح على مستوى الاستخدام وليس على مستوى الحامل التقني، لأنه من الصعب الإقرار بعدم اكتمال وسيلة إعلامية. (Prerrier ، 2001) بمعنى أن الجمهور/ المستخدم ينتقل من قراءة الصحفية الإلكترونية إلى الصحيفة الورقية ثم إلى مشاهدة التلفزيون، ومتابعة شريط الأخبار في إحدى البوابات الإلكترونية على شبكة الانترنت .
نعتقد أن التغيرات التقنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتصالية التي تعتمل في حقل الإعلام والاتصال أدت إلى ميلاد الوسيط الإعلامي الهجين Medium Hybrid. فالتلفزيون الحالي هو قديم وجديد في ذات الوقت. فالقنوات التلفزيونية شرعت، بعد تردد، في ” صب” بعض موادها مجانا في شبكة اليوتيب، والبعض منها بدأ في بث مسلسلاته التي استقطبت أكبر عدد من المشاهدين، في مواقع إلكترونية، وبدأت بعضها ببث ما يصلها من المشاهدين من شرائط فيديو مباشرة أو من خلال الفيس بوك، والجمهور تحرر من سلطة التلفزيون التي كانت تبرمج له ما يشاهده في اليوم والوقت الذي يشاهده، وأصبح يخطط لما يشاهده وفق برنامجه اليومي سواء باسترجاع البرامج التلفزيونية التي تم بثها من المواقع الإلكترونية مباشرة أو بمساعدة محركات البحث المختصة أو باللجوء إلى خدمة ” فيديو تحت الطلب” ( VOD) Video on Demand
رغم أن الصحافة الإلكترونية لم تقطع صلتها بإرث الصحافة الورقية إلا أنها تجاوزت الكثير من الإشكاليات التي طرحت عليها في نهاية التسعينيات في انتقالها إلى النشر عبر شبكة الانترنت، والتي لخصها الباحث دا لاغ أوليفي (Da lage ،2001) في الأسئلة التالية: ماذا ننشر في هذه الشبكة؟ ما هو المظهر الذي يجب أن تظهر به الصحيفة في الانترنت؟ هل تخضع الصحيفة لإلكترونية للإكراهات ذاتها التي تعاني منها الصحافة الورقية، والمتمثلة في تحديد موعد زمني لتسليم المادة للمطبعة، وبالتالي الالتزام بدورية الصدور؟ من يجب أن يشتغل في الصحيفة الإلكترونية؟ ما هو الأنموذج الاقتصادي الذي يعول عليه في الصحافة الإلكترونية؟
لقد غيرت التفاعلية التمثّل لماهية الصحيفة، ونقلتها من مادة للقراءة إلى حيز رمزي للقاء، والتبادل والمشاركة. فالصحيفة الإلكترونية غيرت تبويبها ومنحت مكانا للقراء/ المستخدمين، تسمح لهم بالمشاركة في الرأي، والرد، والاقتراح، والتصويت، واللعب، والدردشة، فصحيفة الوشنطن بوست Washington Post ، على سبيل المثال، أدمجت الفيس بوك ضمن أبوابها (Epelboin ، 2010)، متخذة من أنشطة قرائها وعلاقاتهم في الفيس بوك أرضية للتوسع اجتماعيا للاقتراب أكثر منهم قصد نسج علاقات قد تختلف عن تلك التي كانت تربط الصحيفة بقارئها، بل تتحول إلى فضاء للحوار والنقاش حول الشأن المحلي في عالم معولم يسعى للقفز على كل ما هو محلي.
كما أصبحت الصحف تستعمل شبكة الفيس بوك للحصول على شهود عيان عن الأحداث، خاصة تلك المفاجئة والتي تحمل طابعا مأسويا أو دراميا. وذلك لأهمية المصادر في منح مصداقية أكثر للأحداث.
كما فتحت الكثير من الصحف أركانا خاصة بالمدونات، بعد أن كفت هذه الأخيرة عن القيام بما كانت تقوم به في بداية ميلادها، والمتمثل في إعادة نشر ما تبثه الصحف أو اقتباس مقاطع كبرى منه. وبهذا فإنها تعمل على كسب الرهان في مجال الإعلام العمودي في ظل سيادة الإعلام الأفقي. لقد جذبت المدونات صوت الأخصائيين في مجالات معرفية معينة ( تقديم ملخصات الكتب، الفنون المعاصرة، علوم…)، وأضافت إلى الصحيفة تلك اللهجة الذاتية التي كانت مهمشة في الصحافة الكلاسيكية بحجة ضرورة الالتزام بالموضوعية. وشكلت هذه اللهجة همزة وصل مع قرائها الذين يميلون إلى متابعة ” الآراء الشخصية والذاتية”، التي تتسم بقدر من الملموسية والحرية، حول القضايا التي تهمهم.
