مداخلة في الملتقى الوطني : بحوث الإعلام والاتصال في الجزائر، أعمال نصر الدين لعياضي أنموذجا. من تنظيم قسم الإعلام بجامعة وهران 1 و مخبر سوسيولوجيا الاتصال الثقافي بالأغواط يوم 3 مايو2023
تأملات في البحث والترجمة في علوم الإعلام والاتصال
نصر الدين لعياضي
في البداية اسمحوا لي أن أتقدم بجزيل الشكر والعرفان لقسم علوم الإعلام والاتصال بكلية العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية، بجامعة وهران 1، ومخبر سوسيولوجيا الاتصال الثقافي، بجامعة الأغواط الذين أتاحوا لنا فرصة اللقاء في هذا المحفل العلمي، والنقاش حول المنجز البحثي في علوم الإعلام والاتصال.
واستسمح الجيل الصاعد من أستاذة الإعلام والباحثين إن كانت هذه التأملات غير مطمئنة.
كان الغرض من إنشاء المدرسة العليا للصحافة في 1964 هو تلبية طلب مهني: تكوين صحافيين لسد حاجات المؤسسات الإعلامية الناشئة، فطغت المواد التقنيو-مهنية على برامجها التدريس. وفي الموسم الجامعي 1975-1976 تم دمج مدرسة الصحافة بمعهد العلوم السياسية فهمشت المواد التقنو مهنية. فغاب الهاجس الأكاديمي وراء تكوين الصحافي المناضل، الصحافي المؤدلج. وقد ظل جيل كامل من الصحافيين يعاني من تبعات هذا الدمج وربما لازال. فحتى برامج الماجستير الذي اعتمدت في إطار هذا الدمج انساقت وراء الهاجس السياسي والأيديولوجي فركزت على المادة الصحفية وتحليل مضمونها: إنه عصر جاك كيزر[1] والدراسات المرفولوجية للصحفية. الانسياق الذي نأى عن التفكير في أشكال الكتابة الصحفية، وسوسيولوجية الصحافيين وجمهور وسائل الإعلام وأشكال التلقي، ونظريات الإعلام والاتصال ومناهج البحث العلمي. ومع ميلاد معهد علوم الإعلام والاتصال في سبتمبر 1983، وتأسيس التخصصات الثلاث: الاتصال، والصحافة المكتوبة، والسمعي-البصري، بدأ تكوين الصحافيين يتحرر تدريجيا من الدوغمائية السياسو-إيديولوجية. و التوجه نحو مساءلة مهنة الصحافة بأدوات علمية، وتحليل الظواهر الإعلامية والاتصالية بعُدّة نظرية ومنهجية.
وتحت وطأة الأزمة المالية الناجمة عن التراجع الكبير في أسعار النفط، في منتصف ثمانيات القرن الماضي، اضطرت الجزائر إلى انتهاج سياسة التقشف في مختلف المجالات. فكفت الجامعات الجزائرية عن شراء الكتب الأجنبية، وألغت اشتراكها في أبرز المجالات المتخصصة. ولا زال بعضها على ذاك العهد رغم وفرة المجلات العلمية الإلكترونية المجانية التي لا تشترط سوى الاشتراك باسم المؤسسة الجامعية. فعانى معهد علوم الإعلام الاتصال، الوحيد المتخصص في تكوين الصحافيين آنذاك على مستوى الوطن، من شح المراجع، شأنه في ذلك شأن الجامعة الجزائرية، لكن معاناته كانت أشد لأن برامجه الدراسية تضمنت ملتقيات غير قارة ذات موضوعات معاصرة، تتطلب المستجد من المراجع لتغطية موضوعاتها، ومواكبة البحث الأكاديمي في مجال علوم الإعلام والاتصال، مثل: التلفزيون الموضوعاتي، والإذاعات الحرة، والتلفزيون الكابلي، والبث المباشر عبر الأقمار الصناعية والذي أحدث آنذاك “ذعرا أخلاقيا” في مجتمعنا، ومفهوم الأمبريالية الثقافية، والثقافة الوطنية، والثقافة الجماهيرية، والصناعات الثقافية، والسياسة العمومية في مجال الاتصال والإعلام، والخدمة العمومية في قطاعي الإعلام والثقافة. ولم يكن لأساتذة المعهد آنذاك أي حيلة سوى الاستعانة بما تيسر من النسخ التي يصورونها من المجالات والكتب، التي تقع تحت يدهم أو تختطف من الغير. ثم يقومون بترجمتها لسد النقص الفادح في المراجع الحديثة باللغة العربية حتى يستفيد منها الطلبة الذين الحقوا بالجامعة دون امتلاك ناصية اللغة الأجنبية. وهكذا بدأت مسيرتنا مع الترجمة التي أصبحت ملازمة للتدريس والبحث. لقد توجت هذه المسيرة بترجمة بعض النصوص التي نشرت في ثلاثة كتب، وهي: التلفزيون كما نتحدث عنه، ووسائل الإعلام والمجتمع: آراء ورؤى. والتلفزيون، المشاهدة، والبرمجة: آراء ورؤى. وقد استفدت من الترجمة في إعداد كتاب: مساءلة الإعلام الذي تضمن بعض الأطروحات والانشغالات المعرفية التي نشر جزءا منها في مجال ” المسار المغربي”.
أعتقد أن الترجمة اليوم في علوم الإعلام والاتصال، التّي اتسعت موضوعاتها بفعل التطور التكنولوجي، تتطلب من المترجم أكثر مما اشترطه الجاحظ في زمن حنين بني إسحاق، وثابت بن قرة المترجمين الأساسيين في بيت الحكمة؛ أي امتلاك مستوى فكري لا يقل عن مستوى مؤلف النص الأصلي، والسيطرة على موضوع النص المترجم بالقدر ذاته الذي يسيطر عليه كاتبه، والضلوع في اللغة التي يترجم عنها وإليها[2]. وامتلاك الصبر والجلد لولوج عالم التكنولوجية الرقميّة والنضال لتسمية التحولات والممارسات التي نتجت عنها. فالمترجم ليس ” مهرب” Le passeur النصوص من لغة إلى أخرى، كما يعتقد البعض، إنه ” مبتكر” يبحث عن حفريات” المفاهيم وانتقال دلالاتها عبر الزمن، وعبورها من تخصص إلى أخر، حتّى يجد لها المقابل العربي أو ما يقوم مقامه. فالمعروف عن علوم الإعلام والاتصال أنها تقع في نقطة تقاطع العديد من المعارف والتخصصات: العلوم السياسية، وعلم الاجتماع والانتروبولوجيا، والفلسفة، وعلم النفس، واللسانيات، مما يعني ثراء سجلها الاصطلاحي والمفاهيمي. فللمفاهيم تاريخ، والقبض على محتوى كل مفهوم يتطلب معرفة تاريخه. وإن كانت اللغة الأجنبية تؤرخ للكلمات وتتعقب تطورها التاريخي، فإن القواميس العربية لا تهتم، مع الأسف، بالجانب التاريخي للمفردات. ” إن الحياة لم تدخلها. إنها بلا زمان” على قول محمد عابد الجابري.[3] لذا يشعر المترجم ببعض الإحباط في كده من أجل ترجمة بعض المصطلحات والمفاهيم وتمثيل الأفكار الواردة في النص الأصلي والتعبير عنها مثلما قصدها صاحبها، بلغة بسيطة ودقيقة لتكون في متناول القارئ؟
تصلني بين الحين والأخر بعض الرسائل عبر بريدي الخاص أو عبر مدونتي الإلكترونية يلمني فيها أصحابها على الكتابة بأسلوب معقد، والجنوح نحو تعسير الأفكار ممّا يستعصي عليهم فهمها. فيثنيهم على متابعة ما أنشره.
لا أشير إلى هذه الرسائل من باب التشهير أو التقليل من شأن أصحابها، بدليل أني لم أرد بمنطق أحد النقاد الذي خاطب أحد قرائه قائلا: ما فهمته من نصوصي هو لك. وما لم تفهمه هو لغيرك. إنني أشير إليها من باب التأكيد على ما يتكبده المترجم من احباط في الإجابة العملية عن السؤال التالي: كيف نرتقى بالفكر بلغة عربية بسيطة ودقيقة وواضحة؟ وما السبيل إلى ذلك، وكلّ ترجمة تطرح معضلة معرفية ولسانية وثقافية وسياسية. فكيف نميز على سبيل المثال بين Public وAudience. وكيف نترجم الجمهور بصيغة الجمع، Publics بمفهوم أخر، غير الجماهير ذات التضمين السياسي التي تعني الحشد Mass، و narrowcasting والتي تشير إلى توجه البرامج التلفزيونية ومواقع الإذاعات والتلفزيونات في شبكة الانترنت للوصول إلى الجمهور القابع في الجيوب الاجتماعية والجغرافية المهمشة، وما هو المقابل العربي الدقيق spamming و streaming ، وغيرها من المصطلحات التي اضطرت بعض اللغات الأجنبية إلى الاحتفاظ بها كما هي بلغتها الأصلية: الانجليزية ، وكل محاولة البعض للقيام بالشيء ذاته باللغة العربية يقابله الاستهجان باسم نقاء اللغة العربية من الشوائب الدخيلة عليها. ومع الأسف لا ندري هل أن مجامع اللغة العربية ومجالسها اهتمت بهذا الأمر وأصدرت ” فتواها” أم مازالت تنتظر. فعلى الرغم من تأخر اللغة الفرنسية في ” السوق اللغوي” العالمي إلا أن ميشال سير، الفيلسوف الفرنسي، وعضو الأكاديمية الفرنسية، يشير إلى إن إعادة طباعة القواميس الفرنسية تتم كل أربع سنوات فتضيف لها ما بين أربعة إلى خمسة آلاف كلمة، لكن الفرق بين طبعة وأخرى في العصر الحالي، أصبح يناهز الثلاثين ألف كلمة!
لازال المترجم الجزائري يعاني من تبعات غياب سياسة وطنية في مجال الكتاب والمترجم منه على وجه الخصوص. وهذا ما حاولت استدراكه بعض البلدان العربية، مثل مصر، والكويت، والإمارات، البحرين، وقطر. وما يثبط هذا المترجم أكثر هو موقف الناشرين من الكتاب المترجم، ولعل المثال التالي يكشف باقتضاب تصرفهم.
عرضت أخر كتاب ترجمته بعنوان مناهج البحث في السياق الرقمي”، والذي صدر في (2020) عن جامعة موريال بكندا، على العديد من ديار النشر ومركز دراسات في البلدان العربية. ولم أتلق الرد سوى من بعضها فقط. لقد اتفق الناشرون الذين ردوا على طلبي أنه يتوجب عليّ الحصول لهم على حقوق الترجمة والنشر من الناشر الأجنبي، بمعنى أخر، يجب عليّ أن أشترى لهم هذه الحقوق. مقابل ماذا؟ بعضهم أخبرني بأنه يتكرم بوضع اسمي على غلاف الكتاب المترجم! وبعضهم اشترط أن أرسل له ثلاثة فصول مترجمة كاملة، وغير منقوصة، ومنحه حق إلغاء أو تبديل الفقرات والمقاطع الواردة في النص الأصلي والتي لا يرضى عنها! هذا إن وافق على طبعه. ونسخة من الكتاب المقترح للترجمة حتى يتأكد من مستوى مؤلفيه. هذا مع العلم أنني أخبرته بأن 22 أستاذا وباحثا من جامعات أجنبية مرموقة ساهموا في انجازه، وأشرف عليه شيخ أستاذة الإعلام الكندين، سارج برولكس، الذي تتلمذ على يد المفكرين “ادغار موران” و” آلان توران” في سبعينات القرن الماضي. وأسس قسم الاتصال بجامعة موريال- كندا في 1975. ومنذ ذاك التاريخ وهو يشرف على العديد من مخابر البحث في مجال الاتصال والميديا. نعم، أنه يصر على تقييم مستوى هؤلاء الباحثين، ومعظم ديار النشر لا تملك، في حدود علمي، لجنة قراءة ولا ترى حتى ضرورة وجودها.
على الرغم مما سبق قوله إلا أن شفقتي على أصحاب ديار النشر في المنطقة العربية لم تنضب. إنهم ضحايا السوق الثقافي الذي ساهموا في صناعته! لقد أصبح جلّ الناشرين العرب عبارة عن وسطاء بين الكاتب وصاحب المطبعة وليس القراء. هذا إن لم نصفهم بالسماسرة. إنهم لا يغامرون بتاتا. يقبضون مسبقا من الكاتب كلفة المطبعة مع هامش من الربح، لتصبح مسألة التوزيع والبيع ثانوية، ولا تشكل رهانا ماليا ولا ثقافيا بالنسبة إليهم. إن هذا المنطق لا يساير بتاتا مكانة الكِتَاب، خاصة المترجم، في الثقافة العربية. كيف ذلك؟ هذا ما يوضحه المثال التالي:
إن كتاب: كيف نفهم وسائل الاتصال؟ الذي منح لماكلوهان شهرته العالمية، هو الكتاب الوحيد الذي ترجم إلى اللّغة العربيّة من كل إنتاج ماكلوهان[4]، بعد إحدى عشر سنة من صدور نسخته الأولى باللّغة الانجليزيّة! لم يلفت هذا الكتاب نظر الدارسين العرب، فأصبح بسرعة نسيًا منسيًّا! ولم يؤد إلى بعث النقاش عن “الماكلوهانية” في الفضاءين العربيّن: الأكاديمي والصحفي. وهذا خلافا لكتابه “مجرّة غنتبرغ” الذي ترجم إلى اللّغة الفرنسيّة بعد سنة فقط من صدوره بلغته الأصليّة. لقد دشنت هذه الترجمة النقاش عن ” الماكلوهانية” في فرنسا، ودفعت رواد ما بعد الحداثة الفرنسيين إلى الاستلهام من أفكار ماكلوهان في كتاباتهم.[5] فهل يعود هذا الأمر إلى قلة القراءة في المجتمعات العربية وحتّى في وسط نخبتها، وأن الكثير ممن يقرأ يميل إلى قراءة النصوص السردية أكثر من النصوص الفكرية والجدالية نتيجة اعتياده على نمط من التلقي الذي يُحيّد كل مشاركة ديناميكية في إنتاج المعنى تماشيا مع استشراء “ثقافة السمع” التي رسختها ” طبائع الاستبداد”، ممّا أدى إلى إنتاج نظرة تقييمية للنصوص بما فيها الأدبيّة التي ” تقوم في جوهرها على الأخلاق”[6]؟
على الرغم من تزايد البحوث في مجال الإعلام التي تهتم بموضوع الهوية الوطنية، والهوية الرقمية، والوعي الديني، والثقافة الوطنية، والعولمة الثقافية، والاغتراب الثقافي إلا أن سؤال هوية البحوث الإعلامية الجزائرية والعربية لا زال يطرح باستمرار في اللقاءات العلمية. كنت اعتقاد أن السؤال يندرج في إطار الهاجس/ القلق الكوني للبحث عن “الأنا الأصيلة” أو صعوبة بناء الهوية في “الحياة السائلة” في العالم المعاصر، لكنني أدركت أنه يعبر عن اقتناع بأن استعمال النظريات والمناهج الغربية يؤدي بالضرورة إلى تبعية بحوث الإعلام والعلوم الاجتماعية بصفة عامة إلى الغرب اعتبارا بأن هذه النظريات والمناهج ظهرت في بيئة غير بيئتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. وبالتالي إنها عاجزة عن فهم مشاكلنا الاتصالية والإعلامية وقاصرة عن دراسة خصوصيتنا الحضارية.
لقد رد السوسيولوجي المغربي حسن رشيق عن هذا التساؤل/الهاجس بالقول:
” لانطرح السؤال حول النظرية انطلاقا من مفاهيم الاستيراد أو التأصيل أو التوطين، فهي ليست مسألة نسخ علم غربي، أو النظر بعيون الغرباء، أو استبدالها بعيون الأهالي، أو خلق نظرية محلية عربية، إسلامية، مصرية، تونسية. فإذا كانت هناك حدود في العلوم الاجتماعية، فهي ليست لغوية ولا عرقية ولا قومية، ولكنها نظرية وإبيستيمولوجية. فلدينا الاختيار بين الجاهز للارتداء والـمُصمّم على المقاس، وأنا أفضل القيام بأبحاث مصمّمة على المقاس دون أحكام مسبقة، أو بشكل أدق بوضع أحكامي المسبقة على المحك”.[7]
لو حاولنا تصنيف ما تم إنجازه في ميدان بحوث الإعلام في الجزائر نجد فيه ” الجاهز للارتداء” و” المصمم على المقاس”. إن الدراسة المسحية والرائدة التي قام بها الباحث فرانسوا شفلدوني في أطروحته الموسومة الاتصال غير المتكافئ: النفاذ إلى وسائل الإعلام في الأرياف الجزائرية[8]، لتحليل علاقة الفلاحيين الجزائريين بوسائل الإعلام- الصحف، والإذاعة، والتلفزيون والسينما في منطقة المتيجة، خلال الفترة الممتدة من خمسينات إلى نهاية سبعينات القرن الماضي، تنتمي إلى البحوث الجاهزة. قدمت الكثير من الحقائق عن الممارسات الإعلامية في البيئة الريفية الجزائرية التي نسفت العديد من نظريات الإعلام: القذيفة السحرية، الحتمية التكنولوجية، لولب الصمت، الاستخدامات والإشباعات. وكذلك الأمر بالنسبة إلى أطروحة واد بوزار: الاستقرار والترحال: نظرات على المجتمع الجزائري[9] التي قدمت بعض ملامح الثقافة الجزائرية عبر دراسة مسحية للاختلاف في تمثّل المسافة/ المكان والزمن/ الوقت في المناطق الجزائرية الثلاث: الشمال- الهضاب- الجنوب.
أما الدراسات المصممة على المقاس، فيمكن أن نذكر تلك التي رصد فيها فرانز فانون تطور علاقة الجزائري بالإذاعة والتي نشرها في كتابه: سوسيولوجيا الثورة، الثورة الجزائرية في عامها الخامس[10]. والدراسة التي انجزتها جويل ستولز[11] Joëlle Stolz بعنوان ” الجزائريون يشاهدون دالاس – المسلسل الأمريكي المشهور والذي يعد أفضل درس لتلقي الجزائري للدراما، والأمريكية تحديدا.
فهل قمنا بتقييم هذه البحوث في إطار البحث عن هوية البحوث الإعلامية الجزائرية؟
المتعارف عليه أن موضوعات البحث تستلهم عادة من الملاحظة الميدانية. فكم هي البحوث في علوم الإعلام والاتصال التي استلهمت موضوعاتها من هذه الملاحظة؟
للإجابة عن هذا السؤال أميل إلى تنزّيل ما ذكره المؤرخ عبد الله العروي عن الفن التجريدي في المغرب على البحث في علوم الإعلام والاتصال في الجزائر، وربما في المنطقة العربية. لقد أكد على أن للفن التجريدي تاريخ طويل. إنه التاريخ الذهني والروحي للغرب المسيحي، بينما سقط الرسم التجريدي بالمغرب، فيما كان يؤسف له بخصوص الرواية. ” غياب تشخيص ( تمثيل ) مباشر للواقع. فما نشاهده وما نتأمله هو مجموعة من التشخيصات ( التمثيلات ) الذهنية للواقع. وهذا أمر مألوف في ثقافتنا.” [12]
إنه لمن المحزن حقا أن نجد ” بحوثا” عن أخلاقيات الإعلام والصحافة ولا تشير إلى أي صحيفة أو قناة تلفزيونية، أو مؤسسة إعلامية، ولا تذكر أي صحافي، ولا تقدم أي مثال توضيحي. إنها تجريد في تجريد. والأدهى أنها تنأى عن التوجه التاريخاني الذي يلح عليه عبد الله العروي، بمعنى أنها لا ترى أي صلة من الصلات بين الفساد الذي استشرى في الحياة العامة والممارسة الصحفية، بل تقفز على الإشهار الذي تحول إلى مفسدة، مثلما ذكر ذلك العربي ونوغي، المدير السابق للمؤسسة الوطنية للإشهار والنشر، العمل الصحفي في الجزائر.
يرى الفيلسوف الفرنسي بشلار بأن العلوم لا تتطور بتطور أدوات القياس على الرغم من أهميتها، بل بتطور الإشكاليات التي تطرحها. لذا اعتقد أن جوهر الخلل في نشاطنا البحثي في علوم الإعلام والاتصال لا يمكن في الأداة: أداة جمع البيانات والقياس، بل في استنساخ إشكاليات البحث وامتثالها. فالإشكالية هي محرك البحث ومطورته، ومعالجتها تتطلب اجتهادا فكريا يسمو بها ويثنيها عن تقديم حزمة من البيانات الخرساء، البعض يقول إنها عمياء؛ أي الذهاب بها إلى أبعد من الوصف أو المسح. فالبحث العلمي ليس حصيلة جملة من البيانات، بل إنه موقف ابستمولوجي وفكري، يؤطره براديغم وتقوده نظرية. وبفضله يشع الفكر في بناء موضوعات البحث التي ليست معطى جاهزا وسهلا، يعرض نفسه على الباحث فيقبله بكل سذاجة.
لقد انخرطنا منذ ثلاثة سنوات في مشروع طموح يتمثل في مراجعة نظريات الإعلام والاتصال على ضوء ثلاثة متغيرات أساسية: تطور المعارف في مجال علوم الإعلام والاتصال، وتطور الممارسة الإعلامية والاتصالية المرتبطة بالتحولات التكنولوجية، والسياق الثقافي والاجتماعي الجزائري والعربي.
ما شجعنا على خوض هذه التجربة يكمن في قلة تنوع المقاربات النظرية لدراسة الميديا في المنطقة العربيّة، إذ لاحظنا الاعتماد المتزايد، إلى حد الإشباع، على نظرية الاستخدامات والإشباعات الوضعية التي تختزل العلاقة المعقدة بين النص والمتلقي وفق منطق ” ما يطلبه المستمعون” في بيئة ما انفكت تزداد تعقدا وفي ظل الاستراتيجيات الإعلامية والاتصالية المتطورة التي تستخدمها المؤسسات الإعلامية في سوق شديد التنافس. فالسؤال الذي تستند إليه هذه النظرية: ماذا يفعل الجمهور بوسائل الإعلام، لم يعد، في نظر أصحاب البراديغم البنائي والتفهمي، يحظى بالأولوية، وربما بالأهمية، لأن الجمهور يتجه اليوم تدريجيا ليكون شريكا في منتجات الميديا. وأن ما يقوم به أصبح مرئيا في مختلف المنصات الرقمية ويمكن ملاحظته[13]. ويعتقدون أن السؤال المحوري الذي يتطلب إجابة وافية عنه يتمثل في: ما هي المعاني التي يمنحها مستخدمو مواقع الشبكات الاجتماعية لِما يقومون به في مختلف الشاشات في أثناء القيام به. وأن الاعتصام الضمني بنظريات التأثير سواء من منظور القذيفة السحريّة أو الحتميّة التكنولوجيّة في دراسة الميديا الاجتماعيّة، التي يجزم الجميع بأنها تفاعلية لم يعد يقدم قيمة معرفية مضافة. وهذا يعني فقر المقاربات النظرية في جل بحوث الإعلام الذي تحول بعضها إلى كليشيهات. ولعل أبرز مثال على ذلك هو اختزال أطروحات مكلوهان في مقولة ” القرية العالمية، و” الوسيلة هي الرسالة” دون أن تفضي إلى تطوير ” نظرية الميديا ” التي ولدت من رحم هذه الأطروحات[14] أو على الأقل تواكب تجدّد التفكير فيها وبها. وهذا ينطبق بشكل خاص على نظرية الفضاء العمومي التي توقفت في الكثير من البحوث على ما قدمه هابرماس في 1962. مع التركيز على البعد السياسي للفضاء العمومي في مجتمعات افرغت السياسة من محتواها، وتم إغفال الجانب اللساني الذي لا زال يشنج العلاقات الاجتماعية في المنطقة العربية. ففي هذا الإطار يؤكد هابرماس بأننا نستعمل الكلام لغايات اتصالية أكثر من الغايات الادراكية الخالصة. فاللغة ليست مرآة العالم، لكنها تمكن من النفاذ إلى العالم. وبهذا إنها تصقل رؤيتنا إلى العالم بطريقة خاصة. وكأن هناك شيء ما مسجل في حديثنا مثل رؤيتنا للعالم.[15] لقد اهتدى هابرماس إلى نظرية الفعل التواصلي من تأكيده على مكانة اللغة في الفضاء العمومي. وسايره في ذلك الاتجاه ما بعد البنيوي الذي يرى أنه “لا يمكن معرفة الواقع إلا عبر اللغة والخطاب”.[16]
لدفع البحوث ” المصممة على المقاس” إلى الأمام، اقترحنا تغيير المقاربة للظواهر الإعلامية والاتصالية في ورقة بحثية بعنوان: الرهانات الابستمولوجية والفلسفية للمنهج الكيفي: نحو أفاق جديدة لبحوث الإعلام والاتصال في المنطقة العربية في 2009[17]. ودعونا فيها إلى رفد هذه البحوث بالمقاربات الكيفية لعلها تحررها من الإحاطة بسطح هذه الظواهر دون الغوص في أعماقها. وتدفعها إلى الكف عن الحديث باسم الغائب: الجمهور، وتشجعها على إعادة النظر فيه والتعامل معه ليس باعتباره مصدراً للمعلومات أو البيانات وحسب، بل لكونه مُؤَولها أيضاً. لقد لقي هذا الاقتراح معارضة شديدة بحجة أن الضرورة تقتضي الاهتمام بما هو كلي Macro القابل للتعميم، بدل التركيز على الجزئي Micro الذي يقدم الاستثناءات، وربما حالات خاصة لا يمكن القياس عليها. فمجتمعاتنا بحاجة ماسة إلى البحوث الكمية لتسليط الضوء على التحولات التي يعيشها قطاع الإعلام والاتصال في بلدنا. وأن البحوث النوعية تتيح الفرصة أكثر لهيمنة الأيديولوجيا على البحث العلمي في مجال الإعلام والسقوط في الذاتيات. وللرد على المعترضين يمكن الاستعانة بالكاتب السوري ماهر مسعود الذي أكد على أنه” إذا كنا سنصل إلى الموضوعية objectivity عبر دراسة الذاتية subjectivity عند كانط، فقد برهن فوكو على حجم الذاتية والذاتوية التي توجد في كل دراسة تدّعي الموضوعية.”[18]
لا يسعنا اليوم سوى التعبير عن ترحيبنا بالنقاش الحيوي الجاري حول المقاربات النوعية في كليات وأقسام الإعلام في الجزائر، متمنيا أن يجد امتداده التطبيقي في البحوث الميدانية.
حقيقة، تعاني المقاربات الكمية في بحوث الإعلام في الجزائر من صعوبات جمّة لعل أبرزها هو غياب مؤسسات مستقلة مختصة في الاحصائيات والبيانات واستطلاع الرأي. وعزوف المؤسسات الرسمية والخاصية عن نشر إحصائياتها، والتي تزود الباحثين بالبيانات التي تمكنهم من متابعة تطور المجتمع، والممارسات الإعلامية والثقافية.
يرى الفيلسوف عبد السلام بنعبد العالي[19] أن جيل دولوز قرأ تطور تاريخ الفكر أو ” اللافكر”. وقسمه إلى ثلاثة مراحل: المرحلة الأولى كان التركيز فيها على الهاجس المعرفي: الابستمولوجي. فشحذ العُدّة المنهجية للتصدي للخطأ وتجاوزه. والمرحلة الثانية واكبت للقرن 19، وظهر فيها اللاوعي الذي يؤكد على أن الكثير من الأشياء لا تخضع للمراقبة. فأصبح الهاجس الأساسي يكمن في الصراع ضد الأوهام ونقد الأيديولوجيا. أما المرحلة الثالثة فتتسم بتقويض البلاهة وفق ما ذهب إليه الفيلسوف نتشه. وحتى لا أُفْهم خطأ أؤكد بأن المقصود بالبلاهة هنا هو الاهتمام بإنتاج اللامعنى. وقد استغل عبد السلام بعبد العالي هذا التقسيم لتبرير توجهه إلى تحليل مجتمع التمشهد، على حد قول غي دوبرGUY DEBORD.
فأين تقع بحوث الإعلام والاتصال في الجزائر والمنطقة العربية في المراحل الثلاث المذكورة؟ هل يمكن القول إننا قفزنا إلى المرحلة الثانية دون مراجعة مكتسباتنا المعرفية من المرحلة الأولى؟
نلاحظ أن الكثير من البحوث الإعلامية في المنطقة العربية لا يتوقف لتفسير ما هو موجود في الظاهرة الإعلامية والاتصالية وفهمها، بل يقفز رأسا إلى الحديث عما يجب أن تكون عليه. وبهذا يحيد عن ساحة العلم ليسقط في شراك السياسية والأيديولوجيا. وعليه نشعر أن علوم الإعلام والاتصال في المنطقة العربية تعيش أزمة فكر. وأنها عاجزة عن تقديم حقائق جديدة. وأصبحت ” تجتر ما هو معلوم”. وحتى لا يكون حكمنا قاسيا وقاطعا، يمكن الإشارة إلى ما أكده أريك ميغري عبر قوله بأن البحوث عن وسائل الإعلام تعاني من حسّاسيّة مفرطة للضغوطات التي تمارس عليها من خارج الدوائر العلمية لأنها تجري في ميدان ذي ثقل معياري مرتفع جدا. وتقع بين فكي النقد والاحتفاء، وبين اللعنة والطوباوية. لقد كشفت هذه البحوث، ومازالت تكشف في بعض الأحيان، عن بعض الصفات النموذجية لعدم نضجها العلمي[20]
ربما سنشعر ببعض العزاء في الرأي القائل بأن الأزمة عامة وتشمل العلوم الاجتماعية والإنسانية ككلّ. ولا تتعلق بالبحث في مجال الميديا فقط. لكن هذا لا يمعنا من التمعن في رأي فقيد علم الاجتماع الجزائري جمال غريد الذي بناه على قراءات ومعاينة. لقد أكد بأن الباحثين في العديد من البحوث في العلوم الاجتماعية لا يقومون سوى باللف والدوران، لأن ما يهمهم حصريا هو السعي لإثبات صحة المقدمات prémisse التي ينطلقون منها.[21]
نعتقد أنه من الصعوبة بمكان النهوض ببحوث الإعلام والاتصال في الجزائر دون إجراء تقييم شامل لمنجزها يشخص الصعوبات، ويفتح أفق المساءلة وفق الأبعاد الثلاثة التالية:
البعد الانطولوجي ،Anthological ، هل استطاعت البحوث الجزائرية في مجال علوم الإعلام والاتصال تشخيص ما تدرسه من أجل استجلاء التحولات الثقافيّة والإعلاميّة في تعيشها المجتمعات العربيّة؟
والبعد الاكسولوجيي Axiological : أي عما تخبرنا به بحوث الإعلام والاتصال، وتراه يستحق فعلا أن يعرف عن الإعلام في المنطقة العربيّة ؟
والبعد الابستمولوجي Epistemological : أي القيمة المعرفية التي تقدمها هذه البحوث والطرائق التي اعتمدت عليها لبلوغها.
المراجع:
[1] – أنظر:
– Kayser Jacques, « L’étude du contenu d’un journal : analyse et mise en valeur », Études de Presse, vol. XI, n° 20-21, I959, pp. 6-18
– Kayser Jacques, le quotidien français, A.colin 1963
[2] – Myriam Salama-Carr. La traduction à l’époque abbasside. L’école de Hunayn Ibn Ishâq et son importance pour la traduction, Paris Didier Erudition, Collection Traductologie, n°. 6, 1990 pp.91-101
[3] – محمد عابد الجابري: حقوق الإنسان: ثقافة أم أيديولوجية؟ صحيفة الاتحاد 15-2-2005
[4] مارشال ماكلوهان “كيف نفهم وسائل الاتصال” ترجمة خليل صابات، محمد محمود الجوهري، دار النهضة العربية، القاهرة- نيويورك،1975
[5] – نصر الدين لعياضي: التفكير مع ماكلوهان ضد الماكلوهانية، مجلة لباب العدد 12، توفمبر- تشرين الثاني، 2021 ص 11-51
[6] – محمد الحموي :الروائي التشيكي ميلان كونديرا: أن تكون كاتباً لا يعني التبشير بالحقيقة بل اكتشافها! صحيفة القدس العربي، الصادرة في 11-12-2006
[7] – حسن رشيق: أولويات البحث السيسيولوجي في العالم العربي: تحليل، مواقف، ومقترحات: مركز ابن خلدون، للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر، 2022، ص 11
[8] – François Chevaldonné : la communication inégale ; l’accés aux médias dans les campagnes algériennes ; CNRS ; 1981
[9] – Wadi Bouzar : mouvance et la pause: regards sur la société algérienne, SNED, 1983
[10] – Frantz Fanon, Sociologie d’une révolution. (L’an V de la Révolution algérienne) François Maspero 1972 ; p51-82
[11] -Joëlle Stolz: Les algériens regardent Dallas in Jean-Luc Maurer, Faouez Mellah, Dominique Perrot et al. Les nouvelles chaînes–Techniques modernes de la télécommunication et le Tiers Monde : pièges et promesses. Graduate Institute Publications ,1983 p. 221-246
[12] – كمال التومي: ظاهرة التجريد في الرسم المغربي، إضاءات لموقف عبد الله العروي، مجلة علامات، المغرب، عدد 9-1988، http://saidbengrad.free.fr/al/n9/8.htm
[13] – نصر الدين لعياضي: التفكير في عُدَّة التفكير: مراجعة نقدية لنَظَرِيَّة “الاستخدامات والاشباعات” في البيئة الإعلاميّة والاتصاليّة الرقميّة
[14]– أنظر على سبيل المثال: نصر الدين لعياضي: التفكير مع مكلوهان ضد المكلوهانية، مجلة لباب، العدد 12 – نوفمبر/تشرین 2021
[15] – Jürgen Haberma: Public Space and Political Public Sphere—The Biographical Roots of Two Motifs in my Thought, The Journal of philosophy of disability , VOL 1 , 2021 p 105–115 doi: 10.5840/jpd2021110
[16] – Glen Creeber Digital theory: theorizing New Media, in Glen Creeber and Royston Martin Digital cultures and understanding New media- Open University Press McGraw-Hill Education 2009, p16
[17] – قدمت في المؤتمر الدولي: الإعلام الجديد: تكنولوجيا جديدة لعالم جديد، بكلية الأداب، جامعة البحرين يومي 9-7 أبريل 2009
[18] – ماهر مسعود: الفلسفة وعصر العلم، صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 1 ديسمبر 2022
[19] – حوار مع عبد السلام بنعبد العالي: نتف ميثولوجيات – ترجمة: سعيد بوخليط،
https://urlz.fr/kKtU
[20] – أريك ميغري، سوسيولوجيا الميديا والاتصال، ترجمة نصر الدين لعياضي، هيئة البحرين للثقافة والتراث، البحرين، 2018، ص 65-66
[21] – Djamel Guerid :Il faut connaître la société, La Nation, Mercredi 2 Janvier 2013
المفاهيم في بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة: رهانات التعريفات
The concepts in Social Media Studies in the Arab Region: the issues of definitions
نصر الدين لعياضي Nacer-Eddine Layadi
ABSTRACT:
Terms and concepts are not empty or neutral words in scientific research. They are the building blocks on which research objects are constructed, and a necessary tool for researchers to direct their reflections from theory to the field of research and vice versa.
Using concepts in social media research in the Arab world leads us to address many questions. Far from the accuracy of the translation process into Arabic owing to the fact that it appeared in a different technical and social context, so it contains a representation of this media and their users. In fact, they raise several issues that this study seeks to define its epistemological challenges
Key word: Concepts, social media, Mediation, Information, Communication, Social Networking Sites, Virtual Communities, Uses
الملخص:
المفاهيم ليست مجرد كلمات جوفاء أو محايدة. إنها حجر الأساس لبناء موضوعات البحث، وأداة ضرورية تسمح للباحثين بتوجيه تفكيرهم من الإطار النظري إلى ميدان البحث، ومن هذا الأخير إلى الإطار النظري.
يطرح استخدام المفاهيم في دراسات الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية أكثر من علامة استفاهم. فبعيدا عن دقة ترجمتها إلى اللغة العربية لكونها ظهرت في سياق تقني واجتماعي مختلف، تتضمن المفاهيم تمثلّا لهذه الميديا ومستخدميها. وتطرح الكثير من الإشكاليات الّتي تحاول هذه الدراسة تحديد رهاناتها الابستمولوجيّة.
الكلمات المفتاحية:
المفاهيم، الميديا الاجتماعيّة، الإعلام، الاتصال، مواقع الشبكات الاجتماعيّة، الجماعات الافتراضيّة، الوساطة، الاستخدامات.
المقدمة
تؤكد بعض البحوث في المنطقة العربيّة على التباين الواضح في استخدام المفاهيم والمصطلحات التي تناولت التحولات التي يعيشها قطاع الإعلام والاتصال. فمن “الإعلام الجديد” إلى “الإعلام البديل” مرورًا بـ “الإعلام الإلكتروني”.[1] وضمن هذا التباين لاحظ بعض الباحثين أن المفاهيم التي “اشتغلت عليها” بحوث ” الميديا الاجتماعيّة” تعاني من الكثرة[2]. وإن كنا نرجح هذه الكثرة إلى السعي إلى تحديدها الإجرائي، الذي يتخذ طابعا مؤقتا لمواكبة سرعة التطور التكنولوجي والتغيرات الاجتماعيّة والثقافيّة المرتبطة به. لكنّ الكثير من المفاهيم تخلت عن طابعها المؤقت لتستقر في الدراسات الإعلاميّة، ناهيك عن المفاهيم التي “اشتغلت بها” هذه البحوث؛ أي المفاهيم الوسيطة أو النّسقيّة التي تؤطر التّفكير في ” الميديا الاجتماعيّة”. لذا نرى أن الحاجة إلى مراجعتها وتقويمها تفرض نفسها. وتستلزم فتح حوار علمي حولها للكشف عن رهاناتها المعرفيّة والفكريّة.
إشكالية البحث:
بعض بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة التي درسناها لا تتوقف عند تعريف المفهوم الذي “تشتغل عليه”. وبعضها يكتفي باقتباسه من القواميس والموسوعات الأجنبيّة، ممّا يدفع إلى الاعتقاد بأن الإشكال الذي تطرحه المفاهيم يكمن في نقلها إلى اللّغة العربيّة فقط، مثل ترجمة Social Media إلى “الإعلام الاجتماعي” تارة، و” الشّبكات الاجتماعيّة” طورا[3] ،وإلى “شبكات التواصل الإلكتروني”[4] أحيانا. وترجمة Social Networking Sites إلى الشّبكات الاجتماعيّة[5]. لكن سرعان ما ندرك بأن الأمر يتعدى مسألة الترجمة ليطرح على مستوى المضمون الذي يحتويه كل مفهوم. فلو قبلنا تجاوزا بأن هذه الترجمة صحيحة ودقيقة، فإنّنا نصطدم بأن محتوى تعريف “الميديا الاجتماعيّة” يتطابق، بهذا القدر أو ذاك، مع محتوى الكثير من المسميات، مثل “وسائل التواصل الاجتماعي”، و”شبكات التواصل الإلكتروني الاجتماعية”، مما يوحي بأن البحوث تعاملت مع كل هذه المفاهيم كمرادفات تشخّص الواقع ذاته.[6] ويكشف هذا التعامل عن نوع من الارتباك والغموض في توظيف المفاهيم، ممّا يدعونا إلى التساؤل: هل استخدمت بحوث ” الميديا الاجتماعيّة” المفاهيم بوعي أم اعتبرتها مجرد كلمات؟ بمعنى هل جعلتها كفيلة بشرح الظواهر التي تقترح شرحها أو اعتبرتها مجرد لصيقات توضع على موضوعات الميديا الاجتماعيّة. فتعجز عن حصرها بدقّة، وتحليلها بعمق؟ وهل استطاعت “البحوث العربيّة” أن تمنح بعدا عمليًّا للمفاهيم النّسقيّة التي “اشتغلت عليها” وحمّلتها مضامين كفيلة باستيعاب خصوصية الاتصال في المجتمعات العربيّة؟ لعل الإجابة عن هذه الأسئلة تساهم في استجلاء تمثّل البحوث للميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة. ونقصد بالتمثّل هنا الإنتاج الخطابي لهذه البحوث، ومساهمته في رسم صورة لهذه الميديا، وتسييج فهمها بمخيال مشترك.
إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب استحضار الأبعاد التالي:
- البعد الانطولوجي Anthological: ما هو الواقع الذي تغطيه أبرز المفاهيم التي استخدمت في بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة؟ وهل تملك الوضوح القادر على تشخيص ما تدرسه من أجل استجلاء موقع هذه الميديا في التحولات الثقافيّة والإعلاميّة في تعيشها المجتمعات العربيّة؟
- البعد الاكسولوجيي Axiological : ما هو الشيء الذي تخبرنا عنه المفاهيم، وتراه يستحق فعلا أن يعرف عن الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة ؟
- البعد الابستمولوجي Epistemological : ما هي القيمة المعرفية التي تقدمها أبرز المفاهيم لإدراك الميديا الاجتماعية في المنطقة العربيّة، وما هي الطرائق التي اعتمدت عليها البحوث لبلوغها.
المقاربة المنهجيّة والنّظريّة:
نعتقد أن الإطار المنهجي الذي يساعدنا على بلوغ الأبعاد المذكورة أعلاه هو ” النموذج المثالي” Ideal Type” الذي يندرج ضمن تقاليد البحث الكيفي.
يُنسب هذا النموذج إلى عالم الاجتماع ” ماكس ويبر” Max Weber” الذي عارض الرؤية الضيقة للنّزعة الوضعيّة للمعرفة، إذ يعتبر بأن البحث الاجتماعي يتضمن مكونًا تأويليًّا.[7]ويرى أن هذا النموذج هو طراز مجرد يسمح برؤية بعض جوانب العالم الفعلي بطريقة واضحة ومنتظمة. إنه نموذج مبني يُستعمل للاقتراب من الواقع عبر انتقاء بعض العناصر والتركيز عليها.[8]
يتفق الكثير من الباحثين[9] على أن النموذج المثالي لا يعني أنه يمثل الواقع، الذي اسْتُقي منه، بشكل دقيق وشامل أو بطريقة أكثر وفاء لهذا الواقع. ولا يقصد به النموذج المأمول أو الأفضل. إنّه بناء يستخدم كعُدّة إرشاديّة واستكشافيّة متطورة لتحقيق غايات منهجيّة في تحليل الظواهر الاجتماعيّة. ويتشكّل من عناصر الظاهرة المدروسة وخصائصها. ولا يُنتظر منه أن يتوافق مع كل الخصائص التي تتمتع بها حالة معيّنة. إنّه نوع من الصور المركبة التي تقارن على أساسها كلّ الحالات في ظاهرة معيّنة. وتكون هذه الخصائص في الغالب تعرّيفيّة وليست مُنْتظرَة.[10] ولابد من التأكيد بأن المقصود ليس كلّ الخصائص، بل تلك الأكثر بروزًا، والتي تحوّل ما يتم تصنيفه إلى مثال.
يصف الباحث “جلاني مندارا” Mandara Jelani هذا النموذج بأنه عملية إدراج هذه البيانات في فئات من أجل تنظيم الأشياء، وفهمها انطلاقا من تشابهها واختلافها.[11] وغني عن القول أن هذه البيانات كيفية.
يشمل تحليلنا للمفاهيم التي “اشتغلت عليها” بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية” المستويات التالية: الوصف، المقارنة، والتأويل.
اخترنا عيّنة قوامها 80 بحثا منشورا في دوريات عربيّة محكمة وفق منطق العيّنات العمديّة المتاحة، خلال الفترة الممتدة من مطلع 2012، وهي السنة الّتي بدأ فيها البحث العلمي في المنطقة العربيّة يهتم بظاهرة الميديا الاجتماعيّة، بعد أن شكلت هاجسا معرفيًّا للدراسات الأجنبيّة نظرا لدورها النشيط المفترض فيما أصبح يعرف بالربيع العربي، إلى نهاية سنة 2021. واستقينا عشرين بحث من كل قاعدة بيانات من القواعد التالية: دار المنظومة[12]، والمنصّة الجزائرية للمجلات العلميّة[13]، ومنصّة الدوريات المصرية[14]، والعراقيّة للمجلات الأكاديمية العلميّة[15]. وقد استبعدنا في هذه العيّنة الدراسات المكرّرة التي عثرنا عليها في قواعد البيانات المذكورة أعلاه، وتلك المختصة في الجانب التقنيّ، أي المعلوماتيّة، وحافظنا عن تنوّع موضوعاتها. وتشمل أغلب البلدان العربيّة، وذلك بغية الحصول على نظرة أقرب إلى الشموليّة عن هذه الدراسات. وكان دليلنا في هذا الاختيار العناصر التالية: لغة النشر، وهي اللغة العربية، وأن يكون البحث منشورا كاملا، أن يتضمن عنوانه المفردات التالية: الميديا الاجتماعية، وسائل التواصل الاجتماعي، الشّبكات الاجتماعيّة، مواقع التواصل الاجتماعي، شبكات التواصل الإلكتروني، الاتصال الاجتماعي.
بشكل عملي نحاول القيام بتفكيك للمفاهيم، التي “اشتغلت عليها” البحوث المدروسة، إلى العناصر التالية: الأنشطة التي تسمح بها، والطريقة التي تحقق بها ذلك، ومحتوى هذه الأنشطة. ونركز على نماذج من التعريفات المقدمة لمفهوم مواقع التواصل الاجتماعي، الذي يعدّ الأكثر تواترا في البحوث حسب بعض الدراسات الكميّة. [16] ونحلّل المفاهيم النّسقيّة التي “اشتغلت بها” البحوث، والّتي تساهم في توجيه الباحثين وتمكّنهم من تحديد استراتيجيتهم البحثيّة، وعلى صياغة الأسئلة والفرضيات الّتي ينطلقون منها. ونحصرها فيما يلي: الاستخدام، والتأثير، والدور، والتفاعل، والمجال العام. ونظرا لأن جلّ البحوث قفزت على تعريف هذه المفاهيم، سنقوم بتحليلها انطلاقا من السياق النظري الذي وظفت فيه، وبالنظر إلى المكاسب المعرفيّة المحققة في مجال علوم الإعلام والاتصال.
ونعالج نتائج هذا البحث بالاستعانة بمقاربة البناء الاجتماعي للتكنولوجية Social Construction of Technology ) SCOT ( المستمدة من تقاليد الظاهراتية التي تؤمن بأن المؤسسات الاجتماعية تُبْنى اجتماعيا، بنشاط، من قبل أفراد المجتمع في حياتهم الاجتماعيّة وعبر أنشطتهم. وهذا لا يعني بتاتا بأن العالم الواقعي لا وجود له دون تصورات الأشخاص، مثلما يدعي ذلك أصحاب الاتجاه المثالي، بل أن فهم هذا العالم هو أيضا نتيجة عملية بناء انطلاقا من منظور الأشخاص ووجهات نظرهم، مثلما يؤكد ذلك “جوزيف ألكس مكسويل) Joseph Alex. Maxwell (.[17]فالميديا الاجتماعيّة، كمعطى تقني، يُبنى اجتماعيًّا انطلاقا من المصالح الاقتصاديّة والسّياسيّة لصُناعها ومديريها، ومن تصور المستخدمين والباحثين. ويتأثر تصور هؤلاء، بهذا القدر أو ذاك، بوجهات نظرهم، وتجاربهم وخلفياتهم الاجتماعيّة والثقافيّة، وسياقات الاستخدام والبحث.
في معنى المفهوم:
يميّز “لويس كلود باكن” Louis-Claude Paquin[18] المفهوم عن الكلمة والمصطلح بالقول: إنّ الكلمة تأتي من الاستعمال اليوميّ للّغة، فيقوم المعجميون بتسجيلها وتعرّيفها لتتشكل منها القواميس، وتصبح مقبولة في الاستعمال اليوميّ، أما المصطلحات فهي مجموعة من الكلمات المتخصّصة والمتعلقة بميدان محدّد من النشاط الإنساني ذي صلة بالعلوم والتّقنيّة في الغالب، وهي نتيجة نشاط معياريّ يكسبها معنى محدّدًا بعيدًا عن كل لُبس، بينما المفهوم لا يحيل إلى شيء أو كائن أو فكرة لأنه بناء ذهني داخل منظومة فكريّة، ومعطى مجرد أو ” رمز” لتمثيل شيء ما أو لإحدى خصائصه، أو لظاهرة أو سلوك معين”.[19] وبهذا يُعدّ جسر عبور من المجرد إلى المحسوس والملموس والمعيش في الواقع [20]
إذا، المفاهيم هي نتاج الفكر في ظاهرة ما وأداته وليست الظاهرة ذاتها[21]. وللاقتراب أكثر من هذه الأخيرة وحصرها، يُعِد الباحثون بروتكولا إجرائيًّا يفكّك بعض المفاهيم إلى عناصرها التكوينيّة بحيث يمكن استجلاء خصائصها، أو تحديد أبعادها لتيسير وصفها، وقياسها، وتفسيرها أو تأويلها.
ويصنف المختصون المفاهيم إلى أوَّليّة، أي الّتي تكتفي بذاتها وتفصح عن مضمونها ولا تحتاج إلى مفاهيم أخرى لتعريفها. “فتعريفها يكون ظاهريًّا ويمكن ملاحظته” [22]، وأخرى لا يتضح معناها دون الإحالة إلى مفاهيم أخرى تتشابك أو تقاطع معها أو تتفرّع منها.
في توصيف المفاهيم الّتي ” اشتغلت عليها” دراسات الميديا الاجتماعيّة:
إن فحص دراسات الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة دلّنا على المفاهيم التالية: مواقع التواصل الاجتماعي، وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائط التواصل الاجتماعي الإلكترونيّة، وسائل الإعلام الرقميّ، مواقع الميديا الاجتماعيّة، والميديا الاجتماعيّة، والإعلام الجديد، ووسائل الإعلام الاجتماعي، ومنصّات التواصل الاجتماعي، وشبكات التواصل الرقميّة، وشبكات التواصل الاجتماعيّ، والشّبكات الاجتماعيّة، وشبكات التواصل الإلكترونيّ، وشبكات التواصل الاجتماعيّ الرقميّة، وسائل التواصل الإلكترونيّ، وأدوات الاتصال الجديد، ومواقع الشّبكات الاجتماعيّة عبر الانترنت، والشّبكات الاجتماعيّة الافتراضيّة، ووسائل الإعلام الحديثة، والمواقع التّفاعليّة، ووسائط الإعلام الجديد، والميديا الجديدة.
وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة في توحيدها في مفهوم واحد يُحظى بإجماع الباحثين على غرار ما توصل إليه الباحثون الأجانب إلا أنها لم تفلح، مع الأسف. بل لم تتمكن من فعل ذلك على مستوى البلد العربي الواحد، بل حتّى في البحث الواحد!
ويسعى كل مسمى من هذه المسميات إلى تقديم تعريف خاص به. لكن الكثير من التعريفات لا يساعدنا في تحديد الواقع الذي يغطيه على وجه الدقّة، ولا يكشف عما يميّزه عن بقية التعريفات، مثلما هو موضح في الجدول الموالي:
جدول1- بعض التعاريف
مواقع التواصل الاجتماعي | مجموعة من التقنيات المتاحة على الشّبكات العنكبوتية والتي يستخدمها الأفراد كمساحة شخصية للتعبير عن توجهاتهم وآرائهم الشخصية حول مختلف الموضوعات والمجالات بغرض التواصل والتفاعل مع الآخرين.[23] |
وسائل التواصل الاجتماعي | تشير وسائل التواصل الاجتماعي إلى الطرق الجديدة في التواصل بين الأفراد في البيئة الرقمية بما يتيح لمجموعات صغيرة من الأفراد الالتقاء والتجمع على الشّبكات العنكبوتية (الانترنت) وتبادل المنافع والمعلومات، أي أنها مواقع اجتماعية تفاعلية تتيح التواصل الاجتماعي لمستخدميها مع الأصدقاء والمعارف والأهل من خلال واقع افتراضي يماثل الواقع الطبيعي، كما تمكنهم من تكوين علاقات صداقة جديدة مع الأفراد من مختلف الأعمار والأجناس ومن كافة أنحاء العالم الذين تجمعهم اهتمامات ونشاطات مشتركة بالرغم من اختلاف وعيهم وتفكيرهم وثقافتهم[24] |
وسائل التواصل الإلكتروني | عبارة عن جملة من المواقع الافتراضية عبر الانترنت يمثلها أفراد أو جماعات أو مؤسسات تتيح لملاين الأفراد التعريف بأنفسهم واهتماماتهم، كما تتيح تبادل ونشر الصور والمواد المكتوب وأفلام الفيديو وغيرها من خلال التطبيقات العملية لشبكة الانترنت[25] |
الشّبكات الاجتماعية | شبكات اجتماعيّة تفاعليّة تتيح لمستخدميها التواصل في أي وقت، باستخدام الصوت والصور والكلمات المكتوبة، ومشاركة الصور والفيديوهات وأوجه النقاش وغيرها من الإمكانات[26] |
شبكات التواصل الإلكترونيّ | هي مواقع للتواصل الاجتماعيSocial Media وتطبيقات تستخدم من خلال شبكة الانترنت للتفاعل والتواصل مع الأخرين، وتمكن هذه المنصّات مستخدميها من التواصل الاجتماعي ونشر ومشاركة المحتوى مع الآخرين نصي ومرئي وصوتي أو متعدد الوسائط، وهي مواقع متنوّعة ومتجدّدة. ومن أمثلتها الفيسبوك، وتويتر، وانستغرام وغيرها.[27] |
يتضح من هذه التعريفات عدم التمييز بين المفردات التالية: الشّبكات، الأدوات، الوسائل، المواقع، والتقنيات. وتعتبرها مجرد كلمات ذات محتوى واحد، وتدلّ على حقيقة واحدة. وتؤكد من خلال تقاطعها أو تداخلها على طابعها التعميمي وعدم اتساقها. إنها لا تعرّفنا بدقّة وبشكل واف عن الأنشطة التي تتيحها أو تسمح بها، ولا عن الطريقة التي تتجسد بواسطتها هذه الأنشطة، ولا المحتوى الذي يقدمه ما أصطلح على تسميته بـ “مواقع التواصل الاجتماعيّ”، كما هو مبيّن في الجدول التالي:
الجدول 2: تعريف “مواقع التواصل الاجتماعي”:
التعريف | الموضوعات | ||
الأنشطة الّتي تسمح الميديا الاجتماعي القيام بها | الطريقة الّتي تسمح بها | محتوى الميديا الاجتماعيّة | |
هي مواقع على شبكة الإنترنت تحقق التواصل بين الأعضاء، يتم من خلالها طرح الآراء والأفكار ومناقشتها، وتكوين وجهات نظر أو اتجاهات حولها، وهي تعد من الوسائل الحديثة، والتي أصبح لها أثر ملموس في الحياة الاجتماعية على فئات عديدة من المجتمع، والتي يعتبر الشباب فئة من هذه الفئات التي تتابعها وتستخدمها في العملية الاتصالية، ومن خلالها يتابع الشباب الإعلانات الإلكترونية ويستخدمها[28] | التواصل،
طرح الأفكار ومناقشتها |
الإعلانات | |
خدمات توفرها شبكة الانترنت تتيح للأفراد إنشاء بيانات شخصية وعامة أو شبه عامة ضمن نظام موحد ويمكنهم من إنشاء قائمة للأشخاص الذين يرغبون مشاركتهم في الاتصال ومشاهدة قوائمهم، وتلك القوائم يصفها الأشخاص الأخرون داخل النظام.[29] | إنشاء بيانات
إنشاء قوائم للأشخاص |
||
هي من أكثر وأسع المواقع على شبكة الانتًرنت انتشارا واستمرارا لتقديمها خاصية التواصل بين الأفراد والجماعات المستخدمين لها، حيث تمكنهم من التواصل وتبادل الأفكار والآراء والمعلومات والملفات والصور[30] |
التواصل بين الأفراد، تبادل الأفكار، والمعلومات والصور | ||
مجموعة الشّبكات الإلكترونية المختلفة التي يتمكن كل شخص فيها من فتح حساب خاص به أو أكثر، يمكن أن يتواصل من خلاله إلكترونيا مع أعضاء آخرين مسجلين هم أيضا بحسابات خاصة بهم، والتفاعل معهم في عالم افتراضي يتبادلون فيه الحوارات والأحاديث إما كتابة أو صوت أو صورة أو معا ويتبدلوا الصور وغيرها وتتنوع هذه المواقع منها الفايسبوك، التويتر، الأنستقرام، سنابشات.[31] | التواصل الإلكتروني
تبادل الحوارات، والأحاديث |
فتح حساب
االكتابة، الصوت والصورة |
|
مجموعة من المواقع على شبكة الانترنت العالمية، تتيح التواصل بين الأفراد في بيئة مجتمع افتراضي، يجمعهم الاهتمام أو الانتماء لبلد أو مدرسة أو فئة معينة، في نظام عالمي لنقل المعلومات والمعارف، وهي كذلك مجموعة من الشّبكات العالمية المتصلة بملايين الأجهزة حول العالم، لتشكل مجموعة من الشّبكات الضخمة، والتي تنقل المعلومات الهائلة بسرعة فائقة بين دول العالم المختلفة وتتضمن معلومات دائمة التطور[32] |
التواصل
نقل المعلومات |
||
هي برامج إلكترونية متاحة على شبكة الانترنت تسمح لمن يستخدمها بالتفاعل والتواصل مع الأخرين كتابة وصوتا وصورة وما تحمله من إمكانيات بالسلب والايجاب قد تؤثر على المجتمع بأكمله وقد تساهم في ظهور أو زيادة الطلاق [33] | التفاعل والتواصل تساهم في ظهور الطلاق أو زيادته | الكتابة، الصوت والصورة | |
وسائل إعلام جديدة ليست بثا أحاديا وتلقي إجباريا مثلما كانت تتميز به نظم الإعلام القديم، ولكنه تفاعل، يختار فيه الناس احتياجاتهم، ويشاركون في الوقت ذاته ليس بالرأي فقط، وبموجب نظام الإعلام الجديد يمكن لوسائل الإعلام أن تقدم لكل شخص ما يريد في الوقت الذي يريد، والإعلام هو إعلام تعددي بلا حدود ومتعدد الوسائط يؤدي أدوارا جديدة كليّا لم يكن بوسع الإعلام التقليدي تأديتها. وتتميز وسائل الإعلام الجديدة بالرقمنة، والتفاعلية، والشعبية، والتفردية، والتخصصية، والجماهيرية، وتزاوج الوسائط والتكنولوجيات. كما أن هناك مستحدثات إعلامية غير مسبوقة تأخذ مكانها الآن مثل الإعلام[34]. | الرأي |
تقدم هذه التعريفات ” مواقع التواصل الاجتماعي” على أنها برامج إلكترونية، ومجموعة من المواقع، ومجموعة من الشّبكات الإلكترونية، وخدمات. وبهذا تذكرنا بالخلط الذي يقع بين شبكة الانترنت والواب. فشبكة الانترنت هي بنية قاعديّة تستند إليها شبكات التواصل والكثير من التطبيقات. أما “الواب” فهو نوع من هذه التطبيقات. هذا علاوة على أنها تخلط في الغالب بين مكونات الوسائط المتعدّدة) الصورة، الكتابة، الصوت(والمحتوى الذي ينتجه أو ينشره ما اصطلح على تسميته بمواقع التواصل الاجتماعي أو بفضلها. ليس هذا فحسب، فبعضها يخلط بين مواقع الشبكات الاجتماعية والوسائط المتعددة والميديا الجديدة أو ما تسميه بالإعلام الجديد. وهذا يدعو إلى الشّكّ في فاعليّتها العلميّة. فالمفهوم يجب أن يُحدّد بدقّة، ويحصر الواقع الذي يغطيه، ويعيّن حدوده بوضوح.
من الممكن تقديم ما يشفع لهذا الخلط واللبس في استخدام المفاهيم في دراسات الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة كالقول مثلا، إنّ مجال البحث فيها لازال بكرًا، وأن مفهوم الميديا الاجتماعيّة اختلط في البحوث الأجنبيّة في بدايتها الأولى[35] مع المفاهيم المشابهة المرتبطة بالمعلوماتية وشبكة الانترنت، مثل “الجماعات الافتراضيّة”، و”الجماعات عبر الخط”، والواب2″، و” المعلوماتية الاجتماعيّة” و”الواب الاجتماعي”، و”الواب الجماعي”، و”الواب التشاركي”، و”الميديا التشاركية”، و”مواقع الشّبكات الاجتماعيّة”. وبعد مخاض فكري استقر رأي الباحثين على مفهومين رائجين ضمّا كل المسميات، وهما “الميديا الاجتماعيّة”Social Media و”الشّبكات السوسيو-رقميّة Reseaux socio-numériques. فالناطقون باللّغة الإنجليزية يميلون إلى استخدام المفهوم “الأول” بينما يفضل نظراؤهم، الناطقون باللّغة الفرنسيّة، استخدام المفهوم الثاني[36]، علما أن البعض من هؤلاء شرع في استخدام مفهوم “الميديا الاجتماعيّة” [37]بدل الشّبكات السوسيو-رقميّة. وهذا لا يدلّ قط على تطابق المفهومين في المعنى، كما سنوضح ذلك لاحقا. وإن كان يمكن تبرير عدم توجه بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة إلى توحيد مفاهيمها بما سبق ذكره، فإنّنا نتساءل عن مدى قدرة بعض البحوث الّتي صادفناها في عيّنة بحثنا على التعبير عن موضوعات دراستها لأنها تعاملت مع المفاهيم الّتي “اشتغلت عليها” بصفة مجردّة، ولم تقدم ما يجسّدها في الواقع العملي، إذ اكتفى بذكر دور أو تأثير “وسائل الإعلام الاجتماعي” أو “شبكات التواصل الاجتماعي”، على سبيل المثال، في الاستبانة الّتي وزعت على المبحوثين، دون أي تحديد، وكأنّ المبحوث يعرف بالضبط ما يقصده الباحث من هذين المفهومين، ونوع الميديا الاجتماعيّة الّذي يعنيه. وأنه يعرف مسبقا ما يريد الباحث قياسه بالضبط في غياب تحديد الشيء الّذي أُسْند إليه الدور أو التأثير. ومن هنا يتضح غياب البعد الأنطولوجي للكثير من المفاهيم التي “اشتغلت عليها” بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة.
المفاهيم وتمثّل البحوث للميديا الاجتماعيّة
سيكون فهم الرهانات المعرفية للمفاهيم في بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة قاصرا إن اكتفى بتلك الّتي “اشتغلت عليها”، ولم يتطرق إلى المفاهيم الّتي “اشتغلت بها”، والّتي تكشف، بهذا القدر أو ذاك، عن طريقة التّفكير فيها، أي اللاشعور الّذي يؤسس التّفكير.
تتقاطع مختلف التعاريف في القول أنّ النّظريّة هي جملة من المفاهيم، والتعريفات، والاقتراحات المتداخلة الّتي تعرض رؤية للظواهر، سواء كانت نسقيّة، أو جدليّة أو سببيّة، بإبراز العلاقة بين المتغيرات أو المؤشرات من أجل التحليل والشرح والتنبؤ بتطور الظواهر [38]أو تأويلها. فالنّظريّة هي مسار من التأويل، في أخر المطاف. والمفاهيم الّتي “يشتغل بها” الباحث وتمكّنه من تحديد استراتيجيته البحثيّة تسمى” المفاهيم النّسقيّة”، الّتي تساهم في تحديد تموقعه الابستمولوجي، وفي تحديد طبيعة الأسئلة والفرضيات الّتي ينطلق منها والأدوات التي يسخرها لذلك؛ أي استراتيجيته البحثية.
تكاد الدراسات الكميّة الّتي قامت بتحليل الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة تتفق على أن أكثر من نصف هذه البحوث بقليل لم يوظف أي إطار نظري، وأن نسبة تلك الّتي وظفت نظريّة أو أكثر تتراوح ما بين 20 و34%، وما تبقى منها، أي ما بين 30و16%[39]، أوردت النّظريّة من باب الذكر فقط. وهذا يعني عمليًّا أن نصف هذه الدراسات، أو أقل بقليل، لم يستعن بأي إطار نظري سواء عن قصد أو سهوًا! إنّ التفسير الذي قدم لهذا الأمر يحمل قدرا من التبرير كالقول مثلا أن النّظريّات الّتي تدرس وسائل الإعلام التقليديّة أو الميديا الاجتماعيّة ذات منشأ غربي أو أنها تنتمي إلى حقول معرفيّة، مثل علمي النفس والاجتماع، يصعب على الباحثين تطبيقها في الدراسات الإعلاميّة! أو أن البحوث تكتفي في الغالب بالمفاهيم وتختبر فرضياتها دون الاستعانة بأي نظريّة.[40]
بالفعل، يمكن أن نستشف من النسب المذكورة صعوبة توظيف الأطر النّظريّة لدراسة وسائل الإعلام التقليديّة أو الميديا الاجتماعيّة، وقد يعبر عنها بعض الطلبة بشكل مباشر وواضح عبر السؤال التالي: كيف أنزّل النّظريّة على موضوع بحثي؟ إن سبب هذه الصعوبة يعود في اعتقادنا إلى عدم فهم ماهية النّظريّة ودورها في البحث العلمي، وعدم إدراك مكانة المفاهيم في بناء موضوع البحث الّذي يعني إحالته إلى التخصص المعرفي؛ أيّ إلى علوم الإعلام والاتصال، والتشكيك في المظاهر الّتي يكتسيها هذا الموضوع كما تبرزها الممارسات المؤسساتيّة والاجتماعيّة بصفة عامة[41].هذا إضافة إلى أن المفاهيم تحدّد الأبعاد الإجرائية في البحث.
إنّ الكثير من البحوث في عيّنة دراستنا هذه، الّتي استخدمت الأطر النّظريّة، استعانت بتلك الّتي ارتبطت بدراسة وسائل الإعلام التقليديّة.[42] واعتمدت على أبرز المفاهيم النّسقيّة، مثل التأثير والأدوار والاستخدام من منظور وظيفي. فلم تتريث لتحديد محتواها بكل دقّة. بل اتجهت رأسا إلى اسقاط وظائف وسائل الإعلام التقليدية) الصحف، المجلات، الإذاعة، والتلفزيون(؛ أي الإخبار، والتثقيف والتعليم، وتكوين الاتجاهات، والترفيه على “الميديا الاجتماعيّة”. وبهذا ساوت بين وسائل ذات قيادة مركزية تنتج مواد إعلامية إلى جمهور، ومنصّات لا تنتج أي محتوى، بل تقوم بتوزيع ما ينتجه مستخدموها ويساهمون به.
يتم في غالب الأحيان القفز على مفهومي الأثر والتأثير في بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربيّة، التي ترى، ضمنيًّا، أنهما يتمتعان بقدر كبير من الوضوح، وغنيان عن كل تعريف لأن معناهما يحظى باتفاق واسع. أو يتم تعريفهما في بعض الأحيان بشكل بسيط ومبسط، كالقول عن التأثير إنّه” التغيرات الإيجابيّة والسلبيّة التي تطرأ على أفكار ومعتقدات ومعارف وسلوك ومشاعر الأفراد ضمن الإطار الاجتماعي والثقافي الذي يعيشون فيه”[43]، أو “التغيير الذي طرأ على مستقبل الرسالة الإعلاميّة فقد تلفت انتباهه ويدركها. وتضيف إلى رصيده المعرفي معلومات جديدة. وقد تجعله يكون اتجاهات جديدة أو يعدّل القديمة. وقد تجعله يتصرف بطريقة جديدة أو يعدّل سلوكه السابق”.[44]وغيرها من التعريفات المستقاة من تراث دراسة تأثير وسائل الإعلام التقليديّة، التي قال عنها “إلياهو كاتز” Katz Elihu أنها قلصت مفهوم التأثر مبكرا إلى درجة أصبح لا يتعلق سوى بنجاح الرسائل الاقناعيّة التي تستهدف آراء الأشخاص في الآجال القصيرة.[45] و ينتهي مفهوم التأثير في بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة بتأكيد الأحكام المسبقة ذات البعد النفسي التي تُختزل في تسهيل الاتصال، والعزلة، والاغتراب، والإدمان، وتغيير القيم، بشكل يفصل العلاقة بين المستخدم والعُدّة التّقنيّة عن سياقها الاجتماعي والثقافي بحيث يصبح التأثير مطابقا للاستخدام، أو نتيجة ضرورية وملازمة له.
لم تقم جلّ هذه البحوث بتعريف الاستخدام، بل تعاملت معه كمرادف للاستعمال كما يراه البراديغم الوظيفي، والذي جسدته نظرية الاستخدامات والاشباعات واختزلته في البعد النفسي، وقاستهّ بمؤشرات كمية، مثل: أقدمية الاستخدام، ومدته، ومكان الاستخدام، وسيلة الاستخدام، لغة الاستخدام، ودوافع الاستخدام.[46]
لسنا ندري كيف استطاعت بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية التوفيق بين التأثير ونظرية الاستخدامات والإشباعات؟ فالكلّ يدرك أن نظريات التأثير تنطلق من فرضية: ماذا تفعل وسائل الإعلام بالجمهور؟ بينما تطعن نظرية الاستخدامات والإشباعات في مركزية وسيلة الإعلام وتأثيرها انطلاقا من فرضيتها المركزيّة: ماذا يفعل الجمهور بوسائل الإعلام؟ هذا على الصعيد النظري، أما على الصعيد الأمبريقي فقد سقط الكثير من البحوث التي استندت إلى نظرية الاستخدامات والإشباعات إلى تناقض واضح من حيث لا يدري. يؤكد على أن هذه الميديا لم تقم سوى بما يجب أن تقوم به؛ أي تلبية حاجات مستخدميها. وبهذا يمنح مشروعيّة للمحتويات الّتي تنتجها وتنشرها أو تبثّها. ويحمّلها في الوقت ذاته المسؤولية على الانحرافات الاجتماعيّة والأخلاقيّة، فيعزّز الخطاب التّنديديّ بها وبمحتوياتها. ويؤكد أن هذه الوسيلة تهدر وقت مستخدميها، من جهة. ويبرهن، من جهة أخرى، على أن إشباع حاجاتهم يزداد بتزايد الوقت الّذي يصرفونه في استخدامها![47]
لقد تراجعت الرؤية النمطيّة والمعياريّة للاستخدام في ثمانيات القرن الماضي، مع ظهور المبتكرات التكنولوجية في عالم الاتصال. وأصبح الحديث عن الاستخدام بصيغة الجمع. واكتسب معان جديدة في ظل البراديغم البنائي والتأويلي، واتسم بنوع من التعقّد الذي يخرجه من سجل البديهيات ليضعه في قلب الإشكاليات. فاستخدامات مادة طبيعية أو رمزية لأعراض محددة، هو التأكيد على دلالات ثقافيّة معقّدة في سلوك الحياة اليومية، وفهمها يقتضي عدم النظر إليها باعتبارها فعلا فرديا وفق ما ذهب إليه البراديغم الوظيفي. إن الاستخدامات ذات بعد اجتماعي لكونها ” أنماطا من استخدامات الأفراد أو جماعات من الأفراد ) طبقة، شريحة، فئات( ، التي استقرت إلى حد ما خلال فترة تاريخية طويلة على نطاق اجتماعي أوسع ) مجموعات، جماعات، مجتمعات، حضارات(“.[48]وهذا يتطلب الأخذ بعين الاعتبار مجموعات المستخدمين: الجماعات التأويلية، والمجموعات عبر الخط Online.[49] ومن الصعب دراسة الاستخدامات دون الاتكاء على المفاهيم النّسقيّة المرتبطة بها، مثل التمثل Representation، والتَمَلّك Appropriation الّذي يعتبر كمسار يُمكّن المستخدم من تجاوز الخصائص التّقنيّة لعُدّة التواصل[50]. ليس هذا فحسب، بل إنه أيضا فعل يشكل به المستخدم ذاته[51].
على الرغم من أن الكثير من بحوث الميديا الاجتماعيّة جعلت من التفاعليّة متغيرا أساسيّا في عناوينها إلا أنها لم تتوقف عند تعريفها، بل اعتبرتها تحصيل حاصل. ورأت أنها كامنة في العُدّة التّقنيّة أو في تعامل المستخدم مع العُدّة، وذَوَّبَتها في الاستعمال الذي يقاس بعدد السنوات، وعدد المرات في اليوم، ومدة الاستعمال[52]، مثلما ذكرنا أعلاه. وبهذا سدّت أبواب التّفكير في التفاعلية كمفهوم إشكالي عانى من قِلّة الوضوح وعدم الاستقرار منذ بضعة عقود. فمعناه يتغير بتغير الأطراف المتفاعلة. فما تركز عليه الأدبيات العلمية[53]من خصائص التفاعليّة يتبدل من تفاعل المرء مع العُدّة التّقنيّة، مرورا بتفاعل المرء مع نظرائه عبر هذه العدّة وخارجها، وصولا إلى تفاعل المرء مع المضامين المتداولة، مما يجعل القبض على معناها الشامل والممتد صعب المنال.
إنّ الكثير من البحوث في عيّنة دراستنا هذه التي استخدمت الأطر النّظريّة استعانت بتلك التي ارتبطت بدراسة وسائل الإعلام التقليديّة،[54] لكن جلّها لم يشغل مفاهيمها السياقية. فالدراسات التي استعانت بنظريّة الفضاء العمومي، على سبيل المثال، وشملتها عينتنا لم تبحث عن جذور مفهوم الفضاء العمومي، وترصد التطور التاريخي لدلالاته. ولم تستعن بمرجعياته الأساسية، بل اكتفت باقتباس التعاريف الثانوية التي تشوهه وتختزله في النقاش داخل الجماعات! وبهذا جردته من بعده السياسي التأسيسي، حملتّه قيمة أخلاقية. هذا ما يستشف، على سبيل إن الدراسات الّتي استعانت بالميديا الاجتماعية لفهم المجال العام في المنطقة العربيّة، وشملتها عيّنة هذه الدراسة. فجاءت لتأكد على قوة ودور هذه الميديا في بناء هذا المجال. ولم تبحث عن جذور هذا المفهوم وترصد التطور التاريخي لدلالاته. ولم تستعن بمرجعياته الأساسيّة، بل اكتفت باقتباس التعاريف من المصادر الثانويّة المترجمة في الغالب فشوّهته، واختزلته في مجرد وجود نقاش داخل الجماعات! وجردته في بعض الأحيان من بعده السياسي، مثل التعريف التالي: “ومفهوم المجال العام يشير إلى النقاش المفتوح بين أعضاء جماعة بشأن اهتماماتها المشتركة، وبذلك يُعدّ أحد المجالات في الحياة الاجتماعيّة والّتي تؤثر بدورها على البناء القيمي للفرد”.[55]
ولم توظف ما يرتبط بالمجال العام من مفاهيم نسقيّة وفق المنظور الهابرماسي، مثل التداول العمومي والعلني للحجةThe public use of Reason ، والطابع المداولاتي للنقاش العمومي، والفضاء الخاص، والمجتمع المدني كوسيط بين الدولة والمجتمع . ولم تتسأل عن مدى تلاءم هذه المفاهيم التي ظهرت في التنظير للمجال العام البرجوازي، مع سياق الاتصال السياسي في المجتمعات العربيّة المعاصرة. وبهذا حولت “المجال العام” إلى مفهوم إيديولوجي سواء حظي بالاحتفاء أو التنديد. والدليل أنها لم تلتفت، إلا ما ندر، إلى المقاربات المابعد هابرماسية، مثل المجال العام المعارض، والبديل، والشعبي. ولم تستفد من المكتسبات العلمية التي رسخها الدّرس المعاصر في الاتصال السياسيّ، مثل تشذر المجال العام الرقميّ، ومرؤويته، والحق في الاعتراف، وغيرها من المفاهيم التي تأخذ بعين الاعتبار الخطابات المختلفة الّتي تستند إلى ” ثقافة العاطفة”[56] أو إلى الما بين الذاتيات التي تسري في الميديا الاجتماعيّة.
واعتبرت بعض البحوث التلقّي مجرد كلمة وليس مفهوما يثير الكثير من الإشكاليات في البيئة الرقمية[57]. لذا استغنت عن تشغيل مفاهيمه النّسقيّة، مثل الترميز، وفك الترميز، والتأويل، ومفهوم الصيد غير الشرعي الّذي صاغه الباحث “ميشال دو سرتو.
إن غلبة مقاربات التأثير في بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية تكشف عن محدودية ما يجب أن نعرفه عن هذه الميديا في المجتمعات العربية، خاصة وأن البيانات المتعلقة بمن يستخدم “الميديا الاجتماعية”) الجنس، العمر، المستوى التعليمي، المهن (في هذا البلد العربي أو ذاك، وأنواع الميديا الاجتماعية الأكثر استخدام؟ وأين يجري الاستخدام؟ ومتى يتم الاستخدام؟ ولغة الاستخدام؟ أصبحت في متناول الجميع بأقل جهد بفضل محركات البحث، والمواقع المتخصصة في شبكة الانترنت. هذا علاوة على أن بعض الانشغالات المعرفية التي تعبر عنها الأسئلة المتعلقة بمكان الاستخدام وزمنه، التي شغلت مسؤولي البرمجة التلفزيونيّة، أصبحت عديمة الفائدة في دراسة الميديا الاجتماعيّة التي يمكن استخدامها في أي مكان وفي كل وقت.
مناقشة نتائج البحث:
تشير كثرة المفاهيم التي اتخذت كموضوع للبحث في الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية إلى أن كل باحث ” يخلق” مفهومه بقدر من العفويّة، ودون دراية برهاناته. حقيقة، لقد حاولت بعض البحوث أن تضبط معنى المفاهيم التي “اشتغلت عليها” مستعينة في ذلك بالتعريفات التي أصبحت راسخة في الدرّس الإعلامي، خاصة تعريف الباحثتين “دونا بويد” Danah Boyd، ونيكول إلسون Ellison Nicole لمواقع الشّبكات الاجتماعية لكنها ظلت ناقصة أو غامضة لعدم الدقة أو الأمانة في ترجمتها.[58] وبعضها تجاهل التراث المعرفي الذي رسخته بحوث الإعلام والاتصال في تعريفها لهذه المفاهيم، وكأنه غير موجود. لقد فعل ذلك ربما بنية تجاوزه، لكنّ دون نقده أو تعليل البديل الذي يقترحه إن اعتبرنا ما قدمه بديلا فعلا. [59]
يمكن ايعاز الخلط في المفاهيم التي “اشتغلت عليها” بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة إلى أن جلّ تعريفاتها تحيل إلى مفهومي الإعلام والاتصال أو التواصل. فتعاملت معهما كمرادفين دون حذر. فمفهوم الإعلام الّذي يتزامن أنطولوجيا مع الاتصال يملك قيمة معياريّة، ويحيل إلى فكرة الحقيقة، بينما يحيل الاتصال إلى فكرة التبادل، بمعنى أن الإعلام ينشد الحقيقة، والاتصال يروم إقامة علاقة. فوسيلة الإعلام الّتي تحتكم إلى منطق المؤسسة ومعياريّة المهنة تقوم على التوزيع: توزيع الأخبار والمعلومات، بينما يتطور الاتصال بالعلاقة الّتي يقيمها مع الغير. ومن هذا المنطلق حددّ دومنيك ولتن[60] صعوبات الاتصال مقارنة بالإعلام. فأشار إلى أن صعوبة الإعلام تكمن في صياغة المادة الإعلاميّة – المضمون، بينما تعود صعوبة الاتصال إلى تَعقّد الآخر الّذي نسعى إلى إقامة علاقة معه. ويوضح هذه الصعوبة بالقول “إنّ الاتصال الّذي ظلّ لمدة طويلة بمثابة عامل انفتاح وتقارب بين الأفكار والشعوب، يمكن أن يصبح سببًا للعداوة، وحتّى الكراهيّة. ففي العالم الّذي يتنقل فيه كل شيء بسرعة، يُسلط فيه الضوء على الاختلافات بحيث أن تحمّل الأخر، عندما يكون قريبًا ومرئيًّا، يصبح أكثر صعوبة من تحمّله عندما يكون بعيدًا وغير مرئيّ”.[61]
يصبح الاتصال، في بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربيّة، تحصيل حاصل، ولا يثير أي إشكال ولا يطرح أي صعوبة. وبصرف النظر عن القول إن الإعلام أصبح هو الأخر يعاني من صعوبات نتيجة تعدّد حوامله وتشذر جمهوره، وانفصال الأخبار عن الإعلام لأول مرة منذ قرون، يجب الإشارة إلى الخلط بين مفهومي الإعلام والاتصال في البحوث العربية. والذي ترتب عنه الاعتراف الضمنيّ بالتطابق بين وسيلة الإعلام التقليديّة: الإذاعة والتلفزيون، الّتي ترتكز على الإنتاج والتوزيع، والميديا الاجتماعيّة الّتي تروم التّنشئة الاجتماعيّة وتشكيل جماعات حول اهتمام معين أو مصلحة مشتركة. وقد انجر عن هذا التطابق على الصعيد البحثي استعمال العُدّة النّظريّة والمنهجيّة ذاتها لدراسة وسيلة الإعلام التقليديّة والميديا الاجتماعية دون أي تكييف أو تعديل. فمفهوم الميديا، المشتق منMedium ، يحيل إلى الوساطة Mediation، الّتي تُعدّ هي الأخرى، مفهوم محوريًّا في علم الاجتماع، أضحت مفتاحا نظريا أساسيًّا لفهم التحولات الّتي يعيشها قطاع الإعلام والاتصال نظرا لكونها ” حيز لإقامة العلاقات”[62].
إننا نعيش في عصر تزحزت فيه الحدود الفاصلة بين إنتاج المواد الإعلاميّة التقليديّة وتوزيعها. وتحرر الإعلام من القطبيّة الثنائية)منتج- مستهلك أو متلقي(. وبرزت هجانة الاستخدام: المستخدم/ الجمهور)القارئ والمستمع والمشاهد في الآن ذاته(. وتعدّدت طرق معالجة الإعلام واستعادته وتخزينه. وتراجعت سيطرة منتجي الإعلام على مسار إنتاجهم، إن لم تغب نهائيًا، لارتحال هذا الإنتاج من سياق اجتماعي وثقافي إلى أخر، وتداوله من قبل جماعات تأويلية مختلفة. ففي ظلّ كلّ هذه التحولات ” تبدو الوساطة كأكفأ مفهوم قادر على اجتياز كل هذه الحدود.[63] لذا يتضح بأن ترجمةNew Media بالإعلام الجديد في البحوث العربيّة غير صائبة لأن النقاش حول هذا المفهوم أماط اللثام عن المسكوت عنه في تعريفه، والّذي لخصه “مارتن لستر” وآخرون[64] في القول إنّ لفظ الجديد هنا يرزح تحت ثقل إيديولوجيّ نظرا لما يملكه من بريق وإثارة يوحيان بالأفضل والطليعي، ويعبر عن العصرنة والتقدم الّلذين تجلبهما التكنولوجيا. هذا فضلا عن كون صفة ” الجديد” تجانب التّحديد، إن لم تتضمن الحشو، إذ تدلّ على طائفة من الأشياء غير المتجانسة تضمّ أجهزة وتطبيقات وممارسات: ألعاب إلكترونية، عُدّة رقميّة )صحافة الانترنت، وتلفزيون تفاعلي، وهاتف ذكي( ومواقع في شبكة الانترنت، والتدوّين الرقميّ، وتبادل الملفات عبر تقنيّة الند للندP2P. لكن ما يثير الإشكال في البحوث عن الميديا في المنطقة العربيّة لا يكمن في صفة الجديد، بل في مفهوم الإعلام الّذي جعلته الترجمة إلى اللغة العربيّة جديدا. فما أصبح مقبولا لدى الدارسين [65]هو أن الجديد يكمن في العديد من المظاهر، منها: أشكال نصّيّة جديدة، وقوالب جديدة في السرد والتعبير، وعلاقة جديدة بين المنتج والمتلقي/ المستخدم، وطريقة جديدة في تنظيم الإنتاج الإعلامي والثقافي، وأشكال جديدة من الرقابة على المنتج، وعلاقة جديدة بين المستخدمين. وكل هذه المظاهر يعجز مفهوم “الإعلام” على استيعابها، ممّا يتطلب استعمال مفهومًا أخر أكفأ، مثل مفهوم الميديا الّذي نراه أنسب، إلا أن بعض الباحثين العرب يُصرّون على رفضه سواء بحجة الحفاظ عن نقاء اللّغة العربيّة أو لاعتقادهم أن الميديا – الوسيط- يعني المحتوى، أي الإعلام. وعلى هذا الأساس تمّت ترجمةSocial Media بالإعلام الاجتماعي!
تًبَسِّط بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية الكثير من المفاهيم وتجردها من أي خلاف أو اختلاف بحيث لا تطرح أي رهانات تتعلق بسياقات استخدامها ما عدا الخوف أو التخوف الأخلاقي من تأثيرها المفتعل، على الأطفال والشباب والمرأة باعتبارهم” قاصرين”. فغني عن القول إنّ مواقع الشّبكات الاجتماعيّة، هي بنية قاعديّة تقنيّة وتفاعلية، وغير ساكنة ومتنقلة الاستعمال، لكنها تتضمّن في الوقت ذاته الكثير من الغموض والمفارقات على مستوى الحرية، والسلطة، والمراقبة، والتضامن، والاقصاء والسبب في ذلك يعود حسب بعض الباحثين[66] لكونها أداة تغيير تثير في الغالب ردود فعل متباينة. لعل البعض يتذكر كيف أن رهانات مواقع الشّبكات الاجتماعية، على سبيل المثال، تغيرت عبر مسار استخداماتها في المنطقة العربيّة. لقد اكتسبت الطابع الأخلاقي قبل 2011 ، ثمّ الطابع السياسي بعد أحداث ما أصبح يُعرف بالربيع العربي، وأخيرا، الطابع الاتصالي والإعلامي بعد بروز هاجس الأخبار المزيّفة Fake News
إن التجارب الّتي عاشتها الجماعة العلميّة الأنجلوسكسونية حققت الاجماع على مفهوم الميديا الاجتماعيّة. والذي لم يولد من العدم بل شارك فيه العديد من الباحثين.[67] الذين جددوا قراءتهم للتحولات التكنولوجيّة والاجتماعيّة التي عاشها حقل الإعلام والاتصال. هذا ما تأكده الباحثتان “لوري ماك بيت” ) Lori McCay-Peet ( و”أنبال كين-هيس” Anabel Quan-Haase ) ( ، في رصدهما للمصطلحات الّتي استخدمت لدراسة الميديا الاجتماعيّة في البحوث الأنجلوسكسونية خلال الفترة الممتدة من 2003 إلى 2014. لقد لاحظتا أن مسمى مواقع التشبيك الاجتماعي Social Networking Sites”، و”الشّبكات الاجتماعيّة عبر الخط”Online Social Networks هيمنا خلال الفترة 2003-2009، ثمّ تراجعا في الفترة الموالية، من 2009 إلى2014، لصالح مسمى الميديا الاجتماعيّة دون أن يختفيا نهائيًّا، إذ اعتبرا كمكَوِّنين من مُكَوِّنات “الميديا الاجتماعيّة” الّتي ظلّت موضع نقاش وتفكير لتحديد معالمها.[68]
والإجماع على المسمى لا يعني الاتفاق على تعريف ” الميديا الاجتماعية التي ظلت موضع اجتهاد متعدّد بتعدّد زوايا النظر لتشخيصها[69]. فبعض الباحثين ينظرون إليها من زاوية آليات إنشاء المحتويات، ومنهم من ينظر إليها من زاوية قدارة العُدّة التّقنيّة الّتي تجسدها، والبعض الأخر يراها من خلال غايات وجودها. إنّه التعدّد الذي يكشف الصعوبات الكامنة في محاولة الربط بين بعديها الأساسيين: البعد التقنيّ الّذي يتطور ويتجدّد بإيقاع متسارع، والبعد الاجتماعي الّذي يعيش هو الآخر تحولا كبيرا تختلف تداعياته من فئة اجتماعيّة إلى أخرى، ومن بلد إلى أخر. ووراء البعدين يتستر الخطاب الأيديولوجي عن الميديا الاجتماعيّة.
تعتبر العلاقة بين البعدين التقنيّ والاجتماعي المعيار المركزي الّذي تصنف على أساسه مكونات الميديا الاجتماعيّة. وتستبعد بعض التطبيقات من خانة الميديا الاجتماعيّة، مثل تطبيق “الوكي” Wiki، على سبيل المثال، الّذي اخترع في1995، وعلى رأسه موسوعة الوكيبيديا[70] التي يعتبرها البعض اللبنة الأولى في صرح الميديا الاجتماعيّة. ويُفسر هذا الاستبعاد بأن هذه الموسوعة تركز على ما هو عمومي فقط، وتهمل ما هو خاص؛ بمعنى أنها لا تشترط من مستخدميها إنشاء بروفيلاتهم من أجل الاستفادة من خدماتها ليتفاعلوا مباشرة مع بعضهم[71]. ففتح حساب في هذه الموسوعة لا يعادل إنشاء بروفايل فيها وفق ما هو معروف في مواقع الشّبكات الاجتماعيّة، مثل الفيسبوك، وانستغرام.
شكلت العلاقة بين الاتصال الشخصي والعمومي مبحثا أساسيًّا في دراسة الميديا الكلاسيكيّة) نظريّة انتقال المعلومات عبر مرحلتين، ولولب الصمت وتشكيل الرأي العام(. وتثير في الميديا الراهنة الكثير من القضايا السّياسيّة والقانونيّة والأخلاقيّة، مثل الخصوصيّة في البيئة الرقميّة، والهوّية الرقميّة، والمجال العام الرقميّ.
إن مصطلح منصّة ذو تضمين تقنيّ لكنّه ذو خلفية سياسيّة. ابتكرته شركات الانترنت الكبرى من أجل الإفلات من اكراهات التشريعات التي يخضع لها المتعاملون في حقل الاتصالات.[72] إنّها لا تنتج محتوى، كما هو شأن وسائل الإعلام الكلاسيكيّة، مثل التلفزيون، والإذاعة، والصحف، بل تمكّن المستخدمين من تبادل ما ينتجونه، وتتولى تدويره. ويختلف نموذجها الاقتصادي عن نموذج الميديا التقليديّة لأنه يقوم على ما تجنيه من بيع ما تجمعه من آثار مستخدميها. وهذا يطرح السؤال المتعلق بالحدود المتاحة لاختيارات استخدامها، وطبيعة العلاقات الاجتماعيّة الّتي تنشأ في هذه الميديا وعبرها ضمن المتاح التي توفره الخوارزميات. وقد حاول بعض الباحثين، مثل كردون، وويار[73] تحليل منطق إدارة خوارزميات وتعليمات بعض مواقع الميديا الاجتماعية.
تشير كل التعريفات المقدمة لما أصطلح على تسميته ” بمواقع التواصل الاجتماعي” على أنها اجتماعيّة، مما أثار تحفظات بعض الباحثين، وحتىّ عدم ارتياحهم لهذه الصفة. فالباحثة “باباشاريزي” لم تخف انزعاجها من تواتر استخدام هذه الصفة، إذ تساءلت: هل توجد ميديا ذات طابع اجتماعي أقل من أخرى أو غير اجتماعيّة، حتىّ نضيف لها صفة اجتماعية؟ [74] بالفعل، إن هذه الصفة تمنح الشرط الأنطولوجي للميديا الاجتماعيّة، بيد أن المنصّات والتطبيقات الرقميّة تتباين في ابراز طابعها الاجتماعي[75]بمعنى أن كل ميديا تكون اجتماعيّة بطريقتها الخاصة. وهذا مبحث شائك جدًّا في ظل تدافع المنصّات الرقميّة وتنافسها بتناسخها.[76]وكان على بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة الغوص أكثر فيه؛ أي مساءلة خلفيات الاشتراك في هذا الموقع من مواقع الشّبكات الاجتماعية بدل ذاك. وكيف تبنى العلاقات الاجتماعية وتنمو داخل الشّبكات وبفضلها؟ عوضا عن الاكتفاء بتقديم احصائيات عن المشتركين في هذه المواقع.
خاض الكثير من الباحثين[77] في الكشف عن الفرق بين المفهومين: “الميديا الاجتماعيّة”، و” الشّبكات السوسيو رقمية”. إن الواقع الّذي يغطيه المفهوم الأول يشمل المواقع الّتي تلبي الاستخدامات الجماعيّة القائمة على اهتمام ومصلحة مخصوصة )انشغالات، ممارسات مشتركة، منافع مهنيّة ( وإنتاج المحتوى وتقاسمه ) شرائط الفيديو، نصوص، صور(، والبحث عن الشهرة واللقاءات العاطفية، بينما يغطي المصطلح الثاني، الّذي يتميّز بالجمع بين البعدين: التقني والاجتماعي، واقعًا أقل سعة من الميديا الاجتماعيّة لأنه لا يستند إلى اهتمام محدد أو مصلحة معينة، بل يقوم على التّنشئة الاجتماعيّة Sociability، من خلال التفاعلات الاجتماعيّة المختلفة بين الأصدقاء، وأفراد العائلة، والمعارف، لتبادل الأخبار عن حياتهم اليوميّة. وعلى هذا الأساس استبعد البعض مواقع اجتماعية محدّدة، مثل موقع تويتر، من خانة الشّبكات السوسيو رقميّة لكونه يجمع مستخدميه حول هدف واحد: اقتسام الأخبار، بعد جمعها وتصنيفها.[78]
إن النقاش العلمي لا يسلط الضوء على ما يعلن عنه كل مفهوم فحسب، بل يكشف أيضا عما يخفيه، وما يثيره من إشكاليات معرفية. فمفهوم الشّبكات Networks، على سبيل المثال، الّذي يحظى بحضور طاغ في العديد من التخصصات المعرفيّة، يكاد يحلّ محلّ النظام System، والبنية Structure في انتقاله من الواقع التقني إلى مجال الاستعارة، متسترا في ذلك على الفاعل في الشّبكات، ممّا يمنح شرعية لطرح السؤال التالي :”هل تتطابق مقولة الفاعل والشّبكات دائما إلى درجة لا يمكننا البتة أن نعرف إن كانت الشّبكات تُعَدّل بشكل صدفي، أو أن الفاعل هو الّذي يلعب دورا استراتيجيًّا في ذلك ويتلاعب بها”؟[79]إنّه السؤال الّذي لازالت “نظريّة الشّبكات والفاعل” تجتهد في الإجابة عنه لتتصدى إلى التعسف في استثمار استعارة الشّبكات المرتبطة بسياقات الاستخدامات. ففي المجتمعات الّتي تعاني من تفكك وتنافر اجتماعيين يوظف مفهوم الشّبكات ليقوم بدور الربط، ويطمر الفجوات الاجتماعيّة الناجمة عن هذا التفكك.[80]لكنّ كيف تمّ توظيف استعارة الشّبكات في دراسة الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة؟ وما هي كبريات المشاكل الّتي تصدت لها؟
لا تميّز المفاهيم المستخدمة في بحوث الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة بين مواقع الشّبكات الاجتماعيّة Social Network Sites وفق ما حدّدته الباحثتان دونا بويد، وإليسن نيكول[81]وبين الشّبكات الاجتماعيّة. ولم تنج حتّى بعض البحوث الأجنبيّة من هذا الخلط.[82]فالأولى هي جملة من الخدمات الّتي تتيح للمستخدمين بناء بورفايلاتهم العموميّة ونصف العموميّة داخل نظام، وتسمح لهم بإعداد قائمة من المستخدمين الّذين يُقِيمُون معهم علاقة: “الأصدقاء”، وتصفح قوائم ترابطاتهم؛ أي تلك الّتي أنشأها مستخدمون أخرون في النظام) أي رؤية قائمة أصدقاء الأصدقاء(. أما “الشّبكات الاجتماعيّة”، فهو مفهوم سيوسيولوجي قديم وُجد قبل ميلاد شبكة الانترنت للدلالة على مجموعة من الأشخاص الّذين تجمعهم علاقة الدم أو التعاون والانسجام أو المصلحة المشتركة، كأن نقول شبكة الأصدقاء الّتي تشكلت وتطورت خارج شبكة الانترنت.
ولردم الاختلاف بين المفهومين تضيف بعض البحوث العربيّة صفة الافتراضيّة للشبكات الاجتماعيّة، ممّا يطرح مسألتين نظريتين تختلفان عما وصل إليه مفهوم الافتراضية virtuality من تطويع في الأدبيات الأجنبيّة، لينتهي به المطاف إلى الدلالة على منظومة المعلوماتيّة ضمن مسار التبادل والمبادلات الآلية الّتي لا تشير إلى البشر ولا تحيل إليهم بالضرورة.[83]المسألة الأولى تتعلق بمعنى الافتراضي، إذا يُفهم بأنه مرادف الخياليّ، فيعرّفه البعض بأنه “يشمل مساحة خياليّة تشكل الكلمات والفيديوهات والصور الّتي تبهر المستخدمين إلى حد الشعور بواقعيتها”![84]وانطلاقا من هذا الفهم حاولت بعض البحوث استخراج البعد التغريبيّ في الميديا الاجتماعيّة[85] بالاستلهام من “دروس” تأثير التلفزيون والسينما على الجمهور، متناسية الفرق القائم بين وسائل الإعلام التقليديّة والميديا الاجتماعيّة. فالمحتويات المتداولة في الميديا الاجتماعيّة هي نتاج مستخدميها ولم “تعرض/ تفرض” عليهم من خارج الجماعة الّتي ينتمون إليها.
لقد تجاوز التّفكير في علوم الإعلام والاتصال الاعتقاد بأن الافتراضي هو خيالي ونقيض الواقعي. فالافتراضي ليس خيالي لكنه يختلف عن الواقعي في صفة الأنية والحالية، بل يذهب الباحث “وولغار ستيف” إلى حد التأكيد على أن ما هو افتراضي أكثر هو أكثر واقعية، وأن التكنولوجيا الافتراضية تكمل النشاطات الحقيقيّة والفعليّة ولا تعوضها [86]
والمسألة الثانية تعود إلى عدم اكتفاء مصطلح الافتراضي بذاته، بل يكون في الغالب تابعا، فيقال، واقع افتراضي، وجماعة افتراضية. فمفهوم الجماعة الافتراضيةVirtual Community لم ينج هو الآخر من اللُّبْس، إذ عرّفها البعض بأنها “منصّات اتصال إلكترونيّة تتيح الاتصال عن بعد باستخدام الحاسوب وشبكة الواب، وهذا من أجل محتوى عبر فضاء عام افتراضي يتيح لمستخدميه تبادل ومشاركة هذا المحتوى من أجل بناء وتشكيل رأي عام حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك”[87]
إن الاشكال الّذي يثيره هذا التعريف يطرح على مستويين، الأول عملي ويتمثل في التقليل من شأن البشر كفاعل أساسي في تشكيل هذه الجماعة إن لم يلغهم بتركيزه على المنصّة الرقميّة، بينما المطلوب هو وصف كيف يتحول الأفراد إلى جماعة Communauty في تواصلهم عبر الوسائط الرقميّة من خلال تبادل المعلومات والأخبار واقتسامها في الشّبكات الاجتماعيّة الرقميّة. أما الثاني فإنه ذو طبيعة نظريّة، ويتعلق بمفهوم الجماعة ذاته. فــالباحث “فرانك ربيار” ينبه إلى أن الحديث عن الجماعة الافتراضيّة يتناسى، في الغالب، ما أكّده الباحث “أندرسن بنديكت” بأنّ الجماعة كيان متخيّل.[88]وهذا لا يعني بتاتًا أنه خيالي أو لا وجود له في الواقع، بل إنّ كل فرد يملك تصورا عن جماعته. ووجود الجماعات الافتراضيّة كأشكال جديدة من العلاقات الاجتماعيّة في غياب اللقاء الفيزيائي لا يلغي بتاتًا القول بأنها متخيّلة. وهذا يفضي إلى التأكيد بأن مفهوم الجماعة الافتراضيّة لم يأت بالشيء الجديد الّذي يمكن اضافته لمفهوم الجماعة وفق منطق “بنديكت”، سوى ديناميكيّة التشكل وموضوعات الاهتمام، وعدد المنتمين لها.
ما يلفت الانتباه في دراسة الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربيّة أنها تقع على هامش الهواجس المعرفيّة التي تشتغل بال المحفل الأكاديمي العالمي، مثل الميديا الاجتماعية ومآل الخصوصية أو الحياة الخاصة. وكيف أصبحت مواقع الشّبكات الاجتماعية غير اجتماعية؟ والعلاقة بين الميديا الاجتماعية و” ظاهرة العربة” Bandwagon ” والتي تعني تأثير “الرأي العام” على ذاته من خلال تفضيل الأشخاص الانحياز إلى بالمواقف التي يعتقد أنها مواقف الأغلبيّة أو المواقف المهيمنة القائمة أو المنتظرة في المجتمع.[89] والميديا الاجتماعية و” غرفة الصدى” Echo chamber”، و” “الهموفيلي”Homophily، والتي تعني ميل المرء لكل من يشبهه ويتقاسم معه الأفكار والمعتقدات ذاتها، والاستقطاب السياسي. قد يقول قائل إن هواجسنا المعرفيّة في المنطقة العربية تختلف عن هذه الهواجس. وهذا الرأي لا يجانب الصواب، لكنّه يتجاهل أن هواجسنا تصب في انشغال مشترك، وهو ” سلطة الميديا الاجتماعية” التي أصبحت مثار جدل. ففي هذا الإطار تشير الباحثة الأمريكية دانا بوند [90] إلى هذا الانشغال المشترك، وتؤكد بأن انتشار الكراهية” و” الاستقطاب” في المجتمع هو دلالة عن وجود تفكك اجتماعي وغياب تواصل عميق وذي دلالة بين أفراد المجتمع. فالانقسامات هي اجتماعيّة قبل أن تكون تكنولوجيّة. فهذه الأخيرة ليست سوى انعكاسًا أو أنها تعزّز ظاهرة التفكك والانقسام.
تأسيسا على كل ما سبق يبدو أن القيمة المضافة التي قدمتها البحوث لمعرفة الميديا الاجتماعيّة في المنطقة العربية متواضعة جدا، وذلك ليس لكونها اعتمدت على أداتين أساسيتين لجمع البيانات، وهما: صحيفة الاستبيان، وتحليل المحتوى، وبدرجة أقل المقابلة، لبلوغ هذه المعرفة، فحسب، بل لاكتفائها بالمقاربات الوصفيّة. فمن المحتمل أن يكون الوصف في متناول الجميع لأنه يتطلب قدرا من الانتباه والتركيز والملاحظة فقط، حتى وإن لم يكن كاملا. إننا بحاجة ماسة إلى فهم ممارسات المستخدمين التي لا نملك القدرة على كشفها دون دراسة وتحليل وتأويل بالاستعانة بالنّظريّات ومفاهيمها النّسقيّة المؤهلة لذلك بعد تكييفها أو تجديدها في السياق الرقمي، أو الاستعانة بالنّظريّة المتجذرة المستوحاة من خصوصيات الظاهرة المدروسة.
الخاتمة:
بيّنت أغلب بحوث الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية تبعيتها للخطاب الصحفي الذي استعارت منه مفاهيمه ومصطلحاته، فتبنت ترجمة مصطلح Social Media بمواقع التواصل الاجتماعي الرائج في الصحف العربية. إنها الترجمة التي تعني، بنصّها وفصّها، أن الاتصال الاجتماعيSocial Communication أصبح له مواقع ومنصّات في شبكة الانترنت. فالمعنى الحرفي لمفهوم الاتصال الاجتماعي، الّذي حظُي بقبول أجيال من الباحثين قبل ظهور شبكة الانترنت وحتّى بعدها، يَدلّ على مجمل تقنيات الاتصال الّتي تروم التأثير على الأفراد من أجل تغيير تمثّلاتهم أو سلوكهم أو تعزيز تضامنهم.
وما سبق عرضه يبرز الملامح الكبرى للاتجاه المهيمن على بحوث الميديا الاجتماعيّة المنغمس في أمبريقية خالية من العمق الفكري والنقدي الكفيل بوضع هذه الميديا في قلب التحول الاجتماعي والثقافي في البلدان العربيّة. اتجاه مستغرق في الجدل المنهجي الشكلي، وسجين المؤشرات الإحصائية وعلاقتها الّتي لا تتعدى الحس المشترك Common Sense، بكل ما يحمله من امتثال. والذي يعمل على التسليم بما هي عليه الأشياء انطلاقا من مجموعة من المواقف والسلوكيات والمعتقدات الشعبيّة السائدة، أو القفز على واقع هذه الأشياء والحديث عما يجب أن تكون عليه من منظور المواقف والمعتقدات ذاتها.
إن الاستغناء عن المفاهيم النّسقيّة، الّتي تُنزّل موضوع البحث من عالم التجريد إلى الواقع الملموس، لا تساعد في فهم الجدوى من استخدام النّظريّة.
يقوم البحث الاجتماعي عادة بـ ” باقتطاع” الممارسات الاتصاليّة والإعلاميّة بما يسمح للباحثين بالكشف عن المعنى الاجتماعي لما يدرسونه من خلال عملية صياغة المفاهيم. وقد تساعدهم هذه الصياغة على الكشف عن أبعاد موضوعات الدراسة. فعلى سبيل المثال، لاحظ بعض الباحثين الأجانب أن المفاهيم الثلاثة التالية: المستخدمون، والاستخدامات، والتمثلات، مترابطة. فهي التي تحدّد ما يتعلق بميدان البحث) المستخدمين(، وبالبيانات )السلوك والخطابات التي تتيح النفاذ إلى التمثلات(، وبالتأويلات ) الاستخدامات([91]. ويبدو أن البحوث في المنطقة العربية تعاني من صعوبة القيام بهذا الاقتطاع لأنها سلخت المستخدم عن البيئة الاجتماعية والثقافية والإعلامية، وجعلت منه حالة فردية. وحشرته في علاقة أحادية مع ما اصطلحت على تسميته بمواقع التواصل الاجتماعي أو شبكات التواصل الاجتماعي، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو غيرها من المسميات. إنّها تعتبر الميديا الاجتماعيّة مجرد معطى تقنيّ يتحرك في الجسم الاجتماعي بقوّته المحايثة، ويتحدّد تأثيره ودوره انطلاقا من خصائصه التّقنيّة. وبهذا أعادت التّفكير في الميديا الاجتماعية إلى عشرينات القرن الماضي، عندما كان هاجس البحوث الاجتماعيّة يكمن في معرفة تأثير وسائل الإعلام. والكل يعلم أن هذا الهاجس تراجع بعد أن برهنت البحوث الأمبريقية على أن التأثير ليس بتلك القوّة المتخيّلة، وأن مدته محدودة جدًّا في ظلّ تأثير قادة الرأي، والعلاقات الاجتماعيّة على جمهور وسائل الإعلام. وهكذا انزاح الانشغال بالتأثير إلى دراسة الأدوار انطلاقا من سلطة “حراس البوابة الإعلاميّة”. وثم بدأ الاهتمام، في مطلع الثمانينات القرن الماضي، يتزايد بالاستخدامات الّتي منحت للفرد سلطة الاختيار والتدبير[92]الّتي كانت مغيّبة. وهكذا اتجه الباحثون إلى فهم ممارسات المستخدمين للتكنولوجيا أكثر من تحليل تأثيرها عليهم،[93]وإلى استكشاف المعاني الذي يمنحونها لاستخداماتهم.
ونتيجة للتركيز على العلاقة الأحادية المذكورة أعلاه تبلورت النّظرة التي تعتبر أن الميديا الاجتماعيّة تشكل عالما ثانيا، إن لم يكن موازيا للعالم المادي العيني.
لا نعتقد بأن الإشكاليات التي ذكرناها أعلاه ستجد حلّها الجذريّ، بمجرد عقد لقاءات بين الأكاديميين، لتوحيد مسميات المفاهيم والمصطلحات في بحوثهم، على الرغم مما تكتسيه هذه اللقاءات من أهمية قصوى ومستعجلة. فالأمر يتطلب مراجعة تعريفاتها التي تعبر عن تمثّلها للعدّة التّقنيّة. ويفرض تبني تعدّدية المقاربات النّظريّة والمنهجية التي تنطلق من الاقتناع بأن ” الميديا الاجتماعيّة لا تنفصل عنا، ولا نعيش معها، بل في داخلها”.[94]وهذا يعني النظر إليها كممارسة Practice،[95] ضمن جملة من الممارسات الاجتماعية اليوميّة؛ أي الانتقال من تحليل المحتوى والتحليل السيمائي للمحتويات والنصوص الّتي يتداولها المستخدمون إلى دراسة أفعالهم وإشاراتهم. ليس من خلال صحيفة الاستبيان فقط، بل أيضا بواسطة الترسانة المنهجيّة التي رسختها البحوث الكيفيّة التي تروم بلوغ معان ما يقومون به. وذلك لتجاوز منطق الحتميتين: التكنولوجية والاجتماعيّة، والانفلات من التركيز الشديد على علاقة المستخدم الضيقة بالميديا ودراستها في سياق أرحب: البيئة الاجتماعية والثقافيّة والسياسيّة.
أخيرا، يمكن القول إن التهاون في توظيف المفاهيم والتخلي عن الصرامة والدقة في تشغيلها أو الاشتغال عليها، هو أقصر طريق لتمييع علوم الإعلام والاتصال في المنطقة العربيّة.
المراجع:
[1] – أنظر البحث الذي أجري على عينة قوامها 57 أستاذا من أقسام الإعلام والاتصال في جامعات عربية شملت 12 بلدا عربيا، وبينت أن 44% من أفراد العينة يرون أن مفهوم الإعلام الجديد هو المفهوم السائد في الدراسات الإعلامية، بينما يرى 26% أن مفهوم الإعلام الرقمي هو السائد، ويرى 19% أن مفهوم الإعلام الإلكتروني هو السائد، فيما يرى 11% أن مفهوم الإعلام البديل هو السائد.
عبد الكريم علي الدبيسي، إبراهيم فؤاد الخصاونة: الإعلام الرقمي: إشكالية المفهوم وتحديد الوسائل في الدراسات الإعلامية، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلّد74، العدد1،2022، ص 944-961
[2] – في دراسة عبد الوهاب بوخنوفة: “بحوث مواقع الشّبكات الاجتماعية في المنطقة العربية: دراسة تحليلية من المستوى الثاني لأطرها النّظريّة، والمفاهيمية، والمنهجية”، مجلة الاتصال والتنمية، العدد 33، أب، أغسطس، 2022 ص 22- 39 قدر عددها بــ 12مفهوما.