إذا لم تتخذ الصحف من إدماج المدونات الإلكترونية في منظوماتها الاتصالية كاختيار تكتيكي، ولا حتى استراتيجي، بل اعتبرته مطلبا انطولوجيا فرضته ايكولوجيا عالم الاتصال الجديدة.
عجزت المؤسسات الإعلامية عن الوقوف متفرجة على الشبكات الاجتماعية في الانترنت التي تبشر بديناميكية جديدة في عالم الاتصال تستند إلى مرجعية الفرد، وليس الجماهير أو الحشد كما كانت عليه الصحافة الجماهيرية. فبعض الصحف، مثل صحيفة نيويورك تايمز عينت رئيسة تحرير مكلفة بأدوات الاتصال الجديدة لتطوير أشكال البحث عن مصادر إعلامية جديدة، وجمع المعلومات وتوزيعها. (Ternisien ، 2009) وحرصت بعضها، مثل صحيفة الواشنطن بوست، ووكالة رويترز على تزويد صحافييها بتعليمات صارمة في التعامل معها، وذلك لضرورات مهنية وأخلاقية، تتمثل في الفصل بين الصحافي كشخص له الحق في الاتصال بحرية وكمهني محدد بانتمائه لمؤسسة صحفية، والحذر في التعامل مع ما يصله من معلومات عبرها خوفا من تضليل الصحيفة، والحيطة في الحفظ على مصادر الأخبار.
لقد عززت بعض الدراسات المسلك الذي سلكته الصحف في تعاملها مع موقع تويتر، حيث أكدت بأنه اقرب إلى وسيلة إعلامية كلاسيكية من شبكة اجتماعية، خاصة بعد أن غير اهتمامه من الإجابة على السؤال ماذا تفعل الآن؟ إلى ما هو الجديد؟ (Doyen، 2010) وقد وصفه جيف مينون Jeff Mignon، الخبير في وسائل الإعلام، بأنه وكالة أنباء مهنية وشخصية. ( Ternisien ، 2009) لأنه يجسد مفهوم ” crowdsourcing”؛ أي الاعتماد على الحشد كمصدر يزود الصحيفة بالأخبار والمعلومات. لكن امتزاج المهني بالشخصي قد يؤدي بشبكة تويتر إلى عدم الفرز بين الإعلام، ورد الفعل العاطفي أو الانطباع أو حتى الرأي الشخصي الذي يتداول في هذه الشبكة وتلتقطه الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون، وتحوله إلى مادة إخبارية أو عنصر في مادة صحفية. فالمرجعية المعتمد عليها في هذه العملية ليس مصداقية من أرسله، بل عدد المشتركين الذين تقاسموه. بالفعل، إن للعدد/ الكم حكمه في فضاء الإعلام الجديد. لذا تتسابق الصحف اليوم لرفع عدد المشتركين في خدماتها المرتبطة بالشبكات الاجتماعية. لقد تجاوز عدد متابعي followers خدمات تويتر التي وفرتها بعض الصحف عدد قرائها!
تطوير تدريس الأنواع الصحفية: الضرورات الفكرية والمتطلبات المهنية.
ما هي العلاقة بين كل ما تم طرحه عن اتساع الحقل الإعلام، بالمفهوم البرديوي ( نسبة إلى بورديو) على حساب الحقل الصحفي، وهجانة الوسائط على الأنواع الصحفية وتدّريسها؟
يمكن الاقتراب من مظاهر التغيير في الخطاب الصحفي من خلال ما يلي:
-1تعود قارئ الصحيفة الورقية على انتظار الصدور الدوري لصحيفته مما يخلق لديه نوعا من الترقب والألفة. فدورية الصدور تعني مدة زمنية افتراضية تحدد حياة الصحيفة، فإذا تجاوزتها أصبحت مادة أرشيفية أو وثائقية. فغياب هذه المدة في الصحف الإلكترونية يمنحها عمرا مستمرا، و يطرح مسألة الحدث على بساط النقاش. إن الحدث مرتبط بمعلم زمني، وبسياق معين في إنتاجه وقراءته. فاستمرار بقاء الإعلام المرتبط بحدث ما في شبكة الانترنت لمدة طويلة يجعله أقرب إلى المعلومات Data.( Pélissier ، 2007)
إن مركز ثقل الشبكات الاجتماعية المختلفة في شبكة الانترنت لا يكمن في الأحداث، بل يتمثل في المعلومات، والآراء، والأفكار، والانطباعات، والذكريات، وردات الفعل، والتجارب، والدردشة، وتقاسم المشاعر، وخلق علاقات… إن هذا الأمر لا يعني فقط تراجع الأحداث أمام طفوح المعلومات في شبكة الانترنت التي عرفها بعضهم بأنها مخزن كبير للمعلومات أو للمواد الإعلامية الخام (Pélissier ، 2007) التي لا يتم توصيلها إلى البيت فحسب، بل توضع تحت تصرف المستخدم حيثما يوجد. إنه يدل على تراجع دور الصحف في وضع أجندة الأحداث بعد انتقائها وترتيبها وإدراجها في سياقاتها، ويعبر عن تشذر الأحداث حسب الاهتمامات الفردية، والجماعية التي تبرز في الشبكات الاجتماعية.