-[3] أنظر على سبيل المثال. مها عبد المجيد صلاح : الإشكاليات المنهجية في دراسة تطبيقات الإعلام الاجتماعي- رؤية تحليلية، المجلة العربية للإعلام، العدد 15، مايو 2016 ص 91-142
[4] – محمود فوزي محمد خضر: توظيف شبكات التواصل الإلكتروني كرأسمال اجتماعي، دراسة ميدانية على عينة من ذوي الاحتياجات الخاصة. مجلة بحوث، العدد 5 ، مايو2021 ، ص 53-84
[5] – أنظر على سبيل المثال: مها عبد المجيد صلاح، مرجع سابق
[6] – أنظر على سبيل المثال:
أسعد بن ناصر بن سعيد الحسين: أثر وسائل التواصل الاجتماعي على سلوکيات وقيم الشباب من منظور التربية الإسلامية، كلية التربية، جامعة الأزهر، العدد: (١٦٩ الجزء الثالث) يوليو لسنة 2016، ص 325
[7] – E. Stapley, S. O’Keeffe, and N. Midgley: Essentials of Ideal-Type Analysis: A Qualitative Approach to Constructing Typologies , the American Psychological Association. Accessed February 2, 2022, https://doi.org/10.1037/0000235-001
[8] – Crossman, Ashley. “What Is an Ideal Type?” ThoughtCo, Apr. 6, 2021. Accessed February 2thoughtco.com/what-is-an-ideal-type-3026354
[9] – للاطلاع على الباحثين الذين يدافعون على هذه الفكرة أنظر:
Stapley, E., O’Keeffe, S. & Midgley, N: Developing typologies in qualitative research: The use of ideal-type analysis. International Journal of Qualitative Methods, Volume 21: 1–9 Accessed February 3 , 2022. Doi: 10.1177/16094069221100633
[10] – Harvey, L., Social Research Glossary, Quality Research International, 22-2012 Accessed February 4, 2022https://www.qualityresearchinternational.com/socialresearch/idealtypes.htm
[11] – نقلا عن:
Emily Stapley, Sally O’Keeffe, and Nick Midgley: Developing Typologies, op cit
[12] – نشكر د. عبد الوهاب بوخنوفة الذي زودنا بمجموعة كبيرة من البحوث من أرشيف ذار المنظومة.
[13] – https://www.asjp.cerist.dz
[14] – https://journals.ekb.eg
[16] – قدر عبد الوهاب بخنوفة نسبة تواتره بـ 88% في عينة من البحوث حول مواقع الشّبكات الاجتماعية في المنطقة العربية، قوامها 191 بحثا. – مرجع سابق.
Emily Stapley, Sally O’Keeffe Nick Midgley, op cit
[18]– Louis-Claude Paquin Méthodologie de la recherche-création (2007). Accessed February 20,2022 from https://cutt.ly/iHPzKpL
[19] ناشميا شاقا، داقيد فرانكفورت: طرائق البحث في العلوم الاجتماعية ، ترجمة ليلي الطويل، سوريا، بترا للنشر والتوزيع، 2004( ص 40
[20] Cossutta Frederic :Eléments pour la lecture des textes philosophiques (.France, Bordas, 1989) p 41.
[21] ناشميا شاڤا، داقيد فرانكفورت ص40
[22] – ناشميا شاڤا، داقيد فرانكفورت،
[23] – داليا مصطفى السواح: دور مواقع التواصل الإجتماعي في دعم مفهوم المساءلة الإجتماعية لدى الشباب الجامعي: دراسة ميدانية على عينة من الشباب المصري الجامعي في الجامعات الحكومية والخاصة، مجلة بحوث العلاقات العامة، الشرق الأوسط، العدد 23 السنة 2019، ص 161-223
[24] – سعود بن سهل القوس: دور وسائل التواصل الإجتماعي في تشكيل الوعي الإجتماعي: راسة ميدانية على عينة من الشباب السعودي بمنطقة الرياض المصدر: مجلة جامعة الفيوم للعلوم التربوية والنفسية، المجلد 10- العدد 1، 2018ص 1-65
[25] – محمد علي البطة: وسائل الإعلام الإلكتروني والتواصل الاجتماعي وآثارها الدينية والفکرية دراسة دعوية، مجلة كلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، المجلد 20، العدد 3، 2018، ص 1815-1882
[26] – حسن نياز الصيفي.. العوامل المؤثرة في اتجاهات المستهلكين نحو إعلانات الشّبكات الاجتماعية وعلاقتها باستجابتهم السلوكية. المجلة العربيّة للإعلام والاتصال العدد 17 مايو )2018(
[27] – محمود فوزي محمد خضر: توظيف شبكات التواصل الإلكتروني كرأسمال اجتماعي، دراسة ميدانية على عينة من ذوي الاحتياجات الخاصة. مجلة بحوث، العدد الخامس ، مايو ) 2021 (، ص 53-84
[28] – زهير عبد اللطيف عابد: استخدام الشباب الجامعي الفلسطيني للإعلانات الإلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي والاشباعات المتحققة منها، المجلة العلمية لبحوث العلاقات العامة والإعلان-العدد 6- أبريل 2016 ص 1-42
[29] – وفاء محمد أبو المعاطي صقر: المسؤولية الجنائية عن بث الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مجلة «روح القوانين-العدد الثالث والتسعون–يناير2021، ص 4- 142
[30] – محمد خليفة صديق، دعاة الإسلام المعاصرين في الوطن العربي وشبكات التواصل الاجتماعي. الواقع وآفاق المستقبل، لمجلة الجزائرية للدراسات الإنسانية، المجلد03/العـــدد:01(السنة2021)، ص36-63
[31] – مراد بومنقار: شهرزاد حواسنية، مجلة الأسرة والمجتمع، المجلد:07/العدد: 2019- 1 ص:31–48
[32] – مشتاق طالب فاضل: دور مواقع التواصل الاجتماعي في تكوين الرأي العام، المحلي 2014-2017، مجلة تكريت للعلوم السياسية، العدد 12- 2018، ص193- 231
[33] – تهاني أنور اسماعيل السريح منتظر محمد مغماس: دور مواقع التواصل الاجتماعي في الطلاق، مجلة كلية التربية، جامعة واسط، العدد 44- الجزء 1- أب، 2021
[34] – محسن يوسف هني، حنفي حيدر أهين، أحمد عبد الكافي: مقترح في إنتاج الصحف الإلكترونية المدرسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي على تنمية التفكير الإبداعي لدى تلاميذ المرحمة الإعدادية- مجلة البحوث في مجالات التربية النوعية- المجلد السادس العدد السابع والعشرينـ مارس2020، ص 1-36
[35] – أنظر :
– Thomas Stenger et Alexandre Coutant. Les médias sociaux : une histoire de participation Le Temps des médias, Vol 1N0 18 (2012) p76-86
[36] – أنظر مداخلة الصادق الحمامي التقديمية لأشغال المؤتمر الدولي ” الميديا الاجتماعية، السياسة، المجتمع، معهد الصحافة وعلوم الأخبار تونس، 30-31مارس- أذار- 2022- مداخلة غير منشورة.
[37] – أنظر:
– Thomas Stenger et Alexandre Coutant, op cit
– Andria Andriuzzi, Géraldine Michel : A conversation de marque : pratiques linguistiques sur les médias sociaux selon la théorie du face-work, Recherche et Applications en Marketing, Vol 36N01 (2021) Accessed February 1, 2022, DOI: 10.1177/0767370120962610
[38] – Kerlinger, F. N. & Lee, H. B quoted by Charles Kivunja: Distinguishing between Theory, Theoretical Framework, and Conceptual Framework: A Systematic Review of Lessons from the Field. International Journal of Higher Education Vol 7 No 6 -2018. Accessed January, 25,2022. DOI: https://doi.org/10.5430/ijhe.v7n6p44
[39] – عبد الوهاب بوخنوفة، مرجع سابق.
[40] عزة عبد العزيز عبد اللاه عثمان.الإشكاليات المنهجية لبحوث الإعلام الجديد في العالم العربي، دراسة من منظور تحليلي نقدي، جامعة القاهرة، كلية الاعلام،. ، المجلة المصرية لبحوث الاعلام، يونيو /جوان 2012
-[41] لعياضي نصر الدين: مناهج البحث في علوم الإعلام والاتصال في السياق الرقميّ: خِلاف واختلاف، مجلة لباب، قطر، العدد 14، مايو/ أيار) 2022(، ص 13- 63
[42] – نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر، نظرية الاستخدامات والإشباعات التي تحتل مكانة مهيمنة، والاعتماد على وسائل الإعلام، والفضاء العمومي، ونظرية انتشار المبتكرات المستحدثة، ونظرية إثراء الوسيلة الإعلاميّة، والغرس الثقافي، والتماس المعلومات، ونظرية التلقي، ونظرية بناء الأجندة، وحارس البوابة، وتأثير الشخص الثالث، ونظرية الحضور الاجتماعي، والنّظريّة الموحدة لقبول التّقنيّة واستخدامها Unified theory of acceptance and use of technology ، والتفاعلات الرمزية.
[43] – محمد سليم الزبون، ضيف االله عودة أبو صعيليك: الآثار الاجتماعية والثقافية لشبكات التواصل الاجتماعي على الأطفال في سن المراهقة في الأردن، المجلة الأردنية للعلوم الاجتماعية، المجلد7 العدد 2السنة 2014 ص 225- 251
[44] – نقلا عن رحيمة الطيب عيساني: استخدامات طلاب جامعة الشارقة، للأنترنت والهواتف النقالة وتأثيراتها على تواصلهم الاجتماعي، المجلة العربية للإعلام والاتصال، العدد 11، مايو 2014، ص 169-248
[45] – KATZ Elihu : A propos des médias et de leurs effets », dans COUTLEE Gilles et Lucien SFEZ (dir.), Technologies et symboliques de la communication, Actes du colloque de Cerisy (juin 1988), Grenoble : Presses universitaires de Grenoble , 1990, p. 274.
[46] – أنظر على سبيل المثال، وليس الحصر : وديع محمد العزعزي : استخدامات الشباب الجامعي لشبكات التواصل الاجتماعي، فيسبوك، دراسة مسحية على أربع جامعات عربية. المجلة العربية للإعلام والاتصال، العدد 14- نوفمبر 2015 ص 79-134
[47] – لعياضي نصر الدين: التّفكير في عدّة التّفكير: مراجعة نقدية لنظرية الاستخدامات والإشباعات في البيئة الرقمية، مركز الجزيرة للدراسات، ديسمبر/كانون الأول، 2020، ص 1-14
[48] – Jouët Josiane. « Retour critique sur la sociologie des usages », Réseaux, 100, 2000, p. 487-521
[49] – Serge Proulx: Penser les usages des technologies de l’information et de la communication aujourd’hui: enjeux – modèles – tendances in Lise Vieira et Nathalie Pinède (dir): Enjeux et usages des TIC: aspects sociaux et culturels, Tome 1, Presses universitaires de Bordeaux, Bordeaux, 2005, p. 7-20
[50] – Paquienséguy Françoise. L’usage au fil des Tic Une genèse à raviver pour mieux le repenser? Interfaces Numeriques Vol 3 No 6 ( 2017) p 464-481.Acceced February, 6,2022.from doi:10.25965/interfaces-numeriques.2621.hal-01756058
[51] – Jouët Josiane, op cit
[52]– أنظر على سبيل المثال: رحيمة عيساني، أشكال التفاعلية لدى مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي من الشباب العربي، المجلة العربية للإعلام والاتصال، عدد 15- مايو 2016، ص 11-90
[53] – Yuping, and L.J. Shrum. “What Is Interactivity and Is It Always Such a Good Thing? Implications of Definition, Person, and Situation for the Influence of Interactivity on Advertising Effectiveness.” Journal of Advertising 31, no. 4 (December,2002) p 53–64. Accessed February, 12, 2022. DOI:10.1080/00913367.2002.10673685
[54] – نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر، نظرية الاستخدامات والإشباعات التي تحتل مكانة مهيمنة، والاعتماد على وسائل الإعلام، والفضاء العمومي، ونظرية انتشار المبتكرات المستحدثة، ونظرية إثراء الوسيلة الإعلاميّة، والغرس الثقافي، والتماس المعلومات، ونظرية التلقي، ونظرية بناء الأجندة، وحارس البوابة، وتأثير الشخص الثالث، ونظرية الحضور الاجتماعي، والنّظريّة الموحدة لقبول التقنية واستخدامها Unified theory of acceptance and use of technology ، والتفاعلات الرمزية.
[55]– محمد بكر علاقة وسائل الاتصال الحديثة باعتراب الاجتماعي للشباب المصري. المجلة المصرية لبحوث الإعلام، كلية الإعلام، القاهرة، عدد26، جانفي-مارس ) 2006(
[56] – نصر الدين لعياضي فضاء عمومي أو مخيال إعلامي: مقاربة نظريّة لتمثَل التلفزيون في المنطقة العربية، حولية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، عدد 336، مجلد 31، يونيو 2011 ( ص 7- 125)
[57] – للاطلاع على بعضها يمكن العودة إلى: نصر الدين لعياضي، ماذا بقي من نظرية التلقّي لدراسة الميديا الرقميّة، مجلة الزهير للدراسات الاتصالية والإعلامية، المجلد 1، العدد 1 أيلول 2021، ص 19-54
[58] – أنظر التعريف الذي تقدم به محسن يوسف هني حنفي حيدر أهين، أحمد عبد الكافي لمواقع التواصل الاجتماعي المدرج في الجدول 2 والذي يقول أصحابه أنهم استقوه من تعريف الباحثتين المذكورتين لمواقع الشبكات الاجتماعية.
[59]– نذكر على سبيل المثال التعريف التالي للميديا الاجتماعية: “هي خطاب إعلامي متكامل، يتضمن مجموعة من العناصر الأساسية والّتي تتمثّل في: النّصّ، الصورة، الصوت، الرسوم المتحركة، الفيديو، بالإضافة إلى التّفاعليّة الّتي تتيح للملتقّي فرصة إبداء رأيه في المحتوى. وعند إضافة مرونة الاستعمال تتحول هذه الوسائط إلى وسائط فائقة Hypermédia”.
وردية راشدي. الانزياحات الدلالية للغة الإعلاميّة المتداولة عبر الميديا الاجتماعية دراسة تحليلية سيميائية لعينة من الخطابات. مجلة اللغة العربيّة وآدابها، المجلد1 العدد 8جوان/ يونيو ) 2020(، ص 205-228
[60] – ولتن دومنيك.. الإعلام ليس اتصالا )لبنان، دار الفارابي،2012 (ص 23
[61]-Wolton Dominique : Les fausses promesses de la « société internet » Sortir de la communication médiatisée – monde diplomatique- Juin (1999
[62]-Meunier Dominique, « La médiation comme lieu de relationnalité » Questions de communication, No11(2007) P 323-340
[63]– Lievrouw Leah A: New media, mediation, and communication study, Information, Communication & Society, Vol 12 N0 3 (2009) p 303-325. Accessed January, 24,2002 .DOI: 10.1080/13691180802660651
[64]– Martin Lister, Jon Dovey, Seth Giddings: New Media: a critical introduction Second Edition (USA, Routledge, 2009) P11-12
[65]– Martin Lister, Jon Dovey Seth Giddings, p13
[66] – Jeremy Harris, Lipschultz : Social Media Communication Concepts, Practices, Data, Law and Ethics Second Edition Taylor & Francis 2018, p26
[67] – أنظر:
– Aurélie Girarad : Réseaux Sociaux Numériques . Revue de littérature et perspectives de recherche , France, Accessed January 15,2022 from : https://cutt.ly/THA1Uws
[68]– Lori McCay-Peet and Anabel Quan-Haase :What is Social Media and What Questions Can Social Media Research Help Us Answer? In Luke Sloan and Anabel Quan-Haase, The SAGE Handbook of Social Media Research Methods – ( UK, SAGE Publications Ltd, , 2017 )
[69] – أنظر بعض التعريفات الواردة في:
Lori McCay-Peet and Anabel Quan-Haase :What is Social Media and What Questions Can Social Media Research Help Us Answer? In Luke Sloan and Anabel Quan-Haase, The SAGE Handbook of Social Media Research Methods –SAGE Publications ,2017, p16
[70] – Varinder Taprial & Priya Kanwar, Understanding social media. (Denmark, Ventus Publishing ApS 2012), p 6
[71] – Graham Meikle: Social media Communication, Sharing and Visibility (USA, Routledge, 2016) p6
[72] – Gillespie, Tarleton, 2010, The Politics of ‘Platforms’ New Media & Society, n° 12/3, 2010. pp. 347-364- DOI: 10.1177/1461444809342738
[73] – أنظر على سبيل المثال،
-Dominique Cardon : A quoi rêvent les algorithmes, nos vies à l’heure des big data ; (France, le seuil, 2005) 96 pages
– Wiard, Victor ; Mercenier, Heidi ; Dufrasne, Marie et autres. « Ce qui est filtré, ce qu’on me propose » : Analyse exploratoire de l’influence des algorithmes de recommandation sur la formation des opinions des jeunes bruxellois. Digital Society Conférence (Rennes du 23/05/2019 au 24/05/2019). Accessed January, 25,2022 . http://hdl.handle.net/2078.3/217554
[74]– Zizi Papacharissi: We Have Always Been Social, Social Media + Society,Vol1No2, (2015). Accessed January, 26,2022 .DOI: 10.1177/2056305115581185
[75]– McCay-Peet. Lori , Quan-Haase Anabel, p15
[76] – نصر الدين لعياضي: مواقع الشّبكات الاجتماعية: التنافس بالتناسخ، تم الاطلاع بتاريخ 12 شباط / فبراير 2022 من الموقع: https://wordpress.com/page/nlayadi.com/89
[77] – أنظر:
Coutant, A. Les jeunes et les réseaux socio numériques : questions d’identités. Dans Thomas Stenger (dir) Digital natives. Culture, génération et consommation (Paris : EMS Editions, 2015) P149-184. Accessed January, 25,2022 . https://urlz.fr/hOqv
ويمكن الاطلاع على مختلف التعاريف بالرجوع إلى:
Thomas Stenger et Alexandre Coutant (dir.). Ces réseaux numériques dits sociaux.
Boyd, D Why youth (heart) social network sites: The role of networked publics in teenage social life. In Buckingham, Youth, Identity, and Digital Media (Cambridge: MIT Press 2008) pp.119-142.
[78]-Nawel Chaouni: Etude de réception transnationale d’une série télévisée et ses effets sur l’attractivité touristique d’une région rurale. Thèse de doctorat en Sciences de l’information et de la communication. Université Montpellier Paul Valéry, 2018
-[79] برنار مياج: الفكر الاتصالي، من التأسيس إلى منعطف الألفية الثالثة. ترجمة أحمد القصوار) المملكة المغربية، دار توبقال للنشر،2011 ( ص 58
[80]-Ouellet Maxime, Mondoux André and Marc Ménard Médias sociaux, idéologie invisible et réel : pour une dialectique, du concret . Revue tic&société , Vol 8 N01-2. P58-82 Accessed December 28,2021 from doi:10.4000/ticetsociete.1391
[81]-danah m. boyd, Nicole B Ellison , op cit
[82] – أنظر:
Rhee, L. and all: Social by definition: How users define social platforms and why it matters. Telematics and Informatics, Vol 59 (2021) Accessed February 16, 2022. https://doi.org/10.1016/j.tele.2020.101538
[83]– Proulx Serge : Les communautés virtuelles construisent-elles du lien sociale ? communication Colloque international « L’organisation média. Dispositifs médiatiques, sémiotiques et de médiations de l’organisation », Université Jean Moulin Lyon . (Novembre, 19-20,) 2004.
-[84] عبد العالي الديربي نقلا عن شيخي سارة: أزمة الهوية لدى المراهقين بين الافتراضي الواقعي. مجلة حقوق معرفية للعلوم الإنسانية،الجزائر، مجلد 2 عدد 3 ) 2021 (ص 138-149
[85] – أنظر على سبيل المثال:
محمد أحمد خليفة: استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لدى الشباب وعلاقته بالعزلة الاجتماعية والاغتراب النفسي لديهم، الفيس بوك أنموذجا، 2009، تم الاطلاع بتاريخ 5 يناير 2022 من الموقع: https://cutt.ly/lXtcTcX
خليل نزيهة: دور العالم الافتراضي في نشر مظاهر الاغتراب الاجتماعي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مجلة الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة بسكرة، المجلد 2، العدد 13، 2021، ص 433- 450
[86] – Woolgar Steve.. Virtual society? Technology, cyberbole, reality, ( UK, Oxford University Press 2002) p 17-18.
[87] – مبارك زودة.. بناء الرأي العام وتشكيله في المجتمعات الإفتراضية عبر مواقع الشّبكات الإجـــتماعية موقـعي الفايسبوك وتويتر أنموذجا– أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه علوم في علوم الإعلام والإتصال، جامعة باتنة، (2020-2021)
[88] -Rebillard Franck Le web 2.0en perspective, une analyse socio-économique de l’internet. (France, L’harmattan 2007) P 24
[89] -Rüdiger Schmitt-Beck : Bandwagon Effect in Wolfgang Donsbach. The international encyclopedia of communication, Blackwell Publishing, 2008, P308
[90] – نقلا عن:
Hubert Guillaud : Pour apaiser nos réseaux, il est temps de prendre soin de la construction du tissu social Accessed February 16, 2022. https://cutt.ly/RCLltdr
[91] – Joëlle Le marec : Ce que le « terrain » fait aux concepts : Vers une théorie des composites, Habilitation à diriger des recherches- – Université Paris 7- Cinéma, communication et information, Année universitaire 2001 – 2002 Accessed February 16, 2022 https://cutt.ly/lCL2zQl
[92] Charest Francine and Bédard François. Les racines communicationnelles du Web (Canada: Presses de l’Université du Québec 2009) p14
[93]– Proulx S. Breton.P : L’explosion de la communication à l’aube du XXIe siècle (Montréal: Boréal., 2002) p248
[94] – Deuze M.Media life. Media. Culture & Society، Vol 1No33 (2011) Accessed February 12, 2022 from doi:10.1177/0163443710386518
[95] – منهم
Nick Couldry Theorizing media as practice, Social Semiotics, Revue Vol14 No2 (2004)P 115-132, Accessed January 16, 2022 from https://doi.org/10.1080/1035033042000238295
Bolter David: Theory and Practice in New Media, in Gunnar liestol, and Andrew Morrison, and Terje Rasmussen, Digital Media Revisited Theoretical and Conceptual Innovation in Digital Domains, UK, The MIT Press, 2003 p 15-34
ما وراء الترفيه: الهويّة الخطابيّة والمسلسلات التلفزيونيّة
Beyond Entertainment: Discursive Identity and Soap Opera
نصر الدين لعياضي Nacer-Eddine Layadi
Abstract:
This study attempts to discuss the relationship between discursive identity and television soap operas. To this end, it has highlighted the difficulties encountered in defining the concept of identity, which has provoked much controversy, particularly in the light of the globalization of culture. For this reason, I reviewed some telenovelas; American and Turkish soap operas in order to reveal the discursive identity they convey. And I used empirical research that studied the forms of reception of soap operas across cultures, and the forms of negotiation carried out by the viewer in the Arab region, whose narratives, constitute a platform for discussion about his identity.
Key words
Identity; social identity; cultural identity; national identity; discursive identity, Saop Opera; reception; appropriation; logotherapy
ملخص:
تحاول هذه الدراسة أن تناقش العلاقة بين الهويّة الخطابيّة والمسلسلات التلفزيونية. ولأجل ذلك أبرزت الصعوبات التي واجهت تعريف مفهوم الهوية الذي أثار الكثير من الجدل، خاصة في ظل عولمة الثقافة. لقد استعرضت بعض المسلسلات التلفزيونية الأمريكية والتركية ومن أمريكا اللاتينية قصد الكشف عن الهوية الخطابية التي تنقلها. واستعانت ببعض البحوث الأمبريقية التي درست أشكال تلقّي المسلسلات عبر الثقافات، وأشكال التفاوض التي يجريها المشاهد في المنطقة العربية مع سرديتها التي تشكل أرضية للنقاش حول هويته.
الكلمات المفتاحية: الهويّة، الهويّة الوطنيّة، الهويّة الاجتماعيّة، الهويّة الثقافيّة، الهويّة الخطابيّة، المسلسل التلفزيونيّ، التلقّي، التملك، العلاج بالمعنى
المقدمة:
منذ أن انطلقت دراسة العلاقة بين وسائل الإعلام والهويّة في ثمانيات القرن الماضي والجدل قائم بين المنتمين إلى نظرية التبعية والمدرسة النقديّة، من جهة، الذين يؤمنون بأن المواد الإعلاميّة والثقافيّة المختلفة، التي تبثّ عبر مختلف وسائل الإعلام العالمية المسيطرة، تعمل على عولمة الثقافة وإحداث التجانس الثقافي بين الشعوب[1]. وبين من يعارضونهم من جهة أخرى، الذين يعتقدون بأنّ العولمة لا تؤدي إلى تنميط ثقافة شعوب العالم وصهرها في هويّة واحدة كونيّة، بل بالعكس، يرون أنها تشجع الانطواء على الذات الثقافية، وتعزّز التعبير عن الهويّات الوطنيّة، وأن المواد الثقافيّة تظل تحمل تمثلات لهويّات منفردة ) 2012 Boisvert, (.
وعلى الرغم من أن الحسم في هذا الجدل لا يتحقّق دون تقييم عملي للسياسات العموميّة الوطنيّة في المجال الثقافي، والكشف عن تطور أشكال الممارسة الثقافية المحليّة، إلاّ أن البعض فصل فيه انطلاقا من تصور جاهز لخصائص الوسيلة الإعلاميّة ومنتجاتها التي تملك قوة محايثة يمكن أن تُستشف من تحليل مضمونها فقط. ومن هذا التحليل يستنتج تمكّنها من تشكيل هوية المشاهدين المدمنين على ” استهلاكها”. وبهذا تصبح مسألة بناء الهويّة عملية آلية وتحصيل حاصل. هكذا، يضعنا هذا الجدل أمام الاختيار التالي: إما القبول بتعريف للهويّة كمعطى ساكن ومغلق على ذاته ومكتمل البناء أو في حالة هشّة وضعيفة تمسحها المواد الإعلاميّة والثقافيّة التي توزعها المؤسسات الإعلاميّة الدوليّة، وتعيد تشكيلها من جديد مثلما تشاء.
سنحاول أن نساهم في هذا الجدل انطلاقا من تصور مغاير للعلاقة بين وسائل الإعلام ومنتجاتها – المسلسلات التلفزيونيّة تحديدا. فلا ننظر للهويّة انطلاقا من وسائل الإعلام، بل ننظر لوسائل الإعلام من زاوية الهويّة) , 1987, P219-264 Schlesinger (، التي تتسم بقدر كبير من التركيب والتعقّد والتنوع. إن هذا التصور ينأى عن المسلمة التي تنص على أن المسلسلات التلفزيونيّة تبنى الهويّة الوطنيّة والثقافيّة لما تملكه من سحر وجاذبيّة. وهذه النظرة تدفعنا إلى قراءة الخطابات عن الهويّة كما تتجلى في المسلسلات التلفزيونيّة أو ما تسمى “الهويّة الخطابيّة” ) 2012 Boisvert, ( انطلاقا من هوية المتلقين. . ولأجل ذلك نرى ضرورة تجاوز المقاربة السياسو-أيديولوجية، التي أثرت على دراسة العلاقة بين وسائل الإعلام والهويّة، والاقتراب من منجز الدراسات ذات المنحى الانتربولوجي والثقافي التي تقرّ بأن فاعلية الهويّة الخطابيّة المتلفزة تتوقف على ثراء عملية التأويل والتفاوض؛ بمعنى أن المشاهدين لا يستلمون هذه المادة كاملة وبشكل متطابق مع ما يقصده منتجها وموزعها، بل يفاوضونها: يرفضون بعض السلوك والأفكار، ويتقبلون بعضها الأخر، بعد تأويله انطلاقا من هوياتهم الديناميكية، ويتملّكونه؛ أي يخضعونه لتصورهم لهويّاتهم، ويكيّفونه مع واقعهم.[2] إنه المنجز الذي يشق طريقه إلى دراسة الجمهور بمنأى عن الثنائيّة التبسيطيّة: جمهور ثوري في قراءته للخطاب الذي تتضمّنه المسلسلات التلفزيونيّة ومقاوم له أو ساذج، إن لم يكن بليدا، ينقاد بسهولة لهذا الخطاب ويعجز عن محاورته.
إذا، سنحاول الكشف عن أشكال بناء موضوع الهويّة في خطاب مسلسلات أمريكا اللاتينيّة والمسلسلات الأمريكيّة والتركيّة التلفزيونيّة على ضوء السياقات التاريخيّة والسياسيّة والاجتماعيّة لإنتاجها وتلقّيها.
في مفهوم الهويّة
لعل الهويّة من المفاهيم القليلة التي لا تدرك إلاّ في علاقتها بجملة من المفاهيم، مثل التاريخ، والذاكرة والأنا، والـ “نحن”، والغيرية، والوساطة Médiation ، والأمة، والإرث، والتمثّل، والجماعة، والمتخيّل الاجتماعي، والأصل والتواصل. لذا فإنها تنتمي إلى حقول معرفية مختلفة، مثل: الفلسفة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع والانتربولوجيا، والعلوم السياسيّة، وعلوم الإعلام والاتصال. لذا يقرّ الكثير من الباحثين والفلاسفة صعوبة تعرّيفها، إذ راح كل واحد منهم يعرّفها انطلاقا من الزاوية التي يطل منها عليها. فــ “جويل كاندو”، على سبيل المثال، ينظر إليها من زاوية علاقتها بالغيرية، ومن طابعها غير المكتمل، إذ يؤكد بأنها ” بناء اجتماعي في تغير دائم ينحو على نحو من الانحاء من حال إلى حال في إطار علاقة بالآخر) كانجو، 2009، ص 3). وعلى هذا الأساس نرى أنّ الهويّة هي ما يٌعرّف بنا، ويميّزنا عن الآخر. فالهويّة والغيرية مفهومان يحيل كلاهما إلى الأخر ( ,2009 Badie ). وينظر محمد عابد الجابري، من جهته، إلى الهوية من زوايا متعددة منها: الوعي والتاريخ والحاضر، إذ يرى ” بأنّها وعي يتحرك داخل التاريخ الذي لازال حيًّا في النفوس أو صار كذلك بعد طول غياب: يفعل فيها فعله، تستنجد به وتستلهمه كلما كان هناك شعور بالحاجة إلى ذلك” (الجابري، 2010).
يحيل هذا التعريف إلى جانبين أساسيين في الهويّة، الأول يتعلق بمسألة الوعي، بمعنى أن الهويّة ترتكز على معيار الانتماء الواعي إلى جماعة أو أمة أو وطن، وهذا خلافا للثقافة التي تدل على مسار من الاستبطان اللاشعوري للسلوكيات والتدابير. والتاني يتعلق بمسألة بارتباط الهويّة بالحاضر على الرغم من صلتها بالماضي الذي لا يريد أن يمضي، والقابع في الذاكرة “التي تعدّ، في أخر المطاف، إطارا أكثر مما هي محتوى، ورهانا جاهزا تكمن قيمته فيما نفعل به أكثر مما يتضمّنه (80 Nora, 1984, P).
والنزاع الذي شاب ويشوب حول الهوية في أكثر من منطقة في العالم لا يرتبط بالماضي في الغالب، بقدر ارتباطه بما يمثل هذا الماضي في الحاضر وما يهيئه للمستقبل. وهذا يفسر جزئيًّا تجدّد مفهوم الهوية عبر مساره التاريخي. ففي هذا الإطار يرى الباحث” هارلمبس وهولبورن (ص 95-96) .إنّ موقع المرء في السلم الاجتماعي هو الذي كان يحدّد هويّته في عصر ما قبل الحداثة وليس خصائصه الفرديّة، لكن مفهوم الهوية تغير بدءا من القرن 16 بعد رسوخ الاعتقاد بأنّ لكلّ فرد هويّته المنفردة والمتميزة عن غيره، ولا يمكن تجزئتها إلى وحدات صغرى. ومع مطلع القرن التاسع عشر، وفي ظل الثورة الصناعية وانتشار حركة العمران، لم يعد النظر إلى الفرد انطلاقا مما يميّزه عن الآخرين، بل ضمن ما يجمعه مع كتلة بشرية تداخلت العلاقات بين أفرادها واختلطت آرائهم ومعتقداتهم. فأمست هوية الفرد مرتبطة بطبقته الاجتماعية أو مهنته أو بأصوله. وبعد ظهور القوميات اتكأت الدولة-الأمة على الشعور بالانتماء إليها من أجل تعزيز التضامن بين أفرادها بصرف النظر عن مهنتهم وعرقهم ودينهم. واكتسب هذا الشعور التماسك والانتظام والاستمرارية الذي تتسم به الهويّة الوطنيّة أو القوميّة.
إذا، يتسم مفهوم الهويّة بالخصوبة والاتساع إلى درجة أنه يصعب حصر كل أبعاده. الصعوبة التي جعلت عالم الاجتماع “ماكس ويبر” يشكك في دقته، إذ أكد بأن ” الهويّة من وجه نظر سوسيولوجية ليست سوى الحالة التي عليها الأشياء، حالة نسبية وعائمة ” } نقلا عن (2004, p 234 Etienne et autre, ){
لم يتعرض مفهوم الهويّة عبر مساره التاريخي إلى الخلاف بالقدر الذي تعرض له في ظل العولمة وما واكبها من شعور بالخوف، المتفاوت بين الدول، على فقدان شخصيتها وخصوصيتها. الخوف الذي يبرره “ستيورت هول” بالقول: ” تميّزت المجتمعات الحديثة كثيرا بوجود الهويّات الجزئيّة، فلم يعد بوسع الناس امتلاك فكرة موحدة عن هويّتهم. إنّهم يمتلكون العديد من الهويّات التي تكون في أحيانا متعارضة وملتبسة } نقلا عن (وهولبورن، 2010، ص 97) {
يوحي هذا التعريف، ضمنيًّا، بعدم وجود هوية واحدة ووحيدة في المستقبل تتماهي فيها كل الشعوب والأمم فتخرج البشرية من وضع} ” الهوية – سجن” إلى الهويات السائلة” }.[3] وفق استعارة عالم الاجتماع زجمنت بومان؛ ونعتقد أن صفة السيولة ليست كناية عن بروز الهوية في البيئة الرقميّة، بقدر ما هي دلالة عن هشاشة الهويّات في عصر ما بعد الحداثة نتيجة لهشاشة الروابط الإنسانيّة.
بالفعل، إن الهويّة ليست معطى صلبا ومنغلقا على ذاته، بل مسارا من المزيج المتحول الذي يتجسد عبر أدوات اجتماعيّة وثقافيّة. وإن كان الفلاسفة يجنحون للحديث عن الهويّة بصفة مجردة وفي المطلق، فإنّ بقية التخصصات المعرفيّة لا تتطرق إليها إلا من خلال صفتها: الفرديّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة، والافتراضيّة، وأخيرا الخطابيّة.
فالهويّة الفرديّة هي ما يُمكّن الفرد من الوعي بذاته) بدنه، معارفه، آراءه ومعتقداته، ومواقفه، وسلوكه وقدراته( والتي يدركها، بهذا القدر أو ذاك، من الوضوح في الممارسة والاحتكاك بالغير؛ أي أنه يعي ما يشبّهه بالغير وما يميّزه عنهم. والوعي المتجدّد بالذات المتغيرة هو الذي حذا بميشال فوكو إلى القول: ” إن طريقتي في ألا أكون الشخص ذاته هي تحديدا الجزء الأكثر تفردا في الـ “أنا” التي أملكها } نقلا عن (2011, p 11 Perraton, ){ لكن تشكيل الهويّة الفرديّة يتم في إطار شعور مزدوج ومتعارض كما عبر عنه “باتريك شرودو”، المختص في تحليل الخطاب، بالقول: ” كل فرد بحاجة إلى الآخر المختلف للوعي بوجوده، لكنه يظل حذرا من هذا الآخر لأن “المختلف عن، يُعادل الأقل من” ، لذا يشعر بالحاجة إلى رفضه من جهة أو إلى جعله شبيها له من أجل إلغاء هذا الاختلاف واقصائه” Charaudeau,2009 ) (.
ومهما كانت صفة الهويّة، فإنها تبدو وكأنها مشروع شخصي يتحدّد دائما بعوامل خارجية، منها السياق الاجتماعي والثقافي، ويتجسد بالتفاعل مع الجماعة، فيكتسب طابعه الاجتماعي (Dyoniziak, 2017) . وهنا تكمن الصلة التي تربط الهويّة الفرديّة بالهويّة الاجتماعيّة التي تعرف ” بأنها بناء ذهني، بمعنى فضاء سيميائي تدرك فيها الوحدة الاجتماعيّة ذاتها وتدرك الآخرين، وتكون هي ذاتها جزءا من الكلّ الاجتماعي أو المجموعة” ( Dyoniziak , 2017 ).
إذا كانت الهوية الوطنية- القومية- والثقافية تشتركان في كونهما عبارة عن تمثل اجتماعي فإنّ حدودهما يختلفان، فالأولى تحيل إلى إقليم وحدود جغرافية. ودون الانصراف إلى شرح ” عبقرية المكان” يمكن القول إنّ المكان يملك أهمية كبرى في تحديد الهويّة إلى درجة أن العالم السيميائي “ولتر مينولو” جعل من ” أنا موجود في المكان الذي أفكر فيه” بديلا لمبدأ الكوجيتو الديكارتي ” أنا أفكر إذا أنا موجود” } نقلا عن (2019, p 51-66 Boudreau){. فالمكان من منظور بيار بورديو ليس حيزا فيزيائيا تتموضع فيه الأشياء والأعوان فحسب، بل موقع أيضا من وجهة نظر علائقية يحدّد الموضع والمكانة في نظام ما (Bourdieu,1993,p250 ).
وتحيل الهويّة الثانيّة إلى عالم رمزي يجسد القيم والاقتناعات والسلوكيات والتصورات التي تملكها مجموعة بشرية دون أن يكون لها ارتباطا محددا بإقليم معين تُشخص به. لكن يمكن للمرء أن يملك هويّة وطنيّة ذات معالم سياسيّة واضحة: دولة ذات سيادة على حدودها الإقليمية بحكومتها، وينتمي في الوقت ذاته إلى هوية ثقافية برموزها التي تتعدى حدود هذه الدولة. وهنا يتجلى تجزؤ الهويات إن لم يكن تراكمها وتعقّدها. فمرجعية الهوية الوطنية هي الأمة، التي هي في حقيقة الأمر بناء خطابي، يقول عنها ” بندكت أندرسن” ) 2009، ص 28 (بأنّها متخيّلة، يتصورها المرء فينتمي إليها دون أن يعرف أفرادها أو ينتسب إليهم برابط طبيعي- علاقة الدم- لكنه قادر على تخيّل الرابط الذي يجمعهم. ” وكونها متخيّلة لا يقلّل من انتمائه إليها، بل بالعكس ربما يضطره التخيّل أو تضطره ضرورة التخيّل إلى تقوية وشحذ هذا الانتماء بخيال أرفع وبوسائل أرقى”. ويؤكد بأنّ الأمة المتخيّلة لا تعني أنها خيالية ومنفصلة عن الواقع لأن تخيّلها يتم بأدوات واقعيّة.
وعلى الرغم من التجانس الظاهر الذي يميّز الهويّة الثقافيّة إلاّ أن هذا لا ينفي تنوعها. فحاملوها متعددون في النوع ) ذكور، وإناث(، وفي المهن، وفي الانتماء إلى طبقات اجتماعية، وفي المعتقد الديني، وفي الانتساب إلى الأوطان، مثل الهويّة العربيّة أو الأمريكية أو الهندية، أو متعددو اللغات والأعراق، مثل الهوية الإسلامية أو المسيحية أو البوذية.
يُعرّف البعض ، مثل “كريستان بواري” الهويّة ” بأنها حصيلة الخطاب الذي من خلاله نتمكن من بناء وحدة ذات مغزى لذاتنا وللجماعة التي ننتمى إليها. } نقلا عن (2012 Boisvert, ){.
تجدّد مفهوم الخطاب عبر التاريخ ولم يعد يقتصر على النشاط السيوسيو لساني الذي يتجسد في القول أو الرسالة أو نصّ أو مجموعة من النّصّوص فحسب، بل أصبح يشمل النظام المنتج لها. فالخطاب هو شكل من الفعل على الغير الذي يجاوز مستوى التمثلات وفق ما أكده فلاسفة اللغة، مثل جون روجرز سيرل، وجون لونغشو أوسن في ستينات القرن.
إذا، تأسيسا على كل ما سبق يمكن التأكيد، مرة أخرى، على الطابع المركب والمعقد للهويّة والذي يمكن أن نقترب منه على المستويين: الأفعال والممارسات التي يمكن أن نلاحظها في السلوك والتدابير اليومية) الهويّة الاجتماعيّة(، والخطاب الذي يحملها ) الهويّة الخطابيّة(، وقد شخّص باتريك شرودو) Charaudeau,2009 ( العلاقة بينهما بالقول أن الهويّة الخطابيّة تنشط الهويّة الاجتماعيّة تارة، وتحجبها طورا، وتزيحها من موقعها إلى موقع آخر في بعض الأحيان. ويرى أن ما يميّز الهويّة الخطابيّة يكمن في كونها نتاج الذات المتكلمة التي ترتهن للمصداقية، مثلما يرتهن إليها “الإيتوس”” Ethos.
الهويّة والتلفزيون:
دُرست الهوية وفق الأبعاد الأربعة التالية: الفرد، والجماعة، والمجتمع أو الوطن) خاصة بعد تصاعد حركات التحرر من ربق الاستعمار في ستينات القرن الماضي وسبعيناته( والكون. وغني عن التأكيد أن هاجس الهويّة احتد في بلدان أوربا الغربية بعد إقدام الكثير منها على إعادة التنظيم القانوني لقطاعها السمعي البصري، منذ ثمانينات القرن الماضي، وذلك لدواعي اقتصادية أكثر منها ثقافية، وما نجم عنه من تراجع في الخدمة العمومية في القطاع الإعلامي. وهذا ما أدى إلى تزايد الاهتمام السياسي والعلمي بموضوع الهوية في الفضاء الميدياتيكي ليشكل البعد الخامس.
يتجلى من خلال البعد الخامس أن الهوية هي مسار مبني ويُبنى في الوقت ذاته من خلال الخطابات التي تعزَز الوعي بالانتماء إلى ” الجماعة المتخيّلة”، وعبر أنماط التواصل المتوفرة في المجتمع، خاصة التلفزيون. لكن هل يشعر المشاهدون حقا بمساهمة التلفزيون في بناء هويّتهم؟ في إجابتهم عن السؤال التالي: ماذا فعلتم ليلة أمس؟ يتحدث الكثير منهم بنوع من تأنيب الضمير قائلين: لا شيء، لقد شاهدنا التلفزيون فقط، وكأن هذه المشاهدة هي مضيعة للوقت لا غير ) Gauntlett and Hill, 1999, p119 (. هل لهذه الإجابة علاقة بتأثيم الفرجة أو المتعة الراسخة في ثقافة بعض الشعوب؟
تعامل الباحثون الاجتماعيون، في أوروبا اللاتينية مع التلفزيون بالمنطق ذاته، إذا أدرجوه في خانة الثقافة” غير المشروعة” مقارنة بتلك المرتبطة بالنمط المكتوب الذي يعتبر ثقافة راقية[4]. وللتكفير عن هذا الذنب، قد يقول بعضهم تابعت الأخبار المتلفزة، للدلالة ضمّنيًّا على أهمية هذا النشاط. لذا تم التركيز علي الإعلام المتلفز الذي يجري في الواقع اليومي، ويتسم بطابع الجِدَّة أكثر من المواد الدرامية المتلفزة التي تجنح في الغالب إلى الخيال من أجل التسلية والترفيه. ويوفر الإعلام المتلفز للأشخاص ” شبكات قراءة متجانسة تسمح لهم بالحكم على الواقع انطلاقا من المرجعيات ذاتها. ويُنشط بشكل يومي الشعور بالانتماء إلى المجموعة”. (Monière، 2002).
إن الحكم على دونية المنتج التلفزيونيّ، والمسلسلات التلفزيونيّة تحديدا، لم يدم طويلا، إذ اكتشفت الباحثة فلورانس ديبو { نقلا عن ) ميغري، 2018، ص 287 ( } أن هذه المسلسلات لا تكفّ عن تكرار وتعديل سردياتها التي تعيد الصلة بالثَّقافة الشفهية. فلا شيء أقرب اليوم إلى بُنَى الأوديسة من مسلسل دالاس Dallas التلفزيوني، على سبيل المثال.
خطاب الهويّة في المسلسلات التلفزيونيّة:
I–التلينوفا[5] Telenovela: ترميم الذاكرة لمواجهة المستقبل
يتفق جلّ مؤرخي وسائل الإعلام على أن أصل المسلسلات التلفزيونيّة أمريكي. لقد ظهرت في ثلاثينات القرن الماضي، عبر البث الإذاعي بتمويل من صناع مواد التنظيف وتجارها، لذا سميت الأوبرا الصابونية Saop Opera . وكانت تستهدف ربات البيوت. وانتقلت إلى أمريكا اللاتينية في أربعينيات القرن ذاته، عبر كوبا، التي كانت تملك آنذاك أكبر عدد من أجهزة الراديو. وانتقلت هذه المسلسلات في البلد ذاته إلى التلفزيون في خمسينات القرن الماضي، ثم شرعت بقية بلدان أمريكيا اللاتينية ) المكسيك، وكولمبيا، وفنزويلا، والأرجنتين، والبرازيل( في اقتباس مسلسلاتها الإذاعية لبثّها عبر شاشة التلفزيون ) and Rêgo,2019, P135-150 Jedlowski ( ثم انتقلت إلى بقية بلدان العالم في افريقيا وأروبا وآسيا.
يختلف الناقد «تينر ميرليس) , 2013, p 203 Mirrlees ( مع هذا الرأي و يرى أن أصل “التلينوفلا” كوبي ، وأن صناعها توزعوا على بلدان أمريكا اللاتينية بعد الثورة الكوبية. ودليله على ذلك أن مخططها السردي يتسم بانغلاقه وبنهايته السعيدة ( Happy end ) ويشمل على ما بين 75 و150 حلقة لتتسنى مشاهدتها بشكل طقوسي. وهذا خلافا للبنية السردية للمسلسلات الأمريكية التي تكون نهايتها مفتوحة، ويتابعها المشاهد على فترة طويلة) استمر بث مسلسل البيت الصغير بين المروج Little House on the Prairie على على قناة NBC الأمريكية لمدة تسع سنوات! (. ولا تتوج المسلسلات الأمريكية بحل للنزاعات الدرامية التي تعرضها. وإن كانت ” التلينوفيلا” تشترك مع المسلسلات الأمريكية في بعض الموضوعات إلا أنها تتسم بالمزاح، والرومنسيّة) حكايات الحب بين أبناء الأثرياء والفقراء(، والقصص الميلودراميّة، وبالمخزون التاريخي الذي يؤطر المسلسلات البرازيليّة على وجه التحديد.
تعتبر “التلنوفيلا” أداة التعبير الفضلى في أمريكا اللاتينية التي تغلغلت في أوساط مختلف الفئات الشعبية مقارنة بالمسرح والسينما والرواية نظرا لارتفاع نسبة الأمية وانخفاض القدرة الشرائية لقطاع واسع من السكان. وبدأت تتجدّد بعد زوال الأنظمة الديكتاتورية لتلامس الواقع أكثر فأكثر بعد استعانتها بالروائيين المشهورين، أمثال الكاتب “ماريو بنديتي” من الأورغواي، و”خورخي يوسا” من البيرو وكل من “جورج أمادو”، و”غالسيانو رموس” من البرازيل. وساهمت في ترميم الذاكرة جراء الحكم الديكتاتوري، ومعالجة مخلفاته السياسيّة والاجتماعيّة الاقتصاديةّ في ظل الانتقال الديمقراطي، مثل الفساد والرشاوي في أوساط السياسيين واستغلال النفوذ ، ونشاط المافيا وتبيضها للأموال، الإدمان على الكحول والمخدرات، وتردي القطاع الصحي وتفشي الأمراض مثل الإيدز، والعنف في الحواضر وغيرها. ويستدل النقاد ) Araceli Ortiz et Asbel, 1999, p 43-45 ( على ذلك بالمسلسل الكولومبي ” La mujer del presidente ” ” زوجة الرئيس”، والمكسيكي ” Nada personal” ” لا شيء شخصي”، والفنزيويلي ” o restas calles” وعبر هذه الشوارع” الذي يحكي فيه عن سقوط رئيس مرتشي، والبرازيلي” O Salvador da Patria” ” يا منقذ الوطن”، الذي يعتقد أنه ساهم في فوز الرئيس “لويس إيناسيو لولا” في الانتخابات الرئاسيّة ، والمسلسل الأرجنتيني ” مونتي كريستو ” ) المقتبس من رواية الكاتب الفرنسي “ألكسندر دوما” الذي يحكي فصولا من الحب والثأر(.
قامت الباحثة ” إيميلي سيسياكا”) Sciacca, 2006 ( بالتحليل الخطاب اللساني لهذا المسلسل واستنتجت بأن إعادة بناء الذاكرة وتملّكها عملية شاقة ومؤلمة أحيانا تتطلب التذكر والنسيان الضروري في الوقت الذي تستعيد فيه الأرجنتين موقعها في الساحة الدولية. فالممثلون في هذا المسلسل لم يستطيعوا الانفلات من ذاكرتهم الثقافيّة، حسب هذه الباحثة، وخطابهم لا يعكس الواقع بقدر ما يقوم بنمذجته من خلال إنتاج إيديولوجيا تتجاوزهم، وذلك لأن الأيديولوجيا نظام من التأويل، وشكل من الالتزام السياسي الذي يميل إلى رؤية الواقع من وجهة نظر معينة وفق منظور واحد.) Etienne et autres, 2004, P278 (.
لقد جعلت السلطات العسكرية من وسائل الإعلام، وعلى ٍرأسها التلفزيون، أداة فاعلة للاندماج الوطني والانصهار الثقافي، فقدمت إعانات مالية للمواطنين لامتلاك أجهزة التلفزيون. ومارست الرقابة على الأخبار. ودفعت المسلسلات التلفزيونية لتبرز المجتمع منسجما ومندمجا واعتبرته شرطا أساسيّا لتماسك الأمة. لذا نجد أن المشاكل الاجتماعية والنفسية وحتّى السياسيّة التي تتناولها ” التلينوفيلا” ذات رهانات فردية أو عائلية، والتي يطل من خلالها المشاهد على العالم الذي يزداد تعقّدا. إنها لا تعالج مباشرة مشاكل التفاوت في توزيع الدخل بين مختلف شرائح المجتمع في بلدان أمريكا اللاتينية بل يستطيع المشاهدون إدراكها من خلال نمط معيشة الممثلين في المسلسل، وفي لغتهم ) Khor, 2017 (.
يتسأل لويز مرتينو ) ( 1997, p 169-175 : كيف نخترع هوية وطنية في البرازيل، البلد الذي لم يملك تقاليد ساعة إعلانه عن قيام الجمهورية في 1889 ) لأن السكان الأصليين ذوي التقاليد أُزِيلوا( ، وفي ظل غياب اللغة ) البرتغالية لغة المستعمر(، وعدم وجود عرق واحد ) يوجد مزيج من الأعراق(؟يجيب عن هذا السؤال بالقول أن الموسيقى والأغاني الشعبية كانت الحامل الأساسي للهويّة البرازيليّة حيث أتاحت تبادل الآراء ومناقشة الأسئلة الاجتماعيّة، و حلّت ” التيلينوفيلا”، التي أزداد عدد متابعيها من مختلف الشرائح الاجتماعية والأعراق والمشارب الثقافية بعد تأسيس شبكة التلفزيون “غلوبو”، محل الموسيقى والأغاني. لقد سمحت بالانتقال من حالة الجماعة إلى المجتمع، بل جعلت هذا الأخير مرئيًّا ومسموعًا. يكتشف ذاته ويعبر عن طموحاته.
للتأكيد على أهمية “التلنوفيلا” في حياة البرازيليين تشير “إلينا فريرا” وأخرون ( and all, 2008 La Ferrara ) إلى أنه على الرغم من عدم اتخاذ الحكومة البرازيلية أي سياسة لتحديد النسل، وحرمت الإعلان عن طُرق منع الحمل عبر مختلف وسائل الإعلام، إلا ّأن نسبة الخصوبة في المجتمع البرازيلي تراجعت بشكل كبير خلال السنوات الأربعين الماضية. لقد انخفضت من 6,3 في 1960 إلى 2,3 في 2000. وترى أن لتراجع هذه النسبة علاقة ب” التيلينوفيلا” حيث كشف تحليل مضمون 115 مسلسل تلفزيوني بثته قناة “غلوبو” التلفزيونيّة ، خلال الفترة الممتدة من 1965 إلى 1999 وتابعته مختلف فئات المجتمع البرازيل على أن 72 % من الوجوه النسوية الأساسية في هذه المسلسلات من اللواتي يبلغن 50 سنة أو دونها لم يلدن، وأن 21 % منهم لديهن طفل واحد.
II-المسلسلات التلفزيونيّة الأمريكيّة: ” وداعا للأخلاق”
تظلّ الأفلام والمسلسلات الأمريكيّة التي اجتاحت القنوات التلفزيونيّة العالمية تعبر، بهذا القدر أو ذاك، عن السياق الاجتماعي والثقافي الذي عاشه ويعيشه المجتمع الأمريكي. هذا ما يؤكده الكاتبان ولتر غيمنز وجورج غوردن ) 2006, p30-32 ( من خلال رصدهما لتطور صورة الأسرة الأمريكيّة، على سبيل المثال، كمكون أساسي للهويّة الخطابيّة في المسلسلات الأمريكيّة. لقد أكدا بأن الأسرة الأمريكيّة تبدو متخيّلة ومثاليّة في المسلسلات الأمريكيّة منذ أن شرع التلفزيون الأمريكي في البثّ. ولم تظهر على ما هي عليه في الواقع. ويستشهدان في ذلك بالمسلسلات الكوميديّة، مثل: “الأب أعلم” Father Knows Best [6]، و”أترك الأمر لبيفر” [7] Leave It to Beaver، و”مغامرات أوزي وهارييت “The Adventures of Ozzie and Harriet [8]. إنّها المسلسلات التي أنتجت وبثّت في خمسينات وستينات القرن الماضي، والتي ظهرت فيها الأسرة الأمريكيّة من الطبقات الوسطى ذات البشرة البيضاء ولم تلد سوى ولدين، وتعاني من المشاكل البسيطة والصغيرة التي تعترضها في الحياة الزوجية وتربية الأطفال. ولم تتطرق هذه المسلسلات قط إلى الجوانب المظلمة في حياة الأسرة الأمريكيّة آنذاك، مثل البطالة، والإدمان على الكحول والمخدرات والعنف الأسري. وإن كانت هذه المسلسلات قد رافقت خروج المرأة من البيت إلى العمل، فقد حرصت على أن تقتصر وظيفتها على المهن الثلاث: التعليم، والتمريض، والسكرتارية قبل أن تلتحق ببيت زوجها وتعتزل العمل. أما الأمريكيون من الأصول الإفريقية أو من أمريكا اللاتينية فلم يظهروا في هذه المسلسلات التلفزيونيّة إلاّ في وضعيات دونية رسختها الصور النمطيّة: مغنيين وراقصين، ونادلين، وخدم لدى الأسر الأمريكية البيضاء الثرية، ومهربين وتجار مخدرات. هذا قبل أن تتصاعد حركة الحقوق المدنيّة، في الولايات المتحدة الأمريكية، في منتصف ستينات القرن الماضي فيتراجع بموجبها التمييز الممارس ضدهم، لتتغير وضعيتهم في المسلسلات التلفزيونيّة تدريجيا.
إنّ الحرص على تقديم صورة مثاليّة للأسرة الأمريكيّة في المسلسلات التلفزيونيّة، وبالتالي للمجتمع الأمريكي خضع لاعتبارين أساسيين، أولهما الإيمان الراسخ بالتأثير القوى للتلفزيون الذي يدفع الأمريكيين إلى تقليد أبطال المسلسلات التلفزيونية في سلوكهم أو تقمص شخصياتهم، وثانيهما استغلال التلفزيون كعامل أساسي في التغيير الاجتماعي وترويج الصورة التي يجب أن تكون عليها الأسرة ومثلها السامية ومن وراءها الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع تطور المجتمع الأمريكي تغيرت صورة الأسرة في المسلسلات الأمريكية، وأفضل مثال على ذلك يقدمه مسلسل ” دالاس”[9] ذائع الصيت الذي أظهر الأسرة – أسرة إيونغ- متحدة على الرغم من النزاع الأخوي بين أفرادها، المشكل للَحْمَة السرد التلفزيوني الذي بجمع العمل، والمال، والتنافس، والحياة الزوجية وخيانتها، والإدمان على الكحول. السرد الذي وظف تقنيةcliffhangers ؛ أي اختتام كل حلقة بحالة من ترقب الآتي لجلب المشاهدين لمتابعة الحلقة القادمة. لقد أصبحت هذه التقنيّة اليوم من كلاسيكيات السرد الدرامي.
في تحليلهم لهذا المسلسل، يؤكد الكثير من الباحثين} نقلا عن ) Livingstone, 1996, p115-116 ( على المفارقة التي تجسدها شخصية بطل المسلسل “جيار” الذي يمثل الشخصيّة الأمريكيّة الثريّة في مدينة النفط ) تكساس(، فمن جهة يشدّد على ضرورة الالتزام بالأخلاق التي تحكم الأسرة بكل ما تتطلبه من ولاء وصدق واستدامه. ومن جهة أخرى يركز على نفوذ الفساد الأخلاقي في المنظمات والشركات والمال الذي تجعل من هذا البطل شريرا يبرّر أفعاله غير الأخلاقية بالقول أنها ضرورية لضمان السير الحسن للشركة العائليّة) شركة النفط(. لقد رأت الباحثة ” إين أنج” ) 1985,p77 ( أن تصرفات جيار – بطل المسلسل- تكشف على أن السلطة يجب أن تكون مرتبطة بالشر وانعدام الأخلاق بينما الذين يعيشون “حياة “مستقيمة” يحرمون باستمرار من السلطة ويحكم عليهم بالمعاناة”.
هل يمكن القول إن مسلسل دلاس يشكل ” الحلم الأمريكي” الذي صقل الهويّة الأمريكيّة وأصبح يغري قطاعا واسعا من شباب العالم. الحلم الذي أصبح مجروحا بفعل حرب فيتنام التي أحدثت انقساما كبيرا داخل المجتمع الأمريكي في عقدي الستينات والسبعينات. لذا نلاحظ أنه منذ ثمانيات القرن الماضي؛ أي بعد صعود المحافظين الجدد للبيت الأبيض الأمريكي، والأفلام والمسلسلات التلفزيونية تسعى إلى تحرير الذاكرة الوطنيّة من تأنيب الضمير الناجم عن حرب فيتنام، لتنفي بأنها حرب غير أخلاقية وغير عادلة وحتّى عديمة الفائدة. لذا راحت تعيد الاعتبار إلى قدماء محاربي الفيتنام من خلال اقحامهم في أي مسلسل تلفزيوني. فليس من الصدفة أن يكون قائد الشرطة، على سبيل المثال، في المسلسلات البوليسية من محاربي الفيتنام القدماء، يوظف خبراته القتالية التي اكتسبها في خرب فيتنام لممارسة مهمته النبيلة والوقوف دائما في وجه الشر، وبجانب القانون والعدالة) Marjolaine,2004, p. 61-73 (.
في تحليله للمسلسلات الحديثة نسبيا، مثل ديدوود Deadwood و ديكسر Dexter ، و اختلال ضال Breaking Bad يستعرض الباحث “فرنسوا جوست” التغيير الذي طرأ على المسلسلات الأمريكية والذي “زعزع الحدود بين الخير والشر”[10]، وأنتج أشرار جدّد مقارنة بالأشرار في مسلسلات التي بثت قبل أربعة عقود. فأبطال تلك المسلسلات كانوا مثار إعجاب وإغراء لشجاعتهم وللقيم التي يدافعون عنها وفي استماتهم في تطبيق القانون. أما الأشرار الجدّد فلم يولدوا أشرارا بالفطرة، كما تصور الأساطير القديمة الأشرار وتكتفي في الغالب بوصف أفعالهم الشريرة دون التساؤل عن سببها. فالأشرار الجدد ” أُجْبروا” على القتل وارتكاب الجرائم ومخالفة القانون. ففي مسلسل “ديدوود” يتدافع الناس في سباق محموم لاستخراج الذهب في المدينة التي يحمل المسلسل اسمها وتخضع لقانون الغاب، و. ويروي مسلسل “دكستر” التلفزيوني قصة طبيب شرعي متعاون مع الشرطة يتحول إلى قاتل بالجملة المجرمين الفارين من العدالة. وسرد المسلسل التلفزيوني ” اختلال ضال أو الانحراف” حياة معلم مادة الكمياء الذي يكتشف أنه مصاب بسرطان الرئة ولا شفاء منه، فيتعاون مع أحد تلاميذه على بيع المخدرات حتى يضمن مستقبل أطفاله بعد رحيله. كل هذه المسلسلات التلفزيونية تدس في ثنايا سردها ما يوحي بالأسباب التي دفعت أبطالها الأساسين ليصبحوا أشرارا.
إذا، لم تحدث هذه المسلسلات التلفزيونية قطيعة مع ” النهايات السعيدة” وبانتصار القانون فقط، بل وضعت حدا لنهاية للحلم الأمريكي من خلال ” إعادة النظر في أسطورة الغرب والرصد بعدسة مكبرة لتطور الرأسمالية، التي لا تجلب معها مجتمعًا واعيًا بذاته، بل تبرز شخصيات قاسية، مستعدة للقيام بكل الشرور لتأسيس سلطة قائمة على المال” ) ( Jost, 2015, p42.
يصف السيميائي ” فنسن كولونا” هذه المسلسلات بـ ” اللا أخلاقية” ويربطها التحول الثقافي العام في الكتاب الذي خصه لها بعنوان” وداعا للأخلاق”. وعبارة الوداع هذه لا تعني أن القيم الأساسيّة التي تتحكم في علاقة البشر قد اختفت نهائيا في المجتمع الأمريكي، بل تشير إلى أن الحدود بين الخير والشر قد تزعزعت وأن السلوك الاجتماعي لم يعد يحتكم إلى الأخلاق؛ أي إلى ما لا يجوز، والمباح، بل أصبح يخضع للقانون، الذي يميّز بين المسموح به والممنوع, 2015, p260) Colonna (. لكن ماذا لو وقع القانون رهينة السياسة، وانعدمت فيه الرأفة الإنسانية وسيطر على كل المجالات ولم يترك مجالا للفرد لممارسة مسؤوليته الأخلاقية؟ الجواب تقدمه هذه المسلسلات التلفزيونية التي تحاول إحياء الفلسفة النفعية التي ظهرت في القرن 18 والتي تقيس قيمة الفعل بآثاره الإيجابية. وبهذا فإنّها تلتحق بجوهر ما دعا إليه مسلسل دالاس، مثلما ذكرنا أنفا.
هكذا يتضح بأن الهويّة الخطابية الأمريكية التي تعبر عنها المسلسلات التلفزيونية تستند إلى الفلسفة النفعيّة.
-IIIالمسلسلات التلفزيونية التركية: البحث عن التوازن بين الأصالة والمعاصرة.
تنتج تركيا حوالي 100 مسلسلا تلفزيونيًّا في السنة، وتصدرها إلى 156 دولة ليشاهدها حوالي 500 مليون مشاهد في العالم ) ( Khan,2019, P 216- 246 وعرفت هذه المسلسلات اقبالا كبيرا في البلدان التي تملك ماضيا مشتركا مع الإمبراطورية العثمانيّة، مثل ألبانيا، ورومانيا، وصربيا، والبوسنة والهرسك، ومقدونيا ،وكرواتيا، وبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أو تشترك معها في المعتقد الدينيّ مثل باكستان، وحتىّ في بلدان أمريكا اللاتينية لتنافس بذلك التيلينوفيلا في عقر دارها ! ومن المحتمل أن يزداد عدد مشاهديها في بقية البلدان بفضل شركة “نتفليكس” التي اشترت 500 ساعة من هذه المسلسلات التلفزيونيّة , 2018) Öztemir (.
يفسر انتشار هذه المسلسلات الواسع بالعديد من العوامل لعل أبرزها هو الدعم الذي تتلاقاه من السلطات التركية نظير الأموال التي تجلبها للاقتصاد التركي بشكل مباشر. إذ يذكر أن سعر الساعة الواحدة من المسلسل التلفزيوني قفزت من 3 ألاف في 2008 إلى 30 ألف دولار في 2013، وبهذا قدر العائد المالي لما صدرته تركيا من مسلسلات بــ 350 مليون دولار، ومن المتوقع أن يرتفع إلى مليار دولار في 2023 ) .( Khan,2019, P 216- 246 وبشكل غير مباشر من خلال تنشيط قطاع السياحة. واستخدامها كــ” قوة ناعمة” وأداة الدبلوماسية الشعبية Public Diplomacy ) Bermaki, 2017 (، ورافدا نشيطا للسياسة الخارجية يعرض تركيا كنموذج اقتصادي واجتماعي ناجح في المنطقة. ويبرزها في الساحة الدولية كدولة حديثة وليبرالية قوية ذات تاريخ عريق، كما تعبر عنه المسلسلات التلفزيونية، مثل ” قيامة أرطغرل، و” بزوغ الإمبراطورية: العثمانيون”، و” المؤسس عثمان”، و”عاصمة عبد الحميد الثاني”، وغيرها من المسلسلات التاريخية.
لقد أثارت هذه المسلسلات جدلا كبيرا داخل تركيا أولا، ثم في المناطق التي تشترك معها في التاريخ. والسبب في ذلك يعود إلى أن الأتراك حرموا لمدة طويلة من معرفة حقيقة ماضيهم وتاريخهم حسب الباحثة “رقية تيناس”، التي ترى أن مهمة تعليم هذا التاريخ أوكلت إلى كُتَّاب السيناريو، فأصبحت المسلسلات التلفزيونية كُتبا لدراسة التاريخ ) , 2020 Tinas (. كذلك الأمر بالنسبة للشعوب التي كانت تحت الاحتلال/الحماية العثمانية التي اكتشفت تاريخ هذه الدولة عبر مسلسلاتها التلفزيونية التي تملك القدرة على استرجاع التاريخ، مثلما يؤكد المؤرخ الفرنسي” إونيس درويد ” ؛ أي أنها لا تقوم بإحيائه – لأن هذا الأمر مستحيل- بل تجعله حساسا لتصوراتنا المعاصرة. فالماضي لم ينته، بل يظل يتشكّل أمام نظرنا ) , 2012 Deroide (، وهذا التشكل هو الذي يغذى الجدل حول تاريخ تركيا بين أبنائها وفي الخارج.
يوعز منتجو المسلسلات التلفزيونيّة التركية نجاحها إلى قدرتها على تناول الحياة الحقيقية للمعيش اليومي الذي يتعرف عليه المشاهدون بيسر، وينغمسون فيه. المعيش الذي يُتَبّل بخليط من قصص الغرام، وحكايات العائلة والمال يقدمها أشخاص في غاية الجمال والأناقة يمثلون نماذج اجتماعية ناجحة في الحياة) (ayachi, 2014. وعلى الرغم من أن هذه المسلسلات لم تطرح القضايا السياسية الراهنة مباشرة التي تثير الخلاف بين المشاهدين إلاّ أنها أثارت، ولا زالت تثير، موجة من النقد في الصحافة العربيّة وفي أوساط مشاهديها الذي يشعرون بالقرب منها بحكم التاريخ العثماني والدين الإسلامي فيحكمون عليها انطلاقا من هذه المرجعيّة التاريخيّة والدينيّة.
تؤكد الباحثة التركية “نيس اوزتمير” أن تداعيات الحداثة كمسار لم تكن ذاتها على كل البنى الموجودة والقيم التي تنتجها، خاصة على بنية الأسرة التي تعتبر قاعدة أساسية للمجتمع التركي. لهذا السبب تولى المسلسلات التلفزيونيّة التركيّة أهمية للأسرة لتشكل مرجعا لفهم خطابها، والذي يحمل قيما اجتماعية وثقافيّة) Öztemir, 2018 ( . فالأسرة التي تعد رمزا للحب والتضامن تشكل النواة الصلبة الهويّة الخطابيّة في المسلسلات التركية. لذا لا يجوز القول بأن مصدر التوتر الذي تسببه هذه المسلسلات سواء في تركيا أو المنطقة العربية يكمن في تأويلها للتاريخ العثماني أو تاريخ تركيا الأتاتوركية ) نسبة إلى كمال آتاتورك ( فقط، بل يرتبط بدرجة أساسية بالأسرة وما تعانيه في مرحلة انتقال المجتمع التركي من النسق التقليدي إلى النسق المعاصر، ممّا يطرح إشكالية التوفيق بين المرجعيّة الإسلاميّة والحضارة الغربيّة. وهي المعاناة ذاتها التي تتكبدها الأسرة في المجتمعات العربيّة. فاللحمة السرديّة في المسلسلات التلفزيونيّة التركيّة تدور حول شخصيات متعددة: بعضها تقليدية، وأخرى معاصرة. وصورة المرأة تكون في الغالب ” معاصرة” متعلمة ومتحررة، تناهض النسق التقليدي الذي يتحكم في حياتها، وتتبنى نمط المعيشة الأوروبي.
إن كان بعض النقاد العرب يتسأل هل دفعت المسلسلات التلفزيونيّة التركيّة المشاهد العربي ليعيد اكتشاف تركيا؟ ) على فواز، 2008(، فالأحرى به طرح السؤال التالي: هل يعيد المشاهد العربي اكتشاف ذاته في المسلسلات التركيّة، خاصة عندما يدرك القاسم المشترك بين ثقافته وبعض عناصر الهويّة الخطابيّة التي تحملها هذه المسلسلات، بعيدا عن التاريخ. بالفعل هناك بعض القواسم المشتركة التي تعبر عنها المسلسلات التركية إضافة إلى النظرة إلى الرابط الأسري، مثل القناعة الراسخة التي يعبر عنها القول المأثور: المال لا يصنع السعادة، والأشخاص الجيدون هم الذين يقتنعون بالقليل.” ) (Tanriöver,2007, p64-67 ، والتي تتقاطع مع المثال العربي: القناعة كنز لا يفني، والتي تختلف عن الهويّة الخطابيّة التي تتضمنها المسلسلات الأمريكيّة التي تمجد سلطة المال.
في حوار الهوية مع المسلسلات التلفزيونيّة
من الصعب اعتبار الإنتاج التلفزيوني مجرد مواد إعلامية وتثقيفية وترفيهية تخبر المشاهد بمستجدات الأحداث الوطنية والدولية وتثقفه وتسليه، لأنها تعد أيضا مصدرا هاما من مصادر الخطابات الهوياتية.. لذا تحاول السلطات السياسيّة والاقتصاديّة وحتّى الدينية التدخل في تحديد المحتويات التي تبثها القنوات التلفزيونية من خلال ممارسة الرقابة على مضمونها، وتقليص مدة بثّ كل حلقة إن كان الأمر يتعلق بمسلسل تلفزيونيّ، واختيار يوم البثّ ووقته، إلخ. هذا ما حدث مع المسلسلات التلفزيونيّة التركيّة التي بثتها قناة ” الأم بي سي” مدبلجة باللهجة السوريّة. لقد قامت بـ ” ” تهذيبها” فحذفت بعض المشاهد وبعض العبارات التي ترى أنها تخدش الحياء أو تتعارض مع قيم المشاهد. وحدث الشيء ذاته لمسلسل “دالاس” الأمريكي الذي بثّته مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الجزائري مدبلجا باللغة الفرنسيّة في مطلع ثمانيات القرن الماضي. ليس هذا فحسب، بل أن الكثير من القنوات التلفزيونيّة أخضعت بعض البرامج مثل برامج تلفزيون الواقع إلى الخصوصيّة السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة الوطنيّة) , 2006 Kredens (. إن ذكر هذا الأمر لا يعني بتاتا تزكيتنا لنظرية تأثير التلفزيون المطلق على الجمهور أو الايمان بالبراديغم الذي يجزم بحتمية قيام المشاهدين، دون استثناء، بتقليد كل ما يشاهدونه في شاشة التلفزيون، بشكل آلي وأني في الوقت ذاته.
إن التوجه ما بعد الوضعية Post positivism الذي تجلّى في نموذج موريس هول , p27-39) 1994 (، وفي تأويل “دافيد مورلي” للمشاهدة التلفزيونيّة ) 1980( والذي أثراه “جون فيسك” في دفاعه عن مبدأ تعددية معاني النص التلفزيونيّ ) , P 85-1072001 (، وترجمه ميشال دو سيرتو عبر تشغيل مفهوم ” الصيد غير الشرعي” [11] يؤكد بأنّ المادة التلفزيونيّة ذات تركيب معقّد تزدحم فيه الصور والألوان، وتختلط فيه الأصوات والأنغام وتتعدّد فيه زوايا ولقطات التصوير، فتظلّ مفتوحة على تعدّدية القراءة والمعاني باختلاف قرائها. والجمهور لا يستلم المعاني كما قصدها المنتج أو المخرج، بل يقوم بتأويلها وفق سياق التلقّي وانطلاقا من خلفيته الثقافيّة وتجاربه الاجتماعيّة والعاطفيّة. لعل هذا الأمر يتجلى في الأفلام والمسلسلات التلفزيونيّة أكثر من المواد الإخبارية المتلفزة. وهذا خلافا للاعتقاد السائد بأن المسلسلات تمارس سحرها على المشاهد فيتابعها بحرص شديد خوفا من أن تفوته لقطة أو مقطع صوتي، وهو في حالة تراخ وسكون وكأنه منوم. إنّ المشاهدين ينخرطون في السرد التلفزيوني التلفزيونية وكأنهم يتعاملون مع أشخاص حقيقين فتمحى الحدود بين ما يشاهدونه وتجاربهم الحياتية التي تتدخل، بهذا القدر أو ذاك، في الحكم على السرد التلفزيوني.
إذا، لا يمكن القول إنّ الهويّة الخطابية التي تعبر عنها القنوات التلفزيونيّة كاملة وتامة دون الأخذ بعين الاعتبار تأويلها من قبل الجمهور المحلي أو الأجنبي، بمعني أن تأويل المشاهد البرازيلي أو المكسيكي “للتينوفيلا ” يختلف عن التأويل المشاهد العربي أو الصيني لها. وغاية التأويل لا تقف عند الفهم بل تمتد إلى طريقة تملّك رموز هذه المسلسلات وإدراجها في الحياة اليومية للمشاهدين؛ بمعنى هناك عملية رفض ، واحتواء، والتفاف على بعض المعني، وابتكار أخرى لتساهم في تشكيل الهوية الثقافية والوطنية أو بالأحرى في إعادة تشكيلها. لذا يظلّ الرهان على كيفية توجيه هذا التأويل مطروحا. خاصة بعد تزايد الحاجة إلى تأكيد الهويّة في حالة القلق والشك الوجوديين، وفي ظل تفاقم الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعية التي تحدث ارتبكا إن لم يكن خللا في المؤسسات الكفيلة بضمان الانسجام في المجتمع لضمان ” التعايش المشترك” بين أفراده عندما يفقدون المعالم التي ترشدهم في الحياة، فيزداد خوفهم من المستقبل) Badie,2009 (
من نافلة القول إن المسلسلات التلفزيونيّة الأمريكيةّ ظلت توصف في المنطقة العربية بالغزو الثقافي، وبأنها رمز لهيمنة الثقافة ذات الاتجاه الواحد) من الغرب إلى بقية بلدان العالم. وطال هذا الوصف المسلسلات التركيّة التي تبثها القنوات التلفزيونيّة العربيّة مدبلجة[12] على الرغم من أن انتشارها الواسع عبر شاشات العالم يطعن في أطروحة أحادية اتجاه الثقافة على المستوى الدولي. وبالمقابل لم توصف مسلسلات أمريكا اللاتينية بالغزو الثقافي رغم أنها عمرت طويلا في شاشات التلفزيونات العربيّة. ربما السبب يعود إلى السياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية، وإلى الإرث العثماني والدور السياسي المتنامي الذي تقوم به تركيا في المنطقة ذاتها منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في 2002.
بعيدا عن المقاربات السياسيّة والأيديولوجيّة التي تناولت المسلسلات التلفزيونيّة ، لم نعثر، مع الأسف على دراسات أنتربولوجية باللغة العربيّة عن مشاهدي المسلسلات التلفزيونية وتلقّيها في المنطقة العربية، والتي تسمح لنا بالتحري في فهم تداعيات مشاهدة المسلسلات التلفزيونية بعيدا المتعة التي تجلبها، والتي تصب في سعي المشاهدين” إلى تقييم يقينهم الثقافي والعاطفي ) 2015, p186 Colonna (، والتي يستأنف المتلقّي، على أساسها، تشكيل هويته التي ذكرنا أنفا أنها مفتوحة، وأن بناءها يتجدّد باستمرار. لذا نجازف بالقول إن سر ولع المشاهد في المنطقة العربيّة بـ “التلينوفيلا”، مثل مسلسل “إزاورا [13]” التلفزيونيّ الذي بثّ في منتصف الثمانيات من القرن الماضي يكمن في تعاطفه مع المستضعفين والمقهورين، وفي تقاطع سرديات ” التلنوفيلا” التي تسعى إلى ترميم ذاكرة شعوب أمريكا اللاتينية منذ الاستعمار الغربي وصولا إلى الديكتاتوريات العسكرية، مثلما يعبر عنها مسلسل ” مونتي كريستو ” الأرجنتيني) Sciacca, 2011 ( مع تاريخ الشعوب في المنطقة العربية ومع ما عانته من قهر وتشريد في ظل الاستعمار، ومع استشراء الاستبداد والظلم والعنف من أجل التمسك بالسلطة أو الاستيلاء عليها بالقوة.
على الرغم من أن القنوات التلفزيونيّة العربيّة شرعت في بثّ المسلسلات التلفزيونيّة التركيّة في 2006 إلاّ أن الولع بها بدأ مع بث المسلسل التلفزيونيّ ” نور ومهند”، الذي تابعه 85 مليون مشاهدا يتجاوز سنهم 15 سنة، منهم 50 مليون امرأة، حسب زعم مدير التسويق في قناة أم بي سي 1) Yanardağoğlu, Imad N. Karam,2012 ( . وبهذا تحولت المسلسلات التلفزيونيّة التركيّة، التي تعبر عن سعي المجتمع التركي إلى التوفيق بين ثقافتي ” الشرق والغرب”، إلى ظاهرة تثير النقاش داخل الأسر، وفي أماكن العمل، والمقاهي، وقاعات الحلاقة، والمدارس، والجامعات، وحتّى داخل المساجد التي لم يتردّد بعض أئمتها في تحريم مشاهدتها لأنها تعرض ما يعارض التعاليم والتقاليد الإسلاميّة في نظرهم، وعبر الميديا الاجتماعيّة. ويكشف هذا النقاش في جوهره عن تفاوض المشاهدين مع مضامين المسلسلات التلفزيونيّة حول الحداثة) Yanardağoğlu, Imad N. Karam,2012 ( في المنطقة العربيّة التي يراها البعض تقدما ومواكبة للعصر، ويعتبرها البعض الأخر تغريبا وخروجا عن الدين. إنه التفاوض الذي يؤطره ضمنيا “الوعي الشقي” الذي تحدث عنه محمد عابد الجابري والذي ” يهز” الوجدان، مختزلا حالة مزدوجة من كره الغرب لماضيه الاستعماري والإعجاب به لحاضره ولما حقّقه من منجزات علميّة وتكنولوجيّة، ولأنظمته الاجتماعية التي تقدس القانون، وتفرض المساواة في الحقوق والواجبات على الجميع، إلخ.
إن كان المشاهدون في المنطقة العربية يقرّون بالقرب الثقافي مما تعرضه المسلسلات التركيّة والمجسد في التمسك بالنظام الأبوي) البطريركي (، وفي التراث الموسيقى والألحان والأفراح في الأعراس، وفي فنون الطبخ والمأكولات، وهذا بحكم الحماية/ الاستعمار العثماني لجلّ البلدان العربيّة، والذي امتد لمئات السنين فإنّهم يختلفون في تأويل الكثير من جوانب سرديات هذه المسلسلات. فالمشاهدات من الفئات الفقيرة يجدن فيها الرومنسية والعاطفة التي يفتقدنها لدى أزواجهن. ربما ينطبق هذا القول على المشاهدات في المشرق العربي، لأن للمشاهدات في المغرب العربي والجزائر تحديدا رأي آخر، وذلك لأن التعبير عن العاطفة بعبارات العشق تربك الأسرة الجزائرية التي تجتمع لمتابعة المسلسل التلفزيونيّ، هذا إضافة إلى أنه من الصعب على الجزائري أن يعبر صراحة عن ولعه بزوجته أمام أفراد أسرته لأن ذلك يعد علامة ضعف.
وإن كانت المشاهدات في المنطقة العربية تولين أهمية للتفاصيل في المسلسلات التركية: ديكور البيوت وأثاثه، والهندام، وأناقة النساء وطريقة تصفيف شعرهن، وإبراز أنوثتهن الفاتنة ، فالمشاهدات من الطبقة الوسطى في المنطقة العربية يتماهين مع المرأة التركية كما تظهرها المسلسلات: امرأة قوية، عاملة، ومستقلة ماليا، تستطيع التوفيق بين حياتها الأسرية والمهنية، وتجاوز الصعوبات التي تعترضها بما فيها التعنيف داخل الأسرة ، وهذا خلافا لصورة المرأة التي هيمنت في المسلسلات المصرية التي بثت في عقد التسعينات من القرن الماضي والتي تظهرها ربة بيت شاكية ويائسة ) Buccianti, 2011 ( .
بالطبع أن تأويل صورة المرأة في المسلسلات التركية لا يختلف حسب الطبقات الاجتماعية فقط، بل يمتد إلى الثقافات المختلفة. هذا ما يستشف من البحث الاثنوغرافي الذي قام به الباحث “موسى خان “الذي قارن فيه بين جمهور المسلسلات التركيّة المصريّ والباكستانيّ. Khan, 2019, p216-246) (، إذ لاحظ أن الجمهور المصري لا يرى أي دور للمرأة التركية في المسلسلات التركية التي جعلت منها عبارة عن أيقونة للشهوة، إذ يذكر أنها لا تقوم بأي دور في مسلسل ” ” حريم السلطان” على سبيل المثال سوى لفت انتباه السلطان لضمان بقائها في القصر الملكي المثير. بينما يؤكد أن الجمهور الباكستاني يعتقد أن المرأة في المسلسل التلفزيوني المذكور لعبت دورا كبيرا في حياة السلطان سواء كانت أمه أو زوجته. وهذا لا يمنع من كونها ايقونة الشهوة. إذا، يمكن أن نستنتج من هذا الاختلاف أنه على الرغم من القاسم الديني المشترك بين الجمهورين: المصري والباكستاني إلاّ أن التاريخ يتدخل في تأويل صورة المرأة في المسلسل التلفزيوني المذكور. لقد انتخب الشعب الباكستاني “بنزير بوتو” مرتين لتتولى رئاسة حكومتهم. فلا غرو أن يقرأ المسلسل التلفزيوني المذكور من ايمانهم بدور المرأة في الحياة العامة. ربما يقودنا هذا الاستنتاج إلى العودة إلى الاختلاف في موقع المرأة في مرحلة من مراحل الحضارة الإسلامية. فعندما كان الاتراك يولون نساءهم مناصب حيوية في إدارة الدولة كان خلفاء الدولة العباسية يرفضون ذلك. وقد امتدت ظلال هذا الواقع إلى غاية القرن التاسع عشر. فالأتراك أصدروا قانونا يلزم تدريس الاناث إلى غاية بلوغهن 12 سنة في العام 1869، بينما بقيت بعض الدول العربيّة تقاوم تعليم البنات إلى غاية المنتصف الثاني من القرن العشرين) لعياضي، 2010، ص 86 (
لكن ماذا عن المسلسلات التلفزيونيّة الأمريكيّة التي لا يوجد لها أي قاسم مشترك مع الجمهور في المنطقة العربيّة رغم إقبال هذا الأخير على مشاهدة أفلام رعاة البقر التي كانت تعرض في قاعات السينما في بعض العواصم العربيّة منذ نهاية الحرب الباردة؟
لاحظت “جويل ستويز” ) 1983, p221-246 Stolz, ( أن المسلسل التلفزيوني الأمريكي ” دالاس” نطّق الجزائريين عندما عرضه التلفزيون الجزائري في مطلع ثمانيات القرن الماضي. فالكلّ كان يتحدث عنه: المواطن البسيط، والصحافة، وحتىّ السلطة التي تحدثت عنه بطريقتها الخاصة، إذ سمحت ببثّ المسلسل التلفزيوني الذي يعتبر” رمز الثقافة الأمبريكية” والمعبر عن الليبرالية بحيث أنه لم يسمح للدولة بالحضور في كل حلقاته، بينما الجزائر التي تبنت التوجه الاشتراكي جعلت الدولة تسيطر على كل مفاصل الحياة: الاقتصاد، والمال، والزراعة، والتجارة، والتعليم، والدين، والثقافة، والسياحة ، والإعلام، إذ يذكر أن حضور الدولة الطاغي في نشرة الأخبار التلفزيونية كاد يغيّب المجتمع.
تقول الباحثة ذاتها، ” عندما يتحدث الجزائيون عن مسلسل “دالاس” التلفزيوني فإنهم يتحدثون، في حقيقة الأمر، عن هويتهم الثقافيّة. لقد وجدوا فيه أرضية لصياغة هويتهم في ظل غياب المنابر التي تسمح للجميع بالمشاركة في ذلك. وفي حديثهم عن ذاتهم يقوم الجزائريون بالمقارنة بينهم وبين أبطال المسلسل المذكور، بدءًا بالمشترك بينهم: الأسرة التي تظل الرابط الاجتماعي الأقوى في المجتمع الجزائري وأداة للتضامن و”نقابة” ضد سلطة الدولة على حد تعبير الكاتبة المذكورة. فرب أسرة “ايونغ” في مسلسل دالاس الذي يجمع أسرته الممتدة: الزوجة، والأبناء، والكنات، والاحفاد، تحت سقف واحد، وحول مائدة الطعام يشكل خصوصية المجتمع الجزائري الذي يخشى أفراده على تراجع سلطة الأب على العائلة. ويقدر الجزائريون كثيرا بطلة الفيلم ” باميلا” التي فضلت الحياة المشتركة والعيش مع أسرة زوجها الممتدة على الرغم من يسر حاله إذ بإمكانه أن يوفر لها سكنا مستقلا، وأي سكن؟ وبهذا إنها تشبه المرأة الجزائرية آنذاك، أي في ثمانينات القرن الماضي. ويرى الرجال صورتهم في “جيار”، بطل المسلسل، الذي يسمح لنفسه القيام بما لا يسمح به لغيره: يَبِصّ باشتهاء في زوجات الغير، وربما يفعل أكثر من البصّ، لكنه يستشيط غضبا إن بصّ أحدهم في زوجته.
أما ما هو مغاير فيتمثل في الوفرة التي يعرضها المسلسل المذكور التي تذكر الجزائريين بوضعهم المعيش وبالحرمان والكبت. فصورة مسبح عائلة ” ايونغ “، على سبيل المثال، يذكرهم بانقطاعات الماء المتكررة في بيوتهم. وتستحضر حرية الاستثمار، وإمكانية كسب المال وتحقيق الثراء في المسلسل التلفزيوني المذكور معاناتهم مع البيروقراطية التي تجبرهم على الاستعانة بالأسرة أو المعارف أو دفع الرشوة من أجل الحصول على منصب شغل أو سكن أو فتح مشروع تجاري صغير، إلخ
إن حوار الجزائريين مع “دالاس” ، ومن ورائهم الكثير من المشاهدين في المنطقة العربية لا يقف عند هذا الحد، بل يمتد إلى ما يرفضونه في هذا المسلسل التلفزيوني، مثل الخيانة الزوجيّة، والعلاقات الحميميّة خارج رابط الزواج، وخروج المرأة للسهر ليلا في الأماكن العامة دون رفقة زوجها، فضلا عن الإدمان على الكحول والمخدرات. وهذا بحكم العادات والتقاليد والدين، الذي يمثل الرابط الاجتماعي القوي في المجتمع.
ولا غرو إن شعر المشاهد الجزائري، وربما كل المشاهدين في المنطقة العربية بالتعاطف، وحتّى بالإشفاق على الأشرار الجدد في المسلسلات التلفزيونيّة الأمريكيّة المذكورة أعلاه، بعد أن كانوا مفتونين بالأشرار في المسلسلات التلفزيونيّة السابقة لشجاعتهم وقوتهم. فقد يجد لهم من المبّررات ما يجعل شرهم ” مقبولا” اجتماعيا وأخلاقيا نظرا لأن المجتمع والقانون لم يسمح لهم سوى بسلك هذا “الطريق الوحيد”، على حد تعبير الكاتب التركي عزيز نسيم في روايته التي تحمل هذا العنوان، والتي تجعل القارئ يتعاطف مع المجرم الذي عمر طويلا في السجن. ربما ينتبه أحدهم في حواره مع هذه المسلسلات إلى أن الأشرار الجدد يدشنون الواقعيّة الاجتماعيّة في الإنتاج التلفزيونيّ الأمريكيّ التي تميط اللثام عن بعض الحقائق ليقول، بدافع سياسي أو إيديولوجي، هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية. وقد يبلغ تبرير الشر مداه إلى درجة اعتقاد البعض أنه بإمكانه أن يسلك الطريق ذاته الذي يسلكه أي من الأشرار الجدد إن وجد نفسه في الوضعية ذاتها أو تعرض إلى تطبيق القانون وفق الكيل بمكيالين. لكن ما يرفضه بكل تأكيد في هذه المسلسلات التلفزيونية هو فلسفة رأسمال. فإنّ كان يرضى العيش بالمال فإنه يرفض بكل تأكيد العيش من أجل المال، وهذا الرفض سمة من سمات هويته
ربما تجيب بحوث التلقّي في المستقبل عن السؤال التالي: كيف يستبطن المشاهد في المنطقة العربية بعض المفاهيم مثل: السلطة، الخير، الشر، المرض، الأبوة، الأخلاق، الحق، الشجاعة، وغيرها من المفاهيم التي تواجهه في حياته اليومية وتعتمل في إعادة تشكيل هويته، وهو يتفاوض مع سرديات هذه المسلسلات.
الخلاصة:
من نافلة القول، أن المسلسلات التلفزيونيّة ليست المصدر الوحيد للهويات الخطابيّة التي تنتجها العديد من المؤسسات الاجتماعيّة والثقافيّة، مثل المسرح، والسينما، والأدب، والمتاحف، والصحافة، والمدرسة، وبعض الممارسات الثقافيّة، كالفنون التشكيلة، والموسيقى والغناء والرقص، واللباس، والطبخ، والهندسة المعمارية، وغيرها. لكن المسلسلات التلفزيونية تتسم بقدرتها على تجسيد استراتيجية الهوية الخطابية أكثر، والتي تقوم على عنصرين أساسيين ومتداخلين، وهما الإغراء، و”التدريم” dramatisation Charaudeau, 1989) (. فالإغراء يمارسه الممثلون والممثلات، بجمالهم ورشاقتهم وأنوثتهم، ومظهرهم، وبنمط معيشتهم، وبما يكسبون، وبما يحظون به من حب واهتمام. أما “التدريم” فينتجه السرد الساحر، والقدرة على تحبيك الأحداث التي تعجن المصير الفردي في الحياة الاجتماعية لإدرار العاطفة، من خلال جملة من الأحداث: عشق وغرام، زواج، وخصومات، وخيانة، وطلاق، ويتم، وموت وانتقام، وثراء، وفقر، وسفر، ومرض، وغيرها من الأحداث المفرحة أو التراجيديّة.
هذا إضافة إلى أن المسلسل التلفزيوني يتسم بمجازه المرسل، وهو شكل بلاغي يسقط ما يتوفر في الجزء على الكلّ. فإذا كان الممثل رومنسي وحساس جدّا ومغرم بزوجته، فتعمّم صفاته في المسلسل التلفزيوني وتسحب على الجميع، ليشمل الفئة الاجتماعيّة التي يمثلها، والأشخاص الذين يمارسون مهنته، بل وكلّ مواطنيه ) Veyrat-Masson, 1989 ,p 237-253 (. والمجاز، كما هو معروف أشمل وأوسع من الاستعارة التي يعيش فيها وبها مشاهد المسلسلات التلفزيونية، والتي تشكل جزءا هاما من تجاربه. ” فالاستعارات لن تكون تعابير مشتقة من حقائق أصيلة، بل تكون هي نفسها عبارة عن حقائق”. ) لايكوف و جونسن، 1996، ص 12 (. لذا نلاحظ، على سبيل المثال، أن المشاهدات لا تظنن أن كل الأتراك يتسمون باللطف والرومنسية مع زوجاتهم فقط، بل يعتقدن أن هذا الأمر حقيقة..
هل يمكن التسرع في الاستنتاج بأن خطر المسلسلات التلفزيونيّة على الهويّة، يكمن في تعامل المشاهد مع ما تتضمنه من مجاز وكأنه حقائق؟
الإجابة ليست بسيطة، وذلك لأن عملية التلقّي تمر بثلاثة أزمنة: مشاهدة المسلسل والتفاوض حول مضمونه، ثم المناقشة مع الغير على ما تم قبوله في المسلسل، وأخيرا توظيف نتيجة المناقشة وادغامها في الممارسة اليومية، كأن نسمي حيا سكنيًّا باسم “دالاس”، أو نطلق تصفيفة شعر باسم ” نور” بطلة المسلسل التركي المذكور أعلاه. وما يلاحظ اليوم أن أدوات وأطر هذه المناقشة قد توسعت وتعدّدت، إذ أصبح بإمكان مشاهد التلفزيون أن يشاطر أصدقاءه ومعارفه ما يشعر به، وما يفكر فيه بخصوص أبطال المسلسل التلفزيوني وتفاصيله عبر الميديا الاجتماعي مباشرة في أثناء بثّه أو في صفحات الفيس بوك أو في مواقع شبكة الانترنت. لكن على الرغم من امتدادات هذه المناقشة في المكان والزمان إلاّ أنها تظلّ تدور حول ” نحن”؛ أي المشاهدين، و “هُم “؛ أي أبطال المسلسلات التلفزيونيّة: ما يجمعهم ببعض، وما يفرقهم عن بعض. فالـ ” هم” مرآة” ينظر المشاهد من خلالها إلى ذاته. تعزّز ما يملكه، وتثّبت قيمه ليرتاح ويطمئن إن وجد في المسلسل ما يتطابق معها وينسجم مع قناعته، ويعارض مع هو مختلف عنها، ويتمنى إزالتها أو محوها، ويستقي في المسلسل التلفزيوني ما يدفعه لمراجعة ذاته وتوجيه طموحه. لكن من المحتمل أن تؤدي هذه المراجعة إلى سوء فهم الذات إن تعثر فهم الآخر المختلف، بمعنى إذا لم يدرك معنى هذا الاختلاف فيتم الحكم على الذات بأنها أفضل من الآخر أو أدنى منه. وعلى الرغم من ذلك يمكن القول أن هذه المناقشة تقوم بدور ” العلاج بالمعنى” Logotherapy الذي طبقه، عالم النفس النمساوي ” فكتور فرانكل” لتساعد الفرد على إدراك معنى حياته ليس انطلاقا من تجاربه فقط، بل من تجارب الغير التي تسردها المسلسلات مع ما يرافقها من تقييم.
إذ، تأسيسا على ما سبق، يمكن استنتاج ما توصل إليه الباحثان، ” يناردادوغلي، وعماد كرم ). Imad N. Karam,2012 Yanardağoğlu, ( في بحثهما الأمبريقي، بأنّ المسلسلات التلفزيونيّة لا تفسد الهويّة الثقافيّة لشعوب المنطقة العربية التي تشاهدها، بل تشكل أرضية لمناقشة الهوية الخطابية التي تمارس فعلها على الذات، مثلما يؤكد ذلك اللسانيون.
المراجع:
- أندرسن ب ) 2009( الجماعات المتخيلة ، تأملات في أصل القومية وانتشارها ( ترجمة ثائر ذيب(، لبنان، شركة قدمس للنشر والتوزيع.
- على فواز ) 2008 (مهند ولميس «يُلهبان» السعودية، صحيفة الأخبار، لبنان ( 5 تموز )
-
كانجو، جويل. (2009). الذاكرة والهويّة. (ترجمة وجيه أسعد) ، سوريا: وزارة الثقافة السورية،
- لايكوف، ج و جونسن، م ) : ( 1996الاستعارات التي نحي بها ( ترجمة عبد المجيد جحفة) المملكة المغربية، دار توبقال للنشر
- لعياضي نصر الدين ) 2010 (: مقدمة في نقد التلفزيون، الأردن، الآفاق المشرقة.
- الجابري محمد عابد. ( 2010). سؤال الهوية في العالم العربي، صحيفة الاتحاد الإماراتية، ) 23 مارس(.
- وهولبورن, ه. (2010) سوسيولوجيا الثقافة والهوية ) ترجمة . حامد حميد محسن) سوريا: دار كيوان للطباعة والنشر
Ang, I. (1985). Watching DALLAS: Soap opera and the melodramatic imagination. New York, Methuen.
Araceli Ortiz, D U, Asbel L (1999) : Un monde de telenovelas, Courrier de l’UNESCO, France, (52, 5)
Ayachi, S (2014) Impact des Séries turques dans le monde arabe. https://www.academia.edu/11465696/Impact_des_S%C3%A9ries_turques_dans_le_monde_arabe
Badie, B. (2009, Le discours identitaire est expression d’incertitude .Journal Le monde,France ( 11 décembre)
Bermaki, I ( 2017) , Soap Opera Politics: The Case of Turkish Dramas in the Arab World. https://www.academia.edu/41585194/Soap_Opera_Politics_The_Case_of_Turkish_Dramas_in_the_Arab_World
Boisvert, S. (2012, Les fictions télévisuelles et la formation de l’identité culturelle. Revue electronique Commposite, (1-2 ) 15. http://www.commposite.org/index.php/revue/article/view/123
Boudreau, A. (2019). L’identité assignée : du lieu et ses manifestations discursives. Minorités linguistiques et société / Linguistic Minorities and Society, Canada, (12) https://doi.org/10.7202/1066521a
Bourdieu, P (dir.) (1993), La misère du monde, France, Seuil
Buccianti A (2011) L’empire ottoman contre-attaque, Alternatives Internationales (3 – 50). https://www.academia.edu/7057248/Lempire_ottoman_contre_attaque
Charaudeau, P (2009), “Identité sociale et identité discursive. Un jeu de miroir fondateur de l’activité langagière”, in Charaudeau P. (dir.), Identités sociales et discursives du sujet parlant, France, L’Harmattan.URL: http://www.patrick-charaudeau.com/Identite-sociale-et-identite.html
Colonna, V (2015) : L’Art des séries télé, 2. L’Adieu à la morale, France, Payot, collection “Hors collection
Cummins, W and Gordon, G (2006) Programming Our Lives: Television and American Identity; USA, Praeger Publishers
Deroide, I (2012) : Les séries historiques entre la fiction et le réel : quand les scénaristes rivalisent avec les historiens, TV Séries, (n01) .https://doi.org/10.4000/tvseries.1038
Dyoniziak J (2017) : L’euphémisme face à la construction de l’identité sociale. Le cas du discours médiatique, Acta Universitatis Lodziensis Folia Litteraria Romanica 12(12).. DOI 10.18778/1505-9065.12.10
Etienne, Jean et autres (2004) Dictionnaire de sociologie : Les notions, les mécanismes, les auteurs, France, Éd. Hatier
Fiske, J (2001) Television culture: popular pleasures and politics; USA, 10 edition, Taylor & Francis
Gallimard L M (1997), Brésil : De la nation comme télénovela, Revue Les cahiers de médiologie, France (1- 3)
Hall, S (1994) : Codage/décodage, Traduction Albaret, M, Gamberini M-c, Revue Réseaux, France (68)
Jedlowski, A and Rêgo, C (2019) Latin American telenovelas and African screen media: from reception to production, Journal of African Cultural Studies, (31:2), DOI: 10.1080/13696815.2018.1549829
Khan, M (2019): International Audience’s Perception about the Turkish TV Serial “The Magnificent Century” In the Context of Portrayal of History and Women, Global Media Journal TR Edition, (10, 19), P 216- 246. https://urlz.fr/hjTL
Khor, B ( 2017) , “La Fiebra Telenovela: Audience Perceptions of Telenovelas and their Representation of Economic Disparity, Senior Independent Study Theses. Paper 7815. https://openworks.wooster.edu/independentstudy
Kredens , M ( 2006) La télé-réalité entre adaptabilité des formats et spécificités nationales : le cas de l’émission Big Brother Colloque international « Mutations des industries de la culture, de l’information et de la communication » Septembre. http://observatoire-omic.org/colloque-icic/pdf/Kredens2_2.pdf
La Ferrara, E (2008) : Soap operas and fertility: Evidence from Brazil, Working Paper, No. 633, Inter-American Development Bank, Research Department, Washington, DC , http://hdl.handle.net/10419/51429
Livingstone S (1990): Making Sense of Television, The psychology of the audience interpretation, UK, Pergamon Press, Inc.
Marjolaine B ( 2004) Les séries américaines des années 1980 une autre histoire de la guerre du Vietnam au Vingtième Siècle. Revue d’histoire ( 84, octobre-décembre )
Mirrlees, T ( 2013) Global Entertainment Media Between Cultural Imperialism and Cultural Globalization, USA, Routledge
Morley, D. (1980) The Nationwide Audience: Structure and Decoding, London, British Film Institute
Nora, P (1984), Entre mémoire et histoire : la problématique des lieux », in P. Nora (dir.) Les Lieux de mémoire (Vol. tome 1 : La République). France , (Gallimard, Éd.)
Schlesinger, P. “. N.-2. (1987). On National Identity: Some Conceptions and Misconceptions Criticized” Revue Social Science Information, Canada 26(2)
Öztemir N ( 2018) Scènes de genre, les séries feuilletonnantes turques et leurs publics : le cas de ”Poyraz Karayel”. Doctorant de l’université ; Sciences de l’information et de la communication. Université Toulouse le Mirail – Toulouse II,
Perraton, C ( 2015): Identités et processus de subjectivation in Bonenfant Maude et Perraton Charles ( sous dir): Identité et multiplicité en ligne, Canada, Presses de l’Université du Québec
Sciacca, E (2011) La reconstruction de l’identité argentine dans la Telenovela Montecristo (Argentine, Telefe, 2006). Sciences de l’information et de la communication. Université Rennes 2,
Stolz J ( 1983) : Les algériens regardent Dallas, in Maurer J-l et autres : les nouvelles chaines, France, Presses universitaires de France
Tanriöver, H U ( 2007) , « Notre vie est un feuilleton », en Turquie, Revue, Médiamorphoses, France, ( Hors série)
Tinas ,R ( 2020), Quel rôle jouent les séries historiques turques : manuels d’histoire ou fictions ? Revue TV/Series . ( N17 ) DOI : 10.4000/tvseries.4042
Veyrat-Masson, I ( 1989), les stéreotypes nationaux et le rôle de la télévision , Hermès ( 5-6)
Yanardağoğlu, E & Imad N. Karam ( 2012) : The fever that hit Arab satellite television: audience perceptions of Turkish TV series. Identities Revue; (Vol 19), P 561 – 579 https://doi.org/10.1080/1070289X.2013.823089
الهوامش
Thévenet , S ( 2013) Les séries télévisées mondialisent la culture sud-coréenne, Le monde Diplomatique, Mai. http://www.monde-diplomatique.fr/2013/05/THEVENET/49075-%5B1%5D
[2] – تبنى الكثير من الباحثين هذا التيار، نذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر:
Turner, G and Tay, J ( 2009), Television Studies After TV, Understanding Television in the Post-Broadcast Era, Routledge, 225 pages
Maigret, É et Soulez, G (2007) : Les nouveaux territoires de la série télévisée ; médiamorphoses ; Hors serie , p 7-13
[3] – حسب عنوان مقال فرانسواز فرجس، التي تؤكد بأن الهويّة ليست ثابتة ولا تكف عن التشكل، وتشكلها المتغيرات المتسارعة في المجال الاقتصادي والثقافي ذات الطابع الحميمي والاجتماعي.
Françoise , V (2007), « De l’identité -prison » aux « aux identités liquides » Revue « Après-demain » )4), 29-32
[4] – ناقش الباحث إريك ميغري فكرة الشرعية الثقافية في كتابات عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو ناقدا الإيديولوجيا التي جعلت من النمط المكتوب المعبر شبه الوحيد إلى الثقافة. أنظر:
إريك ميغري: سيوسيولوجيا الاتصال والميديا، هيئة البحرين للثقافة والأثار، ترجمة نصر الدين لعياضي، 2018، ص 260
[5] – عبارة إسبانية مركبة، تختصر كلمتين الأولى: تيلي Tele، ويقصد به التلفزيون ، ونوفيلا ، وتعني الرواية، أي الرواية التلفزيونية
[6] – هو مسلسل كوميديا الموقف تم إنتاجه في الولايات المتحدة. وبدأ عرضه في سنة 1954. بلغ عدد حلقاته 203 حلقة، و مدة الحلقة الواحدة 26 دقيقة. تم بث المسلسل لأول مرة بتاريخ 3 أكتوبر 1954 بينما بثّت آخر حلقة منه بتاريخ 23 مايو 1960.
[7]- ه مسلسل كوميدي تم إنتاجه في الولايات المتحدة. بدأ عرضه في سنة 1957. وبلغ عدد حلقاته 234 حلقة، ومدة الحلقة الواحدة 30 دقيقة. تم بثّ المسلسل لأول مرة بتاريخ 1957 وبثت آخر حلقاته بتاريخ 20 يونيو 1963.
[8] – مغامرات أوزي وهارييت ( The Adventures of Ozzie and Harriet) هو مسلسل كوميدي تم إنتاجه في الولايات المتحدة. بدأ عرضه في سنة 1952 على هيئة الإذاعة الأمريكية. بلغ عدد مواسم المسلسل 14 موسما، بلغ عدد حلقاته 435 حلقة، وتبلغ مدة الحلقة الواحدة 25 دقيقة. تم بث المسلسل لأول مرة بتاريخ 3 أكتوبر 1952 بينما تم بث آخر حلقة منه بتاريخ 23 أبريل 1966 بعد أن استمر لقرابة 14 عاما
[9] – مسلسل أمريكي بث ما بين 1978 و1991 يتكون من 357 حلقة مدة كل حلقة هي 45 دقيقة. وقد تمت دبلجته إلى العديد من لغات العالم وتابعه جمهور غفير عبر مختلف العديد من قنوات تلفزيون العالم.
-[10] أنظر: هذا هو العنوان الفرعي لمؤلفه:
François Jost (2015) Les nouveaux méchants:( Quand les séries américaines font bouger les lignes du bien et du mal, 281 pages
[11] -يوظف “ميشال دو سارتو” مفهوم ” الصيد غير الشرعي » Braconnage « في كتابه: ” ابتكار الحياة اليومية ، فنون الأداء اليومي، الذي ترجمه محمد شوقي الزين، والصادر عن دار العربية للعلوم -ناشرون، ومنشورات الاختلاف، في 2011- ويقصد به حرفيا: صيد الحيوانات أو الأسماك بطريقة غير شرعية، أي دون الحصول على الترخيص، أو في الأماكن المحرمة، أو في الفصول التي يحظر فيها الصيد أو بوسائل يمنعها القانون، ثم تمدد معناه ليشمل على الاستيلاء على ما اصطاده الغير بالحيلة. ورحل هذا المفهوم إلى التلقي الأدبي والثقافي ليعني به استخراج دلالات النص لم يقصدها مؤلفه.
[12] – في استعمالنا للكلمات المفتاحية التالية: المسلسلات+التركية+الغزو+الثقافي عثرنا على 201 ألف مادة ! للاطلاع على فحواها يمكن الرجوع إلى النماذج التالية:
علي قاسم) (2020 :غزو ثقافي تركي مغلف بالعسل ،صحيفة العرب الصادرة في 8 يناير
مصطفى قطبي ) ( 2021 : الدراما التّركية…غزو ثقافي مغلف بـالقوة الناعمة : https://urlz.fr/hk2W
حسين فهمي) (2018 :الدراما التركية غزو عثماني لفرض ثقافة متخلفة. https://urlz.fr/hk30
[13] – Escrava Isaura، سلسل تلفزيوني برازيلي من 100 حلقة، مدة كل واحدة منها 40 دقيقة، مقتبس من رواية تحمل العنوان ذاته لرواية الكاتب برنردو غيماريس التي نشرها في 1875، والتي تحكي قصة حياة عبدة أسمها أزاورا. بثّه تلفزيون غلوبو البرازيلي خلال 1976 و1977، وصودر إلى العديد من تلفزيونات العالم لينشر في مطلع ثمانيات القرن الماضي.
ما وراء الأزمة: مقاربة لفهم عُسر تحوّل الصّحافة الورقيّة العربيّة في البيئة الرّقميّة
Beyond the crisis: An approach to understand the difficult transformation of the Arab press in the digital ecosystem
نصر الدين لعياضي Nacer-Eddine Layadi
نشر بمجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام- العدد الأول – كانون الثاني- يناير 2023
Abstract
This study attempts to explain why the Arab press is still facing the crisis while some newspapers in the United States and Europe have been able to overcome it. Despite the fact that it shares the same output of various studies; which show that the crisis of the Arab newspapers is of a political and economic nature owing to the absence of democracy in journalistic practice; and the difficulties of building an alternative economic model. It pleads in favour of a comprehensive approach that relies upon the theory of Pierre Bourdieu and its key concepts; namely “the FIELD” and “the HABITUS”, both allow us to return to the origins of this crisis.
Key Words: Journalism, Field, Habitus, non-linear writing, Paywall
الملخص:
تحاول هذه الدراسة أن تشرح لماذا لازالت الصحف العربية تواجه الأزمة التي استطاعت بعض الصحف في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا أن تتجاوزها. وإن كانت تلتقي مع العديد من الدراسات التي ترى أن أزمة الصحافة العربية ذات طبيعة سياسية واقتصادية وتعود إلى غياب الديمقراطية في الممارسة الصحفية، وصعوبة بناء نموذج اقتصادي بديل، إلا أنها ترافع لصالح مقاربة تفهمية التي تحشد نظرية بيار بورديو، ومفاهيمها الأساسية ممثلة في ” الحقل” والتطبع Habitus ” التي تسمح لنا بالعودة إلى جذور هذه الأزمة .
الكلمات المفتاحية: الصحافة، الحقل، التّطبّع، الكتابة غير الخطيّة، تقييد النفاذ
تسأل أحد الباحثين الأجانب[1] في السنة 2014 عن الأسباب الّتي جعلت الصُّحف الورقيّة العربيّة في منأى عن الصعوبات الّتي كانت تعاني منها الصُّحف الورقيّة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيّة. لقد لاحظ آنذاك أنها تنعم بنوع من الاستقرار النسبيّ، حيث ظهرت صحف جديدة [2] لتعوض تلك الّتي لجأت إلى النشر عبر شبكة الانترنت، وأن إقبال القراء عليها أزداد في سعيهم للحصول على أخبار وآراء مغايرة لتلك الّتي كانت وسائل الإعلام الرسميّة تروجها، خاصة بعد اندلاع أحداث ما أصبح يعرف بالربيع العربي. ففي تلك السنة وما قبلها بقليل، كانت المؤتمرات، الّتي يشارك فيها محترفو العمل الصّحفيّ، تُعقد تباعا في بعض البلدان العربيّة للنظر في أزمة الصّحافة الورقيّة.
لقد تابعنا بعضها على أمل الاطلاع على الاستراتيجيات الّتي اتخذتها المؤسسات الصّحفيّة العربيّة أو ستتخذها لمواجهة أزمة الصّحافة لكن دون جدوى. لقد تحولت هذه المؤتمرات، مع الأسف، إلى لقاءات لتبادل الأشجان، وتأبين الصّحافة الورقيّة بعد استعراض بعض الإحصائيات عن الصّحف الّتي توقفت عن الصدور في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيّة أو هاجرت إلى النشر عبر شبكة الانترنت.