يؤكد انغمار الأحداث في يم المعلومات تغيير مهام الصحافي. فهذا الأخير لم يعد، حسب عالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران، يكتفي بالبحث عن الأحداث فقط لنقلها، بل أصبح يطلب منه تسييقها حتى تفهم؛ أي إدراجها فورا في سياق تاريخي، وسياسي واجتماعي. فالصحافي يصطدم يوميا بتعقد العالم ويجب يقدم لنا تقريرا عن هذا التعقد (Morin،. (2005 وهذا يجرنا إلى التساؤل عن مآل بناء الأنواع الصحفية التي تقوم على الحدث، مثل الخبر والتقرير الصحفيين، هل يتحولان إلى مادة مشبعة بالمعلومات يوظفها المتلقي وفق السياقات التي يراها مناسبة؟ هل يندثران بعد أن جزأت شبكة تويتر الأحداث، وأضحت ترسلها وتتداولها في شكل شرائح وجزئيات؟ هل ستُشَّكَل من جديد في اتجاه مزيد من الاختصار، والسرعة حتى تتماهى مع الرسائل النصية القصيرة وtweets ؟ ألا يوجد منطق محدد يربط تشذر نقل الأحداث في شكل شرائح رقيقة بمفهوم ” الحداثة السائلة” Liquid Modernity الذي يقوم على مبدأ التشظي. فالعالم المعاصر والحياة الفردية تتشذر وتتحول إلى لحظات متفرقة ومتتالية لكنها متجانسة. (Zygmun ، 2006: 26). هل يعيد النوعان المذكوران النظر في مفهوم News الذي أصبح، في ظل الإعلام الجديد، يشمل ردات الفعل الاجتماعية على الأحداث وتداعياتها؟
إن الانترنت دفعت بالآنية إلى حدها الأقصى، لكن بناء المادة الصحفية وفق منطق النص المتشعب تجعل القارئ/ المستخدم يتنقل بسرعة وخفة بين الماضي، والحاضر، والمستقبل، فتبدو له الأحداث كقطع منفصلة عن بعضها،( Pélissier، 2007) بينما تَعوَّد في الصحافة الورقية على الفصل بين الماضي ( القابع في الأرشيف) والحاضر الذي تتضمنه الأحداث الآنية. فإذا تجاور الحاضر والماضي في بعض الأنواع الصحفية ( المقال الصحفي، التحقيق الصحفي، الحديث الصحفي…) فيبدوان مترابطين ومدرجان ضمن منطق محدد يساهم في إدراك الأحداث وفهم مغزاها.
ربما يعتقد البعض أن مسألة الحدث لا تطرح على الصحافة العربية لأنها مازالت تحمل الكثير من إرهاصات الصحافة التعبوية التي لا تعبأ بالحدث لأنها تتخذه ذريعة لتمرر اللغة الجاهزة، وكأن دور الحدث يختصر في تبرير وجود هذه اللغة. وفي هذه الحالة تخون هذه اللغة الحدث، وتصبح لغة غير اتصالية! ربما يحتاج هذا الاعتقاد إلى نقاش أكثر وأعمق لا يستوعبه هذا المقام.
2 – إن النص المتشعب ساهم في تعميق أزمة السردية الكلاسيكية، وربطها بالتقنيات الجديدة التي تمزج العوالم الواقعية والافتراضية.( الصادق،2009). ونعتقد أن للعامل التقني دور في تغيير البناء السردي للنص إذا انطلقنا من مفهوم محدد للسرديات، بمعنى أنه ليس القول الذي يسلك مسلكا خطيا، ويتصاعد فيه الحكي مندفعا إلى الأمام حسب تطور الأحداث، وذلك لأن بعض الأنواع الصحفية التي تستمد وجودها من السرد ( الخبر، التقرير الصحفي)، وإلى حد ما الريبورتاج، تمردت على النمط الخطي للسرد وأعادت تشكيله من جديد. إن النص الإلكتروني أحدث أزمة في السرد ليس من منظور تشظيه عبر وسائل نقله وتداوله، بل لامتزاجه بأنماط تلفظية مختلفة يتداخل فيها التعليق على الأحداث مع نقلها، وتمزج فيه الشهادات بتقييم الأحداث المنقولة.