زالت اليوم مبرّرات طرح التساؤل المذكور أعلاه بعد أن تغيرت المعطيات. فالكثير من الصُّحف في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيّة استطاعت أن تستعيد عافيتها وتتجاوز أزمتها، بل أن بعضها قدم نماذج للنجاح يُستلهم منها وتراجعت الصحافة الورقيّة العربيّة؟
إشكالية البحث
من يراجع أبرز قواعد بيانات البحث العلمي في العلوم الاجتماعية والإنسانية، مثل المنصّة الجزائريّة للمجلات العلمية، ومنصّة الدوريات المصريّة، والمنصّة العراقيّة للمجلات العلميّة يدرك أن أزمة الصّحافة لم تشكل هاجسًا علميا مركزيًّا في بحوث الإعلام في المنطقة العربيّة. فالكثير منها انصرف إلى دراسة الصّحافة الإلكترونية ليس لانتشارها الاستعراضي، بل لإيمان ضمني بأن زمن الصّحافة الورقيّة قد ولى، بدليل أنها لم تبحث عما حققته الصحف الورقية من منافع ملموسة من إصدارها لنسخها الورقية. وبعضها طرح مسألة حرية التعبير في الصّحافة[3]. والقليل منها من اهتم بجانب واحد فقط من وضع الصحف في هذا البلد أو ذاك، مثل الجانب الاقتصادي[4] أو توزيع الصحف[5] أو قفز على هذه الأزمة واتجه إلى تقييم أداء بعض الصحف من منظور الجودة الشاملة[6]. والقليل من قليلها اهتم بتحوّل الصحف في هذا البلد العربي أو ذاك في بيئة الواب.[7]
يتفق الباحثون ومحترفو العمل الإعلامي وأصحاب القرار السياسي في جل البلدان العربيّة على أن وضع الصّحافة الورقية أزداد صعوبة منذ انتشار الفضائيات واتساع الاستخدام الاجتماعي للأنترنت. وفي الحديث عن هذه الصعوبة يغيب السؤال التالي: لماذا يزداد وضع الكثير من الصُّحف الورقية العربيّة هشاشة في البيئة الرّقميّة بينما استطاعت الكثير من الصُّحف الورقيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة وأروبا، مثل نيورك تايمز و” لوموند” الفرنسية، أن تنجو من الإفلاس، وتمكّنت من الاندماج في البيئة المذكورة؟
إنه سؤال جدير بالطرح لا نسعى من خلاله إلى اجراء مقارنة بين الصحف الورقيّة العربيّة وبعض الصحف الورقية الأجنبيّة لانعدام وجه المقارنة، بل نروم فهم أسباب هشاشة الصّحافة العربيّة التي تتواتر في الخطاب الصحفي وتلك التي عسرت وتعسر تحولها في بيئة الواب مقارنة ببعض الصحف الأجنبيّة. وعسر التحول يعني ببساطة عدم توفيق المؤسسة الصحفية في تسخير طبعتها الرقميّة لإنقاذ الطبعة الورقيّة، واستغلال رأسمالها الثقافي والرمزي من أجل تطوير الطبعة الرقميّة التي يجب أن تستثمر كلّ إمكانات الواب واخضاعها لخصوصية العمل الصّحفي.
يشكل السؤال المطروح أعلاه هاجسا معرفيا بامتياز تتحدد أبعاده عبر الأسئلة التفصيلية التالية:
1-شابت الصحف العربيّة على البراديغم Paradigm التقليديّ المُحدّد لماهية الصّحافة، والصحافي، والقراء. فهل يمكن للتشبّث به أن يطوّرها في ظلّ انفجار مصادر المعلومات والأخبار، وتعدّد الحوامل الإعلاميّة، وتلاشي الحدود الفاصلة بين منتجي المادة الإعلاميّة ومتلقّيها، وبروز “هجانة الاستخدام”[8].
2- هل يمكن لتأخر الصّحافة الورقيّة العربيّة في ابتكار نمط اقتصادي جديد أن يفسر عسر تحوّلها في بيئة الواب بعد أن تراجعت فاعليّة النمط الاقتصاديّ الكلاسيكيّ حتّى في إخراجها من وضعها الهشّ؟
3- بماذا يمكن تفسير نجاح بعض الصحف الأجنبيّة في التغلب على الصعوبات التي كانت تُهدّد وجودها، وتمكّنت من تحقيق اندماجها في بيئة الواب بطريقة سمحت لنسخها الورقيّة من التطور وضمنت مقومات ازدهار نسخها الرقمية؟
4- كيف يمكن أن فهم هشاشة وضع العديد من الصحف العربيّة، وندرك العوامل التي تعيق تحوّلها في بيئة الواب؟
الإطار المنهجي:
تتطلب محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة تبني مقاربة ملائمة لفهم وهن الصّحافة العربيّة الورقيّة كممارسة ومهنة، ومؤسسة اجتماعيّة، وأشخاص ونصوص، من جهة، واستيعاب الاستراتيجيات الّتي تبنتها الصُّحف الأجنبيّة لمواجهة أزمتها، ولبعث صحافة في شبكة الانترنت تخضع للمبادئ الّتي أضحت تحظى بإجماع الباحثين[9] وطوّرتها، وهي: آنية الأخبار وتحديث المحتويات، والتّفاعل مع القراء والمستخدمين، وإنتاج مواد متعدّدة الوسائط، والكتابة غير الخطيّة، أي التوظيف الفعال للنّصّ المتشعب Hypertext في السَّرْد الصّحفيّ.
إننا نؤمن بأن اختيار أي منهج بحثي لا ينفصل عن تصور الباحث لموضوع بحثه وللغاية الّتي يتوخاها من إنجازه. لذا سنستعين بالمقاربة التفهّميّة التي لا تعني استيعاب الظواهر الاجتماعيّة والثقافيّة بطريقة حدسيّة وتعاطفيّة، بل إنها تروم تسليط الضوء عليها لجعلها معقولة ومنطقيّة في إطار مشروع معرفيّ وفكريّ عقلانيّ.[10]
استعارت بحوث الإعلام والاتصال المقاربة التفهّميّة من علم الاجتماع، ووظفتها في دراسة بعض الظواهر التي تقع في دائرة اختصاصها دون أن تحدّد بروتوكولها الإجرائي[11]. وهذا ما دفعنا إلى العودة إلى المنظور الويبري) نسبة إلى ماكس ويبرMax Weber (الّذي يشخص هذه المقاربة انطلاقا من المخطط التحليلي المتكون من العناصر التالية: الفهم والتفسير والتأويل.[12] فالعنصر الأول استخدمناه لفهم المعنى الّذي يقدمه الصحافيون/الكتاب/ المؤسسات الصحفية لهشاشة الصّحافة الورقيّة العربيّة عبر المتوفر من كتابتهم. وقد أبرزناه في الجدول رقم 1. والعنصر الثاني خصصناه لإبراز العلاقات السببية التي تجمع مجموعة من المتغيرات والتي يفسر بها المذكورون أعلاه تبعات وضع الصّحافة الورقية العربيّة الهش، كما هو مبين في الجدول رقم2. هذا بجانب الوصف الّذي قمنا به لحضور بعض الصحف في شبكة الانترنت قصد معرفة مدى استفادتها من الإمكانات التي يوفرها الواب، والاطلاع على قدرتها على تجسيد الخصائص التي ذكرناها أعلاه. وقد اعتبرنا هذا الأمر كمؤشر يكشف عن مدى تحوّل هذه الصحف في البيئة الرقميّة بالنظر إلى استراتيجية الصحف الأجنبيّة – نيويورك تايمز الأمريكيّة، ولوموند الفرنسيّة في هذا المجال. وغني عن القول إن هذا العنصر الأخير يحيل إلى حتمية متسترة، بينما بعبر العنصر الأول، أي التفهم عن اختيارات حرّة وواعيّة.[13]
أما العنصر الثالث، والأهم، فقد ركزنا فيه على تأويل هشاشة الصّحافة العربيّة، وعسر تحوّلها في البيئة الرقميّة ممّا يضفي الطابع الموضوعيّ على العنصرين السابقين. ويُمنطق تمثّلات الفاعلين الأساسيين في الحقل الصحفي، ونقصد بهم الصحافيين /الكتاب/ المؤسسات الإعلامية، لوهن الصّحافة. ويُعقْلن معنى حضورها في شبكة الانترنت، وهذا من خلال منح بعد نظريّ لما وراء أزمة الصّحافة الورقيّة الّذي نستعرضه لاحقا في الإطار النّظريّ للبحث.
لإعطاء بعد تطبيقيّ للعنصر الأول والثاني، اخترنا عيّنتين:
العيّنة الأولى: وهي عيّنة متاحة من المواد الصحفية – مقالات تحليلية وتحقيقات صحفية –
قوامها 40 مادة صحفيّة نشرت خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى2022[14] أبرز أصحابها الأسباب الّتي فاقمت أزمة الصُّحف “العربيّة”. وغني عن القول إن هذه العيّنة لا تمثل كلّ ما كتب عن أزمة الصّحافة “العربيّة”. لذا لم نتعامل مع مضمونها إحصائيا، بل حاولنا من خلالها استنباط وجهات نظر الصحافيين والكتاب ومسؤولي المؤسسات الصّحفيّة ومواقعها في شبكة الانترنت أسباب هذه الأزمة، وتفسيرهم لها.[15]
وقد قمنا بتفكيك هذه المواد الصحفيّة لاستنباط العوامل التي يرى الصحافيون والكتاب والمؤسسات الصحفيّة والمواقع الإخباريّة وفي شبكة الانترنت أنها سببا في هشاشة الصّحافة في أغلبية البلدان العربيّة) 16 بلدا(. وقد استخرجنا منها 16 عاملا- كما هو مبين في الجدول رقم1- وكذا التداعيات التي يرى هؤلاء أنها نجمت عن وضعية الصّحافة الورقيّة العربيّة. وقد حصرناها في تسع متغيرات) أنظر الجدول رقم 2(
العيّنة الثانية: تتضمّن 16 موقعا للصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت[16] . لقد تمت متابعتها لمدة أسبوعين من 5 إلى 19 يونيو 2022. وليست لها أي علاقة بالعيّنة الأولى لأنها تشكلت من أجل استخراج المؤشرات الكاشفة عن مدى استخدام كلّ صحيفة للإمكانيات الّتي يوفرها الواب 2، ودرجة تقيّدها بالخصائص الّتي تميّز الصّحافة الرّقميّة، خاصة التفاعلية التي شخصناها في 13 بعدا – أنظر الجدول رقم 4. وقد استأنسنا في ذلك بشبكة تحليل مواقع الصُّحف الّتي أعدها الباحث” فرنودو زاميث( Fernando Zamith [17] ( وكيّفناها لمقتضيات هذا البحث. ولا نزعم بأن هذه المواقع المدروسة تعكس بدقة خريطة الصحف العربيّة في شبكة الانترنت على الرغم من أنها تشمل مواقع لصحف من 16 دولة. وتّتسم باختلاف وضعها القانوني: مستقلة، وحكومية. وبتعدّد توجهاتها السّياسيّة والأيديولوجيّة. وتمثل تجارب صحفيّة مختلفة بعضها راسخ في القدم، وبعضها حديث النشأة.
لقد تم استقاء بيانات التحليل من المحتويات المنشورة التي تضمنتها العيّنة الأولى، ومن متابعة مواقع الصحف المدروسة في شبكة الانترنت. ومن المصادر الأساسية) التقارير الصادرة عن الهيئات والمنظمات ومراكز البحث، والبحوث العلميّة، والمصادر الثانوية) المقابلات والشهادات الّتي قدمها مسؤولو المؤسسات الصُّحفيّة والباحثين في سياقات مختلفة( المثبّتة في مراجع هذا البحث وإحالاته، من أجل استجلاء وهن الصّحافة العربيّة من جهة، ورصد استراتيجيا صحيفتي نيويورك تايمز ولوموند، من جهة أخرى.
الإطار النّظريّ:
يعتبر المقال المرجعي “نفوذ الصّحافة”، الّذي نشره عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديوPierre ) Bourdieu (في مجلة ” البحث في العلوم الاجتماعية “[18] الّتي كان يشرف عليها، الإطار المؤسّس لنّظريّة ” الحقل الصحفي” Journalism Field ، بيد أن البعض يعتقد أن أصل هذه النَّظَرِيَّة يعود إلى مؤلفاته السابقة، مثل الورثاء: الطلبة والثقافة (1964)، وإعادة الإنتاج: مواد من أجل نظرية لنظام التعليم ) 1970(، والحس العملي (1980) . وقد شارك المساهمون[19] معه في تحرير تلك المجلة في تطوير هذه النَّظَرِيَّة الّتي لقيت رواجا كبيرا في الفضاء الأكاديمي الأنجلوساكسوني على يد ثُلّة من الباحثين النقدين المعاصرين[20] لتمارس تأثيرها على الدراسات الإعلاميّة.
يرى بيار بورديو أن العالم الاجتماعي مجزأ إلى عدد كبير من العوالم الصغرى: إنّها حقول Fields، ولكل حقل موضوعاته ورهاناته ومصالحه الخاصة، كالحقل الأدبيّ، والعلميّ، والقانونيّ، والدينيّ، والفنيّ والصّحفيّ. وأقسام هذا العالم مستقلة نسبيا، أي أنها حرة في إقامة قواعدها الخاصة، ومنفلتة من التبعية لغيرها من الحقول الاجتماعيّة.[21]
ويرى أن المجتمع مبني على التعارض الأساسي بين السلطتين: الاقتصاديّة والثقافية، وكلّ حقل من الحقول مُهَيكل حول التعارض بين القطب الّذي لا يتمتع باستقلاله الذاتي، والّذي يمثله رأسمال الاقتصاديّ والسياسي) القوى الخارجة عن الحقل(، والقطب ” المستقل ذاتيا” ممثلا في رأسمال الخاص بالحقل ) رأسمال الفني أو العلمي أو نوع أخر من رأسمال الثقافي( [22] فــ “الحقل الصحفي عبارة عن ميكرسومMicrosome له قوانينه الخاصة. يتحدّد بموقعه في العالم الشامل، ومن خلال ما تمارسه عليه بقية الميكروسومات من تجاذب وتنافر”.[23]
يساعد مفهوم الحقل الدارسين على الربط بين العوامل الاجتماعيّة الكبرى: البُنى الاقتصاديّة والاجتماعيّة وجماعات الضغط السياسيّة، والعوامل التّنظيميّة الصغرى: علاقات العمل وأساليبه والتراتيبية وتوزيع السلطة داخل المؤسسات الإعلاميّة. ويتم هذا الربط دون الارتكاز على متغير واحد، مثل طبيعة ملكية الصُّحف أو التكنولوجيا الّتي تستخدمها.[24]
ويساهم التّطبّعHabitus في تشكيل البُنى التنظيمية الصغرى في حقل الصّحافة. ويُعرّف التّطبّع بأنه جملة من الاستعدادات الشخصية الخاصة بالشعور والإدراك والتفكير والفعل حسب نماذج استبطنت خلال مختلف مسارات التنشئة الاجتماعيّة[25]. ويُعرّف أيضا بأنه مبدأ موحد ومُفًسِر للسلوكيات، الّتي تبدو في الظاهر متباينة لكنها تشكل وجودا واحدا.[26] يتدخل بفاعليّة في تشكيل رأسماله الاجتماعيّ والرمزيّ. فلا يمكن الحديث عن أي حقل دون رساميله.
يعتقد بيار بورديو أن الصّحافة تشكلت كحقل يملك معاييره الخاصة ورساميله في القرن 19، وسط نزاع بين صحافة الإثارة وصحافة الرأي، وبين صحافيي الصّحافة الوطنية أو القومية والصحافيين المحليين على القيمة الاعتبارية. وبدأ هذا الحقل يفقد تدريجيا استقلاليته نتيجة خضوعه للسوق الّذي يمثله الإعلان والجمهور، لكنه ويا للمفارقة تزايد نفوذه وامتد إلى مختلف حقول الإنتاج الثقافي، كالحقل الأدبيّ والفنيّ والقانونيّ والعلميّ.[27]
لا يوجد في حدود علمنا من تناول بالدراسة وسائل الإعلام العربيّة من منظور الحقل سوى قلة محدودة جدا، نذكر منهم الباحثة نهى ميلور، الّتي أقرّت أن نظريّة الحقل تقدم إطارا جديدا لدراسة الصّحافة العربيّة بوصفها حقلا اجتماعيّا يتلاءم مع الحقول الأخرى في المجتمع كالحقل السياسيّ والاقتصاديّ.[28] وهذا على الرغم من مأخذها على هذا المنظور، كالقول أنه مستلهم مما آل إليه التلفزيون الفرنسي الّذي ارتهن إلى سوق الإعلان وقياس نسبة المشاهدة، خاصة بعد أن تنازلت الدولة الفرنسيّة على احتكار الإعلام التلفزيوني بدءًا من 1981. وأن التماثل بين منتجي الإعلام ومستهلكيه في امتلاك رأسمال الثقافي ينعدم في الإعلام العربي. ودليلها في ذلك مستوى لغة الصحافيين في الأخبار التلفزيونية وجمهورهم العريض بشكل أساسي.[29]
استخدمت نهى بلور مفهوم الصّحافة كمهنة. لذا ركزت في تحليلها على القنوات التلفزيونية العربيّة، وبيّنت النزاع بين القنوات التلفزيونية والفضائيات القوميّة، وبين الفضائيات الإخباريّة والترفيهيّة. وبهذا همشت الصّحافة الورقيّة. وبخصوص هذه الأخيرة نسجل تحفظنا على مأخذ “ميلور” المتعلق بلغة الصّحافة الورقية وقراءها في المنطقة العربيّة. لقد نشأت هذه الصّحافة نخبويّة، وظلت كذلك في بيئة حضرية، أي أن صحافييها وقراءها يتقاسمون اللغة العربيّة الفصحى.
إنّنا نستخدم مفهوم الحقل في دراسة وهن الصّحافة العربيّة وعسر تحولها في البيئة الرقمية من حيث انتهى إليه بورديو، وتحديدا في إشارته إلى فقدان هذا الحقل استقلاليته إزاء الحقل الاقتصاديّ. وحجتنا في ذلك أن الصّحافة العربيّة لم تفقد استقلاليتها اليوم، بل حدث ذلك عبر مسار تشكلها الطويل، بوتيرة مختلفة من بلد عربي إلى أخر. ونزعم بأنها فقدت استقلاليتها عن الحقل السياسيّ بدرجة أساسية، وليس من الحقل الاقتصادي لأننا نعتقد أن هذا الحقل مرهون للحقل السياسي، كما سنوضح في ثنايا تحليلنا.
إن الوظيفة الأساسيّة لأي حقل هي الحفاظ على انفصاله العملي عن بيئته المكوّنة من حقول أخرى، عن طريق تحويل كلّ المؤثرات الّتي تأتيه من البيئة إلى عبارات وإجراءات وتصورات تتفق مع آليات عمله. وعندما يفشل الحقل بذلك يتبدّد بكلّ بساطة، وينحلّ في بيئته، تماماً كما تتبدّد بقعة من الحبر في كأس ماء.”[30]
متغيرات هشاشة الصّحافة الورقيّة العربيّة
نجانب الصواب إن اعتقدنا بأن الصّحافة العربيّة تشكل كتلة واحدة متجانسة لأسباب متعددة، منها تفاوت نسبة الأميّة بين البلدان العربيّة، ومستويات الدخل الفردي والقدرة الشرائية، ودرجة تطور البنية القاعديّة للصناعة الصّحفيّة، ونسبة تغلغل شبكة الانترنت في كلّ بلد عربي، واختلاف التّقاليد الثّقافيّة والّسياسيّة وتنوعها الّتي تؤكّدها مجموعة من الشواهد والقرائن. فلو اقتصرنا على البلدين الجارين: الجزائر والمغرب فقط فإننا نلاحظ أن الصُّحف الأسبوعيّة والحزبيّة أكثر حضورا في المغرب من الجزائر. فضلا عن غياب النوع الأخير من الصُّحف في الكثير من البلدان العربيّة. لكن بصرف النظر عن هذا الاختلاف تعاني جلّ الصُّحف العربيّة من هشاشة مزمنة شاملة تختلف وطأتها من بلد إلى أخر.
في محاولة فهمنا لهذه الهشاشة ارتأينا التركيز على تصور بعض المؤسسات الصّحفيّة العربيّة وصحافييها وكتابها لها. إذ لاحظنا أن جلّ مسؤولي المؤسسات الصّحفيّة وملاكها مقتنعون بأن الصّحافة العربيّة جزء من الصّحافة العالميّة، الّتي تعاني من أزمة شديدة الوطأة، وأن مآلها الزوال آجلا أو عاجلا. والصّحافة الورقيّة العربيّة لا تشكل الاستثناء. وخلافا لذلك يرى البعض أن أزمتها وليدة انعدام الديمقراطية وتشدّد القوانين الّتي تحدّ من حريتها. فـــ ” استمرار ممارسة الرَّقابة على ما تنشره الصُّحف وممارسة الصحافيين للرقابة الذاتيّة ينال من حرية التعبير، ويقوض النماذج الاقتصاديّة للمؤسسات الإعلاميّة القابلة للتطبيق في المنطقة العربيّة.” [31]وهكذا يتضح أن رهان تطور الصّحافة العربيّة يظلّ مرتبطا بتغيير النظام السياسيّ والدليل على ذلك أن حركة إصلاح وسائل الإعلام انخرطت في الحركة الأوسع، والمتمثلة في التغيير السياسي،[32] مثلما جرى في تونس بعد تنحية الرئيس زين العابدين بن علي من الحكم.
إن القراءة المتأنّية لما كتبته الصُّحف عن أزمة الصّحافة العربيّة يدلّ على نوع من الالتباس بين أسبابها ونتائجها وذلك لطبيعتها المعقّدة؛ أي بين المتغيرات المستقلة في هذه الأزمة وتلك التابعة. سنحاول أن نبيّن في الجدول رقم 1 المتغيرات المستقلة الّتي تكشف، بهذا القدر أو ذاك، عن العوامل الّتي صنعت هذه الأزمة أو عجلت في قدومها أو جعلتها مزمنة. بعضها يبدو خاصا بهذا البلد أو ذاك، وأكثرها يبدو مشتركا بين كلّ البلدان العربيّة:
الجدول رقم 1: المتغيرات المستقلة في أزمة الصّحافة من منظور المؤسسات الصّحفيّة وكتابها.
تضخم اليد العاملة | ضعف رأسمال الصُّحف | أزمة الثقافة العربيّة | منافسة الانترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية | أزمة عالمية | أزمة توريث | تخريب مقرات الصُّحف
|
تراكم ديون الصُّحف | تراجع التمويل السياسي | ضعف إدارة الصُّحف | قيود قانونية وانعدام الحرية | صعوبات التوزيع | تراجع عائدات الإعلان | ارتفاع كلفة الإنتاج والتوزيع | قلة القراء | احتكار الإعلان | البلد |
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | موريتانيا | |||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | المغرب | ||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | الجزائر | ||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | تونس | ||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | ليبيا | ||||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | مصر | |||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | السودان | |||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | لبنان | |||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | الأردن | |||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | العراق | ||||||
√ | √ | √ | √ | √ | الإمارات | |||||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | قطر | |||||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | السعودية | |||||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | الكويت | ||||||||||
√ | √ | √ | البحرين | |||||||||||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | اليمن |
الجدول رقم 2: المتغيرات التابعة في أزمة الصّحافة من منظور المؤسسات الصّحفيّة وكُتّابها.
تقليص عدد الصفحات | تراكم ديون الصُّحف | ضعف الكوادر | نراجع القراء وارتفاع المرتجعات | تراجع السحب | تسريح الصحافيين | التوقف عن الصدور | النشر الإلكتروني | إفلاس المطابع أو توقفها المؤقت
|
البلد |
√ | √ | √ | √ | موريتانيا | |||||
√ | √ | √ | √ | √ | المغرب | ||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | الجزائر | |
√ | √ | √ | √ | تونس | |||||
√ | √ | √ | √ | ليبيا | |||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | √ | مصر |
√ | √ | √ | √ | السودان | |||||
√ | √ | √ | √ | √ | √ | لبنان | |||
√ | √ | √ | الأردن | ||||||
√ | √ | √ | √ | العراق | |||||
√ | √ | √ | √ | √ | الإمارات | ||||
√ | √ | √ | قطر | ||||||
√ | √ | √ | √ | √ | السعودية | ||||
√ | √ | √ | √ | √ | الكويت | ||||
√ | البحرين | ||||||||
√ | √ | √ | √ | اليمن |
ارتفاع كلفة إنتاج الصّحافة الورقيّة وتوزيعها
يستشف من الكتابات الّتي قمنا بتحليلها توافق تام على ما يؤكده الاقتصاديون الّذين يرون بأن الصّحيفة الورقيّة سلعة شديدة التلف. وسعر بيعها لا يغطي تكاليف إنتاجها. إنّها تخضع لمعادلة ذات أطراف متعدّدة ومتداخلة: الناشر، والمعلن أو المُشَهِر، والموزع، والقارئ. لذا يتسم اقتصادها بالتعقّد. وهي السّمة الّتي لا ينفيها اختلاف الوضع القانوني للناشر (تابع للقطاع العام أو الخاص)، ولا ما أصبح يعرف في عالم الاقتصاد “بالعوامل الخفيّة” الّتي تؤثر على الإنتاج والاستهلاك.
في توصيف إحدى مستويات أزمة الصّحافة العربيّة يمكن القول أنّها نتيجة خلّل كبير، ما انفك يتفاقم من سنة إلى أخرى، بين الأطراف المذكورة، حيث نلاحظ بيسر تشابه مؤشرات هذه الأزمة وتقاربها فيما يلي:
- تعاني الكثير من الصُّحف العربيّة من ارتفاع متزايد في تكلفة إنتاجها مع التراجع المستمر في مواردها الماليّة. فالورق والطباعة، على سبيل المثال، أصبحت تستحوذ على ما بين 75 و80 % من نفقات الصُّحف.[33]وهذه النسبة مرشحة للارتفاع في ظل تراجع قيمة العملات الوطنيّة أمام العملات الأجنبيّة. لقد استمر سعر الورق في الارتفاع في السوق الدوليّة منذ تسعينات قرن الماضي ليبلغ، على سبيل المثال، نسبة 90 % في مصر في السنة 2018[34].
وأدى هذا الارتفاع إلى توقف بعض المطابع عن سحب الصُّحف لعدة أسابيع متواصلة، كما حدث في موريتانيا في2014. وإلى إفلاس بعض المطابع في السودان. وتراكمت ديون نظيراتها الحكومية في الجزائر، مما أدى بمطبعة مدينة “ورقلة ” بالجنوب الجزائري إلى غلق أبوابها.
وعلاوة على ارتفاع كلفة الطباعة، تزايدت كتلة أجور عمال الصُّحف الّتي من المفروض ألا تجاوز 35 % من رقم أعمال الصّحيفة حتّى لا تتعرض ميزانيّتها إلى الاختلال، لكنها أصبحت تستأثر بما بين 60 و70 % من نفقات العديد من الصُّحف العربيّة. فموارد الجريدة التونسيّة المسماة ” الصّحيفة”، على سبيل المثال، لا تكفي لسد سوى 25 % من أجور الأعوان العاملين فيها![35]
وتعاني الصُّحف العربيّة من زيادة تكاليف توزيع الصُّحف. فالموزعون أصبحوا لا يرضون بـ 20% من سعر الصّحيفة في السوق، وشرعوا في اقتطاع حوالي 30% من مبيعاتها.
إن ارتفاع تكلفة الطباعة والتوزيع أدى إلى عجز بعض الصُّحف عن تسديد رواتب عمالها لعدة أشهر متتالية، وإلى تراكم ديون البعض منها. فديون الصُّحف القومية المصريّة على سبيل المثال قفزت إلى حوالي مليار و100 مليون دولار في 2018 بعد أن بلغت 700 مليون دولار في السنة الّتي سبقتها![36] وأجْبرت بعض الصُّحف الجزائرية الخاصة على التوقف عن الصدور بعدما يئست من تسديد ديونها. هذا ما فعلته الصّحيفة الجزائرية الخاصة La tribune، على سبيل المثال، في 2015 عندما ارتفعت ديونها إلى 3,624,173.23 دولار.[37]وبلغت خسائر يومية “الصّحافة” التونسية في2011 ما يعادل 1406173 دولارا أمريكيًّا.[38] بالطبع لا تعاني كلّ الصُّحف العربيّة من ضائقة مالية، من حسن الحظ، ربما لأسباب غير اقتصاديّة.
سعت الصُّحف الّتي تعاني من ضائقة مالية أو خلّل في ميزانيتها إلى رفع سعر الجريدة[39] من أجل تحسين وضعها المالي، مثلما جرى في السودان، والجزائر لكن دون جدوى، بل بالعكس ساهمت بفعلها هذا في رفع نسبة مرتجعاتها.
تراجع السحب والتوزيع وتزايد المرتجعات!
وحاولت بعض الدول العربيّة معالجة هذه الظاهرة بأشكال مختلفة. فتونس على سبيل المثال اعفت استيراد ورق المطابع من ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية بنسبة 25% في منتصف تسعينات القرن الماضي. لكن هذا الإجراء لم يطبق سوى على الصُّحف الّتي تستورد كميات كبيرة من الورق![40] وقامت الجزائر، من جهتها، بتسديد الفارق في سعر الصرف الناجم عن شراء الورق بعد تدهور عملتها الوطنية.[41]
لعل أكبر العوامل الّتي تقف وراء تراجع مبيعات الصُّحف يكمن في تناقص عدد قرائها الفعليين في كلّ البلدان العربيّة تقريبا، إذ تراجع قراء الصُّحف اليوميّة في كلّ من مصر، والإمارات العربيّة المتحدة، وقطر، والمملكة العربيّة السعوديّة، والأردن ولبنان وتونس بنسبة تتراوح ما بين 47% إلى 25% خلال الفترة الممتدة من 2013 إلى 2017. وتراجعت نسبة قراء المجلات في الدول ذاتها خلال الفترة الزمنية عينها من 26% إلى 19%[42]. ويربط الكثير من المهنيين والباحثين هذا الانخفاض بوفرة الأخبار والإعلام وتعدّد حواملهما، والتوجه المتزايد لتلقّي الأخبار عبر الهواتف الذّكيّة. فثلاثة أرباع من الّذين شملتهم الدّراسة المسحيّة الّتي أُجْريت في البلدان المذكورة أعلاه في 2017 تلقوا الأخبار عبر هذه الهواتف.[43] وأن الشّباب في المنطقة العربيّة هم الفئة الّتي تغير نمط ” استهلاكها” للأخبار أكثر من بقية الفئات الاجتماعيّة الأخرى. فالبحوث أكدت أن 49% من الشّباب في البلدان العربيّة يتلقون الأخبار يوميًّا من موقع شبكة الفيسبوك.[44]
ظلّت الصّحافة في بعض البلدان العربيّة تعاني ضعف الصّلة بقرائها للعديد من الأسباب، منها سوء توزيعها، وتأخر وصولها إلى السوق[45] الّذي يشتكي منه العديد من مالكي الصُّحف. ففي العراق، على سبيل المثال، تمنح الدولة إعانة مالية لموزعي الصُّحف، لكنهم لم يبذلوا، مع الأسف، الجهد المطلوب لإيصالها إلى القراء في كلّ الأقاليم. والأدهى أنهم لا يدفعون لإدارة الصُّحف ثمن الصُّحف الّتي باعوها.[46] والكثير من الصُّحف الجزائريّة الّتي نشأت في زخم التعدّدية السّياسيّة والإعلاميّة بموجب دستور 1989 اختفت بسبب الموزعين الّذين لا يوزعون كلّ النسخ الّتي يستلمونها من المطابع. ويقومون بتدوير قسطا كبيرا منها بذريعة أنها مرتجعات!
لا يشكو الناشرون من سوء توزيع صحفهم واضطرابه في بعض الأحيان فحسب، ولا من تأخر الموزعين عن منحهم مستحقاتهم المالية عن مبيعات صحفهم فقط، بل يشتكون أيضا من عدم استلام البيانات المتعلقة بخارطة توزيع صحفهم، وعدد المرتجعات في آنها حتىّ يتحكموا في السحب، ويضبطون عملية التوزيع. ويظلّ مشكل توزيع الصُّحف قائما، خاصة وأنه لا يخضع للمراقبة والتدقيق من قبل مؤسسات معتمدة في التوزيع في البلدان العربيّة باستثناء المغرب والإمارات وعمان.
إن سوء التوزيع وتراجع القراء أديا إلى خفض سحب الصُّحف. فحسب التقديرات الّتي قدمها محمد شومان لم يزد معدل توزيع الصُّحف المصريّة عن 300 ألف نسخة يوميًّاً في 2018. وهذا الرقم لا يمثل سوى العُشر الّذي وزعته هذه الصُّحف في 2000. لقد كانت توزع آنذاك 3.5 مليون نسخة.[47] وعلى الرغم من ارتفاع عدد الصُّحف اليوميّة في الجزائر من 131 عنوانا في 2012 إلى 133 عنوانا في 2017 إلا أن معدل سحبها اليومي تراجع خلال الفترة ذاتها من 2 850 160 إلى 1009520 نسخة.[48] فالسحب اليومي لصحيفة الشروق، على سبيل المثال، وهي أكبر صحيفة جزائرية ناطقة باللغة العربيّة، انخفض خلال الفترة ذاتها بـ 17.83% ليبلغ 35551 نسخة. وهذا الرقم بعيد جدا عن المليون نسخة الّتي كانت تسحبها في 2010.[49] وعلى الرغم من أن الصُّحف المغربيّة الصادرة باللّغة العربيّة تعد أكثر مقروئية من الصُّحف الصادرة باللّغة الفرنسيّة إلا أنها اضطرت هي الأخرى إلى تقليص سحبها. لقد انخفض سحب صحيفة المساء، على سبيل المثال، الّتي تُعتبر أكثر انتشارا في المغرب، من 113 ألف نسخة في 2010 إلى ما يزيد قليلا عن 47 ألف نسخة في2017؛ أي أنها قلصت سحبها بنسبة 59 %. وتراجع سحب صحيفة الصباح المغربية بنسبة 50 %.[50] قد يبدو للبعض أن تراجع سحب العديد من الصُّحف لا يعدّ مؤشرا قوّيًّا يدلّ على أزمة الصّحافة العربيّة وذلك لأزمة الورق الّذي تعاني منه المطابع فتضطر إلى تقليص سحب الصّحف من جهة، وإلى المساومة[51] الّتي تمارسها المطابع، خاصة الحكوميّة، على بعض الصُّحف لتغيير خطها التحريري، من جهة أخرى.
على الرغم من اضطرار الصُّحف العربيّة إلى تخفيض متفاوت في عدد سحبها إلا أن مرتجعاتها لم تتناقص، بل تجاوزت النسبة المقبولة دوليّا والمقدرة بـ 15 %. فعلى سبيل المثال، تشير الإحصائيات إلى أن مرتجعات الصحف العربيّة تتراوح ما بين 23%[52]لصحيفة الاهرام المصريّة و76.8! % لجريدة ” الصّحافة ” التونسيّة[53]
منطق الصّحافة الورقيّة غير الاقتصاديّ
تؤكد اقتصاديات الإعلام على أنه يتوجب على الصّحيفة الّتي توزع 20 ألف نسخة يوميّا، وتضمن على الأقل 40 %من عائداتها من الإعلان، حتّى تتمكن من تحقيق توازنها المالي.[54] لكن عائدات العديد من الصُّحف العربيّة من الإعلان ظلّت بعيدة عن هذه النسبة لسببين أساسيين، على الأقل، وهما:
- بدأ سوق الإعلان في الدول العربيّة في التراجع التدريجي منذ بداية الأزمة الاقتصاديّة العالميّة في 2008، وما أنجر عنها من انخفاض في سعر النفط الّذي يعدّ المصدر الأساسي للدخل الوطني بالنسبة لبعض الدول. وتشير شركة الأبحاث الألمانية Statista في تقريرها إلى أن الإنفاق الإعلاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تراجع بنسبة 6%، أي انخفض من 3 مليارات دولار في 2019 إلى 2.69 مليار دولار في 2020.[55] هذا علاوة على أن الصُّحف العربيّة أضحت تتقاسم سوق الإعلان مع منافسين جديد، مثل شبكة الانترنت الّتي ارتفع نصيبها من عائداته بـ 5.1 %في 2020.[56]
إن نسبة تراجع سوق الإعلانات ليست ذاتها في كلّ بلد عربي. فالاتفاق الإعلاني في السعودية على الرغم من تراجعه لا يقارن بالإنفاق الإعلاني في الجزائر على سبيل المثال، والّتي تعد في قائمة البلدان النفطيّة، والّذي تراجع بـ 60% خلال السنوات الأربع (2014-2018).[57]. ووقع هذا التراجع على الصُّحف يختلف من بلد إلى أخر. ففي المغرب، الّذي يتسم بالاقتصاد الحر، انخفض نصيب الصّحافة من هذا السوق بنسبة 55% خلال الفترة الممتدة من2010 إلى2018 حيث انتقل ممّا يعادل 75 مليون إلى ما يعادل 34 مليون دولار أمريكي.[58] هذا مع العلم بأن تنافس الصُّحف مع شبكة الانترنت في سوق الإعلان غير متكافئ. فشبكة الانترنت تعرض إعلاناتها بسعر أقل من الصُّحف الورقيّة بنسبة 80 %[59]، وبنجاعة أفضل لأنها تتجه رأسا إلى الزبون المعروف بملامحه الشخصيّة والاجتماعيّة وسلوكه الاستهلاكيّ.
2- أمام احتكار سوق الإعلان في بعض الدول المشار إليها في الجدول رقم 1 يجري توزيعه على الصُّحف على أساس غير مهنيّة إن لم تكن مشبوهة، لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار وزن كلّ صحيفة في السوق ولا تأثيرها السياسي والاجتماعي على القراء، ولا متطلبات الخدمة العموميّة، بل يخضع للولاءات السّياسيّة والمحسوبيّة. فالكثير من الصُّحف توقفت عن الصدور بعد أن عوقبت على مواقفها السّياسيّة وحُرمت من عائدات الإعلان.[60]
لقد تحول الإعلان إلى مفسدة المنظومة الصّحفيّة في أكثر من بلد عربي في نظر الكثير من المسؤولين في قطاع الإعلام، إذ يذكر المدير السابق للوكالة المحتكرة لسوق الإعلان في الجزائر[61]، أن هذه الأخيرة أنفقت حوالي 38 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2020 على 40 جريدة لا علاقة لأصحابها بالإعلام” أصلا. فبعضهم أصدر صحفا مصنفة على أساس أنها أسبوعية لكنها تصدر 3 مرات في الأسبوع! وبعضهم يملك صحيفتين أو أكثر بنفس المسمى، وبعضهم الأخر لا يوزعها بعد طبعها، بل يتركها مكدسة في المطبعة لأنه غاية وجودها هو الريع الإعلاني لا غير.
تأسيسا على ما سبق ذكره من متغيرات يمكن أن نفهم تزايد عدد الصُّحف العربيّة الّتي توقفت عن النشر في جلّ البلدان العربيّة. ففي مصر على سبيل المثال توقفت 53 صحيفة عن الصدور خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2019[62]. وفي الجزائر توقفت 26 صحيفة يومية و34 مجلة أسبوعية عن الصدور في 2014. لقد امتدت الأزمة إلى المطبوعات العريقة، مثل ” صحيفة الحياة” السعودية، و” النهار ” والسفير” اللبنانيتين، لتجبرها على التوقف عن الصدور. أما الصُّحف الّتي استطاعت أن تصمد فقد اضطرت إلى تقليص عدد صفحاتها في كلّ من الجزائر والعراق وحتّى في الكويت. فصحيفة القبس الكويتية، على سبيل المثال، تخلت عن نصف صفحاتها المعتادة.
ويمكن تفسير الصعوبات الّتي تواجهها بعض الصُّحف بتراجع تمويلها السياسي سواء القادم من الخارج أو الداخل في كلّ من لبنان، واليمن، والكويت، على سبيل المثال، والّذي يأخذ أشكالا مختلفة، مثل الإعانات المالية مباشرة أو بشكل غير مباشر مثل الإعلان المقنع، وشراء كميات كبيرة من النسخ، وتزويد الصّحيفة بالتجهيزات الضرورية.
ويمكن ايعاز أزمة بعض عناوين الصُّحف في المنطقة العربيّة إلى ضعف إدارة المؤسسات الصّحفيّة الّتي أوكلت إلى من لا يملك خبرة في العمل الصّحفيّ ولا في إدارة وترشيد النفقات.[63] وتجلى هذا الضعف في التوظيف العشوائي دون الاستناد إلى معايير مهنيّة، ممّا أدى إلى تضخم اليد العاملة في بعض الصُّحف، ووجود عدد من الصحافيين والعمال الّذين يتقاضون رواتب دون أن يؤدون واجبهم المهني.[64] وعدم استثمار الطاقات البشرية، والاحجام عن الاستثمار في قاعة التحرير.
الصّحافة العربيّة ومساعي التحوّل:
شرعت بعض الصُّحف العربيّة في النشر عبر شبكة الانترنت قبل العديد من الصُّحف الأجنبية، مثل صحيفة “لوموند” الفرنسيّة) 19 ديسمبر- كانون الأول 1995( و”نيويورك تايمز” الأمريكية ) 22 يناير -جانفي 1996 (. فصحيفة الشرق الأوسط، على سبيل المثال أنشأت موقعها في شبكة الانترنت في 9 سبتمبر – أيلول 1995، ثم تلاها العديد من الصُّحف العربيّة. واليوم لا تخلو أي صحيفة ورقيّة في المنطقة العربيّة من نسخة رقميّة لكنها تعثرت بينما نجحت الكثير من مواقع الصُّحف الأجنبيّة في شبكة الانترنت في انقاذ الطبعة الورقية ورفع تأثيرها في المجتمع، وجعل المؤسسة الّتي تنشرها علامة تجارية ناجحة، كما سنرى لاحقا.
ربما يدفع هذا التعثر إلى السؤال عن الأسباب الّتي دفعت مسؤولي الصُّحف العربيّة إلى إنشاء مواقع لها، ومتعدّدة، نذكر منها أن بعض أرباب الصُّحف الجزائرية لجأوا إلى النشر عبر الانترنت في البداية تحسبا للرقابة والمنع الّذي قد تتعرض له طبعتهم الورقية. هذا ما حدث فعلا لبعض الصُّحف الجزائرية الّتي منعت من الطبع لمدة شهر في 1998. لكنها لم تتوقف بل استمرت في النشر عبر شبكة الأنترنت لأنها تصدر بعنوان بلد أجنبي.[65] وبعضها أراد بلوغ القراء القاطنين خارج الوطن والمحرومين من النسخة الورقية[66]. ربما آمن بعض المسؤولين بأن الانتقال الرقمي لصحفهم أضحى ضرورة حتمية للخروج من الأزمة الّتي تتخبط فيها لأن الطبعة الرّقميّة غير مكلفة مقارنة بالطبعة الورقيّة.[67] ومهما اختلفت أسباب إنشاء طبعات رقمية للصحافة يتضح أن أصحابها لم يملكوا الوعي والدراية بمتطلبات هذا الانتقال على الصعيد التنظيمي، والتأهيلي للصحافيين، وعلى أشكال التعبير الصّحفيّ الرقميّ، واعتقدوا في البداية أن شبكة الانترنت مجرد” لوح” لنشر محتويات الصُّحف الورقيّة والّذي يؤدي في أخر المطاف إلى الاستغناء عن الورق[68]. لذا شرعت جلّ الصُّحف العربيّة في نشر محتوياتها كنسخة مصورة عن الطبعة الورقيّة في شبكة الانترنت في قالب PDF ويمكن للقراء الاطلاع على محتوياتها مجانا، بل حتىّ تحمّيلها، وبعضها استمر في ذلك. ثمّ أدرك ناشرو الصُّحف أن هذا الأمر يدفع إلى العزوف عن قراءة النسخة الورقيّة. فقرروا تأخير موعد النشر في شبكة الانترنت لإتاحة الفرصة لبيع النسخ الورقيّة.[69]
على الرغم من التطور الملحوظ على بعض واجهات الصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت والممثل في الابتعاد عن الجمود، وتوفير شريط الأخبار العاجلة، وابتكار بعض الصحف تطبيقا رقميًّا خاصا بها، مثل تطبيق نبض في صحيفة الدستور الأردنيّة، إلا أن السؤال يظل قائما: هل استغلت الصُّحف العربيّة كلّ الإمكانات الصُّحفية الّتي يوفرها الواب 2؟
لم تتحرّر جلّ مواقع الصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت من مخيال الصّحافة الورقيّة، إذ ظلت مواظبة على إعادة إنتاج نفس المحتويات الّتي تنشرها في طبعتها الورقيّة، حتىّ بعد انتقالها إلى النشر في قالب ” HTML “. وهذا الأمر ينطبق حتّى على الصُّحف الّتي أنشأت قاعة تحرير خاصة بالطبعة الرّقميّة.[70] والدليل على ذلك أن الكثير منها تتعامل مع الأخبار بالطريقة ذاتها الّتي تتعامل معها الصُّحف المكتوبة الّتي تصدر كلّ 24 ساعة. ولا تقوم جلّ مواقع الصُّحف بتحديث محتويات ما تنشره، بل أن بعضها يتماهي مع الصّحافة الورقيّة فيصدر المحتويات بالتاريخ الّذي صدرت به النسخة الورقية، والكثير منها يظل يحتفظ في الواجهة بالمحتويات ذات الطابع الإخباري وليس الفكري الّتي نشرت قبل أيام بل أسابيع! كما تفعل صحيفة سراج الأخبار الموريتانية على سبيل المثال, حقيقة هناك مواقع بعض الصُّحف، تذكر وقت نشر محتوياتها بالساعة والدقيقة كمؤشر على مدة حضورها في واجهة الموقع، لكن هذا الأمر غير كاف إن لم يتم تحديث المحتويات الّتي تتطلب ذلك لمواكبة تطور الأحداث من جهة، وللتصدي لمواقع الشبكات الاجتماعيّة الّتي أصبحت اليوم تنافسها. فعدم تحديث محتويات قد يشكل عائقا لكل مسعى يروم كسب قراء جدد.
يكشف تحليل بعض مواقع الصُّحف العربيّة – أنظر الجدولين رقم 3 و4- على عدم الاستفادة من الخصائص الّتي تتسم بها الصّحافة الرّقميّة، والّتي ذكرناها آنفا، وهي تحديث المحتويات، والكتابة غير الخطيّة، والمتعدّدة الوسائط، ولا تستخدم التّفاعليّة إلا في حدودها الدنيا.
تعتمد جلّ مواقع الصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت على الكتابة الخطية شأنها في ذلك شأن الصّحافة الورقيّة. فلم تستثمر في النّصّ المتشعب بل اكتفت باستخدامه في حدوده الدنيا: الكبس على عناوين المواد الصّحفيّة للاطلاع على محتوياتها أو على المقالات السابقة لبعض الكتاب فقط، أو المواضيع ذات الصلة مثلما هو الأمر في صحيفة الأخبار اللبنانية وأخبار الخليج على سبيل المثال. فالكتابة وفق النّصّ المتشعب تعني إعادة النظر في العمل الصّحفيّ التقليديّ. وبصرف النظر عن بعدها الأنطولوجي والوظيفي في مواقع الصُّحف في شبكة الانترنت، تساهم الوصلات Links الرّقميّة، الّتي تشكل العنصر المكون للنّصّ المتشعب، في تطليق فلسفة المادة الصحفية المغلقة أو الصحافي المكتفي بذاته لأنها تدفع النّص الصحفي إلى الانفتاح على المزيد من المعلومات والبيانات الرّقميّة ذات الصلة، وإلى إقامة حوار ضمني مع القارئ[71]، وتقديم وجهات النظر والحجج الّتي تخدم النّصّ الصّحفيّ أو تدعو القارئ إلى التساؤل. هذا علاوة على أنه يمكن اعتبار النّصّ المتشعب ” حيلة” لشدّ الانتباه الّذي يتعرض إلى منافسة محتدّة تؤجّجها المواقع الإخباريّة في شبكة الانترنت والميديا الاجتماعيّة. ويعتبر النّصّ المتشعب أيضا مصارحة القارئ ضمنيا بشفافية العلاقة مع مصادر الأخبار مما يزيد في منسوب مصداقية المحتويات الّتي تنشرها المواقع الصّحفيّة. ولعل نقطة ضعف الصّحافة العربيّة تكمن في هذا المجال، إذ أنها تتعامل مع مصادر الأخبار بطريقة أقل ما يقال عنها أنها غير شفافة وغير مهنيّة.
الجدول رقم 3: استغلال الإمكانيات الّتي توفرها شبكة الانترنت
الذاكرة | محرك بحث داخلي | التحديث | الأنية | كتابة متعددة الوسائط | النّصّ المتشعب | التّفاعلية | الصّحيفة | |
غير منظم | منظم | |||||||
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الاتحاد | ||
نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | السياسة | ||
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الراية | ||
نعم | نعم | لا | نعم | لا | نعم | عكاظ | ||
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | أخبار الخليج | ||
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | عدن الغد | ||
نعم | نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الأخبار | |
نعم | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | الدستور | |
نعم | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الصباح الجديد | |
نعم | نعم | نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الأهرام |
لا | لا | لا | لا | لا | صدى الأحداث | |||
نعم | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | الناس | |
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الشروق | ||
نعم | نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الخبر | |
نعم | لا | نعم | لا | لا | نعم | الصباح | ||
نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | السراج الاخباري |
تميل الصّحافة الأجنبيّة إلى استخدام ” الوصلات الرّقميّة” Links ” لربط نصوصها وأرشيفها بغية شدّ القارئ للبقاء أطول مدة ممكنة في موقعها. ولا تلجأ إلى استخدام الروابط الرّقميّة الخارجيّة الّتي تحيل القارئ إلى خارج موقعها في شبكة الانترنت لأسباب معرفيّة فقط، بل لأسباب تجارية أيضا، وذلك لأنّ هذه الوصلات تساهم في زيادة انتشارها وتمنحها الفرصة لكسب المزيد القراء والمعلنين الجدد.
تتنافس مواقع الصُّحف في شبكة الانترنت لأخذ أحسن ترتيب في “الباحوث” المختص في الأخبار، مثل ” غوغل نيوز” Google News، وذلك لأن نصف قراء الصُّحف الأوروبية في شبكة الانترنت في 2013 وصلوا إليها بفضله.[72] ومنذ ذاك التاريخ وعددهم ما انفك يتزايد، ممّا أدى بالصُّحف في البلدان الأوربية) فرنسا، اسبانيا، بلجيكا(… والولايات المتحدة الأمريكية وأخيرا استراليا إلى رفع دعوات قضائية ضد “غوغل” الّذي اتهموه بكسب المال بجهدهم.
بعض الصُّحف العربيّة القليلة الّتي درسناها تستخدم الكلمات المفتاحية، مثل الأهرام المصريّة، بغية الحصول على أفضل ترتيب في هذا الباحوث. لكن كيف تحقّق ذلك وهي تفرِّط في تحديث محتوياتها؟ إنّ التحديث يُعدّ الشرط الأساسي والحاسم في ترتيب الصُّحف الّذي تُعدّه خوارزميات هذا الباحوث. هذا إضافة إلى أنه من المحتمل أن يكون لهذا الترتيب نتائج سلبية على الصّحيفة إن كانت الكلمات المفتاحيّة تقود القارئ، بفضل هذا الباحوث، إلى مواد صحفية خالية من أي قيمة مضافة، بل تجترّ ما تتداوله وكالات الأنباء من أخبار.
في ظل التنافس على جذب الانتباه في البيئة الرّقميّة، وأمام طوفان الأخبار الطافحة في شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فضلت الصُّحف الأجنبيّة أن تكون مرئية أكثر دون التفريط في حق قرائها الّذين يزيد عمرهم عن 50 سنة في قراءة المواد الدسمة. وعلى هذا الأساس اتجهت الصّحافة العربيّة إلى استعمال شرائط الفيديو لنقل الأخبار في مواقعها الرّقميّة، بل أن بعضها أختار نشر أخبار في القناة المرئية الّتي أنشأها، مثل صحيفة الأخبار والراية القطريّة، ويتماشى هذا الاختيار مع الحقائق الّتي تبيّنها الدراسات الميدانيّة القليلة، والّتي تؤكد على أن الشّباب والطلبة في بعض البلدان العربيّة الّذين يتابعون الصُّحف الرّقميّة يفضلون الاطلاع على الأخبار عبر شرائط الفيديو أكثر من النّصّوص المكتوبة[73]. ويساير هذا الاختيار أيضا الاحصائيات الّتي قدمتها احدى الدراسات المسحيّة الّتي جرت في 2017[74] والّتي تكشف على أن مشاهدة الفيديو في الشرق الأوسط وبلدان المغرب العربي ارتفعت في العموم بنسبة 15 % منذ العام 2010، وذلك لزيادة استخدام الهواتف الذّكيّة. فكلّ السعوديين والقطرين والإماراتيين امتلكوا هاتفا ذّكيّا مقابل 80% من الأردنيين و65 % من التونسيين في 2017. وأن أكثر من ثلاثة أرباع من سكان المنطقة العربيّة أصبحوا يتابعون الأخبار عبر هواتفهم.
نعتقد أن استخدام الفيديو في مواقع الصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت بطريقة مستقلة بذاتها يجعلنا نتردّد في القول أن المادة الإعلاميّة في المواقع الرّقميّة للصحافة العربيّة أضحت متعددة الوسائط، أي أنها تستخدم النّصّوص القصيرة والصوتية والمرئية وأشكال الأنفوغرافيا الّتي تجسد شكلا جديدا من السَّرْد الرقمي، الّذي يعرفه “رالف أندرسون” بأنه ” يقوم على تطويع الأدوات الرّقميّة لسرد قصة ما، تحوي وسائط متعددة من نص وفيديو وصورة وصوت، إضافة إلى الأدوات والتطبيقات المتاحة، عن طريق دمجها وفق سيناريو مدروس يوصل القصة بشكل تفاعلي يعكس العقلية الّتي وصل إليها المتلقي بفعل التطور الرقمي”.[75]
لا تقف مواقع الصُّحف العربيّة في مستوى واحد في استخدامها لشريط الفيديو، فهناك فرق واضح بين صحيفة الاتحاد الإماراتية الّتي تقدم بورتريهات صحفية لأبناء الإمارات الّذين تميزوا في مهنهم الفنية أو نشاطهم الخيري، وصحيفة الراية القطرية الّتي تحاور مواطنيها والمقيمين فوق ترابها، وبعض الصُّحف العربيّة الّتي توظف شريط الفيديو لنقل مقاطع من الخطاب الرسمي المهيمن بعد نسخه ونشره في طبعتها الورقية، مثل صحيفة الخبر الجزائرية. وعلى الرغم من هذا التباين في استخدام الفيديو من الصعب القول إن مواقع الصُّحف العربيّة انتقلت إلى السَّرْد التّفاعلي أو الجزم بمساهمة شرائط الفيديو في رفع عدد زوار مواقع هذه الصُّحف وزيادة عدد مشتركيها في ظل غياب الاحصائيات. إن الكتابة وفق منطق الوسائط المتعددة باختيارات تقنية وجمالية متعددة لا يعتبر فعلا مجانيا، بل طريقة لتحقيق قدرا من التّفاعل ومشاركة القارئ.[76]
لعل التعريف الأكثر رواجا وقبولا للتفاعلية هو ذاك الّذي يراها ” كإجراء يمكن لتكنولوجيا الاتصال أن تنشئ بموجبه البيئة الّتي تحولت إلى ميديا والّتي يستطيع المشارك التواصل من خلالها، والمشاركة في تبادل الرسائل”[77]. فهل يسمح هذا التعريف بالاقتناع بأن التّفاعليّة في مواقع الصُّحف في شبكة الانترنت هي تحصيل حاصل لأنها تكمن في قدراتها Affordance التِّقنيَّة؟ وهل وقعت مواقع الصُّحف الجزائرية في شبكة الانترنت ضحية هذا الاقتناع الّذي يفصل المخيال الاجتماعي عن المخيال التقني في الصّحافة الرّقميّة، ويختزل التّفاعليّة في بعدها التقني؟ تقوم بعض مواقع الصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت بإرسال إشعارات لمشتركيها عبر الهواتف الذكية أو البريد الإلكتروني- أنظر الجدول رقم 4- تتضمن عناوين محتوياتها أو تعتمد على آليات الخلاصات RSS لإشعار مشتركيها بالجديد الّذي تنشره. لكن بعض الصُّحف الّتي قمنا بتحليلها لا تدرج حتى العنوان الإلكتروني لقاعة تحريرها، وتكتفي بالعنوان الإلكتروني لقسم الإعلانات والتوزيع! وتكتفي بذكر صندوق بريد مقر الصّحيفة ورقم الفاكس! ولا تسمح بنشر العنوان الإلكتروني لصحافييها وكتابها. ولا ندري مدى تفاعل الصحافيين في الصُّحف الّتي تسمح لهم بتذييل كتابتهم بعنوانهم الإلكتروني الشخصي مع القراء لأن تفاعلهم إن حدث يجري في الغالب في إطار خاص بعيدا عن البنية التنظيميّة للمؤسسة الصُّحفية. وبالتالي لا يبدو له أثر واضح على الممارسة الصُّحفيّة.
تخصص الكثير من الصُّحف خانات للتعليق على ما تنشره، وقد ذكرنا في الجدول رقم 5 أنها غير مفعلة، لاو ندري هل السبب يعود لإدارة الصُّحف الّتي احجمت عن نشر تعليقات القراء على ما تنشره بحجة سياسية أو أخلاقية أو أن القراء لا يعلقون أصلا على ما يقرؤونه. وبصفة عامة، يمكن القول إن الاقبال على التعليقات في بعض الصُّحف العربيّة يظل متواضعا جدا، إذ لا يتجاوز نسبة 0.5% من عدد الّذين اطلعوا على المادة موضوع التعليقات. وتنخفض عن هذا الحد في مواقع الصُّحف الصادرة بلغة أجنبية مثل الفرنسيّة.[78]
تجدر الإشارة إلى أن الصُّحف العربيّة لا تكشف في الغالب عن سياستها في مجال التعليقات الّتي تسمح لها بتأطير مساهمات القراء لتتجنب التجاوزات الّتي يعاقب عليها القانون، مثل بقية الصُّحف الأجنبيّة، كصحيفة لوموند مثلما ذكرنا آنفا، بل تكتفي بتحدّيد عدد الكلمات المتاحة في استمارة التعليقات. حقيقة، لقد بادرت بعض الصُّحف العربيّة بإنشاء مدونات منتديات في مواقعها الإلكترونية ثم تراجعت عنها، إذ اضطرت إلى غلقها لكونها اخذت مسارا يخالف اتجاه الصّحيفة[79]. وهذا التراجع لا يطرح الإشكال الّذي واجهته الصّحافة الأجنبيّة في انتقالها في بيئة الواب، والمتمثل في التوفيق والتناغم بين منطق المؤسسة الصُّحفية ومنطق القراء أو لنقل التفاوض حول “سلطة القول” في الصّحيفة، والّذي كان محل توتر شديد انتهي برسم الحدود بين منتجات الصحافيين ومساهمة القراء[80] بشكل ضمني أو صريح ومدون في ميثاق، كما هو الشأن بالنسبة لصحيفة لوموند الفرنسية. إن هذا التراجع يسائل مدى استعداد هذه الصُّحف لقبول آراء القراء والاضطلاع أيضا بدور منشط النقاش العام ومؤطره في الوقت ذاته، ومدى قدرتها على مراجعة تصورها للقارئ. لعل عدم قيام هذه الصُّحف بتصحيح الأخطاء الواضحة الّتي ترتكبها والّتي يشير إليها القراء في تعليقاتهم: تحديد موقع الأماكن والتواريخ، والأسماء،[81] ناهيك عن الاعتذار لهم، خير دليل على نظرتها لقرائها. قد يقول قائل إن بعض مواقع الصُّحف تستفتي قراءها عبر استطلاعات رأيهم في هذه القضية أو تلك. بالفعل إنها تفعل ذلك لكن جلّها لا يستغل نتائج الاستطلاع، مع الأسف، بصرف النظر عن مدى صحته من أجل إثارة النقاش العام، ودفع القارئ للإحساس بأنه شريك في دينامية التحول الّذي تعيشه الصّحيفة.
الجدول رقم 4: التّفاعليّة في الصُّحف العربيّة
الإعجاب | أكثر قراءة | محتوى تفاعلي | تعليق
|
مدونة إلكترونية | استطلاع الرأي | منتدى | RSS | نشرة إخبارية | الاتصال بالمصادر | الاتصال بكل الصحافيين | الاتصال ببعض الصحافيين | عنوان أو استمارة للاتصال بالصّحيفة | الصّحيفة | |
غير مفعل | مفعل | |||||||||||||
لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | نعم | الاتحاد | |||
لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | السياسة | ||||
لا | نعم | لا | نعم | لا | نعم | نعم | لا | نعم | نعم | الراية | ||||
لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | نعم | عكاظ | |||
لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | نعم | أخبار الخليج | ||||
لا | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | نعم | عدن الغد | |||
لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الأخبار | ||
لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | نعم | الدستور | |||
لا | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | نعم | الصباح الجديد | |||
نعم | نعم | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الأهرام | ||
لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | صدى الأحداث | ||||
لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الناس | ||
لا | لا | لا | نعم | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | الشروق | ||
لا | نعم | لا | نعم | لا | نعم | لا | نعم | لا | لا | لا | نعم | الخبر | ||
لا | لا | لا | نعم | لا | لا | لا | لا | نعم | لا | لا | نعم | الصباح | ||
لا | لا | لا | نعم | نعم | لا | لا | لا | لا | لا | لا | نعم | السراج الاخباري |
لا يستشف مما سبق ذكره أي تقديس للتفاعلية، وغيابها لا يدل على أن موقع الصّحيفة ضعيف أو سيء، بل يمكن أن يقدم خدمة ممتازة لقرائه الّذين يطالبون بالأخبار المختصرة والمكثفة والّتي يتم تحديثها نهارا وليلا[82]. لكن هذا الأمر صعب التحقيق في المنطقة العربيّة الّتي تعكف مواقعها في شبكة الانترنت على إعادة نشر برقيات وكالات الأنباء، الّتي تبثها وسائل الإعلام الأخرى، دون أي تحديث. وهذا الأمر يضعها في وضع المنافس الضعيف للمواقع الإخبارية في شبكة الانترنت المتحرّرة من المسؤولية المهنيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة الّتي تتحملها الصّحيفة.
لم تتردّد جلّ الصُّحف العربيّة في شبكة الانترنت عن استعمال مواقع التواصل الاجتماعي- أنظر الجدول رقم 6- لكن دون وعي برهانات اتصالها. هذا ما يتضح من خلال صب “محتويات النسخة الورقية” ذاتها في مختلف مواقع هذه الشبكات دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصية مستخدميها. فما معنى أن تنشر صحيفة يومية شاملة، مثل صحيفة السراج الإخباري الموريتانية، بعض محتوياتها الموجهة للعامة في موقع مهني مثل ” لينكد إن”؟ بالفعل لقد قامت صحيفة لوموند بذلك لأنها تصدر العديد من الملاحق المتخصصة الّتي يشرف عليها مختصون وتوجه إلى مهنيين في شتى المجالات. وما معنى أن تنشر ملخصات نصّيّة لمحتويات الصّحيفة في موقع ” انستغرام” المخصص لتبادل الصور وشرائط الفيديو؟ ولا تراعي حتى طبيعة مستخدمي هذه المواقع.
إن الغاية المرجوة من استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية لا تكمن في النشر، بل تشكيل جماعات Communities مرتبطة بالصّحيفة. وإن كنا لا ننفي احتمال تقاطع هذه الجماعات فإنها تتطلب متابعة ومهارات في إدارتها تفتقدها هذه الصُّحف. لذا نعتقد أن السؤال: كيف ساهم استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية في تحويل العلاقة بين الصّحافة والصحافيين والقراء؟ والّذي شغل الباحثين والصحافيين الأجانب منذ أزيد من عقد[83]، لا محل له من الاعراب في الصّحافة العربيّة.
لم تحقّق مواقع الشبكات الاجتماعيّة عائدا ماليًّا للصحف الأجنبيّة لكنها ساهمت في توسيع مرؤويتها في الفضاء الافتراضي، وفي إضفاء مسحة إنسانية عليها. وأضحى استعمالها بمثابة ” حيلة ” تستخدمها الصُّحف لتشكيل جماعات Communities وللتقرّب من الشّباب والانخراط معهم في انشغالاتهم وجرهم تدريجيا نحو “المواد الإعلامية الكلاسيكية” لتعويض قرائها الّذين شاخوا[84].
الجدول رقم 5 : حضور الصُّحف العربيّة في مواقع الشبكات الاجتماعية
Tumbler | Telegram | Snapchat | Tic Toc | Timber | YouTube | الصّحيفة | ||||||
x | x | x | x | الاتحاد | ||||||||
x | x | x | x | السياسة | ||||||||
x | x | x | x | x | x | الراية | ||||||
x | x | x | x | x | x | عكاظ | ||||||
x | x | x | أخبار الخليج | |||||||||
x | x | x | عدن الغد | |||||||||
x | x | x | x | الأخبار- | ||||||||
x | x | x | x | x | x | الدستور | ||||||
x | x | x | الصباح الجديد | |||||||||
x | الأهرام | |||||||||||
x | x | صدى الأحداث | ||||||||||
x | x | x | x | الناس | ||||||||
x | x | x | x | x | x | x | الشروق | |||||
x | x | x | الخبر | |||||||||
x | x | x | x | x | x | الصباح | ||||||
x | x | x | x | السراج الاخباري |
ما سبق ذكره لا يجب أن ينسينا أن أبرز صعوبة تعاني منها الصّحافة العربيّة تتمثل في غياب نموذج اقتصادي يلائم خصوصيتها. فالنموذج السابق القائم على عائدات الإعلان ومبيعات الصُّحف الورقيّة قد كشف عن محدوديته في ظلّ التحولات الّتي تعيشها الصّحافة. والإعانات غير المباشرة والمباشرة الّتي تقدمها الدولة للنهوض بالصّحافة لم تستطع أن تنقذ العديد من المؤسسات الصّحفيّة الّتي لا تملك رؤية عصرية ومقدامة ومتبصرة لمستقبلها، وما استطاعت تقديمه هو التقليل من خسائرها[85] فقط، حتّى وإن كانت هذه الإعانات توزع على الصُّحف بعيدا عن كل شفافية[86] وتقترن في الغالب بالمساومة على خطها الافتتاحي. أما النمط الجديد القائم على تقييد النفاذ إلى محتويات الصُّحف في مواقعها في شبكة الانترنت Paywall، لإجبار القارئ على دفع مقابل مالي وفق اختيارات متعدّدة، والّذي أصبح يساهم نسبة 66% من دخل الصُّحف وبنسبة71% من عائدات المجلات الأوربية[87]، لم تلجأ إليه الكثير من الصحف العربيّة، ويبدو أنه غير مشجع للصحف القليلة الّتي شرعت في استعماله،[88] لأنه لم يتمكن بعد من تغطية سوى 5% من نفقات بعض الصحف المغربيّة، على سبيل المثال، ومن الصعب التعويل عليه في الظروف الحالية لتعويض خسائر الصحف الناجمة عن تراجع مبيعات النسخ الورقية، وانخفاض عائد الإعلانات [89]. وعلى الرغم من رمزية الاشتراك في الصحف الرّقميّة في البلدان العربيّة[90]إلا أن نسبة القراء غير المستعدين لدفع أي مقابل مالي لقراءة الصحف الرّقميّة كبيرة. لقد قدرت بـ 74 %في الأردن، و75 % في قطر، و61 % في تونس.[91] وحتىّ تغري القراء بدفع هذا المقابل المالي على الصحف العربيّة أن تتوفر على مجموعة الشروط، منها على وجه التحديد تقديم مادة صحفية ثرية ومتنوعة تختلف عن تلك المتوفرة مجانا في شبكة الانترنت ومواقع الشبكات الاجتماعيّة. وخلاصة القول في هذا الباب أن مواقع الصحف العربيّة في شبكة الانترنت لم تتمكن بعد من تمويل ذاتها، بل أن بعضها شكل عباءً ماليًّا إضافيًّا على الطبعة الورقيّة عوضا أن يساهم في انقاذها، مثلما فعلت بالنسبة للعيد من الصحف الأجنبيّة.
أزمة الصّحافة الورقيّة الأجنبيّة واستراتيجية “نيويورك تايمز” و”لوموند” للخروج منها.
يؤكد كل الكتاب والصحافيين- كما هو مبيّن في الجدول رقم 1- أن هشاشة وضع الصّحافة العربيّة لا تشكل حالة استثنائية، بل إنّها جزء من أزمة عالميّة. وهذا حق أريد منه باطل كما سنبين ذلك من خلال استجلاء بعض العوامل الّتي كانت فاعلة في أزمة بعض الصحف الأجنبيّة، الفرنسية والأمريكية تحديدا.
وتشير بعض البحوث الميدانيّة الّتي أُجْريت في قاعات تحرير الصحف الورقية في هذا البلد العربي أو ذاك إلى اقتناع عدد متزايد من صحافيي الصحف الورقيّة أن مصيرها الزوال، بجانب حكم الكثيرين منهم بأن أزمة الصّحافة الورقيّة لا حل لها.[92] وهذا ما سنحاول أن ننفيه من خلال استعراض استراتيجيتي صحيفة “نيويورك تايمز” و”لوموند” للخروج من الأزمة. لقد تم اختيارهما لكونهما يمثلان تجربتين مختلفتين، وأن كليهما أصبح يمثل مرجعًا في انقاذ النسخة الورقيّة من الإفلاس وفي التطوير المتجدّد للنسخة الرقميّة في آن واحد.
على الرغم من اختلاف الأنظمة السّياسيّة والتّشريعات القانونيّة في البلدان الغربيّة إلا أن الصّحافة ظلّت تمثل منبرا فاعلا في النقاش العمومي في البلدان الديمقراطيّة، وأداة مُعَزِّزة للتعدّدية الإعلاميّة الّتي تعكس تنوع الآراء المختلفة في المجتمع.[93] وتسهر الدولة، الّتي تمثل القاضي، على ضمان هذا التنوع إيمانًا منها بأن الديمقراطيّة تنعدم في غياب التعدّدية الإعلاميّة ومصادرة الحق في الإعلام. لذا فإن موت الصّحيفة في هذه البلدان يمثل خسارة سياسيّة وفكريّة تدفع الديمقراطية ثمنها. لهذا السبب تلحّ جلّ التشريعات في البلدان المذكورة على ضرورة ضمان تعدّدية الإعلام وتحدّد إجراءاتها التنفيذيّة. وتقنّن الإعانات المباشرة وغير المباشرة الّتي تستفيد منها الصّحافة، مثل الاعفاء من ضريبة القيمة المضافة، ورسوم البريد بالنسبة لتوزيع الصُّحف عبر الاشتراكات، ومساعدة الموزعين على إيصال الصُّحف إلى القراء، وغيرها. ففرنسا على سبيل المثال خصصت 900 مليون يورو لمساعدة الصّحافة على تجاوز صعوباتها ولمرافقتها في انتقالها إلى البيئة الرّقميّة في 2010.[94] هذا إضافة إلى المساعدة من أجل عصرنة المطابع والتخفيف من أعبائها الماليّة. وتعاملت لأول مرة مع صحافة الانترنت، مثل) Rue89, Mediapart (على قدم المساواة مع الصُّحف الورقيّة. فخصصت لها 60 مليون يورو لمدة ثلاث سنوات.[95] وعلى الرغم مما تثيره هذه الإعانة من خلاف حول جدواها وطبيعة الصُّحف المنتفعة منها إلا أنها تتم في أطر قانونيّة وبكل شفافيّة. ولا تفقد الصُّحف بموجبها استقلاليتها. وفرنسا لا تشكل استثناءً في الدول المتقدمة، رغم ما يُقال عن سخائها مع الصّحافة. فجلّ الدول الأوربية تمنح إعانات مباشرة للصحف مثل الدنمرك، وبلجيكا، ولوكسمبورغ، وهولندا، والسويد، والنمسا،[96]، وأخرى تضيف لها إعانات غير مباشرة.
لقد أعطت هذه الإعانات دفعة قوّية لصحافة الانترنت وأطالت عمر العديد من الصُّحف الورقيّة لكنها لم تقدم الحل الأمثل لإخراجها من أزمتها. لقد أشرنا إلى هذه الإعانات لتوضيح جانبا فقط من الفرق بين الصّحافة في البلدان العربيّة والبلدان الأوربيّة المتقدمة. ففي عز الأزمة سحبت بعض الدول العربيّة الإعانات غير المباشرة التي كانت تمنحها للصحف، وكأنها تريد بذلك التخلص من عباء ثقيل.
إن كانت الصّحافة الورقيّة تعاني من الأزمة في البلدان الصناعية المتقدمة فإن وطأتها تختلف من بلد إلى أخر، ومن صحيفة إلى أخرى. ويبدو أن الصُّحف اليوميّة تضرّرت منها أكثر من الصّحافة المتخصصة والمجلات الشعبية People الّتي لازلت صامدة، بهذا القدر أو ذاك، وتقاوم، بل أن بعضها استطاع الخروج من هذه الأزمة.
وبصرف النظر عن التباين في أوضاع الصّحافة في البلدان الغربيّة، يمكن حصر أبرز أسباب أزمتها في الولايات المتحدة وفرنسا، فيما يلي:
1-إن النمط الاقتصادي الكلاسيكي، الّذي ظهر في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، وتحكم في الصُّحف لمدة تزيد عن القرنين بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة. لقد تمثل هذا النمط في تخفيض سعر بيع الجريدة في السوق بغية توسيع قاعدة قرائها المحتملين. والاعتماد المتزايد على عائدات الإعلان في تمويلها. لذا قيل إن الجريدة تباع مرتين في الوقت ذاته: مرة للقراء ومرة للمعلنين.
لقد استثمر هذا النمط الاقتصادي إلى أقصى حد، فأصبحت الصُّحف تباع للزبون الثاني فقط؛ أي المُعْلِن. وهذا ما تجسد في الصُّحف المجانيّة الّتي ظهرت في منتصف تسعينات القرن الماضي. ونُسب لها الضرّر الّذي لحق بالصّحافة نتيجة تراجع سوق الإعلان في العالم، وتراجع نصيب الصُّحف من عائداته. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، انخفض نصيب الصُّحف الورقيّة من الإعلان بـ 60 % خلال الفترة الممتدة من العام 2000 إلى 2008.[97] وقد ترتب عن هذا الانخفاض تراجع توزيع الصُّحف بالنسب التالية: 5.18% في الولايات المحتدة الأمريكيّة، و5.85% في أوربا، و2.52 % في اليابان خلال الفترة الممتدة من 2003 إلى 2007 [98]. وحتّى الصُّحف المجانيّة ذاتها عانت من هذا التراجع في أكثر من بلد. فالصّحيفة الفرنسيّة المجانيّة 20 Minutes، على سبيل المثال أضحت توزع 932 307 في 2019 بعد أن كانت توزع مليوني نسخة يوميًّا في 2005.
إن أزمة الصّحافة في الولايات المتحدة الأمريكيّة تاريخية ولا ترتبط عضويا بشبكة الأنترنت. أنها تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، إذ ظلّت في يد العائلات الثرية الّتي توارثتها أبا عن جد، وحقّقت بفضلها أرباحا طائلة في منتصف القرن 20، مما أغرى العديد من المستثمرين بالاستدانة من البنوك لإنشاء صُّحف أو شراء بعضها. فشهد قطاع الصّحافة حركة اندماج واسعة تُوجت بتأسيس شركات استثماريّة كبرى ذات أسهم مربحة في البورصة. ولم تستثمر أرباحها في تحديث قاعات التحرير وتطوير إنتاجها، بل وجهت إلى رفع نصيب أصحاب الأسهم من الأرباح[99]. وبعد تراجع توزيع الصُّحف في الولايات المتحدة وانخفاض حصتها من عائدات الإعلان تراكمت ديونها.
أما مصدر أزمة الصّحافة في فرنسا فيمكن القول إنّه فلسفي. لقد ظلت فرنسا مؤمنة بأن الصّحافة تمثل مرفقا عاما يعمل لصالح النفع العام وضمان حرية التعبير. لذا حرصت على سن القوانين المناهضة للاحتكار في قطاع الإعلام. وقد ترتب عن هذا الحرص ضعف رأسمال الصُّحف الّذي تحتاجه لتطوير بنيتها القاعدية حتىّ تواكب التطور التكنولوجي. فلجأت إلى رجال المال والأعمال وأرباب الصناعة الّذين تولوا إدارتها بالذهنية الّتي كانوا يديرون بها أي مشروع صناعي أو تجاري دون الوعي بخصوصيتها![100] استطاعت بعض الصُّحف، مثل صحيفة “لوموند” إدراك التحولات الّتي تنتظر الصناعة الصّحفيّة فتبنت استراتيجيا مقدامة للخروج من الأزمة، كما هو مبين في الجدول رقم 6.
2- سقطت الصّحافة الورقيّة فيما يسميه الباحثان ” فيلب مايير”) Philip Meyer (و “يوان زهانغ “) (Yuan Zhang بلولب الموت” Death spiral.[101] ولخصاه في القول إنّ الصُّحف الّتي تعاني من وطأة الأزمة اضطرت إلى تقليص ميزانيّاتها. فتراجعت نوعية المواد الصّحفيّة الّتي تنشرها إلى درجة انصراف القراء عنها، فقلت مبيعاتها ممّا أدى إلى تراجع نصيبها من عائدات الإعلان. واضطرت، مرة أخرى، إلى تقليص الميزانيّة والاستغناء عن المزيد من الصحافيين. والنتيجة الاستمرار في تقديم مادة إعلاميّة هزيلة تنفّر القراء منها، وهكذا دوالك.
3-فَهم مسؤولو الصّحافة الورقيّة أن النشر في شبكة الانترنت في مطلع الألفية يخفّف من كلفة الإنتاج، إذ يوفر لهم ثمن الورق والطباعة والتوزيع الّذي يثقل كاهلهم. ولم يقدّروا إلا متأخرين التحولات الّتي أحدثتها شبكة الانترنت في قطاع الصّحافة الورقيّة. لقد اعتقدوا أن خطر هذه الأخيرة يكمن في مجانيّة الأخبار الّتي تنشرها، وليس في سحب احتكار الإعلام من قبضتها وقبضة غيرها من وسائل الإعلام التقليديّة. لقد رأوا، مثل جلّ الصُّحف العربيّة، أن شبكة الانترنت مجرد حامل جديد لنشر المحتويات، ولم يعملوا على توثيق علاقاتهم بالقراء الّذين يقدمونهم ” لقمة صائغة” للمعلنين. لذا نلاحظ أن بعض الصُّحف الأمريكيّة، مثل نيويورك تايمز، قامت بتصحيح هذا المسار. فمنحت الأولوية لقرائها قبل المعلنين. ونجحت في ذلك.
أقتنع المستثمرون في الصناعة الصّحفيّة وملاك الجرائد في الدول الغربيّة في 2000 أن التكنولوجيا الرّقميّة تعمق أزمة الصّحافة، ومن المتوقع أن تقضي عليها إن لم يتخذوا زمام المبادرة بالإجابة عن السؤال التالي: هل بالإمكان الحفاظ على صحفهم الورقيّة وجعلها رقميّة أكثر؟ تعددت الإجابة عن هذا السؤال حسب القدرة التنافسية لكل صحيفة وموقعها في المنظومة الإعلاميّة الوطنية والدوليّة، ومواردها البشريّة، وقدرتها على التكيّف مع البيئة الرّقميّة. ومهما اختلفت الإجابة عن هذا السؤال فالأمر يتطلب مرحلة انتقالية. فصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية العريقة، الّتي تأسست في 1851، والّتي كادت تعلن افلاسها في 2000، بعد أن تنازلت على جلّ ممتلكاتها واستغنت عن خدمات عُشر أعوانها، حدّدت هدفا أوليًّا، وهو تحويل قراء الصّحيفة إلى مشتركين، ثّم منح نسخة رقميّة للمشتركين في النسخة الورقيّة، وتحويلهم تدريجيا إلى مشتركين في هذه النسخة بمقابل مالي[102]. وقد تحقّق هذا الهدف في نهاية 2013 حيث زاد عدد المشتركين في النسخة الرّقميّة عن عدد المشتركين في النسخة الورقيّة، إذ بلغ عددهم799 ألف مقابل 731 ألف مشتركا في النسخة الورقيّة، بل أن 90% من قراء هذه النسخة اختاروا أيضا الطبعة الرّقميّة[103]. ليس هذا فحسب، بل أن عدد المشتركين في الصّحيفة تجاوز الأربعة ملايين، ثلاثة ملايين منهم اشترك في النسخة الرّقميّة في الفصل الثالث من السنة 2018. لقد حقّقت نسبة زيادة قدّرت بـ 24.4% سنويا[104]. فأضحى القراء يساهمون بنسبة%70 في مواردها الماليّة في 2020 بعد أن كانت نسبتهم لا تتجاوز 50% في 2011. [105]
إن النتائج الّتي حقّقتها هذه الصّحيفة هي ثمرة نقاش استند إلى الاقتناع بضرورة المخاطرة والتخلي عن بعض تقاليد الصّحافة الورقيّة، وهذا ما عبر عنه التقرير الداخلي الّذي أعده رئيس تحرير صحيفة نيويورك تايمز باسم مشروع للسنة 2020. [106]ورسم فيه الخطوط العريضة للاستراتيجيا الّتي يجب أن تتبناها الصّحيفة، والّتي استندت العوامل التالية: دراسة استراتيجيا المؤسسات الصّحفيّة المنافسة، استيعاب التحولات التكنولوجيّة، دراسة سلوك القراء ومستخدمي موقع ومنصات الصّحيفة. وفيما يلي أبرز الخطوط العريضة لهذه الاستراتيجية:
- دفع مقابل مالي للاطلاع على بعض محتويات الصّحيفة Metered Paywall، بدل سياسة ” الكل مجاني”، أي النفاذ إلى كل محتويات موقع الصّحيفة دون رسوم، والّتي سادت من 1996 إلى 2011- أنظر الجدول رقم 6-
2-جعل الصّحيفة مؤسسة لإدارة البيانات Data-Driven من خلال تشكيل فريق ذي كفاءة في هذا المجال لجمع بيانات تفصيلية ودقيقة عن قراء الصّحيفة في الواب: سنهم، مستواهم التعليمي، مقر تواجدهم، موقعهم الاجتماعي. وكيفية تفاعلهم مع موقعها. وبهذا تمكّنت من الاطلاع على سبب عزوف القراء عن قراءة المواد الصّحفيّة المصاغة بالطرق التقليدية) بعدها المرئي ضعيف، وقيمتها المضافة متواضعة…(، أي إنها شبيهة بالمواد الصحفية المتوفرة في المواقع الإخباريّة المجانيّة.
3-تفضيل القارئ على المعلن: سعت الصّحيفة إلى كسب رضا القارئ قبل المعلن. لذا منحته الأدوات الّتي تمكنه من متابعة تطور الأحداث بيسر وفهمها من خلال تحديث المحتويات وتسهيل العثور عليها بسرعة، وابتكار أشكال جديدة من السَّرْد باستخدام تكنولوجيا الأبعاد الثلاثية والوسائط المتعدّدة، وتأطير التعليقات على ما تنشره من محتويات.
4-الانزياح أكثر نحو صحافة الخدمات: تقديم كل ما من شأنه تيسير الحياة اليوميّة للقارئ إضافة إلى الأخبار والاستشارات الّتي يحتاجها، والّتي تضفي على الصّحيفة الطابع الاجتماعي أكثر.
5-تعزيز عنصر التنوع البشري في هيئة تحرير الصّحيفة من ناحية النوع: ذكر/أنثى، السن، العرق، الدين لتتناغم أكثر مع التنوع السائد في أوساط القراء.
6-المهارة في تطوير منتجات جديدة: عملت الصّحيفة على التجريب والمجازفة إذ راهنت على بعض المنتجات وأخفقت في بعضها، مثل ” المدونات الإلكترونية المباشرة، و” وتطبيق خاص برأي الصّحيفة” NYT Opinion. وحققت نجاحا صحفيًّا باهرًا في بعضها الأخر، مثل التطبيق الرقمي المسمى ” نيويورك تايمز الآن” الموجه لفئة الشّباب، و”نيويورك تايمز الطبخ” الّذي يمكن متابعته مجانا، وغيرها من التطبيقات والاختيارات المتاحة عبر مختلف الحوامل: الهاتف الذّكيّ، اللوح الرقميّ، الكمبيوتر، وهذا الأمر تطلب من الصّحيفة إعادة تشخيص هويّة كل قسم في الجريدة، وتحديد أهدافه في المؤسسة.
إن الابتعاد عن تقاليد الصّحافة المكتوبة لا يعني اهمال النسخة الورقيّة، بل بالعكس لقد استفادت هذه الأخيرة من التحول الرقميّ الّذي تعيشه المؤسسة، وأصبحت تقدم محتوى نوعيّ يجذب الكثير من القراء. ويعتقد المدير العام للصحيفة أن التحولات الّتي عاشتها وتعيشها نيويورك تايمز لم تجعلها تفرط في ثقافتها ولا في مهنتها المتمثلة في إنتاج صحافة الجودة الّتي تستأهل أن يدفع القارئ المقابل المالي للاطلاع على محتوياتها[107]. وهكذا استطاعت هذه الصّحيفة الانتقال من وضعية صحيفة كبرى تنافس نظرائها إلى مؤسسة ثقافيّة ذات أهمية عالميّة.[108]
عاشت صحيفة “لوموند” مرحلة عصيبة كادت أن تعصف بها، إذ سجلت سلسلة من الاستقالات لطاقمها المسير، وازدادت خسائرها من سنة إلى أخرى لتبلغ 15 مليون يورو في السنة 2017 وحدها. وتراجع توزيعها بنسبة 10 %، وانخفضت معه عائداتها من الإعلان بـــ 40 % خلال السنوات الأربع الّتي سبقت هذا التاريخ.[109] لكنها بدأت تستعيد عافيتها بدءًا من 2019، إذ رفعت عدد صحافيين إلى 500 صحافي بعد أن كان عددهم لا يزيد عن 400 صحافي في 2014. وبالمقابل قلصت عدد المواد الصّحفيّة الّتي تنشرها بنسبة 14% لتركز على الكتابة المتأنية والمعمقة.[110] وارتفع عدد مشتركيها لأول مرة في تاريخها ليبلغ 531 ألف مشتركا: 414 ألف مشتركا في النسخة الرّقميّة، و87 ألف مشتركا في النسخة الورقيّة، يضاف لهم 30 ألف قارئ يشترى نسختها الورقيّة يومياًّ داخل فرنسا وخارجها. وهكذا تمكنت من رفع عدد مشتركيها الرقميين ليتجاوزوا نسبة مشتركي الطبعة الورقيّة بأكثر من أربع مرات.[111]
نجحت الخطة الّتي اتبعتها الصّحيفة للخروج من الأزمة، ويأتي في مقدمتها تشكيل مجمع صحفي بتمويل من أرباب المال نسبة 72.5%، مع فصل السلطات بين المستثمرين وهيئة المحررين عبر إبرام ميثاق لأخلاقيات العمل في 2010 يحدّد ” حقوق وواجبات المستثمرين” يلزمهم بعدم التدخل في نشاط قاعة التحرير، أي عدم فرض نشر مادة صحفية، أو تغيير مضمون مقال صحفي أو منع نشره”. وبهذا استطاعت أن تحدّ، بهذا القدر أو ذاك، من الاضطراب في العلاقة بالمستثمرين والقوى السّياسيّة المختلفة من جهة أخرى، وقاعة التحرير من جهة أخرى.
يوعز البعض نجاح صحيفة لوموند إلى إعانات الدولة الفرنسيّة لأنها حصلت على التوالي على 17 مليون يورو[112] في 2010 وعلى 16.9 مليون يورو في 2011 وعلى 18.6 مليون يورو في 2012، [113]وبهذا أضحت على رأس الصّحف المستفيدة من الإعانات الماليّة المباشرة المخصصة لدعم توزيع النسخ الورقيّة، وعصرنة قاعة التحرير، والانتقال إلى البيئة الرّقميّة مع كسب أكبر عدد من القراء الشّباب، ناهيك عن الإعانات غير المباشرة الّتي تحصل عليها الصُّحف الفرنسيّة والّتي تتمثل في خصم نسبة 2.1% من رسوم القيمة المضافة المفروضة على الصُّحف، و20% من قيمة الاشتراكات لصناديق التأمين الاجتماعي، والإعفاء من تكلفة الخدمات البريديّة وتخفيض سعر الاتصالات.[114]
ولئن ساعدت هذه الإعانات الصّحيفة في النهوض من أزمتها إلا أنها لا تستطيع أن تخفي الجهود المبذولة لتطويرها. لقد استثمرت كثيرا في البيانات وشكلت منها قاعدة ضخمة يستفيد منها صحافيوها لتقديم مادة صحفية معمقة ودسمة يرضى عنها القراء الّذين يدفعون مقابلا ماليا لقراءتها. وسعت إلى احداث التقارب الثقافي بين صحافيي النسختين الرّقميّة والورقيّة، إذ أصبح هؤلاء يوظفون تقنيات صحافة البيانات في منتجاتهم الصّحفيّة. وعززت قدراتها في استغلال مواقع الشبكات الاجتماعية لجعل قرائها شركاء، وليس مجرد متصفحي محتويات ما تنشره. لقد أوكلت مهمة معالجة التعليقات على محتوياتها في موقعها شبكة الانترنت) 4 آلاف تعليق يوميا ( وفي موقع الفيسبوك ) 11 ألف رسالة يوميا( لشركة خاصة في مدغشقر، وذلك نظرا لارتفاع تكلفة هذه المهمة. ومن باب الفاعلية زودتها بـ “ميثاق المساهمات” لتجنب القذف والشتم وحتى المجاملات، وتشجيع تلك الّتي تثري النقاش، خاصة بين المشتركين[115].
اختارت الصّحيفة نمطا اقتصاديٌّا هجينا: موقع إلكتروني يسمح للقارئ بالاطلاع على عناوينها ومقدمات بعض المواد الصّحفيّة ممولاً بعائدات الإعلانات، مع نظام تقييد النفاذ إلى محتوياتها منذ 2010، يسمح للقراء بــ “شراء” المادة الصّحفيّة الّتي تهمهم أو الاشتراك في نسخة الرّقميّة في قالب البي دي أف PDF الّتي تُثرى بمواد صحفيّة من النسخة الورقيّة. وبهذا تحولت صحيفة لوموند إلى نموذج تحتذي به الصّحافة الفرنسيّة[116].
لم تزد عائدات الصّحيفة من الإعلانات عن نسبة 22 % من رقم أعمالها في 2020، بينما ارتفعت نسبة مبيعاتها إلى 68% موزعة كالتالي: 25% من الاشتراك في النسخة الرّقميّة، و23% من المبيعات في الأكشاك، و20% من الاشتراك في الطبعة الورقيّة.[117] وتدلّ هذه الاحصائيات على أن الصّحيفة لم تستسلم إلى منطق النشر الرقميّ الكامل، والتخلي عن النسخة الورقيّة. بل بالعكس، لقد طورت مؤسسة “لوموند” بعض المجلات الأسبوعية والشهرية، نذكر منها ” لوموند ديبلوماتيك، ولافي – La vie و”كوري انترناسيونال” الّتي لازالت تحتفظ بقرائها الأوفياء. ولازالت تعمل على تنويع منتجاتها بملاحق، وصفحات متخصصة في الفنون والسينما والمسرح، التكنولوجيا الرّقميّة، والأدب، والاقتصاد والمال، المودة، وغيرها لتصل إلى شرائح مختلفة من الجمهور داخل فرنسا والمنطقة الناطقة باللغة الفرنسيّة.
الجدول رقم 6: التدابير العملية لتجسيد استراتيجية الصحيفتين: نيويورك تايمز و” لوموند”
ابتكار النمط الاقتصادي | صحيفة نيويورك تايمز | ||||
الرعاية المالية | الإعلان | المبيعات/ الاشتراك | |||
التركيز على المشاريع
الّتي تجلب الرعاية المالية مثل: رعاية ” صفحة السفريات “ من قبل خريطة “غوغل إرث” |
§ إعلان مشخص
على مقاس كل قارئ
§ إعلان متغير بتغيير الوقت تحت مسمى Mobil Moment
§ شريط إعلاني لتمويل الربورتاجات |
§ التراجع التدريجي عن مجانية القراءة منذ 2011: من 20 مقال إلى 5 مقالات مجانية شهريا.
§ الاشتراك الأسبوعي للنسخة الرّقميّة بـ 0.25 دولار قصد بلوغ القراء داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها عرض أنواع مختلفة من الاشتراكات في 2011 تعكس تنوع القراء: ) الواب+هاتف ذكي( )الواب+اللوح الرقمي ( – الاشتراك في النسخة الورقيّة + كل الحوامل الرّقميّة (
§ إشعار القراء بالأحداث عبر نشرة الأخبار المشخصة حسب اهتمامات القراء.
|
|||
استراتيجيا الكتابة والتحرير والإنتاج | |||||
إدماج الميديا الاجتماعية | تنوع المحتوى | التغيير في قاعة التحرير | |||
استخدام Podcast
استخدام منصة Wechat لنشر موادها باللغة الصينية
استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل Snapchat والفيسبوك لتعريف العالم إلى الصّحيفة، وإقامة علاقة دائمة مع مستخدمي هذه المواقع.
على كل صحافي إرسال 5 تغريدات عبر موقع تويتر عن كل مقال من مقالته
إصدار نسخة باللغة البرتغالية قصد بلوغ القراء في البرازيل |
تحديث المحتويات كل ثلاث ساعات[118]
كتابة النّصّ المتشعب، والاعتماد على الوسائط المتعددة واستخدام تقنية الأبعاد الثلاثية3D جعل الصّحيفة اجتماعية أكثر [119] الاستثمار في الصّحافة ذات الجودة العالية ترقية التعليقات على المواد المنشورة من أجل إشراك القراء لشّباب في الصّحيفة – 40% من القراء على الحوامل المتنقلة هم أقل من 35 سنة [120] ترجمة بعض المقالات إلى اللغة الاسبانية والصينية قصد بلوغ القراء باللغتين. التحسين المستمر لواجهة الصّحيفة في موقع شبكة الانترنت لرفع عدد القراء وإبقائهم لأطول فترة.
استغلال 14.7 مليون مقال من الأرشيف الّتي تمتد إلى 1851 لإنتاج مواد إعلامية في مختلف المجالات: السينما، المسرح، الفنون، التاريخ والعمران……. تطوير ” اختبار Quiz للهجات المستخدمين الّذي يحظى بإقبال كبير |
تشكيل فريق من 1300 شخص للطبعة الرّقميّة
إنشاء قاعة تحرير موحدة للطبعتين، الورقيّة والرّقميّة
جعل القراء امتدادا لقاعة التحرير دون أن تفقد الصّحيفة شخصيتها.
اتاحة الفرصة لأفضل الكفاءات في المحال الرقمي لتفجير طاقتها داخل قاعة التحرير
تعين رئيس تحرير مسؤول عن الرّقمنة إنشاء فريق خاص بالميديا الاجتماعية لجمع البيانات والأخبار وللنشر والمتابعة
تعيين محررين يسهرون على زيادة انتشار أي مادة إعلامية
عدم التركيز في اجتماعات التحرير على محتويات الصفحة الأولى والاهتمام بكيفية التغطية الإعلامية في الطبعتين وعبر المنصات الرّقميّة المختلفة
تشرف قاعة التحرير على كل الإدراجات في مواقع الشبكات ومتابعتها
استفادة قاعة التحرير من برنامج «نيوز أنالتيك ” لتحليل كيفية تفاعل القراء مع موقع الصّحيفة |
|||
ابتكار النمط الاقتصادي | صحيفة لوموند | ||||
الرعاية المالية | الإعلان | المبيعات/ الاشتراك | |||
الحصول على إعانة مباشرة وغير مباشرة من الدولة للطبعتين: الورقيّة، والرّقميّة
تبرعات مالية من مؤسسات وهيئات خاصة
الرعاية المالية للملاحق والملفات الصّحفيّة دون منح الراعي حق للراعي في المحتويات
الحصول على أموال من موقع الفيسبوك جراء المساهمة في عدة التحري حول صحة الأخبار والبيانات الّتي تسمح للموقع المذكور من الكشف عن الأخبار غير الموثوق فيها الحصول على أموال MSN من بوابة ميكروسوفت جراء نشر موادها في الموقع الإلكتروني |
إنشاء منصة Skyline بالاشتراك مع صحيفة الفيغارو لشراء الإعلانات الرّقميّة من المعلنين لمواجهة موقع الفيسبوك وغوغل
الاستمرار في تطوير الإعلانات مع الحفاظ على الاستقلالية من المعلنين بتنويع مصادر دخل الصّحيفة
ابرام اتفاق مع صحيفة نيويورك تايمز من أجل ترجمة ونشر ” دليل المستهلكين Wirecutter
|
الاشتراك الشهري الثلاثي:
(web, iPhone, iPad). سمح بزيادة الاشتراكات
الرهان على تحويل مستخدمي الانترنت إلى مشتركي الطبعة الرّقميّة، أو زبائن بالقطعة أو الاشتراك الشهري أو السنوي للنسخة الرّقميّة.
ترقية الاشتراك في النسخة الورقيّة ورفع عدد زبائنها في الأكشاك،
ارسال نشرة يومية عبر البريد تتضمن فهرس المواد الصّحفيّة لكل زوار موقع الصّحيفة
استخدام صيغة ” Freemium” [121] الّتي تتيح للقراء من الاطلاع على بعض المواد مجانا مثل الفيديوهات القصيرة، ومقدمات بعض المواد، بينما تخصص المقالات المعمقة والدراسات والربورتاجات للمشتركين سواء في الطبعة الورقيّة والإلكترونية
استخدام خوادم خاصة بالصّحيفة الّتي مكنتها من اقتراح الاشتراك على القراء في اللحظة المناسبة
تعويض الخسارة الناجمة عن تراجع عائدات المبيعات الورقيّة والإعلان، بالاشتراك الرقمي
|
|||
استراتيجيا الكتابة والتحرير والإنتاج | |||||
إدماج الميديا الاجتماعية | تنوع المحتوى | التغيير في قاعة التحرير | |||
استخدام 7 مواقع من مواقع الشبكات الاجتماعية
إنشاء طبعة خاصة لموقع سنب شات تتضمن أبرز الأخبار الموجزة الموجهة للشباب مع الحفاظ على هوية الصّحيفة والتزامها بمبادئها.
” تطبيق لوموند الصباحي” يُحمّل مجانا على الهواتف الذكية ويتضمن المواد الإعلامية المكتوبة والفيديوهات تكليف شركة خارجية مختصة Netino by Webhelp لمتابعة و معالجة تعليقات القراء في موقع Le Monde. fr » وصفحة الجريدة في الفيسبوك
|
الاتجاه نحو صحافة البيانات واستخدام الأنفوغرافيا، وإثراء المواد الإعلامية بالبيانات
عدم الذهاب إلى أبعد نقطة في شخصنة المحتويات باعتبار أن الصّحيفة عامة وموجهة للجمهور العريض
الالتزام في 2014 بميثاق يفصل بين المواد الصّحفيّة والإعلان والمواد الترويجية
الانطلاق في تنظيم الأحداث الّتي تنتج عنها مواد صحفية ذات جودة: مهرجان صحيفة لوموند، المحاضرات، وحوارات متخصصة، مثل ” افريقيا والعالم:، وندوات حول الصحة، والرياضة……
إشعار القارئ بمستحدثات الأحداث عبر تطبيق خاص بالهاتف الذكية واللوح الإلكتروني
في 2014 تم إنشاء صفحتي ” Decodeurs للتحري في صحة البيانات والاطلاع على تقنيات صحافة البيانات ثم Décodex وهو محرك بحث في موقع الصّحيفة للتحري في المعلومات والأخبارـ و Pixels لرصد الثورة الرّقميّة والتحولات في الحياة الافتراضية
انتاج مواد المشتقة من نشاطها: كتب، دي في دي”، والملاحق تطوير قسم الخدمات: تعلم اللغة الإنجليزية، دليل الشراء، البستنة، مخزون الأقوال المأثورة، الكلمات المتقاطعة…… |
إنشاء قاعة تحرير للطبعة الرّقميّة
توظيف المزيد من الصحافيين
تخصيص فريق من الصحافيين للميديا الاجتماعية ) 6 محررين للصحيفة في موقع سنابشات على سبيل المثال ( |
|||
بالنظر إلى توصيف هشاشة الصّحافة العربيّة يمكن القول إنها تعاني من أزمة بنيويّة قد تختلف عن تلك التي عاشتها الكثير من الصحف الأجنبيّة في مطلع الألفية الحاليّة. فدرجة استفادتها المتباينة من الإمكانات التي يتيحها الواب تشي بأنها لم تساهم كثيرا في القضاء على هشاشتها، خاصة في غياب نمط اقتصادي بديل ناجع، على غرار ما قامت به الصحيفتين الاجنبيتين المذكورتين التي كشفت استراتيجيتهما أنه يمكن تجاوز الأزمة التي مرتا بها.
ويكشف تحليلنا لمواقع الصحف العربيّة في شبكة الانترنت أن الصحف الخليجية قطعت شوطا متميزا في استخدام العدّة المرئيّة لتكون أكثر قربا من جيل القراء الرقميّ. لكننا نتساءل هل أن تطورها مرهون بقدراتها الذاتيّة أم مرتبط بما تتلاقه من دعم مادي؟ إنّ مبرّر طرح هذا السؤال يكمن في غياب البيانات الاقتصاديّة التي تكشف عن دخلها من الإعلانات ومن مبيعاتها واشتراك قرائها في نسختيها الورقيّة والرقميّة؟
تأسيسا على العوامل الفاعلة في هشاشة الصّحافة الورقيّة العربيّة، وعدم بلوغها درجة التحكم في خصائص صحافة الانترنت في ظل غياب نمط اقتصادي بديل واضح المعالم، نجازف بالقول إن أزمة الصّحافة العربيّة هي مظهر من مظاهر صعوبة بناء الدولة الوطنيّة. وهذا القول لا يعني بتاتا اختزال هذه الأزمة في البعد السياسي وفي غياب الديمقراطية تحديدا على الرغم من أهميته القصوى. إن الانتقال الديمقراطي في الجزائر خلال الفترة الممتدة من 1989 إلى1991، وفي تونس ومصر في المرحلة الّتي تلت رحيل الرئيسين: زين العابدين بن علي وحسين مبارك، لم يمكّن الصّحافة من تجاوز أزمتها. لقد أجهض هذا الانتقال دون أن يحقّق شروط هذا التمكّين والمتمثلة في تبني سياسة عموميّة شفافة ومُنصِّفة لدعم الصّحافة الورقيّة من الاندثار، وحماية سوق الإعلان من المحسوبيّة والولاءات السّياسيّة واللّغويّة والعصبيّة، وإقامة نظام المنافسة الشريفة في قطاع الإعلام، وجعل الصحافيين يتمتعون بأحكام الضمير Close of conscience ، واخضاع المؤسسات الإعلاميّة لمحاسبة هيئات مستقلة، واخضاع مهنة الصّحافة لآليات الضبط الذاتي، وغيرها من الشروط الأساسيّة التي تدير الصّحافة باعتبارها حقلا بالمفهوم الّذي ذكرناه في الإطار النّظريّ.
يمكن القول إن استمرار هشاشة الصّحافة الورقيّة العربيّة في غياب أفق تطورها يمكن تفسيره بعدم تشكلها كحقل قائم بذاته ومستقل، والّذي يعبر عنه الصحافيون بالقول إنّنا نعاني من غياب الاحترافية. وأن خروجها من الأزمة وضمان انتقالها الناجح في البيئة الرقميّة مرهون بتكاثف الجهود لبناء هذا الحقل الّذي يفرض على الجميع قيمه ومعاييره ونظمه. حقل يقاوم من أجل استقلاليته عن بقية الحقول، خاصة الحقل السياسي لأننا نؤمن بأن الحقل الاقتصادي الّذي رأه بيار بورديو مهددا لاستقلالية الحقل الصحافي في فرنسا، هو مجرد تابع للحقل السياسي في المنطقة العربية. وهذا ما يتجلى بوضوح في مجال تمويل الصحف وتوزيع ريع الإعلان عليها، كما ذكرنا آنفا.
حقيقة إن تشكل الصّحافة كحقل قائم بذاته ومحافظا على استقلاليته ليس بالأمر الهين. لقد بينت التحارب العالمية أنه جرى ويجري في ظل التوترات والتجاذبات والتصدي لهيمنة بقية الحقول الاجتماعية على الصّحافة. وأكبر عائق وقف في وجه تشكل الصّحافة العربية كحقل يكمن في نشأتها في ظل الكفاح من أجل استعادة الاستقلال الوطني. فاتسمت بطابعها التعبوي والتجنيدي، الّذي يفضل الأنواع الفكريّة) المقال والتحليل (، على حساب الخبر والاستقصاء. فالصحف العربية لم تولد في بدايتها من رحم الصّحافة الإخبارية اليوميّة بما تتطلبه من حرص على جمع الأخبار، والتحري حول صحتها، والسهر على آنيتها، وتطوير مهارات التعامل مع أكثر من مصدر للخبر مع حفاظ على هامش من الاستقلالية، ناهيك عن عدم الخضوع وحتّى الخنوع للمصادر. لقد بدأت الصحف العربيّة مسيرتها كصحف أسبوعية وشهرية ذات طابع سياسي وثقافي تميل للاضطلاع بدور سياسي أكثر منه إخباري. فما نسمعه اليوم من مطالبة الصحافيين بتطبيق الديمقراطية في الصّحافة العربية لا تعني، في الغالب، التشجيع على الاستقصاء والبحث الحر عن المعلومات، وإنجاز التحقيقات الصحفية والربورتاجات، ومساءلة السياسة العمومية[122] بقدر ما تعني المساهمة في النقاش، وإبداء الرأي المعارض. ففي الجزائر على سبيل المثال لم تنزعج السلطة في السابق من الرأي الناقد والموجه لرموز النظام، بما فيه الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة ذاته، بل جعلت هذا النقد حجة ضد الّذين “يزعمون” بعدم وجود ديمقراطية في الجزائر، لكنها كانت تكشر عن أنيابها إن “تجرأت” هذه الصّحيفة أو تلك وقامت بنشر الوقائع الموثقة التي تخالف الخطاب الرسمي، أو حاولت النبش في ملفات الفساد وتقديم الحقائق المشفوعة بالوثائق والشهادات في تحقيقات صحفيّة.
إن عدم تمكّن الصّحافة في المنطقة العربيّة من بناء ذاتها كحقل جعلها رديفا للأحزاب السياسيّة إن لم تكن بمثابة أحزاب. وتتصورها السلطات العمومية كأنها كذلك. وتحاسبها على هذا الأساس. إذ تطلب منها، صراحة أو ضمنيّا، أن تكون أداة مساندة للسلطة القائمة وتمارس دور العلاقات العامة. وإن لم تفعل تعتبرها معارضة، فتراقبها وتلاحقها قضائيا وتخنقها اقتصاديا. في ظل هذا السياق لم تستطع الصّحافة العربية امتلاك المعايير المعروفة في العمل الصحفي وضوابط المهنة عبر مسارها. وإن نجحت بعض الصحف في بعض المرات في التشبثّ فرضها في هذا البلد العربي أو ذاك فسرعان ما تراجع أمام نفوذ الحقل السياسي. لقد رأينا ضمن مسارنا في العمل الصحفي في أكثر من بلد عربي كيف أن الصحف تلّوي عنق الوقائع وتقلب الحقائق حتى تساير توجهها السياسيّ الظرفي وتخدم ايدولوجيتها!
وبناء على ما سبق ذكره تحدّدت مكانة الصحافي ومهامه. لقد ظلّ منذ خمسينات القرن الماضي يرى أن مهمته سياسيّة ونضاليّة[123]، ليس بالمعنى الغربي ” ككلب حراسة”[124] أو ” كقوة رقابيّة على السلطة التنفيذية”، بل باعتباره مناضل سياسي أكثر منه صحافي. لذا نلاحظ أن الكثير من الصحافيين يفضلون أن يكون مسماهم الوظيفي كاتب صحفي على مسمى ” محرر” للأخبار. فعملية جمع الأخبار وغربلتها والتحري حول صحتها لدى أكثر من مصدر تبدو نشاطا متواضعا إن لم يكن دونيًّا أمام نبل كتابة المقالات التحليلية والفكرية التي يعتقد أنها ترفع رصيد رأسمال الرمزي لمن يمارسها.
إن ما يقف عمليًّا في وجه المحاولات الّتي تظهر هناك وهناك لدفع الصّحافة لتشكل حقلا بالمعنى الّذي ذكرناه أعلاه، يتمثل في تقاطع المصالح بين النخبة السياسيّة ومسؤولي الصحف، وفي توظيف الصحافيين على أسس غير مهنية، وترقيتهم على أساس “الثقة ” والولاء والمحسوبية، واعتماد الصحف على التمويل السياسي بصرف النظر عن وزنها لدى القراء، وعدم اخضاع الإعلان لمنطقي السوق والخدمة العامة، بل استخدامه كورقة للضغط ومساومة الصحف على خطها التحريري، وإعادة انتاج الخطاب السياسي بحذافيره دون اخضاعه لخصوصية العمل الصحفي، والاعتماد على المصدر الرسمي والوحيد للأخبار، وعدم التميّيز بين الأحداث والوقائع والرأي ووجهات النظر إزاءها، وعدم الاعتراف بالحق القانوني في الرد، وحق الأشخاص في صورهم مما فتح المجال للكثير من التجاوزات، بل أن هذه التجاوزات أصبحت بمثابة عرف في قاعات تحرير بعض الصحف.
إن النمط غير الاقتصادي الّذي اتبعته الصّحافة العربيّة بدرجات متفاوتة جعلها لا تولى القدر الكافي من الاهتمام بالقراء. فالقسط الأكبر من مداخيلها لا يأتي من مشتركيها ومبيعاتها، بل من السلطة التنفيذية في شكل إعانات دائمة. ومن عائدات الإعلان المضمون والمتواصل بصرف النظر عن عدد مرتجعات كل صحيفة. لذا نلاحظ اليوم في عز أزمة الصّحافة أن النجاح التجاري الّذي تحقّقه بعض الصحف العربيّة يتوقف على مدى قربها من أصحاب القرار السياسي أكثر من ” شطارتها” في مهنة الصّحافة.[125] القرب الّذي يعني، بشكل أو أخر، أن القرارات الإعلامية تتخذ من خارج قاعات التحرير.