حقيقة، إن النص الإلكتروني أضاف للفعل التلفظي الصحفي شفافية، حيث وضع في يد القارئ مصادره، وسمح له بالاطلاع على النص الكامل للشهادات والأقوال والوثائق والإحصائيات التي استقى منها مادته. فالسرد كما هو معروف يرتبط بالحكي عن حدث مضى وانتهى. أي له بداية ونهاية، وتسمح للسارد أن ينأى قليلا عنه من أجل سرده، وهذا الأمر أصبح صعبا وفق منطق النص الإلكتروني الذي يظل مفتوحا، كما سنرى لاحقا.
قد يرى البعض أن أزمة السرد قد بدأت قبل النص الإلكتروني لأنها ارتبطت بالنقل التلفزيوني والإذاعي الحي للأحداث، والبث التلفزيوني المباشر في أواخر الثمانيات من القرن الماضي. إن هذا القول لا يجانب الحقيقة، ويتطلب البحث في تداعياته والتي يمكن أن نلتمسها في التحول الذي شهده السرد التلفزيوني الإخباري الذي لم يعد يتمركز حول رواية الأحداث، بل تعداها إلى تقديم الشهادة على حدوثها وإشراك الجمهور في الإحساس بوقوعها أمام نظره. وهذا التحول أثر بدوره على الأنواع الصحفية، حيث حُجم دور التقرير الصحفي في نقل الأحداث، وفَعَّل الريبورتاج الصحفي الحي الذي استثمر طاقته في الوصف المشبع بوجهة نظر ذاتية.
كان الصحافي يبنى نصه الصحفي بناء على تصوره لقرائه المحتملين لأنه لا يعرف قراءه الفعليين معرفة كافية. بينما قلص النص الصحفي الإلكتروني الفرق بين القراء الفعلين والمحتملين، بل غير مفهوم القارئ لأنه أصبح شريكا في إنتاجه وصياغة معناه، الأمر الذي كانت له استتباعات على مستوى بناء النص الصحفي الإلكتروني ، وعلى مستوى تحديد نوعه. فالنص الصحفي لم يعد يقف عند حدود ما يكتبه الصحافي و تنشره الصحيفة. فمتن المادة الصحفية أضحى يشمل التعليقات عن المادة المنشورة talkback التي أصبحت تملك قيمة لدى القراء تفوق قيمة النص الذي كتبه الصحفي. إن هذا المتن الشامل فتح النص الصحفي الإلكتروني، وجدده بما يتغذى به من تعليقات القراء وأرائهم ومعلوماتهم من جهة. فالمتن الصحفي الشامل يتشكل من كلام الصحفي، وكلام القراء عن كلامه. ولعل هذه النقطة الأخيرة هي التي تثير الاهتمام بالنظر إلى الأنواع الصحفية. لقد سبق وأن ذكرنا أن القصد، الذي ينطلق منه الصحافي أو المؤسسة لنشر المادة الصحفية يتدخل في تحديد هوية النوع الصحفي. فما يلاحظ في المتن الصحفي الإلكتروني أنه تحول إلى ملتقى لأكثر من قصد: قصد الصحفي والمؤسسة الإعلامية، وقصد المعلقين عنه، والتي تتنوع بدءا من تصحيح المعلومات والأخطاء الإملائية والنحوية إلى إبداء الرأي والتعبير عن وجهة نظر مؤيدة أو معارضة لما كتبه الصحافي أو فتح المجال للنقاش حول الموضوع الذي أثاره.
إن التفكير في هذا الأمر يدعو إلى إعادة النظر في وزن القصد الاتصالي في تحديد معمار النص الصحفي وبالتالي تشخيص هوية نوعه.
ربما يرى البعض أن ما سبق قوله يتعلق بالأنواع الصحفية في الصحف الإلكترونية، وتأثيره لم يتجل بالوضوح المذكور في الصحافة العربية التي تطلق على نفسها تسمية الصحافة الإلكترونية. فصحيفة ” إيلاف الإلكترونية، على سبيل المثال” التي احتفلت بالعقد الأول من تجربتها، لم تستطع أن تتحرر من عقلية الصحافة الورقية المنشورة في شبكة الانترنت، واستعانتها بالشبكات الاجتماعية الإلكترونية لم تخرج عن كونها ناقل لمضامينها لا غير. فالمدونات تفقد مقوماتها ومبررات وجودها في صحيفة إيلاف، لأن معظم ما ينشر منها يخضع لأجندة الصحيفة، وأسلوبها، وطريقة كتابتها. بل أن بعض موادها الإعلامية تنشرها في باب ” مدونات”!(فاطمة الزهراء، 2010). كما تستخدم شبكة تويتر للنقل الإعلاني لعناوين موادها الصحفية فقط، وليس كوسيلة لجمع المعلومات والأخبار وتوزيعها.
هل يعني هذا أن الصحافة العربية الإلكترونية والورقية بمنأى عن هذه التغييرات والمؤثرات التي حدثت في الحقل الإعلامي، وبالتالي لا يمكن لتدريس الأنواع الصحفية أن يلتفت إليها؟
إن القراءة المتأنية لصحيفة “القدس العربي” التي تصدر في لندن تبيّن، بشكل جلي، ملامح التغيير في كتابتها الصحفية. فباستثناء الافتتاحية، تتضمن بقية المواد الصحفية المنشورة هامشا من الذاتية يختلف، بهذا القدر أو ذاك، من مادة صحيفة إلى أخرى. فالموضوعية التي كانت تعد عنصرا أساسيا مؤسسا لمصداقية الصحف، وضامنا لشرعيتها تراجعت في هذه الصحيفة بتأثير من المدونات الإلكترونية التي لم تكتسب شعبيتها من المواضيع التي تطرحها، بل من أسلوب كتابتها الذي يتسم بالذاتية ولغتها البسيطة والمباشرة التي تقترب من لغة الاستعمال اليومي في الشارع. فتضعضع مكانة ثنائية الموضوعية/ الذاتية في مثل هذه الصحيفة يحث على التفكير في الحدود الجديدة بين الأنواع الصحفية، لأن هذه الثائية شكلت في السابق عاملا أساسيا في التمييز بين الأنواع الصحفية المختلفة. فالخبر والتقرير والمقال الصحفي يتسمون بالموضوعية أما العمود الصحفي و” البورتري” فيقومان على بعد ذاتي أكبر من بقية الأنواع.
إن الكثير من المواد التي تنشرها الصحيفة المذكورة أصبحت تنسج على منوال المدونات الإلكترونية؛ أي أنها لا تقوم على وحدة الموضوع. فالعديد من المواضيع أصبحت تتعايش بشكل منفصل في المادة الصحفية الواحدة، وتقتبس خصائص الكثير من الأنواع الصحفية: الخبر، العمود الصحفي، المقال الصحفي… وهذا ما يعتبره البعض انزياحا عن للأنواع الصحفية، ويراه البعض ميلاد أنواع صحفية هجينة.
كما بدأت هذه الصحيفة تعنون موادها الصحفية بعناوين تنفرد بطولها وتفاصيلها، وكأنها تريد أن تلخص كل ما تتضمنه.
هذان المثالان يخالفان قواعد كتابة العنوان التي دأبت كليات الإعلام على تدريسها، والمتمثلة في الاختصار، وعدم فضح مضمون المادة الصحفية، وأن يتضمن العنوان فعلا يفضل أن يكون في المضارع إذا كان ذا طبيعة إخبارية، وأن يبرز الجديد والأصيل، وغيرها من القواعد.
إن الصحف التي أصبحت تعاني من منافسة كبرى في عالم يتسم بالسرعة اضطرت إلى تغيير قواعد كتابة العناوين من أجل جذب قرائها. والحقيقة أن قواعد كتابة العناوين قد تغيرت عبر الزمان سواء في المنطقة العربية أو في العديد من دول العالم، كما تبيّن ذلك الدراسة التي أعدها الباحث جون بوفيل ( De Bonville، 2008) عن عناوين الأخبار المحلية في صحافة مقاطعة الكيبيك، في كندا، في القرن التاسع عشر.
يُعتبر النظر إلى مسألة العنوان كعنصر مستقل عن المادة الصحفية نوع من الإجحاف في حق التفكير في التغيرات التي طرأت على بعض الأنواع الصحفية نتيجة خضوعها لأنموذج صحف المشاهير أو ما يصبح يعرف باسم Press People . فما يهمنا في هذا الأنموذج ليست المواضيع التي يطرحها، والاهتمامات التي يعبر عنها، بقدر اهتمامنا بأشكال الكتابة التي يجنح إليها.
نعتقد أن الملحقين ” دنيا” و” 5 الحواس”، التابعين، على التوالي، لصحيفة الاتحاد الإماراتية، وصحيفة البيان الإماراتية يتماهيان في الأنموذج المذكور. لذا نلاحظ قلة حضور الأنواع الفكرية أو غيابها فيها، مع تعميم قالب الكتابة الذي قرب العديد من الأنواع الصحفية بين بعضها. فإذا كان البورتري يعني سمك الحياة، والحديث الصحفي هو علو الصوت الشخصي، فإنهما يتقاربان في هاذين الملحقين لأنهما يشتركان في التقاط نوادر الشخصية التي تشكل محور هاذين النوعين الصحفيين، وتفاصيل ساخرة ومرحة وغريبة في حياته المهنية أو العاطفية. فهنا تطرح ضرورة التفكير في حدود النوعين المذكورين. كما أن خصائص كتابة العمود الصحفي التي تتسم برشاقة الأسلوب، وبساطة لغته التي تقترب من العامية التي لا تتردد في استعمال الكلمات الأجنبية، وارتباطها بالمفارقات، والأقوال المأثورة، والنكت، قد تسللت إلى الكثير من المواد الصحفية التي تنشرها هذه الملاحق.