ففي ظل التطور التكنولوجي والاجتماعي والاقتصادي الّذي بدأ يضغط على الصّحافة لتتخلى عن كونها منبرا لتقديم المحاضرات وتتحول إلى ساحة للنقاش، وجد الصحافيون أنفسهم مضطرين للمشاركة فيه وإشراك القراء معهم. وهذا يصطدم مع التّطبّع الّذي تحكم في مفاصل العمل في قاعة التحرير في الصّحافة العربيّة. فالصحافيون القادمون من مشارب مختلفة والمالكون لمسارات حياتية وخلفيات ثقافية متنوعة، ينغمسون بسرعة في روتين العمل التراتيبي الّذي يبني علاقات تقاطع فيها مصالحهم مع مصالح مصادر الأخبار. ويستبطنون الرَّقابة الذاتية. ويتدربون على أشكال التعبير التقليدية. إنهم يمارسون اليوم المقاومة بهذا القدر أو ذاك لأي تغيير في قاعة التحرير، وللمعايير والقيم المهنية الجديدة الّتي تفرضها البيئة الإعلامية ومتطلبات القراء واهتماماتهم المتنوعة. إن التنافس المحتد للالتحاق بالعمل الصحفي في ظل أزمة الصّحافة يجعل الصحافيين حذرين أكثر وامتثالين. يساهمون في إعادة إنتاج ما تعودوا عليه. وما يزيد الطّين بلّة هو غياب النقاش المثمر بين الصحافيين والفنين ذاتهم داخل قاعة التحرير، وبين الصحافيين ومسؤولي التحرير، وبين السلطات العمومين والناشرين، حول هوية الصحافي اليوم، وإعادة تعريف ماهية الصّحافة المعاصرة الّتي يقول عنها المختصون أنها “تمر من كونها صناعة منسجمة، نوعا ما، إلى طائفة من المماَرسات المختلفة والمتنوعة (…) فالصناعة الصّحفيّة ماتت بْيَد أن الصّحافة توجد في أماكن عديدة.”[126]
إن المواقع الإخباريّة في شبكة الانترنت ومواقع الشبكات الاجتماعيّة أصبحت تنهك أكثر الصّحافة الورقيّة العربية، ليس لقوتها التنافسيّة فحسب، بل لوقوفها الضمني أيضا ضد كل المحاولات الجادة الّتي تقوم بها بعض الصُّحف العربيّة في سبيل ترسيخ بعض المعايير الاحترافية. فتحليل محتوى ما تنشره بعض المواقع الإخبارية الناشئة في شبكة الانترنت يكشف أنه عبارة عن مزيج من منتجات العلاقات العامة، والإعلان المبطن والأخبار المُضَلِّلة والملفقة[127]. وهذا نتيجة التسرع في نقل الأخبار، وخضوعها لمنطق الخوارزميات الّتي تهتم بعدد “النقرات” على المنشورات، وعدد المعجبين بها. إنه المنطق الّذي يحدّد نصيبها من عائدات الإعلانات. ولئن ينطبق هذا الأمر على المواقع الإخبارية الّتي تطالب بالاعتراف بها كمؤسسات صحفية على غرار تلك التقليديّة، فما هو تأثير مواقع الشبكات الاجتماعية في المنطقة العربيّة الّتي تحولت إلى سلاح بيد مختلف القوى ذات الهوية المجهولة لتمييع العمل الصحفي وتلويثه. وهذا الأمر يجرنا إلى التفكير في المفارقة التي ذكرها بيار بورديو، وأشرنا إليها أعلاه، والمتمثلة في القول: إن الصّحافة فقدت استقلاليتها كحقل لكن تأثير نفوذها على بقية الحقول قد ازداد. ربما ينطبق هذا القول على القنوات التلفزيونيّة أكثر في المنطقة العربيّة لأن القيمة الاعتباريّة للصّحافة الورقيّة التي اكتسبتها في مرحلة النضال لاستعادة الاستقلال السياسي قد تراجعت بعد أن تحولت الصحف الورقيّة في العديد من البلدان العربيّة إلى أدوات السلطة تديرها، بشكل مباشر أو غير مباشر، كُتل سياسيّة ومجموعات اقتصاديّة. تستعمل لغة مشفرة عن قصد لأن وظيفتها الأساسية قد تغيرت. فلم تعد تروم إخبار الناس، بل تسعى إلى بعث رسائل مشفرة إلى جماعات الضغط في السلطة أو المعارضة، وأن القراء ليسوا سوى وسيلة.[128]
الخاتمة:
يستخلص من كل ما سبق ذكره ما يلي:
1-إن لجوء الصحف الورقيّة العربية إلى النشر عبر شبكة الانترنت أو تحولها كليا إلى النشر الرقمي لم يخرجها من وضعها الهش، بل أضافت لها عبئا آخر خاصة وأن الكثير منها أعاد انتاج النسخة الورقيّة في شبكة الانترنت، مما يعني توسيع نطاق هشاشتها. وهذا خلافا لما قامت به بعض الصحف الأجنبيّة، مثل نيويورك تايمز ولوموند والتي بينت تجربتهما أن الطبعة الرّقميّة أصبحت تختلف كثيرا من الطبعة الورقيّة بعد أن تمكنت من ترسيخ الخصائص الرقميّة الّتي يتفق عليها عدد متزايد من محترفي العمل الصّحفيّ والباحثون[129]، والّتي تمنح الحرية للصحافيين في ابتكار أفضل القوالب السّرديّة للأخبار عبر الوسائط المتعدّدة، وتلك الّتي تتيح للقراء التّفاعل مع المحتويات وحتّى شخصتنها – من خلال السَّرْد التّفاعلي- والتفكير في أدوات ربط المواد الصّحفيّة بالبيانات والمعطيات واستغلال أرشيف الصّحيفة، واستخدام النّصّ المتشعب.
- بيّنت تجربة الصّحافة الأجنبيّة وجود علاقة وثيقة بين محتوى الصحف واقتصادها، فالأول يقود الثاني وليس العكس. وهذا ما يتضح من خلال استغلال بيانات القراء وتوظيفها في اختيار الموضوعات وتجريب المنتجات الإعلامية الجديدة للطبعتين الورقيّة والرّقميّة. وبهذا زالت فكرة التنافس بينهما لتحلّ محلّها فكرة التكامل والتنوع للوصول إلى مختلف شرائح القراء. وهذا درس من الدروس التي يجب أن تدرك في تحول الصّحافة المعاصرة في البيئة الرقميّة.
- لا تعاني الصّحافة الورقيّة العربيّة من هشاشة مؤقتة مما يتطلب حلولا ظرفية ذات طبيعة إدارية أو مالية أو تقنية على أهميتها. بل إنّها تعيش أزمة وجوديّة جوهريّة تتطلب العمل الدؤوب على إعادة بنائها كحقل مستقل بذاته، يتطلب تطليق البراديغم التقليدي للصحافة وللعمل الصحفي. وإعادة النظر في معنى وجود الصّحافة في المجتمع المعاصر، وما هي طبيعتها ودورها على ضوء التغيرات الّتي طرأت على القراء، ولماهية الصحافي المُجْبر على إعادة تكوين ذاته وتَطبّعه بما يتماشى والتحولات التي تعيشها قاعات التحرير استجابة لمنطق التكنولوجيا من جهة ولحاجات القراء من جهة أخرى. وهذا يستدعي إقامة حوار دائم بين الثقافتين: ثقافة الصّحافة الورقيّة، وصحافة الانترنت وتوظيف الكفاءات الجديدة: مدير الجماعات Community Manager، وقائد البياناتData Driver، وفنيي الغرافيكس، ومُعَدّل التعليقات Moderator وغيرهم. والاستفادة من نشاطهم من أجل تقديم مادة عامة وشخصانية، دسمة وخفيفة في الوقت ذاته. وجديرة بأن يدفع القارئ مقابلا ماليًّا للاطلاع عليها مع تنويع المقاربات لإشراكه فيها. وهكذا يمكن لها أن تشق طريقها الخاص، وتؤسس لنموذجها الاقتصادي الجديد الّذي يساهم في انقاذها من الإفلاس.
- المراجع والهوامش
[1] – أنظر على سبيل المثال:
Yonatan Gonen: What Does the Arab Newspaper Think About Itself? Middle East Review of International Affairs, Vol. 18, No. 2 ،Summer 2014. Accessed June 11, 2022. https://cutt.ly/dZQkctQ
[2] – لو اقتصرنا على تونس على سبيل المثال، الّتي انطلقت منها شرارة ” أحداث الربيع العربي، نشير إلى أن الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال – وهي هيئة استشارية أنشئت في مارس 2011 بعد مغادرة الرئيس زين العابدين بن علي البلد– وافقت على صدور 228 عنوانا في 2011 ! نقلا عن:
- Klaus- Olivier Koch :Les presses privées post-2011 en Tunisie : mutations économiques et politiques, Questions de communication, No 32,2017, p 287-306
[3] – أنظر على سبيل المثال: حازم عبد الحميد النعيمي، العوامل المؤثرة على حرية ا لتعبير في الصّحافة العراقية المطبوعة: دراسة استطلاع رأي في عينة صحف يومية مستقلة، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، عدد 34- السنة 2011، ص 32-53
[4] – أنظر على سبيل المثال:
– مجدي الداغر: الازمة المالية والإدارية في الصّحافة السعودية وتأثيراتها على مستقبل الصّحافة المطبوعة في المملكة دراسة على القائم بالاتصال، المجلة الجزائرية لبحوث الاعلام والرأي العام، المجلد 4- العدد02 – د يسمبر-2021 / 264 -286
– بلحاجي وهيبة، الشروط الاقتصادية لحرية الصّحافة الخاصة في الجزائر 1999-2015، المجلة الجزائرية للعلوم الإجتماعية والإنسانية ، المجلد 4، العدد 7، 2016، ص 285-308
[5] – موني عبد الوهاب :العوامل المؤثرة في توزيع الصحف في مصر ، دراسة ميدانية على موزعي الصحف
المجلة المصرية لبحوث الرأي العام، العدد 2-2013، ، ص 381-424
[6] – أنظر على سبيل المثال:
السباعي مهَيرة : تقييم أداء المؤسسات الصحفية المصرية في إطار مدخل إدارة الجودة الشاملة، دراسة ميدانية علي عينة من المؤسسات الصحفية المصرية ، أطروحة دكتوراه غير منشورة ،كلية الاعلام ، جامعة القاهرة .
[7] – أنظر على سبيل المثال:
-نصر الدين لعياضي: الصّحافة الجزائرية في بيئة الواب: إرهاصات التغيير، المجلة الجزائرية للعلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة الجزائر 3، العدد 6، جوان- يونيو 2016، ص171- 193
-المعز بن مسعود: الصّحافة الورقية العربية ، صراع البقاء ورهانات الرّقمنّة، مركز الجزيرة للدراسات ، ديسمبر، كانون الثاني 2016، تم الاطلاع عليه في 6 يونيو 2022 من الموقع:
رضوان بوجمعة: أزمة الصّحافة الورقية في الجزائر و مسار الانتقال الرقمي من 1993 إلى 2017، المجلة الجزائرية للاتصال، المجلد 17 العدد ( 02) 2018 ،ص50 ــــــ 73
[8] – Virginie Sonet, “Enjeux méthodologiques de l’hybridation des pratiques: le cas de L’audiovisuel sur smartphone,” Les Enjeux de l’Information et de la Communication , no. 17/3A, (2016): 213-224, “ accessed September 12, 2021”. https://bit.ly/3Ap01Vb.
[9] – Eugenia Siapera , Andreas Veglis: The Handbook of Global Online Journalism, John Wiley & Sons, 2012, p5
[10] – Francois-André Isambert: weber désenchanté ; l’année sociologique, vol 43, 1993- 357-397
[11] – أنظر على سبيل المثال
–Claire Oger , Caroline Ollivier-Yaniv Analyse du discours institutionnel et sociologie compréhensive : vers une anthropologie des discours institutionnels- Les Mots ; Les langages du politique 71/2003, pp. 125-145, accessed June 4, 2022 .https://doi.org/10.4000/mots.8423
–Nozha Smati et Pascal Ricaud, « Les nouveaux modes de relation des journalistes à leurs publics. Les usages numériques chez les journalistes de RFI », Revue française des sciences de l’information et de la communication 7 , 2015 accessed June 6, 2022 http://journals.openedition.org/rfsic/1484 ; DOI : https://doi.org/10.4000/rfsic.1484
[12] – Projet BaSES ; Apprentissage des notions de base en sciences économiques et sociales ; financé par l’université de Lausanne. accessed June 6, 2022. https://cutt.ly/6ZQk6Vc
12- Idem
[14] – نشرت هذه المواد في الصحف والمواقع التالية: صحيفة الشرق الأوسط، الحياة، آراء حول الخليج، الأهرام الاقتصادي، العربي الجديد، المرصد العربي للصحافة، الوطن، الغد، أخبار الخليج، القبس، الخليج الإماراتية، أخبار اليوم المصرية، اليوم السابع، صحيفة العرب ، الأهرام اليومي، بيت الإعلام العراقي، الرياض، القدس العربي، مكة، زمان الوصل، عرب 48، بيان اليوم، الصّحافة، مجلة المجلة، الشروق المصرية، Independent عربية، le soir d’Algérie، al-ain.com، http://www.bbc.com عربي، almayadeen.net، sasapost.com، ..zawya.com .zawya.com . ، ammonnews.net، .jmidigitalmedia.com، middle-east-online.com،
[15] – تم اختيار هذه العيّنة بالاعتماد على محركات البحث التالية: Google.com، duckduckgo.com ، Ask.com، bing.com باستخدام الجمل التالية: أزمات الصّحافة الورقيّة العربيّة، أزمة الصحف الورقيّة ظاهرة عالمية، الصّحافة الورقية العربية، الصّحافة في العالم العربي، صحافة ورقية، صعوبات الصّحافة الورقية، الصّحافة العربية. فحصلت على بعض المئات من النتائج، الّتي تطلبت وقت لفرزها وغربلتها. واستخرجنا منها عينة قوامها 40 مادة صحفية.
تبدو هذه العينة متواضعة بالنظر إلى عدد الصحف العربية، ومدة الدراسة. لكن العينة المتاحة لا تزعم أنها تمثل مجتمع البحث خير تمثيل – أي كل الصحف، وكل الأيام والأسابيع والسنوات. كان من الأسمى أن نختار مادة صحفية لكل بلد عربي لكل سنة على الأقل. لكن هذا غير متاح في مجتمع البحث الّذي استخرجنا منه العينة بناءً على المعايير التالية: وحدة الموضوع والتركيز على بلد أو بلدان عربية، والنوع الصحفي – مقال تحليلي أو تحقيق- وعدم التكرار. لذا استبعدنا كما هائلا مما نشر سواء لأنه أخبار قصيرة منقولة عن وكالات الأنباء، مثل توقفت الصحيفة الفلانية عن الصدور أو لأنه يحدث عن وضع الصّحافة في الولايات المتحدة الأمريكية أو في أوربا أو عن أزمة الصّحافة في بلدان عربية أخرى، مثل مصر لبنان في الغالب، أي غير البلد الّذي تصدر فيها الصحيفة. وهناك بعض الصحف والمواقع الإعلامية في شبكة الانترنت تكرر نفس العوامل الّتي صنعت الأزمة في أكثر من مقال. لذا استبعدناها. إن بحثنا ليس كميا، أي أننا لم نقم بإحصاء نسبة تواتر المتغيرات المستقلة. وأن هذا الإحصاء لا يفيد بحثنا ولا يقدم قيمة معرفية إضافية. ويبدو لي أنه لو توفر للباحث عدد أكبر من المقالات فمن المحتمل جدا الا يحدث تغيير دال في العوامل الواردة في الجدولين 1 و2. لقد شملت العينة 16 بلدا عربيا، أي ليس كل البلدان العربية، لأن ما تم جمعه من مواد لم يتطرق إلى أزمة الصّحافة الصومالية على سبيل المثال. وطالما أن البحث ليس كميا فإن غياب أي بلد عربي في العين لا يلغي أي متغير من متغيرات البحث.
[16] – تم اختيار عيّنة متاحة من مواقع الصحف في شبكة الانترنت، وهي: الدستور الأردنية، والسياسة الكويتية، والراية القطرية، والشروق التونسية، والخبر الجزائرية، وعكاظ السعودية، و”صدى الأحداث” السودانية، والأخبار اللبنانية، والأهرام المصرية، وعدن الجديد اليمنية، والصباح المغربية، والاتحاد الإماراتية، والصباح الجديدة العراقية، والسراج الإخباري الموريتانية، والناس الليبية.
[17] – Fernando Zamith A methodological proposal to analyze the news websites use of the potentialities of the Internet , 9th International Symposium on Online Journalism University of Texas at Austin, April 5, 2008 Consulted June 2022. Available at : https://cutt.ly/TZQlvp4
[18] -Pierre Bourdieu : L’emprise du journalisme ; Actes de la Recherche en Sciences Sociales No101-102, 1994 , pp. 3-9
Alain Accardo, Patrick Champagne, Rémi Lenoir, Dominique Marchetti et Louis Pinto ; Michael J. Powell
[20] – أنظر على سبيل المثال
- Benson Rodney & Neveu Erik (dir.). Bourdieu and the Journalistic Field. Cambridge, Polity Press. 201, 256 pages
- Botma Gabriel J. « Cultural Capital and the Distribution of the Sensible : Awarding Arts Journalism in South Africa (201-2014) ». Journalism Studies, 18(2) , 2015, p 211-227
- External Competition ? ». Transnational Worlds of Power Journal, 1(1), 2015 p177-189
- Couldry Nick :« Media Meta-Capital : Extending the Range of Bourdieu’s Field Theory ». Theory and Society, 32(5-6), 2013, p 653-677.
[21] – شوفالي، ستيفان؛ شوفري، كريستيان، معجم بورديو، ترجمة الزهراء إبراهيم، (دار الجزائر، سوريا، 2013)، ص 147.
[22] – Rodney Benson : Review, Field Theory in Comparative Context: A New Paradigm for Media Studies, Theory and Society, Vol. 28, No. 3. (Jun., 1999), pp. 463-498
[23] – Bourdieu Pierre, «Champ intellectuel et projet créateur» , Revue Les temps modernes, n° 246, Gallimard, 1966, p.866
[24] – Rodney Benson: Review essay: Field Theory in Comparative Context: A New Paradigm for Media Studies Rodney Benson Theory and Society, Vol. 28, No. 3. (Jun., 1999), pp. 463-498. Accessed June 8, 2022 . https://cutt.ly/2ZlXHCy
[25] – Idem
[26] – Panofsky E: Architecture gothique et pensée scolastique, Traduction et postface de Pierre Bourdieu, ed de minuit; le sens commun; 1970; p164
[27] – Pierre Bourdieu , L’emprise du journalisme, op cit
[28] – نهي ميلور: الصّحافة العربية الحديثة، المشكلات والتوقعات. ترجمة منذر محمد محمود، دار العبيكان، 2007، ص 92
[29] المرجع ذاته: ص 17
[30] – نقلا عن مصطفى سامي الكيال: ثقافة الإفادات: هل يجب أن «نصدّق الضحايا» في الأعمال الفنية؟ القدس العربي، 29/7/2020، مسترجع بتاريخ 30/07/20 من الموقع: https://cutt.ly/DZlXRtW
[31] –Aboubakr Jamaï Digital Media in the Arab World In Fernando Bermejo: Digital Journalism Making News, Breaking News ; Open Society Foundation,2014, P303.
[32] – أنظر على سبيل المثال:
Rana F. Sweis – Dina Baslan : Mapping Digital Media: Jordan: A report by the Open society Foundations, 10 October 2013
[33] -هذه النسبة تنطبق على العديد من البلدان العربية، خاصة تونس- أنظر:
الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، التقرير العام، ، الجمهورية التونسية، 2012، مسترجع بتاريخ 22 يونيو 2022 من الموقع: https://cutt.ly/AXvDU5I
[34] – محمد شومان: أزمة الصّحافة المصرية تكمن في قياداتها قبل محتواها، صحيفة الحياة الصادرة في 21 أغسطس، 2018
[35] – الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال : مرجع سابق
[36] – المرجع ذاته.
[37] – La Tribune : la faillite était inéluctable accessed Mayo 20, 2022.
http://bourse-dz.com/la-tribune-la-faillite-etait-ineluctable/
[38] – الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام، مصدر سابق
[39] – ارتفع سعر الصّحيفة اليومية في الجزائر من 10 دج في مطلع التسعينات إلى 15 دج في مطلع الألفية إلى 20 دج في 2014 إلى 30 دج في 2019 إلى 40 دج في 2022
[40] – الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، مرجع سابق
[41] – كان سعر صرف الدولار يساوى 76.87 دينار جزائري وارتفع في 2016 ليبلغ 110.89 دينار جزائري
[42] – Dennis E, Martin J and Wood R : Media Use in the Middle East, 2017: A Seven-Nation Survey. Northwestern University in Qatar. Accessed June 12, 2021. http://www. mideastmedia.org/survey/2017/
[43] – Ibid
[44] –Mahsoom Thottathil : MENA Social Media Usage Trends report 2018, Accessed June 12, 2022. https://cutt.ly/pZQxeyX
[45] – ذكر جمال براوي أن الصّحيفة الّتي كانت في 2006 تباع في الدار البيضاء على الساعة السابعة بعد الزوال تصل إلى طنجة وأغادير في اليوم الموالي على الساعة التاسعة والحادية عشر صباحا وهذا ما يفسر وجود أكثر من 50% من قراء الصحف المغربية على محور الدار البيضاء- الرباط. أنظر:
Jamal Berraoui : Pourquoi la presse au Maroc est en crise ? Accessed June 12, 2022
[46] – سلام زيدان : العراق … الصحف الملونة مع ساستها نشر بمعهد الجريدة للإعلام مجلة الصّحافة في 8 أكتوبر, 2019، مسترجع بتاريخ 20/2/2020 من الموقع: https://institute.aljazeera.net/ar/ajr/article/869
[47] – محمد شومان، مصدر سابق
[48] – Batache Abderrahmane, Bouzar Chabha, Arkoub Ouali : L’industrie de la presse écrite en Algérie : de « l’entreprisation » au défi de la numérisation, Revue des sciences administratives et financiéres Volume: 05 / N°:01 (2021), P: Accessed June 12 , 2022. DOI: 10.37644/1939-005-001-030
[49]– Riyad Hamadi: Presse écrite algérienne , les chiffres du déclin Accessed June 12 ,2022. https://cutt.ly/XZQcqMP
[50] – Salma Khouja La presse papier marocaine est-elle en danger? Consulted June 12, 2022. https://www.agora-francophone.org/MAROC-La-presse-papier-marocaine
[51] – تمنح المطابع الحكومية الجزائرية الأولوية للصحف الحكومية قبل صحف القطاع الخاص فتؤخر طبعها مما يؤدي إلى تأخير توزيعها. وتلجأ في بعض المرات إلى تخفيض سحب بعض الصحف غير المرغوب فيها. وفي المغرب ستند المطابع إلى صحف فتشترط على الصحف المنافسة أن تسلم مادتها لها في وقت مبكر جدا، أي قبل الساعة الثانية زوالا! وإن تأخرت في تسليمها يـأخر طبعها وبالتالي توزيعها! لمزيد من التفاصيل أنظر:
Jamal Berraoui, op cité
[52] – محمد شومان، مصدر سابق
[53] – الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام
[54] – Éric Fottorino, Emmanuel Bachellerie :La presse écrite va-t-elle survivre ? Réflexion sur un modèle économique en péril; Le débat en images; Consulted June, 12 2022 https://cutt.ly/fZQWD32
[55] – نقلا عن محمد جمعة: MBC .. تخطط للاستحواذ على سوق الإعلانات في السعودية، صحيفة القبس الصادرة يوم 15 سبتمبر 2015 مسترجع بتاريخ يونيو 12، 2022 من الموقع
https://alqabas.com/article/5800816 :
[56] – نقلا عن محمد جمعة، مرجع سابق
[57] – La presse écrite impactée par la crise économique et la concurrence de la presse électronique,” http://www.aps.dz, 3 Mai 2018, “accessed June 4, 2022”. https://bit.ly/3pg1msv.
[58] – مجلس الصّحافة المغربي: تقرير لجنة المنشأة الصحفية وتأهيل القطاع حول أثار جائحة كورونا على قطاع الصّحافة وإجراءات الخروج من الأزمة ماي/ يونيو 2020، مسترجع بتاريخ 24/07/2022 من الموقع: https://cnp.press.ma/1334-2/
[59]– Nacereddine Elafrite; crise de la presse au Maroc: quelques explications, Consulted June 12, 2022. https://www.medias24.com/crise-de-la-presse-au-maroc-quelques-explications-2217.html
[60] – ذكر المدير السابق للوكالة الوطنية للإشهار الجزائرية، السيد محمد العربي أن عدد الصحف الّتي أغلقت أبوابها لهذا السبب 23 صحيفة. أنظر: توزيع الاشهار العمومي: اعتماد “15 مقياسا موضوعيا” في انتظار صدور قانون الاشهار، وكالة الأنباء الجزائرية، برقية رقم 070930 الجزائر، الصادرة في 20 مايو 2020
[61] – المصدر ذاته
[62] – أحمد السيد أحمد : الصّحافة الورقية العربية على مفترق طرق وأمام خيارين: التجديد والتكيف أو الاندثار، صحيفة اخبار الخليج، الصادرة في 04 آذار/مارس 2020
[63] – قدر أحسن جاب الله أن نسبة موت الصحف في الجزائر بعد 1990 بلغت 75% وذلك لعدم قدرة أصحابها على إدارة المؤسسة الصحفية، أنظر
Ahcene-Djaballah. (2011). Economie de la presse et des médias. Alger : OPU 2011, p77
[64] – الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال، مصدر سابق
[65] – Fatima Zohra Taiebi Moussaoui, « Le développement de la presse électronique en Algérie : Des dispositifs aux pratiques journalistiques », L’Année du Maghreb 15 | 2016 ; p. 61-76. Consulted June 13, 2022 DOI : https://doi.org/10.4000/anneemaghreb.2796
[66] – هذا ما أردته بعض الصحف اللبنانية، والجزائرية، ففي هذا الصدد تذكر نعمة عباس، المديرة السابقة لصحيفة المجاهد الحكومية، أنهم يركزون كل جهودهم على النسخة الرقمية بهدف الوصول إلى القراء في أنحاء العالم، خاصة الجزائريين المقيمين في الخارج الّذين بلغ عددهم 7 ملايين، وإشراك الجيل الصاعد معهم.
حديث أدلت به يوم 23/2/2012 بالجزائر العاصمة للباحث سمير عرجوني أنظر:
Ardjouni Samir – Les dispositifs numériques au sein des entreprises de presse en Algérie : Emergence de nouvelles formes de médiation. Revue Maarif ; N 18-juin 2015 pp288-318
[67]– تشير بعض التقدير أن تكلفة النسخة الرقمية أقل من تكلفة النسخة الورقية، بـ 60% إذ توفر لأصحابها النفقات الموجهة لشراء الورق و الطباعة وتوصيل الصّحيفة إلى الزبائن – التوزيع. أنظر:
Charon, J., & Le Floch : La presse en ligne, Paris : La Découverte, 2011, p65
[68]– للدلالة على ذلك يمكن الإشارة إلى أن صاحب صحيفة ” إيلاف الإلكترونية”، الّتي توصف بأنها أول صحيفة إلكترونية عربية، يبرر غياب مشاركة القراء وتفاعلهم مع موقع صحيفته بالقول: ” الإعلام طبقات، والإعلام الإلكتروني إحدى طبقاته، إلا ان المنتديات من الطبقات السفلى له، ولا علاقة لها بالصّحافة الإلكترونية” – أنظر: سعد الدوسري : باتجاه الأبيض، مزبلة الجواهر، حوار مع عثمان العمير ، جريدة الرياض، 8 نوفمبر 2002 مسترجع بتاريخ 25/07/2022من الموقع https://www.alriyadh.com/27410
هذا في وقت استطاعت الصحف الأجنبية، مثل لوموند الفرنسية، أن تكسب العديد من القراء وتؤسس لتحولها الرقمي بفضل منتدياتها الّتي يديرها صحافيون مختصون وخبراء وفنانون في مختلف المجالات مع القراء والمشتركين.
[69] – هذا ما انتهجته العديد من الصحف العربية، خاصة الجزائرية الناطقة باللغتين: العربية والفرنسية . أنظر:
Batache Abderrahmane, Bouzar Chabha , Arkoub Ouali : ’industrie de la presse écrite en Algérie : de « l’entreprisation »au défi de la numérisation, Revue des sciences administratives et financières, Volume: 05 / N°:01 (2021), P: 549-566
[70] – هذا ما تؤكده البحوث الميدانية للنسخ الرقمية لبعض الصحف الجزائرية، خلال الفترة الممتدة من 1 إلى 7 سبتمبر 2020 – أنظر:
Batache Abderrahmane, Bouzar Chabha , Arkoub Ouali , op cit
[71] – Alexandra Saemmer : Etude sémio-rhétorique du rôle de l’hypertexte dans le discours journalistique, Revue MEI ( Médiation et information ) France , N 3/2015 accessed June 14, 2022 . http://www.mei-info.com/wp-content/uploads/2015/03/MEI_34_10.pdf
[72] – نصر الدين لعياضي: الاتصال والإعلام والقافة: عتبات التأويل، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، 2015، ص 166
[73] – Jacob Cherian- Sherine Farouk: Proliferation of E-Newspapers and Its Financial Impact on the Publishing Industry in UAE International Journal of Economics and Finance; Vol. 7, No. 3; 2015 Accessed June 12, 2022 .Doi:10.5539/ijef.v7n3p194
[74] – Dennis E, Martin J and Wood R : op cit
[75] – رالف أندرسون: الصحفيون العرب مهيأون للتحول إلى عالم “الديجيتال، حديث أدلى به إلى موقع أريج، الأردن، دون تاريخ، مسترجع بتاريخ 11 جوان 2022 من الموقع: https://cutt.ly/LZtkfa5
[76] – Baños-Moreno, María-José; Pastor-Sánchez and all : Interactivity features of online newspapers : From a facsimile model to a Multimedia one : Interactivity in Online Journals , Anales de Documentación, vol. 20, núm. 2, 2017, pp.1-18. Accessed June12, 2022
http://www.redalyc.org/articulo.oa?id=63552793002
[77] – KIOUSIS, Spiro. Interactivity: a concept explication. New Media & Society [online]. 9 January 2002. Vol. 4, no. 3, pp 355–383. Consulted June12, 2022. https://cutt.ly/4ZQT6fH
[78] – نصر الدين لعياضي: الصّحافة الجزائرية في بيئة الواب: مصدر سابق
[79] – يمكن الإشارة إلى صحيفة إيلاف الإلكترونية اضطرت إلى إلغاء خدمة المنتدى بعد أن طغت فيه الآراء والأفكار الّتي تعارض وجهة نظر الصّحيفة.
أنظر: محمد شومان: الصحف الإلكترونية العربية (دراسة تطبيقية على صحيفة إيلاف) المجلة المصرية لبحوث الإعلام، العدد العشرين، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، أكتوبر، ديسمبر 2003، ص 227-263
من الصحف الّتي كانت لها تجربة جريئة في هذا المضمار في بداية الألفية الحالية، صحيفة ” الرياض” الّتي أنشأت “منتدى الكتاب” و” منتدى الصحافي الإلكتروني” لكنها مع الأسف أجهضت. أنظر:
الشحري، فائز بن عبد الله، دراسة مسحية شاملة على رؤساء تحرير الصحف السعودية ذات الطبعات الإلكترونية، بحث مقدم لندوة الإعلام السعودي: سمات الواقع واتجاهات المستقبل، (المنتدى الإعلامي الأول لجمعية السعودية للإعلام والاتصال، الرياض، جامعة الملك سعود، 20-25 مارس/آذار 2003)،
[80] – أنظر:
Seth C. Lewis : The tension between professional control and open participation : Journalism and its boundaries, Information, Communication & Society Vol. 15, No. 6, August 2012, pp. 836 –866, Consulted June 12, 2022 .https://cutt.ly/8ZQYHD1
-[81] هذا ما تعاملت به صحيفة الشروق أون لاين الجزائرية على ما علق به القراء على الخبر الّذي نشرته بعنوان : جدّة بن زيمة “تؤدّب” الصّحافة الفرنسية – يوم 2012/04/04لقد طالبوا من الجريدة التوضيح من هي المرأة المقصودة في الخبر هل هي جدة اللاعب الجزائري أم خالته نظرا للخلط في كتابة الخبر. وقاموا تصحيح بتصحيح اسم الصحافي الإيراني في التعليق على عمود الصحافي سعد بوعقبة يوم 31 ماي 2013م في الصّحيفة ذاتها، وهو طه العامري.
[82] – Mark Deuze : The web and its journalisms: considering the consequences of different types of newsmedia online.New Media & society ,Vol5(2 ) June 2003 p 203-230 Accessed June13. 2022 DOI: 10.1177/1461444803005002004
[83] – Florence Van Hove Médias d’actualité, journalistes et publics sur Twitter : vers un renouvellement des relations ? pour l’obtention du grade de Docteur ès sciences sociales- La Faculté des sciences économiques et sociales de l’Université de Fribourg (Suisse), 2019 , 318 pages
[84] – Pignard-Cheynel Nathalie, Brigitte Sebbah: La presse quotidienne régionale sur les réseaux sociaux, Sciences de la société n° 84-85 – 2011/2012, pp 171-191
[85] – إن الدعم العمومي الّذي تستفيد منه الصحف المغربية، الّتي تتوفر على رقم اللجنة الثنائية المتساوية الأعضاء، محدود، إذ بلغ ما يقدر بــ 6,15 مليون دولار في السنة 2019 واستفادت منه 88 صحيفة من بينها 19 يومية و14 أسبوعية و4 شهريات و20 جهوية و27 نشرة رقمية و4 نشرات حزبية في إطار التعددية السياسية– أنظر تقرير مجلس الصّحافة المغربي ، مرجع سابق
[86]– إن كانت الجزائر تركز على إعانتها غير المباشرة للصحف إلا أنها أنشأت صندوقا خاصا بقيمة 22 مليون دولار بموجب قانون المالية لعام 1991،.وظلَّ قائما حتى عام 2015 ليختفي في وقت حاسم وصعب. ولم تنشر معايير الاستفادة منه، ولا المؤسسات الإعلامية الّتي استفادت منه، ولا مبالغ الاستفادة. أنظر: نصر الدين لعياضي: وسائل الإعلام في الجزائر: تكلفة المحسوبية، نشر في كارولا ريشتر، وكوديا كلوزمان: نظم وسائل الإعلام العربية، ترجمة دعاء نبيل سيد الأمبابي، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، 2022، ص 335
[87] – Alessio Cornia,and all: Pay Models in European News, Reuters Institute, May 2017. Accessed June 13, 2022 https://cutt.ly/VZQUjO9
[88] – استعملته الصّحيفة اللبنانية الناطقة بالفرنسية، L’orient le Jour للحصول على عائد مالي من الجالية اللبنانية الّتي تشكل أغلبية قرائها وليس على كل القراء في لبنان. أنظر:
Laurent Giacobino : « Les médias en ligne au Maghreb sont très récents, mais en plein boom » , Interview accordée à Marlène Panara ; jeune Afrique 4 juin 2015. Accessed June 13,2022 Available at https://cutt.ly/XZQUIug
[89] – المقصود الصحف الرقمية التالية: لوديسـك Desk Le ،»و تيل كيـل Tel quel ” ، وليكونوميسـت « L’economiste نقلا عن: عبد الرحيم بلشقار: الصّحافة الرقمية المدفوعة الأجر بالمغرب، تحديات النموذج الاقتصادي ومتطلبات التطوير، معهد الجزيرة للإعلام، 2021، مسترجع بتاريخ 24/07/2022 من الموقع: https://cutt.ly/2ZdPMqT
[90] – يمكن أن نذكر على سبيل المثال أن الاشتراك الشهري للاطلاع على النسخة الكاملة لصحيفة الوطن الجزائرية بصيغة PDF يقدر بــ 2.38 دولار وبحوالي 16.32 دولار مقابل الاشتراك الممتاز في صحيفة الخبر الجزائرية لمدة ستة أشهر. ويبلغ الاشتراك الشهري في نسخة صحيفة “الشروق ” التونسية بصيغة PDF حوالي 7.91 دولار، و 20.56 دولار لمدة ثلاثة أشهر، و 69.62 دولار لمدة سنة.
[91] – Dennis E, Martin J and Wood R, op cit
[92] – أنظر على سبيل المثال :
فاتن أحمد المتولي حمزة کريم: واقع ومستقبل الصّحافة الورقية في مصر من وجهة نظر الصحفيين العاملين بها. المجلة العلمية لكلية التربية النوعية – جامعة المنوفيةـ المجلد 6، العدد 21، أكتوبر 2019، مسترجع بتاريخ 12/06/2022 في الموقع:
DOI: 10.21608/molag.2019.152879
[93] – Cabedoche Bertrand, Damian Gaillard Béatrice, Rebillard Franck, Smyrnaios Nikos: « Mutations de la filière presse et information », in Bouquillion Philippe et Combes Yolande (dir.), Diversité et industries culturelles, L’Harmattan, 2011 Paris, pp 77-114
[94] – Jean-Marie Charon : “Partout un problème se pose pour financer une information de qualité” Journal Le Monde du 02.01.10
[95] – Idem
[96] – Paul Loridant, Jusqu’où aider la presse ? Rapport d’information n° 406 ; Le Senat français le 7 juillet 2004
[97] – Jeremy Littau: Aux origines de la crise de la presse US, trois erreurs stratégiques; Traduit par Florence Delahoche — 15 février 2019. Accessed June 17, 2022. https://cutt.ly/EZQW6m8
[98] -Jean-Marie Charon, De la presse imprimée à la presse numérique, Le débat français. Revue Réseaux 2010/2-3 (n° 160-161), pp 255- 281
[99] – Jeremy Littau :Op cit
[100] – Éric Fottorino, Emmanuel Bachellerie, op cit
[101] – Philip Meyer ,Yuan Zhang: Anatomy of a death spiral: newspapers and their credibility, Accessed June 20, 2022 .https://cutt.ly/dZQEaAB
[102] – باتريك إفينو ، أستاذ تاريخ وسائل الإعلام بجامعة السوربون، باريس، نقلا عن:
Lorène Paul : Quand la stratégie numérique du New York Times paye et en devient un exemple Revue challenge du 21.08.2020. Accessed June 20, 2022
https://www.challenges.fr/index/2020/08/21/
[103] -Bernard Poulet : The New York Times ou quand l’empire contre-attaque, La revue des médias , INA, octobre 2014 Accessed June 20, 2022 https://larevuedesmedias.ina.fr/new-york-times-ou-quand-lempire-contre-attaque
[104] – AFP : Le « New York Times » passe la barre des 4 millions d’abonnés », Journal la presse , Canada du 3 novembre 2018, Accessed June 20, 2022 https://cutt.ly/JZQEH8b
[105] -Le Monde : Le « New York Times » compte 3,7 millions d’abonnés » du 4 mai 2018 Accessed June 20, 2022 https://cutt.ly/MZQE9Ik
[106] – Arthur Gregg Sulzberge NYT Innovation Report 2014 Accessed June 20, 2022 https://cutt.ly/aZQRy82
[107] – Mike Vorhaus : Digital Subscriptions Boost New York Times Revenue And Profits, accessed June 13, 2022 https://cutt.ly/TZQRaIP
[108] – Nikki Usher Making News at The New York Times- University of Michigan Press; 2014, p222
[109] -Éric Fottorino, Mon tour du Monde, Paris, Éditions Gallimard, 2012, p. 395.
[110] – David–Julien Rahmil : Moins d’articles, plus de journalistes et plus d’audience : la formule gagnante du journal Le Monde, Accessed June 14, 2022 https://urlz.fr/cl9t
[111] -Gilles van Kote : Pour ses 77 ans, « Le Monde » s’offre un record de 500 000 abonnés , Le Monde 21 décembre 2021
[112] –Vincent Truffy Subventions : la presse passe au contrôle, Mediapart , 16 avr 2012 Consulted March 2022. Available at https://cutt.ly/MZlVyUV
[113] -Le journal Sud-Ouest vit-il ses derniers jours ? infos-bordeaux.fr, 13 novembre 2013. Accessed June 20, 2022 https://cutt.ly/zZQRHPs
[114] – Le Monde: Les revenus du « Monde », des sources diversifiées, le 26 janvier 2021
[115] -Patxi Berhouet:La modération des commentaires au « Monde », un exercice nécessaire mais complexe, le monde 30 novembre 2021
[116] -Anne Penketh , Philip Oltermann ,Stephen Burgen : European newspapers search for ways to survive digital revolution, The Guadian June, 12 , 2014. Accessed June 20, 2022 https://cutt.ly/zZQRHPs
[117] – Olivier Laffargue: Le Monde » sur TikTok : la même info, de nouveaux codes, Le monde le 18 juin 2020
[118] – في البداية كان تحديث المواد الصحفية كل ساعة أو نصفها، ثم تحول إلى كل ثلاث ساعات.
أنظر:220 Nikki Usher Op cit;,p
[119] – لم تقف الصّحيفة عند اشراك القراء في موادها الصحفية، بل حاولت أن تكون أكثر قربا منهم ، إذ يمكن أن نذكر أن الصحافية المختصة في الاقتصاد، Catherine Rampell، لا تحيل في كتاباتها إلى الروابط الرقمية الّتي توصل القارئ إلى المواد الجيدة المنشورة في شبكة الانترنت ، بل تدرج النكت المسلية المتعلقة بالطريقة الّتي نصرف بها أموالنا. أنظر:
Nikki Usher Op cit Op cit;p220
[120] –Joseph Lichterman: 4 takeaways from The New York Times’ new digital strategy memo; Accessed June 17, 2022 https://cutt.ly/iZQTQ1V
[121] – كلمة مركبة من ” Free ” مجاني و ” premium ” الممتاز
[122] – Fatima El-Issawi : Arab National Media and Political Change, Recording the Transition
The Palgrave Macmillan -New York 2016, p63
[123] -أشار الدبلوماسي الأمريكي في لبنان في خمسينات القرن الماضي، “توماس ماكفادن” McFadden في كتابه : الصّحافة اليومية في الدول العربية إلى “أن غالبية المحررين في الدول العربية يولون اهتماما ضئيلا للدور الإعلامي للصحافة في المجتمع وثمة مقدار من الاتفاق على أن الصراع من أجل القضايا يأتي في المقام الأول وتقديم الأخبار في المقام الثاني. نقلا عن، بوخنوفة عبد الوهاب، دور الإعلام العربي في المرحلة الراهنة: دراسة في تصورات الصحفيين العرب، مداخلة في مؤتمر الإعلام العربي واسئلة التغيير، الجامعة اللبنانية بيروت 5،6و7 مايو 2016
[124] – Idem P16
[125] – لعل هذا الأمر ينطبق على العديد من البلدان العربية، يأتي على رأسهم لبنان الّذي يتميز بقرب صحفه من الأحزاب السياسية والطوائف ورأسمال الأجنبي. أنظر:Aboubakr Jamaï Op cit, P307
والجزائر، ففي الوقت الّذي تعاني الصحف الجزائرية من السنوات العجاف، يفيدنا موقع الإلكتروني الاقتصادي bourse ـ com.dz بأن صحيفةL’Expression’ الصادرة باللغة الفرنسية والّتي لا تملك أي تأثير على الحياة السياسية الوطنية الّتي تسحب 20000 نسخة فقط في اليوم، والّتي لا توزع في المتوسط سوى نصف هذا العدد، معظمه على المؤسسات الرسمية وشركات الطيران والفنادق الحكومية ـ حققت أرباحا كبيرة، تتراوح من سنة إلى أخرى، ما بين 506 ألف و5.1 مليون دولار، خلال الفترة2009 ـ 2016 ،بفضل الإعلان العمومي. هكذا، أضحت هذه الصّحيفة أكثر ربحا من كل الصحف الجزائرية.
نصر الدين لعياضي: وسائل الإعلام في الجزائر… مرجع سابق، ص 336
[126] – Chris Anderson, Emily Bell. Clay Shirky: Post-Industrial Journalism: Adapting to the Present (Colombia Journalism school, 2012), P76
-[127] أنظر إلى تحليل مضمون المواقع الإخبارية التالية : ساريا نيوز – الأردن، المواطن مصر، وهسبريس -المغرب- وكبيتاليس – تونس،
Bouziane Zaid , Mohammed Ibahrine, Jana Fedtke: The impact of the platformization of Arab news websites on quality journalism, Global Media and Communication, No 3, Accessed June 10, 2022.DOI: 10.1177/17427665221098022
[128] – أنبرتو إيكو: دروس في الأخلاق، ترجمة سعيد بن كراد، المركز العربي الثقافي، 2010، ص 87
[129] – Mark Deuze : The web and its journalisms: considering the consequences of different types of newsmedia online, New Media & Society .Vol5(2 ) June 2003 p 203-230 Accessed June 20, 2022. DOI: 10.1177/1461444803005002004
محاولة دراسة الاتصال في المجتمع الجزائري: بعض المشاغل الابستمولوجية في البيئة الرقميّة
نصر الدين لعياضي
مجلة الزّهير للدراسات والبحوث الاتصالية والإعلامية المجلد2/ العدد3 (جوان2022 ) ص7-033
المقدمة:
يبدو الموضوع الذي تقترحه هذه الدراسة عسيرا من أول وهلة لأنه يطرح السؤال التالي: كيف ندرس الاتصال أولا، والميدياتكي، ثانيا. وفي المجتمع الجزائري ثالثا؟ إنه موضوع شاسع يستعصي على الاختزال والتبسيط، خاصة إن انطلقنا من تصور مفاده “إنّ الاتصال يتموضع في نهاية المطاف داخل مجتمع معين، ويُنفذ بأدوات مجتمعيّة معينة”[1]، وأن تحولات المجتمع الجزائري لازالت قيد المساءلة والبحث.
لتذليل صعوبة هذا الموضوع، تسلحنا بما يلي:
تبني مقاربتين، تبدوان متعارضتين لكنهما متكاملتان. فالبحوث الحديثة تتفق على تعددية المقاربات لدراسة الميديا الاجتماعيّة [2].وهاتان المقاربتان هما:
- المقاربة النسقية، Approche systemique : يؤكد الباحث[3] Jean-Pierre Olivier de Sardan على أن العلوم الاجتماعيّة قدمت طبعتين للمقاربة النسقيّة. الطبعة الأولى ذات السقف الأعلى تنطلق من تصور ينصّ على أن الواقع عبارة عن نظام أو منظومة، والطبعة الثانية ذات المستوى الأدنى، تنصّ على أن كل شيء يجرى وكأن الواقع عبارة عن نظام، غير أنه يعتقد أن الممارسات الاجتماعيّة والدلالات الثقافيّة ليست عبارة عن منظومة وفق ما تؤكده الطبعتان. فاستراتيجيات الفاعلين والسلوكيات، التي تتسم بالمفارقة وغموض التمثلات، أبعد من أن تشكل منظومة في انسجامها وسيرها الوظيفي. لذا، إنّنا نستعمل المقاربة النسقية بالمعنى المجازي الذي يحيل إلى عدم الفصل بين الحياة اليوميّة العينيّة والحياة الافتراضيّة. فلا يعتبر العالم الافتراضي عالما خياليَّا أو غير واقعي مواز للعالم العيني اليومي، بل نعتبرهما عالمًا واحدًا. فالاتصال الفيزيائي وجها لوجها يؤثر على الاتصال الوسيطي، والاتصال الوسيطي يؤثر بدوره على الاتصال المباشر الثنائي وبين الجماعات.
2 –مقاربة الممارسات الاجتماعية. تعتبر هذه المقاربة حديثة، إذ ظهرت في مطلع الألفية الحالية على يد الباحثين الاجتماعين: بيار بورديو، وأنطوني غدنز ، وبرينو لاتور، والتي تنطلق من فهم هذه الممارسات على أنها “:
(أ) جملة من الأفعال والأقوال ؛ (ب) التي ترتبط منطقيًا ببعضها البعض بحيث تشكل كتلة من الأنشطة ؛ (ج) من خلال ما يسمى بأشكال مختلفة من الاتفاقيات أو القواعد أو الاستراتيجيات ؛ (د) وتمتد في الوقت ، مما يعني أن الممارسات تستمر كمجموعات يمكن التعرف عليها من الإجراءات.” [4]
إن الحضور الطاغي لعُدّة التواصل في كل مكان وزمان جعلها، ويا للمفارقة، أقل مرؤوية، أي أنها اندست في الحياة اليوميّة والممارسة الاجتماعيّة. فلم تعد منفصلة عنا ولا نعيش معها فحسب، بل أصبحنا في داخلها.[5] وترجمة هذا القول في مجال البحث، يعني عدم الاكتفاء بالنظرة الضيقة لعلاقة المتصل- المستخدم- بالميديا، بل إدراجها في السياق الرحب الذي تجري فيه؛ أي الاهتمام بفعل التواصل الوسيطي ضمن الممارسة الاجتماعيّة ككل.
3- الابتعاد عن اليقين والنَّأْي عن الإجابة الحاسمة في غياب البحوث الأمبريقية التي يتأسس عليها الجواب أو ندرتها ، والتي ترصد تداعيات الاتصال المباشر- وجها لوجها – في المجتمع الجزائري على انتقاله عبر الوسائط التقنيّة وتأثير هذه الأخيرة على الممارسة الاجتماعية.
لذا حاولنا أن نبني دراستنا هذه على السؤال الذي يعبر عن عدم اليقين. وطرح السؤال مثلما يؤكد الباحثان: ليونال بيلوجر، وماري جوزي كوشير: هو فعل سخيّ وشجاع في آن واحد: سخي لأن السائل يروم اقتسام ما يعرفه مع الغير. وشجاع لأنه يكشف عن حدود السائل المعرفية، أي جهله[6]
إن دراسة الاتصال في أي مجتمع يتطلب أولا تعريفه. والقيام بهذه المهمة تواجهه المفارقة التالية:
على الرغم من أن كل المراجع تؤكد على أصل كلمة Communication – communicare – لاتيني وتعني الاقتسام، وأن تكون على علاقة ما مع” ، وتحيل إلى أن أبرز اللغات اللاتينية اشتقتها من عبارتي ” Commun ” المشترك ، و” Communauté “، أي الجماعة ” إلا أن منظري الاتصال انزاحوا عن هذا المعنى في تركيزهم على مكانة الاتصال الانطولوجية واعتبروه مسارا يتم بموجبه نقل رسالة ) معلومة، فكرة، أحاسيس ومشاعر ( من مرسل إلى متلقي عبر حامل أو قناة. وبفعل العديد من العوامل: الاقتصاديّة، والسياسيّة، والنفسيّة، تكاثرت النماذج التي ترسم مسار هذا الاتصال وفق اتجاه خطي. وحدّدت رهاناته.
يكمن نجاح الاتصال لدى شانون وويفر في الحفاظ على المحتوى المنقول بحيث لا يفقد أي شيء عبر مساره بمعنى أن تظلّ الرسالة المستلمة هي ذاتها المرسلة. ويشخصان العدو الأساسي للاتصال في عدم التيقن من المحتوى؛ أي الانتروبي Entropie ، لذي يجب محاربته.[7] ولم يحد لازويل عن هذا النموذج الخطي للاتصال، إذا قام بمحاكاته مفككًا إيّاه إلى العناصر التالية: من؟ يقول ماذا؟ لمن؟ وبأي وسيلة؟ ومن أجل أي تأثير؟ ورأى أن رهان الاتصال يكمن في القدرة على التأثير.
لم تختزل هذه النماذج، وغيرها الاتصال في جانبه الإجرائي فقط، بل سجنته أيضا في العقل الأداتي، وعمّمته على الاتصال المباشر وجها لوجه.[8]
لم تطعن التكنولوجيا الرقميّة في نماذج الاتصال الخطيّة والاختزاليّة فحسب، بل بعثت النقاش من جديد حول ماهية الاتصال انطلاقا من ارث آباء علم الاجتماع الذين يؤكدون على أن الاتصال مسار رمزي ينتج بموجبه الواقع، يحافظ عليه، ويصلحه، ويحوله.[9] إنّه تعريف بسيط للاتصال، أليس كذلك؟ لكن فهم ممارسته في البيئة الرقميّة يكشف عن صعوبات جمة، بعضها يعود إلى ديناميكيّة التحول الاجتماعيّة والثقافيّة الفاعلة في العملة الاتصاليّة، وبعضها الأخر يعود إلى تمثّل الوسيط التقني الذي من خلاله يتجلى الاتصال. وعن هذا التمثّل يمكن ذكر اتجاهين أساسيين، وهما: “رُهَابِيو التكنولوجيا” الذين يخشون على البشرية من مآل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ففيليب بروتون، على سبيل المثال، يرى أن التكنولوجيا الحديثة ستجرد البشرية من إنسانيتها وستقضي على الاتصال بين الأشخاص .[10] و”المتفائلون بالتكنولوجيا” الذين يصفهم الصحافي الأمريكي ستفن ليفي Steven Levy بالتقنو-متفائلين، لاحتفائهم المفرط بالتكنولوجيا الحديثة التي يرونها مرادفا للتقدم الذي يولد الإنسان الجديد، والمجتمع الشامل والأخوي. والتي تجعل العلم في متناول الجميع بكبسة زر[11]. إنها الترياق الذي يعالج البشرية من أمراض اتصالها: فالكلّ يتصل بالكلّ، والجميع يعرف الجميع.
حقيقة، لقد أصبحنا نتواصل بطريقة سمعية وبصرية وبأسرع ممّا كان عليه اتصالنا، حيث نتواصل مع أبعد نقطة في الكون حتّى مع رواد الفضاء، وبأقل تكلفة تقريبا. لكن هل سمحت هذه المنجزات بالقضاء على كلّ عوائق الاتصال غير التقنية، وأصبحنا فعلا أكثر قربا من بعضنا، وأكثر تفاهمًا وتعاونًا؟
الإجابة بالطبع لا، لأن ممارسة الاتصال ليست بالسهولة التي يصورها الاتجاهان المذكوران أعلاه، بل إنّها أصعب من ممارسة الإعلام. فصعوبة الإعلام، الذي ينشد الحقيقة، تكمن في صياغة الرسالة المناسبة، أما صعوبة الاتصال، الذي ينشد إقامة علاقة، فإنها تكمن في تعقد الآخر في نظر ولتن دومنيك[12]. ويوضح هذه الصعوبة بالقول ” إن الاتصال الذي ظلّ لمدة طويلة بمثابة عامل انفتاح وتقارب بين الأفكار والشعوب، يمكن أن يصبح سببا للعداوة، وحتّى الكراهية. ففي العالم الذي يتنقل فيه كل شيء بسرعة، يُسلط فيه الضوء على الاختلافات. إن تحمّل الأخر، عندما يكون قريبَا ومرئيًّا، يصبح أكثر صعوبة من تحمّل ذاك الذي يكون بعيدا وغير مرئيّ.[13]
إذًا، إن دراسة الاتصال، هي تحليل لممارسة معقدة مفتوحة على التأويل، تخضع لمنطق العُدّة التقنيّة، بهذا القدر أو ذاك، وللعلاقة الاجتماعيّة، وتتجسد ضمن سياق ممارسة السلطة والاعتراف، وضمن تقاليد ثقافيّة موروثة. فلا وجود للاتصال دون وساطة، سواء كانت اجتماعيّة أو تقنيّة تدفعنا إلى مساءلته ليس انطلاقا من محتوى ما يتم تداوله فحسب، بل من منظور كيفية تداوله وتلقيه وتأويله أيضا.
سنحاول دراسة هذه الممارسة في المجتمع الجزائري وانتقالها من الحالة الثنائية الخاصة إلى الحالة الجماعية، ومن التأثير المبادل بين وضع الاتصال وجها لوجه والاتصال الوسيطي وفق المحاور التالية، وهي: 1-الكينونة والمظهر ،2- بعث الإحماض في البيئة الرقميّة، 3-الاتصال الافتراضي في غياب التراتبية الاجتماعية، 4 –التعويض عن انمحاء المكان في الاتصال الافتراضي،5- تداعيات “الإيموجي” في اتصال الجزائريين؛6- الاتصال بين التضمين والتصريح، 7–الاتصال من أجل الانغلاق، 8-الاتصال والإكراه المزدوج، 9- مواقع التواصل الاجتماعي وتحولات خصوصيّة الجزائريّ، 10- المجتمع الجزائري وأيديولوجيا الاتصال.