الخاتمة:
رغم أن بعض التغيرات العميقة والمعقدة التي طرحناها آنفا لم يتصلب عودها بعد في المنطقة العربية حتى يُمكن الاعتماد عليها في قراءة الثابت والمتحول في الأنواع الصحفية، ألا أنها تطرح على التدريس الأكاديمي للكتابة الصحفية العديد من التساؤلات حول طبيعة القوانين التي تضبط ” القواعد” و”الانتظام” مما يسمح للنوع الصحفي بالتعبير عن ذاته في ظل التغيرات التي تطرح على مختلف عناصر الحقل الإعلامي التي ذكرناها أعلاه.
وتكشف أن التفكير في تطور الأنواع الصحفية تلتقي فيه مختلف الفروع المعرفية: علم الاجتماع الإعلامي، سيمائية الاتصال، اللسانيات، والاقتصاد، وفلسفة الاتصال المستلهمة من فلسفة ممارسة New Media . لذا يمكن القول أن تدريس الكتابة الصحفية في المنطقة العربية لم توظف المكتسبات المعرفية التي حصلت عليها الفروع المعرفية المذكورة أعلاه، ولم تفتح أفق التفكير في الكتابة الصحفية على ضوء التغيير الحاصل في مكانة الصحافي وموقعه في العصر الحالي ومشروعية وظائفه، وكذا موقع الجمهور في ظل التفاعلية التي جعلت منه متلقيا للمادة الصحفية ومنتجا لها في آن واحد.
نعتقد أن تدريس مساق الكتابة الصحفية استفاد، إلى حد ما، من أخلاقيات المهنة، خاصة في جانب التعامل مع مصدر المعلومات، هذا إذا لم نقل أن تدريس بعض الأنواع الصحفية تحول ببساطة إلى ” وعظ مهني”
إن اهتمام الدرس الأكاديمي بهذه الجوانب لا يعني مطلقا تحويل تدّريس الأنواع الصحفية إلى مناظرة فكرية، ومرتع نظري من أجل حرمان الطلبة من التدريب على الكتابة الصحفية وخوض تجربتها في ربوع الجامعة.
أعتقد أن ما سبق عرضه وتحليله يمكن أن يشكل رصيدا معرفيا لتدريس الأنواع الصحفية، ويساهم، بالتالي، في شحذ وعي الطالب بما يكتب حتى لا يشعر بالغربة في قاعات التحرير التي بدأت تطوع أشكال تعبيرها الصحفي، وحتى لا يتهم مدرسو الأنواع الصحفية بأنهم سجنوها في قوالب تاريخية بعيدة عن نبض الحياة الاجتماعية والثقافية المعاصرة وسدوا مسالك التفكير في أفق تطورها. ويدفع الجامعة للمشاركة في التنظير للتغير في أشكال التعبير الصحفي بعد أن تستوعب عملية الفك والتركيب التي تعيشها الممارسة الصحفية التي تحدث القطيعة والاستمرارية في الأنواع الصحفية.
لذا يتوجب إعادة النظر في تدريس الأنواع الصحفية بالأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
التأكيد على أن الأنواع الصحفية ليست قوالب جامدة، بل أشكال تعبيرية مرنة وحية تتطور بتطور المجتمع، وتخضع لخصوصياته الاجتماعية والثقافية.
الكشف عن التغيرات التي حدثت في حقل الإعلام والاتصال وأثرت في الكتابة الصحفية.
تدريب الطلبة على كتابة النص الفائق أو المتشعب، بعد الشرح النظري لخصوصيته ودوره في الصحافة المعاصرة.
تمكين الطلبة من التحكم في أشكال التعبير والاتصال التي أصبحت تميز إيكولوجيا الإعلام الجديدة، مثل المدونات الإلكترونية، بعد تسليط الضوء عن مكانتها ودورها في الفضاء الإعلامي المعاصر، وتأثيرها المتزايد على أشكال التعبير في الصحافة.
تأهيل الصحافيين في مجال جمع المعلومات من المصادر المختلفة، بما فيها الانترنت والشبكات الافتراضية، والتحقق من مصداقيتها، وتطوير أشكال توظيفها في كتابة الأنواع الصحفية المختلفة. لقد أدرجت عملية جمع المعلومات، وغربلتها، وأشكال التحري في صحتها مادة تعليمية تدرس في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية. بجانب تدريس خصائص الكتابة لشبكة الانترنت.
تبصير الطالب بأن قوالب التعبير الصحفي لم تعد مقتصرة على اللسان فقط، بل لابد من توظيف الوسائط المتعددة في البناء المعماري للنوع الصحفي. حيث يمكن الإشارة إلى أن منتجات هذه الوسائط اقتحمت التي تصهر العديد من الأنواع الصحفية قد ولجت عالم المسابقات لنيل جوائز مهنية في الولايات المتحدة الأمريكية، على غرار التحقيقات الصحفية.
تجسير العلاقة بين العالمين المهني والأكاديمي بما يسمح لتدريس الأنواع الصحفية من الانفلات سطوة الكتب التي تعيش قطيعة مع تطورات مهنة الصحافة. ويتيح التخلي عن الأسلوب الدفاعي الذي لا يرفض كل جديد في العمل الصحفي بحجة أنه لا يتطابق مع الكتب الكلاسيكية. هذا دون التشبع بالنظرة المثالية التي تمجد الممارسة المهنية في المنطقة العربية. هذه المهنة التي مازالت خاضعة للمؤسسة الصحفية التي تعاني من هشاشة اقتصادية، وقانونية، وتنظيمية، وتعاني من ضغوطات البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية.
الإحالات :
[1] – يوحي للبعض أن البحث اكتفى بتحليل مسميات المساقات الخاصة بالأنواع الصحفية دون محتواها. لكن بالنسبة للمختصين، فإن مسمى المساق ، مثل ” الخبر الصحفي” يعكس محتواه التعليمي، والذي يشمل : تعريفه، مصادره، أشكال كتابته، وبنيته ( العنوان، المقدمة، الجسم). وهذا ينطبق على جل الأنواع الصحفية. والسؤال الذي يثيره هذا البحث يتعلق بالرؤية الجامدة للنوع الصحفي، المنفصلة عن بقية الأنواع الصحفية.
[2] – وتشكلت مفردات عينة البحث من الكليات التالية: كلية الإعلام بالقاهرة، قسم الإعلام بكلية الآداب ( جامعة 7 أكوبر بليبيا)، قسم الإعلام بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الملك عبد العزيز المملكة السعودية، وكلية الإعلام بجامعة بغداد، قسم الصحافة والإعلام بكلية الآداب باليمن، قسم الاتصال الجماهيري بجامعة الإمارات، قسم الإعلام والسياحة بكلية الآداب بالبحرين، معهد الصحافة وعلوم الأخبار بتونس.
[3] – نذكر منهم، على سبيل المثال وليس الحصر: أميل زولا، جون ريد، همنغواي، غارسيا ماركيز، والروائي البيروفي فرغاس يوسا الذي نال جائزة نوبل للآداب في السنة الحالية.
[4] – إن الأمر لا يقتصر على الأخبار فقط، بل امتد إلى العديد من المعارف التي تداولها الأقدمون في شكل نظم ، نذكر على سبيل المثال علم المنطق الذي لخصه عبد الرحمن الصغير الأخضري في قصيدة مطولة بعنوان: ( السلم المرونق في فن المنطق)، وألفية بن مالك التي لخصت قواعد الصرف والنحو
المراجع:
المراجع بالغة العربية:
- (الحمامي) الصادق ( 2009) : تجديد الإعلام: مناقشة حول هوية الصحافة الإلكترونية، المملكة العربية السعودية، المجلة العربية للإعلام والاتصال، العدد الخامس، نوفمبر، ص73-14
- (الحيدري) عبدالله: الرّمز والأداة في مجتمع المعلومات، التكوين الإعلامي في مجال التلفزيون بأقسام الإعلام العربيّة، استرجعت بتاريخ 5/5/2009 من الموقع: http://www.arabmediastudies.net/images/stories/pdf/formation.pdf
- ( العزاوي) فاضل ( 2000): ” مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة“، ألمانيا، منشورات ” الجمل”
- القدس العربي اللندنية ( 2010) الصادرة يوم الجمعة 28 مايو
- (خضور) أديب ( 1993): مدخل إلى الصحافة نظرية وممارسة، سلسلة المكتبة الإعلامية، سوريا،
- فاطمة الزهراء) ( 2010 : أطول قطار في العالم سيربط السعودية بالأردن ودول مجلس التعاون الخليجي بنهاية العام الحالي2010، القدس العربي، مسترجع بتاريخ 18 سبتمبر 1010 من الموقع: http://muslimgirl.elaphblog.com/posts.aspx?U=3645&A=52324
- ( كيليطو) عبد الفتاح )2007): الأدب والغرابة، دراسة بنيوية في الأدب العربي، المملكة المغربية، دار توبقال
- (لعياضي) نصر الدين ( 2006): اقترابات نظرية من الأنواع الصحفية، الجزائر، الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية.
- (مروة) حسين ( 1985): تراثنا كيف نعرفه؟ لبنان، مؤسسة الأبحاث العربية،
المراجع باللغات الأجنبية:
- Rieffel Rémy ( 2001):Vers un journalisme mobile et polyvalent ? Revue Quaderni. France, N. 45, Automne, 153-169.
- Larue-Langlois Jacques( 1989):The teaching of journalism in French Quebec: Where from? Where to? Canadian Journal of journalism, Canada , Vol 14, No 2, 59-63
- Ringoot Roselyne & Jean-Michel Utard (dir.) ( 2005):Le journalisme en invention, Rennes, PUR, coll. Respublica, 2005
- Adam Jean-Michele 1997 ) ): Unités rédactionnelles et genres discursifs, Cadre général pour une approche de la presse écrite, Revue Pratiques, France, N 91 juin, 3-18
- Balle Francis ( 1987) : Et si la presse n’existait pas..., France, J.-C. Lattès,
- Ruellan Denis: ( 2004) : Aux origines du journalisme, le reportage ; retrieved December 3, 2008, from http://www.cyberjournalisme.com.ulaval.ca/module0.2/0.2.4_origines.php
- DemersFrançois ) 2007) : Déstructuration et restructuration du journalisme , Revue tic & société, Vol. 1, n°1 | 2007 Retrieved December 7. 2010 from : http://ticetsociete.revues.org/298
- Laville Camille: Journalisme ( 2008) : former au changement Comment les formations se saisissent des transformations , mediamorphoses Revue d’analyse et de réflexion ; INA ; France ; n.24, 92-96
- Charron Jean & Bonville Jean ( 2000): Le paradigme journalistique, Usage et utilité du concept, retrieved June 30,2007; from http://hal.archives-ouvertes.fr/docs/00/06/23/18/PDF/sic_00000790.pdf
- Benoit Raphael )2008): Demain tous journalistes, Published January, 10, Retrieved August 20, 2009 from http://benoit-raphael.blogspot.com
- Ringoot Roselyne & Ruellan Denis ( 2006): Ordre, flou et dispersion, Le journalisme comme invention permanente et collective, Communication à la conférence internationale Thinking Journalism across National Boundaries: New Challenges and Emergent Perspectives, organisée par Associação brasileira de pesquisadores em jornalismo (SBPJOR), Porto Alegre, 3-5 novembre. Brésil retrieved February, 10, 2009 from http://www.surlejournalisme.com/
- Charron Jean & Bonville Jean (1996) : Le paradigme du journalistique de communication, essai de definition, Revue Communication Vol 17 Numéro 2, 51-97
- Florimond Rakotonoelina) 2002) :Écriture numérique et révolution des genres anamorphose du genre ,« débat public », actes du colloque : écritures en ligne pratique et communautés, Sous la direction de Chapelain Brigitte , Université de Rennes 2. CERCOR (CERSIC) , 26, 27 Septembre
- Mauger Gérard & Pinto Louis (1994): Lire les sciences sociales 1989-1992. Vol. 1.- Source bibliographique Paris, Belin, 1994, pp 326-329
- De laubier Charles ( 2000): La presse sur Internet, France, Que sais-je n° 3582, PUF
- Maigret Éric ( 2007): L’Internet : concurrence ou complémentarité avec les autres médias ? Revue Cahiers français, France, n°338, mai – juin, 26-32
- Prerrier Valerie Jeanne ( 2001): Media imprimé et media informatisé: la leurre de la complémentarité, Revue Communication et langages, France, n° 129, troisième semestre, 49 – 63
- Da lage Olivier (2001): la presse saisie par l’internet, Revue Communication et langages, France, n° 129, troisième semestre , 37 – 48
- Epelboin Fabrice ( 2010) : Pourquoi la presse doit tenir compte de Facebook au plus vite. Retrieved, April30, from http://fr.readwriteweb.com/2010/04/23/a-la-une/pourquoi-presse-doit-tenir-compte-de-facebook-vite
- Ternisien: Xavier (2009) : Le réseau Twitter émerge comme source d’information pour les médias, France, Le monde du 11 juin
- Doyen Guy ( 2010): Twitter : média d’actualités ou réseau social ? Retrieved May 23,2010 from http://thenextweb.com/fr/2010/05/01/twitter-media-actualites-ou-reseau-social/
- – Nicolas Pélissier ( 2002): L’information en-ligne: un nouveau paradigme pour le journalisme, Retrieved May 10, 2007, from ccsd.cnrs.fr/sic_00000145/en
- – EdgarMorin ( 2005): J’apprécie les tout petits médias , Revue Medias, France, n°4 mars, Retrieved May 10, 2007 from http://www.revue-medias.com/-no4,9-.html
- – Zygmunt Bauman) 2006:(La Vie liquide, traduit de l’anglais par christophe Rosson, édition Rouergue, France,
- De Bonville Jean(2008): Le titre des nouvelles locales dans la presse québécoise à la fin du XIXème siècle, Revue Semen, France, n° 25, 27 40