1-الكينونة والمظهر: L’être et le paraitre
قد نتفق مع الفيلسوف ميشال سير [14]Michel Serres في قوله إنّ شبكة الانترنت تشكل القطيعة الانتربولوجيّة الثالثة في تاريخ البشرية، بعد اختراع الكتابة، ثم المطبعة، بيد أننا نرى حدود هذه القطيعة قد تختلف من مجتمع إلى أخر، ناهيك عن تداعيات القطيعة الأولى والثانية على الثالثة. فهل يمكن أن نرسم حدود هذه القطيعة الأخيرة في المجتمع الجزائري؟
في بداية انتشار جائحة كوفيد 19، شرعت العديد من الجمعيات الخيريّة في القيام بنشاط تحسيسي للوقاية والتضامن: توزيع اللُثْم والمطهر على المواطنين. وعندما سئل مسؤول على احدى الجمعيات النشيطة في مدينة البليدة: لماذا لم تطلق حملتهم من الأحياء السكنية الفقيرة التي تحتاج فعلا إلى المساعدة والتضامن، أجاب، بأنهم اختاروا الأحياء الراقية في وسط المدينة لأنها مغطاة بشبكة الانترنت، وسرعة تدفقها عالية! أي أنهم سعوا إلى توسيع مرؤوية نشاطهم، وكأن الغاية من هذا النشاط هو إظهار ما يقومون به. بصرف النظر عن البعد غير الأخلاقي الذي يفضح مثل هذه الأنشطة الخيرية، تلفت هذه الحادثة النظر إلى انتهاء صلاحية مقولة ” تحدث لأراك” التي نسبت إلى سقراط، وحلّت محلّها ” اظْهَرْ لأسمعك ” في بيئة الواب.
إن معنى هذه الحادثة غير مستحدث في جوهره لأن الجزائريين دأبوا على إخفاء كينونتهم في الواقع، ليقدموا صورة أمام الملأ مختلفة أو حتى مغايرة على ما هم عليه. يمكن أن نلاحظ هذا الأمر في المعيش اليومي. نجد الأسرة الجزائرية مكدسة في غرفة المعيشة وقد تنام فيها حتى يظلّ الصالون نظيفا ومرتبا لاستقبال الضيوف الذين يأتون لماما حتّى يأخذوا انطباعا جيدا عن وضعها، وربما لا يأتون إلا نادرا.
على الرغم من سلبية التعميم، نجازف بالقول إن الجزائري يسعى إلى تحقيق ذاته عبر اللغة سواء في الواقع الفيزيائي الملموس أو في الفضاء الافتراضي بشكل يطغى فيه المظهر Le paraître على الكينونةL’être. فلا غرو إن قال بعضهم: تكاد تغادر شقتك يوم الجمعة دون أن تغلق بابها نظرا لما يغمر صفحات الفيسبوك من إيمان واستقامة وأمن نتيجة الافراط اللفظي والمرئي في التمسك بتعاليم الإسلام، بل لا غرابة إن وجدنا سيدة جزائرية تتحدث عن منشورات زوجها في مواقع الشبكات الاجتماعيّة قائلة : عندما أتابع ما ينشر في موقع الفيسبوك أتمنى أن أكون زوجته!
ومن باب التوضيح أكثر يمكن القول إن الأنا المرئية في شاشة مواقع الشبكات الاجتماعيّة تعدّ مكونا مركبا من ثلاث أنات حسب الباحثة فاني جورج [15]: الهوية التصريحية l’identité déclarative ( تمثل الذّات)، والهوية الفاعلة l’identité agissante، والهوية المحسوبة identité calculée. ونزعم أن الاتصال عبر مواقع الشبكات الاجتماعيّة في البيئة الجزائريّة، يمزج بين الهويتين التصريحية والمحسوبة التي يقول عنها عبد السلام بنعبد العالي الفيلسوف المغربي [16] أن ما نعرضه اليوم على مرأى ومسمع الآخرين ليس حياتنا بل صور مصطنعة ومفبركة وإخراج يتلون حسب الحاجيات الظرفيّة. وهذا ما يوسع الهوة بين ما نحن عليه وما نضعه تحت نظر الغير.
نقف عند هذا الحد حتىّ لا نمضي إلى ما ذهب إليه هشام شرابي [17] في مذكراته عندما تساءل قائلا: كيف للفرد في مجتمعنا أن يعرف ذاته على حقيقتها وهو منذ الصغر محاط بأفراد لا يعرفون ذواتهم، يعيشون في عالم يقوم على الكذب، وخداع النفس والآخرين؟ كُلّ من عرفت من أبناء مجتمعي يود، بشكل أو آخر، أن يكون إنسانا آخرا. يتظاهر أنه غير الشخص الذي إيّاه.
2 -بعث الإحماض[18] في البيئة الرقميّة:
يروى محمد عابد الجابري[19] عن سكان مدينة فجيج، مسقط رأسه، التي لا تبعد كثيرا عن الحدود الجزائريّة. إذ يقول إنهم كانوا يتسلون بالكلام، يتقبلون تكرار الكلام في الموضوع ذاته ويعيدون حكاية نفس الخبر مرات ومرات وكثيرا ما كانوا يتلذّذون بالاستماع إلى الشخص نفسه يعيد ما حكاه بالأمس أو قبله متسامحين فيما يأتيه من زيادة أو نقصان. فالخبر لم يكن من أجل ما ينقله من معلومات للسامع، بل من أجل تسجية الوقت. وهذا ما يقوم به الكثير من الجزائريين في المقاهي وأماكن العمل والدراسة، وما تمارسه النساء في صالونات الحلاقة وفي الأعراس، إذا، ما يحدث اليوم في مجتمعنا هو التعايش بين الاحماضين: الاحماض ” السابق ” والإحماض الرقمي، فكلاهما يتغذى من الأخر، الاختلاف الوحيد يكمن في مرؤوية الاحماض الرقمي، واتساع رقعته مع بعض الاقصاءات الناجمة عن ضعف الإمكانيات الماديّة لامتلاك العدة التقنيّة والاشتراك في الانترنت، وعدم الكفاية التقنيّة التي تسمح بالمشاركة فيه.
تكون الحكاية في الغالب مادة للإحماض التي تخلق وشائج عاطفية وتقرب بين الناس. وغني عن القول أنها تختلف عن الحجج والأدلة. فالحكاية يرويها الأفراد كما عاشوها أو ينقلونها كما سمعوها وهي غير قابلة للتعمّيم، بينما الحجج هي نتيجة مجموعة من الملاحظات والتجارب التي تسمح بالتأكيد أو التفسير الأكثر عمومية. [20] ويميل الاحماض الرقمي إلى الحكاية أكثر من الحجج، من يجعل الاتصال أكثر عاطفية وذاتية في التفاعل الإنساني، لكنه غير كاف لتشكيل فضاء عمومي مستنير.
3-مآل الاتصال الافتراضي في غياب التراتبية:
قبل ميلاد الانترنت كان الاتصال يستند إلى نوع من التراتيبية التي تضفي مصداقية على الاتصال وتزيد في فاعليته، وتختلف هذه التراتيبية من مجتمع إلى أخر. ففي بعض المجتمعات يكون حديث من يملك المهارات التقنية والفنية مسموعا ومقدرا أكثر من المتقدم في السن، وبعضها الأخر يمنح مصداقية أكبر لحديث من يملك الشهادات العلمية : دكتور، مهندس، طبيب، وللثري الذي يملك المال في بعض المجتمعات، بينما في المجتمعات الشفوية، مثل المجتمع الجزائري يحظى كبير السن بأهمية ويثمن كلامه الذي يدل على الحكمة والخبرة، لذا يقال: إذا مات شيخ طاعن في السن في أفريقيا زالت معه مكتبة. تراجعت هذه الترابية تدريجيا لتختفي في شبكة الانترنت. فيتساوى الجميع المختفي وراء العدة التكنولوجية. هذا ما أكده Peter Steiner في رسمه الكاريكاتوري، الذي نشره في صحيفة نيويركر، يوم 5 جويلية 1993، والذي يظهر فيه كلبا خلف شاشة الكمبيوتر مع التعليق التالي: في شبكة الانترنت لا أحد يدري أنك كلب. فاختفاء التراتيبية لا يعني اختلاط الحابل بالنابل فحسب، بل تعني أيضا زوال مراسيم اللباقة والكياسة والاحترام، والتي تعمل على تليين الاتصال وتعزيز بعده الإنساني.
4-الاتصال بين التضمين والتصريح:
يفرق المختصون في الاتصال ما بين الثقافات بين نمطين من الاتصال: الصريح والضمني، فيصنفون اتصال البريطانيين، على سبيل المثال بالصريح، واتصال الأمريكيين بالضمني، وهذا ما عبر عنه الكاتب الساخر جورج برنارد شو بقوله: “إن بريطانيا والولايات المتحدة بلدان تفصلهما اللّغة”. [21]فمفردات الاتصال الصريح تفهم حرفيّا، بينما الاتصال الضمني تأويلي، والقصد الفعلي منه لا تفصح عنه الكلمات والصور المتداولة، بل يستنتج مما بين السطور، ومن السياق والايحاء والتلميح. فالشعوب تستعمل الاتصال الضمني لأسباب تاريخيّة وثقافيّة ونفسيّة، من باب المجاملة وعدم الاحراج، وعلى سبيل المزاح، ولتفاديا للصدام، لكن يمكن أن يؤدي هذا الضرب من الاتصال إلى توترات ونزاعات إن جرى تأويله بشكل مريب.
يوصف الاتصال في المجتمع الجزائري بأنه ضمني لأسباب يطول شرحها. والسؤال المطروح، هل أنه يتحول في ظل تطور العُدّة التقنيّة إلى اتصال صريح، بعد أن أصبح مستخدمو شبكة الانترنت أكثر جرأة نتيجة اختبائهم وراء الشاشة بأسماء مستعارة وهويات مزيفة، وتحرروا من التراتبية في الاتصال؛ أي فهل الاتصال بين الجزائريين في البيئة الرقمية يقضى على طابعه التضميني ؟ وهل ينتقل الى الممارسات الاجتماعية الفعلية في الحياة اليومية. من المحتمل أن تكون العُدّة التقنية عاملا معجلا وليس سببا في ابتعاد الجزائريين عن الاتصال الضمني. والسؤال المطروح ألا يشكل هذا الابتعاد مادة لاتساع ” الذُّعْر الأخلاقي”؟
5-هل من تعويض عن انمحاء المكان في الاتصال الافتراضيّ؟
إن الحديث عن الاتصال يكون قاصرا دون الأخذ بعين الاعتبار الحيز والمسافات. ولا يكتمل فهم الاتصال غير اللفظي إن تجاهلنا “القربيات” proxémique- Proxemics التي بلورها عالم الانتربولوجيا الأمريكي “إيدوارد هال” منذ 1963، حيث أكد انه بالإمكان استنتاج طبيعة العلاقة بين متحدثين وجها لوجه من خلال المسافة التي تفصلهما. وحصرها في المستويات الثلاثة التالية: المسافة الحميميّة، والشخصيّة، والاجتماعيّة، والعامة.[22] ودلالة هذه المسافة تختلف حسب طبيعة الشعوب وثقافتها.
تساءل بعض الباحثين عن دلالة مفهوم القربيات في الدردشة الالكترونية.[23] ونتساءل من جهتنا عن دلالة الاتّصال في ظلّ غياب “القربيات” الفزيائية في الاتصال الافتراضي؟ وهل استطاع الجزائري أن يعوض هذا الغياب باللغة اللفظية في اتصاله الوسيطي؟ إن مشروعية هاذين التساؤلين تنبع من اعتقادنا بأن مسافات الاتصال غير اللفظي التي ضبطها “هول” لا تنطبق على المجتمع الجزائري الذي يبدو فيه انعدام الفاصل بين هامش الاتصال الشخصي والاجتماعي، وأن المسافة الحميمية غير ثابتة في مجتمع يتحكم فيه الوجدان والعاطفة.[24] بمعنى أخر هل استطاع الاتّصال في الجزائر وفي البيئة الرقمية أن يكسب في الجانب اللفظي ما فقده في الجانب غير اللفظي، أي في ظلّ غياب القربيات الفيزيائية؟ إن الاجابة عن هذا السؤال لا تكتمل إلا من خلال تحليل لساني للرسائل المتبادلة بين المتصلين في هذه البيئة. في انتظار ذلك يمكن المغامرة بتقديم مجموعة من المؤشرات التي قادتنا إليها ملاحظتنا الأولية، وهي كالتالي:
يلاحظ أن هناك صعوبة نفسية وثقافية في تحويل دلالات اللُّغَة غير اللفظية إلى لغة لفظية لدى أبناء مجتمعنا الذي يجيد، إلى حد ما، تورية عاطفته أو لا يملك القدرة على التعبير عنها لأسباب تاريخيّة وثقافيّة ونفسيّة. لقد لاحظت مثلا أن الجزائريين يخاطبون بعضهم عبر البريد الإلكترونيّ بـــ My Dear أو Ma chère إن كان الاتصال يتم بلغة أجنبية بين ذكر وأنثى لا تربطهم علاقة الدم، وإن لم يكن كذلك وكانت لغة التواصل عربيّة، فيستغنى عن عبارة عزيزتي، وتستبدل بالصديقة، ومن يتمسك بها يقوم بتعديلها بشكل طفيف لتصبح العزيز أو العزيزة دون أي نسبة. وهذا خوفا من التأويل في بيئة الاتصال الضمني.
6-تداعيات “الإيموجي” على اتصال الجزائريين.
ما فتئت مفردات” الإيموجي”، التي ظهرت في اليابان في 1999، تتزايد لتشكل أبجدية قوامها 1282 رسما. لقد استخدمت هذه الأبجدية لمنح بعدا إنسانيا للاتصال عبر مواقع الشبكات الاجتماعيّة، فتم تصنيعها وترميزها في أنظمة معالجة النصوص.[25] فأصبحت إحدى مكونات التواصل عبر الرسائل النصيّة القصيرة، والتوسيمات “ الهاشتاغ” في موقع شبكة تويتر، وفي ادراجات “الفيسبوك” وفي مختلف تعليقات مواقع الشبكات الاجتماعيّة، بل امتدت لتشكل جزءا من المتن الثقافي في العديد من المجتمعات. وقد طرح تداولها العديد من الإشكاليات، تأتي في مقدمتها تلك المرتبطة بالعامل التقني. فبعض البحوث الميدانية[26] كشفت على أن بعض أيقونات هذه الابجدية تختلف من تطبيق تقني إلى أخر. فتلك التي يرسلها المرء بر الهاتف الذكي من صنع شركة آبل، والذي يعتمد على نظام الاستغلال iOS، ليست ذاتها التي يتلقاها شخص أخر، عبر هاتف يعتمد على نظام أندرويد، ممّا قد يؤدي إلى سوء التفاهم. وبصرف النظر عن هذا العامل التقنيّ تختلف دلالات بعض الرسومات باختلاف الثقافات؟ [27]فأيقونات الايموجي تشكل رهانا ثقافيًّا كبيرًا باعتبارها حامل لسلطة ليّنة، وتستعملها كُلّ أمة للدفاع عن تمثّلها الثقافي. [28]ويبدو هذا الرهان أكثر تعقيدا في المجتمع الجزائري الذي من المحتمل أن يتعامل مع أبجديات الايموجي وفق منطق الاتصال التضميني.
وغني عن القول إنه من الصعوبة بمكان التعبير عن الظواهر والأفكار المعقدة بابجديات “لغة الايموجي”، وتزداد هذه الصعوبة في الجزائر لجملة من الأسباب التاريخية والثقافية الراهنة، نذكر منها ما يلي:
- نلاحظ أن الاتصال في البيئة الافتراضية في المجتمع الجزائري يدفع إلى بعث الاتصال الشفاهي على حساب الاتصال المكتوب. وهذا ما نلاحظه على سبيل المثال في خطابات الطلبة الذين يطلبون العون من الغير عبر موقع شبكة الفيسبوك. إنهم يطلبونه بلغة الذين لم يدخلوا المدرسة. فإن كان بعض الباحثين الأجانب يخشون على مستقبل الأطفال من استخدامهم الواسع للإيموجي على حساب اللغة المكتوبة، من باب السهولة والكسل، فهناك خشية من أن “الايموجيات” تفقر لغة اتصال الجزائريين. ربما البعض يحتج على فعل تفقر، فليلاحظ التراجع الرهيب في قدرة الجزائري على التعبير عن أحاسيسه ومشاعره، وليقارن بين قصيدة ” حيزية” لبن قطيون” التي غناها الكثير من الفنانين، وقصيدة ” جوزيفين” التي غناها رضا الطلايني. ونزعم أن الفقر اللساني قد يؤدي إلى استعمال العضلات في التعبير بدل الكلمات.
وقد تقودنا الملاحظة الأمبريقية في الصف الدراسي في الجامعة التي ندرس فيها إلى ظاهرة لا تكشف عن عجز اللسان فقط، بل تشير إلى احتمال تأثير الإيموجي على تعبير الطلبة. فبعض الطلبة لا يعبرون بجملة ذات مبنى ومنعى، بل يَصُفّون الكلمة جنب الأخرى وكأنهم يصفون أبجديات الإيموجي.
- يمكن للبعض أن يلاحظ أن وسائط التواصل تعمل على توسيع الفجوة الرقمية داخل المجتمع الجزائري على أكثر من صعيد، فرغم تزايد عدد المشتركين في شبكة الانترنت ليبلغ 26.35 مليون مشترك وأن 56.6 % من الجزائريين يستخدم الميديا الاجتماعيّة [29]إلا أن قطاعا كبيرا من الجزائريين يظلّ محروما من هذا الاستخدام لأسباب مادية أو للكفاءة القنيّة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يلاحظ أن هناك قطيعة عمرية في استخدام ترسانة الايموجات بين الشباب والمتقدمين في السن من مستخدمي مواقع الشبكات الاجتماعية. بالطبع إن هذه الملاحظة بحاجة إلى جهود باحثين في علم الاجتماع اللساني ليس لتشخيصها فحسب، بل للكشف عن تداعياتها في تشكيل ” غيتوهات” داخل المجتمع.
- إضافة إلى ميلاد لغة ثالثة في الفضاء الافتراضي التي هي مزيج من الفرنسية والعربية والأمازيغية واللهجة العامية التي تكتب بالطريقة التي تتيحها مفاتيح الأداة التقنية: الهاتف الذكي، اللوح الإلكتروني، الكمبيوتر، يوجد اتجاه متزايد في التعبير بالصور أكثر من الكلمات بفضل بعض الموقع، مثل اليوتيوب، و” سنابشات” Snapchat التي يقول عنها صحافي نيورك تايمز فرهاد منجو [30] Farhad Manjoo إنها جعلت الاتّصال عاطفيا أكثر، وترفيهيا أكثر، وبعيد عن التفكير الانعكاسي réflexif ولم يتم لحد الساعة قياس تداعيات هذا الاتجاه على الاتصال في المجتمع الجزائري الذي لازالت علاقته متوترة بالصورة .
7 -الاتصال من أجل الانغلاق
يرمز طلب الصداقة في موقع الفيسبوك على سبيل المثال إلى التواصل. وشطب شخص من قائمة الأصدقاء وحذف منشوراته هو شكل من الفصل يتماهي تماما مع ما كان يمارس في القرى الصغيرة، حيث كان يقصى الشخص من المجتمع التقليدي ويهجر من قبل أعضائه إذا سلك سلوكا لا يرضي الجماعة أو نطق بما يغضبها. هذا مثال يكشف عن الحالة العادية لحالة التواصل والانفصال في مواقع الشبكات الاجتماعية، لكن توجد بعض الحالات الأكثر تعقيدا في الاتصال والتي تتطلب كفاءة سيمولوجية لإدراك دلالتها. فقد نرسل رسالة نصّيّة لشخص ما رغبة منا للاقتراب منه أو بغية في الابتعاد عنه والهروب من مواجهته مباشرة وجها لوجها، ففي هذه الحالة يصبح التواصل ابتعادا. وقد بيّنت بعض البحوث الميدانية القليلة مع الأسف أنه يوجد من الجزائريين، خاصة من الإناث، من يرفع شعارا في صفحته في موقع الفيسبوك، أنه لا يقبل صداقة أي شخص سوى أصدقائه. وهذا يعني ممارسة الانغلاق في بيئة صممت من أجل الانفتاح، مما يؤدي إلى حالة من الانفصال في ظل التواصل. إنّ تلقي المزيد من المعلومات قد تساهم في عزل الأشخاص عن بعضهم البعض ليس بالمعنى المجازي، بل عمليا إن كان هؤلاء الأشخاص يتجنبون الأخبار والآراء التي لا تروق لهم أو لا تساير ما هم مقنعون به، مما يعزّز ظاهرة ” الأوموفيلي” homophilie التي يعرفها علم الاجتماع بأنه خطاب حتمي ينص على توجه المرء للاشتراك مع الأشخاص الذين يتقاسم معهم الأشكال التكاملية المرتبطة باللُّغَة والجنس ( ذكر، أنثى) والثَّقافة والعرق والمستوى الثقافي. [31]وتترجم هذه الظاهرة عمليا بأن مشتركي مواقع الشبكات الاجتماعية لا يتصاحبون إلا مع من يشبهونهم، ولا يتابعون سوى منشورات الذين يقاسمون معهم الأفكار ذاتها والقناعات عينها، ناهيك عن اللُّغَة وربما المستوى الثقافي. وقد أدى هذا الأمر إلى نوع من الاستقطاب الذي يحاول أن يستوعب تشذر المستخدمين. ففي هذه الحالة يصبح الفضاء الافتراضي عبارة عن ” غرفة الصدى” يسمع فيها المستخدمون صدى استقطابهم. وقد يترتب عن هذا الصدى غياب التفاوض حول مضمون الاتصال وتشكيل رأي تجاهه. وتتجلى التدعيات السوسيولوجيا لهذا النوع من الاتصال في تآكل اللحمة الثّقافيّة التي تجمع أبناء المجتمع الواحد وتشكل قاسمهم المشترك.
بالطبع إن هذه الظاهرة لا تقتصر على المجتمع الجزائري، فلم تنج منها حتّى المجتمعات التي لا تنبذ الإخلاف في الرأي، وتشجع التَّعدُّديَّة الإعلامية وحرية التعبير. هذا ما يؤكده التقرير الذي أعده مركز البحث المستقل في الولايات المتحدة الأمريكية ([32] (Pew Research Center, عن دراسته عن المجتمع الأمريكي. لقد بيّن أن مواقع الشبكات الاجتماعية، مثل تويتر، والفيسبوك تساهم في طمس التنوع في الرأي، وتتجنب الحوار حول القضايا ذات الصلة بالشأن العام.
إن رهان الاموفيلي في المجتمع الجزائري يختلف عن رهانه في الولايات المتحدة الأمريكية أو أي بلد في أوربا على سبيل المثال، فوسائل الإعلام التقليدية ما انفكت تعمل على تعميق هذا الاستقطاب. فالصحف الصادرة باللغة الفرنسية عملت على تشكيل نخبة ذات ثقافة فرنسيّة، والصحافة العربية تعمل على تشكيل نخبة ذات مرجعية ثقافيّة عربيّة. وإن كان هذا التنوع الثقافي مفيدًا على الصعيد النظري إلا أنه صار ضارا ومكلفا على الصعيد العملي لأنه لم يسع إلى مد جسور التعاون والتفاعل لتشكيل نخبة ثقافية واحدة في تنوعها، وفشل في إقامة الحوار المطلوب نتيجة كثرة الاتهامات المتبادلة بالعمالة. والغريب أن هذا الواقع لم تعشه النخبة الجزائرية المتعلمة في مطلع القرن الماضي، والتي قال عنها المؤرخ الجزائري علي مراد [33]أنها تشكلت من فئتين: الشباب الحضري المفرنس الذي ُو ِظف كعون إداري، أو في سلك التعليم والطب والقضاء والترجمة. وفئة النخبة المعربين من ِّ مدرسي ُ الكتَّاب والأئمة والقضاة. ولم تكن الفئتان منفصلتين عن بعضهما، بل متعاونتان، وكان لهما الفضل في بروز صحافة الأهالي.
8-الاتصال والإكراه المزدوج:
نعتقد أن الاتّصال عبر مواقع الشبكات الاجتماعية في الجزائر ينمو ويتطور ضمن منطق مفارقاتي. ويعرف أحد أبرز قادة مدرسة بالو ألتو، Gregory Bateson، المفارقة بأنها اتصال ذوي مستويين متناقضين [34]. وهذا يجعل الفرد يعيش فيما تسميه مدرسة بالو ألتو بالإكراه المزدوج- Bouble Bind ، La double contrainte. وتتجلى هذه المفارقة على مستويين، المستوى الأول ذو بعد نَظَري. تعد مواقع الشبكات الاجتماعية مملكة النرجسيّة دون منازع؛ أي أنها تمنح للفرد منصة للتعبير عن إعجابه بذاته، وتوجيه نشاطه المرئي في هذا الاتجاه والنَّظَر للغير انطلاقا من اهتمامه بذاته، وقد عزّز الـ ” Selfie ” هذه النزعة، لكن استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية يجرى في سياق هيمنة النزعة الجماعية. قد يعتقد البعض أن هذا الواقع لا يشكل مفارقة في العديد من المجتمعات الغربية. فيمكن للفرد الألماني، على سبيل المثال، أن ينفخ في ذاته الفرديّة ويشدّد على ما ينمي انتماءه لهويّته الألمانيّة وحتّى الأوروبيّة دون أن يقع في أي تناقض. وهذا الاعتقاد لا يجانب الصواب لأن هذا الفرد أو بالأحرى المواطن يشكل قوة مرجعيّة في الثَّقافة الغربيّة تتجلى على الصعيد اللساني والقانوني وفي السلوك السياسي. وهذا خلافا للمجتمع الجزائري الذي يكاد يصح القول فيه أن لا وجود للفرد إلا ضمن الجماعة. ولا يعتبر هذا الأمر حديثا ووليد الفكر الشعبوي الذي هيمن منذ 1962 فحسب، بل إنه وليد حقيقة انتربولوجية أيضا. فالباحث ناصر السوسي [35]يرى أن كلمة الفرد، ناهيك عن المواطنة، لا وجود لها في النّصّوص العربيّة على مدى عشرة قرون من تاريخ الفكر العربي والمغربي مقابل كلمة الرَّعِيَّة أو عامَّة النَّاس. ومن بين المسائل التي لها دلالة أن كلمة الرَّعِيَّة تستخدم بصيغة الجمع لأنه لا يوجد لها مفرد. قد يقول قائل إن غياب الكلمة لا يعني غياب الشيء الذي تدل عليه. لكن الفرد في الحضارة العربيّة الإسلامية لا وجود له سوى بانتمائه إلى عشيرته أو قبيلته أو منطقته سوى لدى الشعراء الصعاليك الذين انتفضوا ضد القبيلة، يعني ضد السُّلْطَة التي انعزلوا عنها.
إن ثقافتنا الشعبية تطمس الفرد أو تعتقد بتماثل الجميع وتطابقهم. ألا يقال في الأمثال الشعبية، “كلنا أبناء تسعة أشهر” أو ” افعل مثلما يفعل جارك أو بدل باب دارك التي أشار إليها السوسيولوجي الجزائري الطيب كنوش [36] ، الذي يرى أن الجزائري يخشى أن يبدو مختلفا عن ” النحن”، لذا يقضى وقته في مراقبة ذاته ليشبه الأخر، النحن. إننا نهرب من ذاتنا لنجدها في الوجه الذي يفرض علينا لنختفي فيه. إنه أفضل قناع لصورتنا الخاصة.
إن الاتّصال المفارقاتي في هذه الحالة يتجلى في آن الفرد المشترك في مواقع التواصل الاجتماعي يسعى، في آن واحد، إلى الافراط في تحسيس الغير بوجوده وبذاته من خلال إظهار كُلّ ما يقوم به بما فيه حتّى أبسط الأشياء في الحياة اليوميّة من أجل انتزاع الاعتراف الذي تحدث عنه الفيلسوف ألكس هونيت Axel Honneth ، بل يسعى إلى مدح الذّات وتقديمها في صورة مثالية تثير غيرة الآخرين وحسدهم لكن ضمن ما هو مقبول اجتماعيَّا ليذوب في الجماعة وينصهر فيها بحيث يصبح ” لا يرى نفسه إلا فيها ، ويشعر أنه ” يتحقق” ذاته عبرها وأن مصالحه ومطامحه تمر عبرها.[37] ” قد يجد البعض العديد من المبرّرات لهذا السلوك في المجتمع الجزائري كالقول مثلا أن التدافع بين الأشخاص من أجل الثراء وكسب الولاء وتحقيق الجاه وانتزاع الاعتراف [38]في مجتمع نقول عنه تجاوزا أنه يتجه بجنوح نحو نظام ليبرالي هجين يعد تربة خصبة لنمو “النرجسيات”. وأن التوترات والتشنجات حول اللسان والمرجعية الثّقافيّة والتاريخ والدين وحتّى الطائفة الدينية إن لم تتحول إلى نزاعات في الواقع اليومي قد تجد امتداداتها في مواقع الشبكات الاجتماعية طارحة ضرورة اتخاذ موقف، وتحديد الانتماء. يمكن قبول كُلّ هذه التبريرات التي تؤكّد في الواقع وجود اتصال مفارقاتي في المجتمع الجزائري يتجلى بشكل أوضح في مواقع الشبكات الاجتماعية ليترجم العجز عن التوفيق وإحداث التناغم بين هويتين: الهوية الشخصية، والهوية الجماعية.
أما المستوى الثاني، فيأخذ بعدا عمليا. نلاحظ أن الكثير من الجزائريين يدعون الله في صلواتهم وخارجها أن يسترهم فوق الأرض ويوم العرض، وبالمقابل يسعون بشكل واع أو دونه إلى الكشف عن ممارستهم بما فيها ذات الطابع الخصوصي، بمعنى أخر، إنهم يتواصلون ضمن الاكراه المزدوج: السعي إلى الستر والرغبة فيه من جهة، والبوح والنشر من أجل إثارة الغيرة والتفاخر، والانتقام … من جهة أخرى. قد يقول قائلا، وهو لا يجانب الصواب، إنها تحولات المجتمع. لقد كان الآباء يغطون مشترياتهم من فواكه ولحوم بمنشفة عند عودتهم من السوق خوفا من الحسد ، وتجنبا لاستفزاز الجيران الفقراء والمعوزين. أما اليوم، فالناس أصبحت تصور موائدها المزدحمة بما لذ وطاب، وتعرض مشترياتهم في مواقع الشبكات الاجتماعية. إنها معضلة الاتصال في مجتمعنا : كيف نوفق بين الستر في عصر استبداد المرؤوئية؟ كيف نخفي في عصر الشفافية؟ أسئلة تقودنا إلى المحور الموالي في الاتصال. لكن قبل ذلك لابد من التساؤل هل أن تفكيك أسرار ممارسة الاتصال في ظل الإكراه المزدوج تتطلب الاستعانة بالعُدّة المفاهيمة التي نحتها الباحث الفرنسي “ميشال دو سيرتو” في نظرته ” للمجتمع كحقل للصراع[39] ، بمعنى ماهي “التكتيكات” التي يستعملها الجزائري للانفلات من هيمنة القوانين والأعراف الاجتماعيّة القاهرة، أو كيف يلتزم بها بطريقة شكليّة أو بمرونة في ظل السياق الاجتماعي للاتصال؟
9-مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصية الجزائري
نزعم بأن المواضيع والأشياء والسلوكات التي تشكل خصوصية المرء لا تحظ بالإجماع في كل مجتمع. فما ينتمي إلى الحياة الخاصة في هذا المجتمع أو تلك الثقافة ليس كذلك في ثقافة أخرى، وما كان يندرج في خانة الخصوصية في هذا المجتمع في مرحلة تاريخيّة معينة لم يعد كذلك اليوم. قد يقول البعض أن التواصل في البيئة الافتراضية يتدخل بنشاط في تضييق دائرة الخصوصية. لقد كان الجزائري يخجل من ذكر اسم زوجته أو أمه أمام الغير قبل سنوات، أما اليوم فالمرء فلم يعد يشعر بأي حرج وهو يتحدث عبر الهاتف بصوت مسموع عن أموره الشخصية والعائلية على مسمع ركاب وسائل النقل العمومي، وفي الأماكن العامة. قد يقول قائل أن المثال المذكور أعلاه يجلب الماء إلى وجهة نظر الباحثة، هيلان نيسبوم[40] المتعلقة بمفهوم الخصوصية Privacy المغاير لما آلفناه حيث ترى أن الخطر لا يكمن في كثافة البيانات عن الحياة الخاصة التي تنشر عبر الوساطة التقنية، ولا في عجز المرء عن السيطرة عليها، بل في سياق نشرها أو بثها ، بمعنى أن مشكل الحياة الخاصة يطرح إن كان مستخدم الوساطة التقنيّة يعرف المتصل، ويمكن أن يستعملها ضده أو له مصلحة في الحصول عليها.
وقد يرى البعض أن الحياة الخاصة تشكل مفارقة في المنصات الرقميّة، أو انها عبارة عن حلقة مفرغة لا يمكن الخروج منها. ” فكلما زادت مشاركتنا للغير في المنصات الرقمية جعلنا حياتنا الخاصة أكثر عرضة للملأ، وكلما زاد هذا العرض ارتفع منسوب الخوف على حياتنا الشخصية. إننا نمارس حياة اجتماعية في هذه المنصات، ومن الوهم التام أن نكون قادرين على أن نعيش حياة خاصة فيها. [41]وهذا ما يمنح الحجة الإضافية للفيلسوف الفرنسي، “رجيست دوبري” لوصف العصر الحالي بـــ” الزمن البروتستانتي الجديد” انطلاقا من أن البروتستانتي الجيّد ليس لديه ما يخفيه، وإنما «الأشخاص الذين لديهم أشياء تشينهم يقلقون على بياناتهم الشخصية” [42]
السؤال الذي يمكن طرحه عن الحياة الخاصة عبر الوساطة الرقميّة في المجتمع الجزائري هو كالتالي: ألا تعمل السوق، على الرغم من ضعفها، على تدمير البعض مما رسخته التقاليد والعادات عن الحياة الخاصة؟ إن مبرر طرح هذا السؤال استنتجناه من الملاحظات التالية: توجد الكثير من الفتيات والنساء الجزائريات المحجبات اللواتي أنشأن قنوات مرئية في موقع اليوتيوب أو فتحن صفحات لهن في موقعي الفيسبوك وانستغرام وخصصناها للطبخ والخياطة. فلا تظهرن سوى أيديهن في الفيديوهات التي تنشرهن، لكن عدد متابعاتهن والمعجبات بهن كان قليلا، فبدأنا باستعراض بعض التفاصيل عن حياتهن الخاصة إلى درجة تصوير غرفة نومهن، والملابس الداخلية اللواتي اشترتهن أو كلفتهن المؤسسات التجارية بالإشهار لها! فازداد عدد المعجبات بهن!
10-المجتمع الجزائري واخفاق إيديولوجيا الاتصال
يقول مدير صحيفة لوموند السابق “أنسيو روموني”، عن الاتصال ما يلي:
” أصبح التواصل تدريجياً أحد براديغمات عصرنا، ليحل بصمت محل براديغم التقدم. فلم يعد، من الآن فصاعدًا، التقدم (الذي ينتقده الجميع) كقوة تعمل من أجل إحلال السلم في مجتمعاتنا، وتخمّر التماسك الاجتماعي، بل الاتصال الذي جعل مهمته تهدئة العلاقات الاجتماعية واستبعاد العنف. وعلى هذا النحو، يمكن اعتبار الاتصال بمثابة مادة تشحيم اجتماعية “حيث لا تعد الرسالة التي يريد المرء إيصالها هي المهمة بل عملية الاتصال في حد ذاتها[43].
تختزل هذه الفقرة أيديولوجيا الاتصال التي آمنت بها السلطات الجزائرية. فرفعت من عدد المحطات الإذاعية لتبلغ 52 محطة وزادت في عدد القنوات التلفزيونيّة المتخصصة لتصل إلى عشر قنوات: قناة الذاكرة، قناة المعرفة، قناة القرآن الكريم، قناة الأطفال، قناة البرلمان، قناة الشباب، القناة الأمازيغية. لكن كل هذا العدد من الوسائط لم يفلح في إقامة حوار اجتماعي. حقيقة لقد سمحت هذه المنابر بتوسيع النقاش لكنها لم تتمكن، مع الأسف، من تحويله إلى حوار اجتماعي. والاختلاف بين المفهومين واضح، فالمناقشة تستند إلى الحق في الاتصال والتعبير بينما يرتكز الحوار على حق المرء في أن يُسمع؛ أي يكون مسموعا، ويؤخذ رأيه بعين الاعتبار. والنتيجة لم تتمكن كل هذه القنوات في امتصاص العنف الذي انتشر في الشارع، والملاعب، والمدارس، والجامعات، وحتّى في المساجد. وهذا ما يبرّر طرح السؤال التالي: هل تحول العنف إلى وسيلة اتصال؟
تعتقد السلطات العموميّة أن أكبر خطر يهدّد الاتصال في الجزائر يأتي من مواقع الشبكات الاجتماعيّة، لكونها تشكل وكرًا للإشاعات المغرضة، والأخبار المزيفة أو المفبركة، وتشجع التطرف والكراهية، وهذا الرأي لا يجانب الصواب وتشتكي منه الكثير من الدول والمنظمات الدوليّة. لكن ما يقلق هذه السلطة أكثر يكمن في عجزها عن بسط يدها على هذه الشبكات. لذا لجأت إلى التشريع القانوني والملاحقة القانونية للنشطاء في شبكة الانترنت.
يبدو لي أن ما يقلق أكثر في الاتصال عبر مواقع الشبكات الاجتماعية في الجزائر هو تمثل الجزائريين لها. إذ أن الكثير منهم يتعامل معها وكأنها وسائل إعلام كلاسيكيّة، ويميل إلى تصديق ما تنشره أو تذيعه، بما فيها الأخبار المزيفة. لا يمكن تفسير هذا الميل بقلة الكفاءة التقنيّة وفقرها والعجز عن التحري عن صحة المعلومات المتداولة في هذه المواقع فحسب، بل توجد العديد من الأسباب التي يمكن أن تساعدنا في هذا التفسير، منها ما هو متعلق بتاريخ نشوء المنظومة الإعلامية الوطنيّة وتطورها، ومنها ما هو متعلق بالعوامل السّياسيّة.
من الوهم أن نعتقد أن تاريخ” الأخبار المزيفة” بدأ مع الانتخابات الأمريكية التي وصل بموجبها دولاند تروب إلى البيت الأبيض الأمريكي، ولا بالتأثير القوي للروس على هذه الانتخابات، ولا وقصة ” كمبرج أناليتيكا” Cambridge Analytica“، وذلك لأن هذه الأخبار ليست سوى الجزء الناتئ من جبل الجليد الذي نسميه تضليلا، أو تحريفا إعلاميا. فوسائل الإعلام الأمريكية الكبرى تذكرنا بأن أضخم خبر مزيف نشرته هو ” امتلاك نظام صدام حسين” للأسلحة النووية، وتورطه مع القاعدة في أحداث 11 سبتمبر. أما وسائل الإعلام الجزائرية الرسميّة التي احتكرت الأخبار لعقود عدة، فقد كانت تنقل ما يصلها من أخبار من السلطة التنفيذية دون محصها والتدقيق فيها. لقد أكدت مرارا وتكرارا بأن لا خوف على الجزائر من الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008؟ ثم تشير في 2014 إلى وجود صعوبات جدية في دفع رواتب العمال والموظفين، ولجوئها إلى طبع الأوراق النقدية مع التأكيد على أنها لا تؤثر قط على نسبة التضخم في الجزائر، وهذا يتنافى ومنطق الاقتصاد. لقد دأبت وسائل الإعلام الرسمية على نشر الأخبار استنادا إلى مصدر واحد ووحيد، ودون أي مصدر في بعض الأحيان. لقد نتج عن هذه الممارسات الاتصالية أنها خفضت من منسوب الثقة في وسائل الإعلام الرسميّة، علاوة عن كونها لم تقدم للجزائري ما يعزّز قدرته على التأكد من صحة الأخبار، فأصبح يصدق بسهولة ما ينشر في مواقع الشبكات الاجتماعيّة دون الالتفاتة إلى المصدر، ولا يميّز بين الوقائع والتعليق عليها. لقد شبّ على اعتبار الآراء ووجهات النظر وقائع بصرف النظر عن ناقلها: وسائل الإعلام التقليديّة أو مواقع الشبكات الاجتماعيّة.
عندما تنغلق وسائل الإعلام الرسميّة على الرأي الواحد المهيمن. وتقصى كل الذين يملكون رأيا مغايرا أو مختلف، فإنها لا تمنح لهم سوى التوجه إلى مواقع الشبكات الاجتماعية ليعبروا فيها عن وجهة نظرهم، وإن لم تُسْمع فيعبرون عنها بنوع من التطرف.
لا يجب أن يفهم من هذا القول أي تبرير للممارسات الاتصالية في الجزائر عبر الوسائط المختلفة التي تجنح نحو العنف اللفظي، والتضليل والكذب، وزرع الكراهية بين أبناء الشعب الواحد. إنه ليس أكثر من توصيف لسياق الاتصال ومدخل لطرح السؤال التالي: أليست هذه الممارسات ضريبة انتقال ” الديمقراطية الاستعراضية في الجزائر إلى ديمقراطية الفقاعات؟[44]
المراجع
[1] – جــون مــارك فيري، فلســفة التواصل، ترجمة وتقديم عمر مهيبل، الــدار العربية للعلوم، منشورات الاختلاف، 2006 ،ص 9
[2] – – نصر الدين لعياضي: مناهج البحث في السياق الرقمي: خلاف واختلاف، مجلة لباب، مايو- أيار- 2022، ص 12- 63
[3] — Jean-Pierre Olivier de Sardan : De l’amalgame entre analyse-système, recherche participative et recherche-action, et de quelques problèmes autour de chacun de ces termes , in Sebillotte M. (ed.), Recherches-système en agriculture et développement rural : conférences et débats Montpellier : CIRAD-SAR, 1996, p. 129-140 – Consulté le 2 juin 2022. https://www.documentation.ird.fr/hor/fdi:010009948
[4] – David M Ryfe: A practice approach to the study of news production , Journalism, Vol 19- Issue 2- 2018 p 1–17. Accessed June 2, 2020. DOI: 10.1177/1464884917699854
[5] – Deuze .M… Media life. Media. Culture & Society، 33(1) 2011. Consulté le12mai2022 doi:10.1177/0163443710386518
[6] – Lionel Bellenger -Marie -Josée Couchaere : Les techniques de questionnement Tout sur l’art de questionner, ESF Sciences humaines, 2018, p9
[7] – Robert T. Craig Construire des théories dans la recherche en communication in Peter J. Schulz and Paul Cobley: Theories and Models of Communication, 2013 Walter de Gruyter GmbH, Berlin/Boston, P 41
[8] – أنظر على سبيل المثال ” برجي” وكلابراس “اللذان حاولا دراسة الاتصال بين شخصين في بداية العملية استنادا إلى النظرية الرياضية للتأكيد على تقليص عدم التيقن كمؤشر قوي في نجاح عملية الاتصال.
Berger, C. R. & R. J. Calabrese.. Some exploration in initial interaction and beyond: Toward a developmental theory of communication. Human Communication Research 1. 1975. Pp 99–112. Consulté le 25 mai 2022. doi:10.1111/j.1468–2958.1975.tb00258.x
[9] – Carey, James W. 2009. Communication as Culture: Essays on Media And Society. Revised edn. New York and London: Routledge , p 9
[10] – Cité par Bruno OLLIVIER Communication et médiations à l’ère numérique- Santiago du Chili, Universidad de Chile- 2016 ,p 12
[11] – Héloïse Lhérété: Internet : après l’utopie in Jean-François Dortier : La communication, Des relations interpersonnelles aux réseaux sociaux, Éditions Sciences Humaines, 2016, p 313
[12] – – ولتن دومنيك. (2012). الإعلام ليس اتصالا ، دار الفارابي، لبنان ، ص23
[13] – Wolton Dominique (Juin , 1999) Les fausses promesses de la sociéte internet , sortir de la communication médiatisée . Le monde diplomatique, p29
[14] – Michel Serres : bienvenue à l’homme nouveau, interview realisée par Élisabeth Lévy, le point, du 14/06/2012
[15] – Georges Fanny (2009 ) :Représentation de soi et identité numérique Une approche sémiotique et quantitative de l’emprise culturelle du web 2.0, Reseaux, 2- n 154, pp 165-193
[16] – عبد السلام بن عبد العالي: مثيولوجيا الواقع، دار توبقال للنشر ، المغرب، 1999 ، ص 8
[17] – هشام شرابي : الجمر والجماد، مذكرات مثقف عربي، دار الطليعة، بيروت، الطبعة االأولى 1978، ص 128-129
[18] – بقال أحمض القومُ، أي أفاضوا فيما يؤنسهم من الحديث والكلام- أنظر:
https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B6
[19] – مجمد عابد الجابري، حفريات في الذاكرة، من بعيد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1997، ص 68
[20] – جينيفر كافاناغ – مايكل دي رتش: بحـــث أولـــي حـــول تضـــاؤل دور الحقائـــق والتحليـــل فـــي الحيـــاة العامـــة ألأمريكيـــة- مؤسسة RAND– 2018، ص 11
[21] – Cité par Michaël Oustinoff : De la démocratie en Amérique » et l’intraduisibilité de l’anglais , Hermès, La Revue 1 – n° 56, 2010. pp 71 à 76
[22] – حدّد المسافة الأولى بأقل من 40 سنتم، والثانية بما بين 45 و 120 سنتمتر ، والثالثة من 120 و 360سنتم ، والثالثة أبعد من 360 سنتم، أنظر:
Edward T. Hall: La Dimension cachée ,trad. de l’anglais par Amélie Petita, Paris, 1 ere édition ; Points ; 1971 ; p 143-160
[23] – Ingrid Tedeschi; Paulina Koswozska-Nowkozska , Franck Renucci ( 2010): Communication interpersonnelle à l’ère du Web2.0 questions de l’interaction et de l’interactivité Consulté le 20janvier 2022. http://culture.numerique.free.fr/publications/ludo10/tedeschi_nowakowska_renucci_ludovia_2010.pdf
[24] – سئل الممثل العالمي عمر شريف في حوار تلفزيوني بثته قناة العربية عن الفرق بين جمهوره العربي والغربي. فقد لدي الكثير من المعجبين في مختلف الدول التي عشتها فيها أو زرتها بمناسبة مشاركتي في تصوير أفلامي أو في المهرجانات السنيمائية. ولاحظت أن الجمهور الغربي يعترض طريقي ليطلب مني بكُلّ أدب أن أخط له بعض الكلمات أو أوقع له Autographe. بينما يقترب مني جمهوري في دار البيضاء المغربية كثيرا، ولا يريد مني أتوغرافا، بل يريد أن يمسكني من يدي أن يحسسني أو يحتضنني.
[25] – Julia Bélouis. Les emoji, une pratique textuelle ordinaire ? : étude des mutations d’un objet trivial en tension entre pratique et encadrement. Magister professionnel- Sciences de l’information et de la communication. CELSA- Paris Sorbonne, 2017
[26] – – أنظر على سبيل المثال:
Claudia Farini et Stella Achieng :UNE APPROCHE INTERCULTURELLE DES ÉMOJIS : FRANCE, ITALIE, ARABIE SAOUDITE Éric Navé, – COMMposite, 22(1), 2021 Consulté le 14 Mai 2022. https://www.researchgate.net/publication/356412172
[27] – يمكن أن ندكر على سبيل المثال أن صورة الأيادي المبسوطة في الايموجي التي تعني مرحبا أو Coucou باللغة الفرنسية و Hello ، بالانجليزية تعني أنك مرفوض في اللغة الصينية، وصورة السبابة والأصبع الصغير تعني ” عيش موسيقى الروك ند رود” وتعني أيضا أنك دايوث.
Elodie Emery: Les émojis à l’assaut de nos cerveaux, L’express du 25/06/2018. Consulté le 15/02/ 2022 .https://www.lexpress.fr/actualite/societe/les-emojis-a-l-assaut-de-la-planete_2019007.html
[28] – Julia Bélouis, op cité
[29] – Simon Kemp : DIGITAL 2022: ALGERIA, February 2022. Consulté le 15 février 2022, https://datareportal.com/reports/digital-2022-algeria?rq=Algeria
[30] – نقلا عن المصدر ذاته
[31] – Casilli Antonio ) 2010(: “Le web ne désocialise pas plus qu’il n’hypersocialise, mais il reconfigure notre manière de faire société. Consulté le 20 mars 2022. http://www.internetactu.net/2010/09/08/antonio-casilli-le-web-ne-desocialise-pasplus-quil-nhypersocialise-mais-il-reconfigure-notre-maniere-de-faire-societe/
[32] – Pew Research Center ( 2014 ) : Political Polarization in the American Public, Consulté le 12 Juin, 2022 http://www.people-press.org2014/06/12/political-polarization-in-the americain -public
[33] – Ali Mérad, «La Formation de la presse musulmane en Algérie 1919-1939,» Revue de l’Institut (1) des Belles lettres arabes à Tunis, vol. 27 (1964), p. 9
[34] – نقلا عن:
Gouillou Philippe ( 2012): Systémique, Paradoxes et Palo Alto, consulté le 9/02/2017 .http://neuromonaco.com/lettres/lettre22.htm
[35] – السوسي ناصر ( 2008 ): الفرد – المواطن أساس المجتمع الديمقراطي الحداثي، منظور سوسيو فلسفي، صحيفة الاتحاد الاشتراكي 5 فبراير
[36] – Kennouche Tayeb: Un plaidoyer pour le «je», journal el watan du 17.mars 2007
[37] – عبد السلام بنعبد العالي: منطق الحلل، دار توبقال للنشر، 2007، ص 39
[38] – تذكرني بعض المناوشات والشجار الذي يقع في موقع الفيسبوك بين الجزائريين برواية “دوستويفسكي: ذكريات في منزل الأموات والتي تذكر حالة نفسية غريبة لدى السجناء أثناء مكوثه معهم أثناء فترة سجنه. لقد لاحظ أن بعض السجناء يفتعلون الشجار عمداً، ليس لنزعتهم العدائية أو الشريرة أو أن الموضوع يستدعي شجارا بل يتشاجرون لما ينتج عن الشجار، حيث يقوم الكثيرون من الأشخاص بمحاولة تهدئتهم والحديث معهم وملاطفتهم ولو بكلمة لينهوا المشاجرة. ففي تلك اللحظات يجد هؤلاء الأشخاص قيمة لذواتهم، وكلمة ترفع من قدرهم فيكون لذلك بالغ الأثر على نفوسهم.
[39] – أنظر قراءة الفيلسوف الجزائري محمد شوقي الزين لهذه الترسانة في دراسته التي تحمل العنوان ذاته الصادرة في مجلة نزوى العمانية، عدد 74- أبريل 2013
[40] – Helen Nissenbaum : Privacy in context ,Technology, Policy, and the Integrity of Social Life, Stanford University Press, 2010, p 108
[41] – Jean Mark Manach : Facebook et le « paradoxe de la vie privée », 25 septembre 2012, Consulté le 1 juin 2022. http://bugbrother.blog.lemonde.fr/2012/09/25/facebook-et-le-paradoxe-de-la-vie-privee/
[42] – أنظر القراءة التي قدمها محمد تركي الربيعو، لكتاب رجيست دوبري: السلطة الجديدة، ترجمة مصطفى القلعي، القدس العربي، 18-06-2022
[43] – Ignacio Ramonet la Tyrannie de la communication et Propagandes silencieuses, Galilée, Paris, 2002, p5
[44] – يرى دامنينو أن المجتمعات الديمقراطية تعيش نهاية “الديمقراطية الاستعراضية” وبداية بروز “ديمقراطية الفقاعات”. ويشرح الديمقراطية الأولى بأنها تستغنى عن أدوات التعبئة والتجنيد التي اعتمدت عليها الأحزاب السياسية التقليدية: منشورات حزبية، ولقاءات مع المناضلين والأنصار، وتتجه إلى الجمهور الذي تتعاطى معه كأنه جمهور المسرح الذي تقدم له ما يثير موافقته واستحسانه ويعبر عنها بالتصفيق. أما الديمقراطية الثانية فإنها مرتبطة بمواقع الشبكات الاجتماعية التي قامت بتفتيت الجمهور، لتشكل العديد من الفقاعات ذات المرجعيات الذاتية والتي تشكل اقطاب في فضاء اتصالي وإعلامي. أنظر:
Damiano Palano: The truth in a bubble, the end of “audience democracy” and the rise of “ Bubble Democracy ,Soft Power , Vol 6, N0 2, julio-diciembre, 2019, p 36-53 Consulté le 15 fevrier 2022. http://dx.doi.org/10.14718/SoftPower.2019.6.2.3
ونقدر من جهتنا أن هناك نوعا من الترابط بين ” الديمقراطيتين “في الجزائر على الرغم من عدم وجود بحوث أمبريقية تؤكد ذلك. فالقنوات التلفزيونية التي أنشأها الرئيس المخلوع بوتفليقة، لحملته الانتخابية لعهدة رابعة حاولت تجسيد الديمقراطية الاستعراضية، لكننا نلاحظ اليوم ارتباطها بديمقراطيات الفقاعات، بمعنى أن الفقاعات التي أوجدتها مواقع الشبكات الاجتماعية تتغذي مما تنشره هذه القنوات التلفزيونية، وتتغذى هذه الأخيرة مما تتداوله بعض الفقاعات، خاصة تلك ” المصطنعة.
مناهج البحث في علوم الإعلام والاتصال في السياق الرقميّ: خِلاف واختلاف
Research Methods in Information and Communication Sciences in the Digital Context: Difference and Deferment
– Layadi Eddine-Nacer* نصر الدين لعياضي
ملخص:
تســعى الدراســة إلــى وضــع خريطــة لمناهــج البحــث في علــوم الإعــلام والاتصــال في الســياق الرقمــي. تتضمــن أربع اتجاهــات كبــرى في البحــث، وهــي: المناهــج َّ التوافقيــة أو التعاقديــة، والكبــرى، والافتراضيــة، والرقميــة. ولتحقيــق ذلــك، ســلطت ُّ الضـوء على مختلـف جوانـب تعقـد البحـث في مجـال الميديـا الرقميـة وخصوصيتـه. وقامـت الدراسـة بتحليـل عينـة قوامهـا 100 بحـث أصدرتهـا مراكـز بحـث أكاديميـة ُ أجنبيـة ونِشـرت في مجلات علميـة وفـق منهج “ميتـا التحليـل الكيفي” مسـتخدمة مفهوميـن “دريدييـن” )نسـبة إلـى الفيلسـوف جـاك دريـدا( أساسـيين، وهمـا: الإرجـاء والاختـلاف.
كلمـات مفتاحيـة: الإرجـاء، العبـر ميديـا، النمـوذج المثالـي، الآثـار الرقميـة، البيانـات الرقميـة.
Abstract:
This study seeks to map research methods in information and communication sciences in the digital context that include the four main streams of research: conventional, major, virtual and digital. In order to achieve this objective, the study has highlighted the different aspects of the complexity of research in the field of digital media and its features. It is analyses a sample of 100 studies published by foreign academic centers in periodicals according to qualitative meta-analysis methods using two essential Derridian (referring to the French philosopher, Jacques Derrida) concepts: difference and deferment.
Keywords: Différance, Transmedia, Ideal Type, Digital Traces, Digital Data.
المقدمة:
ظلّ السؤال ذاته يتكرّر منذ ثلاثة عقود: هل يمكن دراسة الميديا الرقميّة بالمناهج وأدوات البحث التقليديّة التي اعْتُمدت في عصر التكنولوجيا التماثليّة؟ على الرغم من أن البحوث العديدة والمتراكمة قدمت ولازالت نقدم الإجابة العمليّة عن هذا السؤال إلا أن الجدل حوله لازال قائما، ويشي بأن هامش الخلاف أوسع من الاختلاف. لقد أفرز هذا الجدل اتجاهين أساسيين: اتجاه نظري ذو طابع عام، يتعلّق بدور التكنولوجيا والآليات الرقميّة في جمع البيانات وتحليلها، وتأثيرها على البحث العلمي حيث يعتقد أصحاب هذا الاتجاه أنّ التكنولوجيا الرقميّة لم تحدث تغييرا في المجتمع فقط، بل غيّرت أيضا ممارسة البحث العلميّ وستغيّر طبيعة العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة ككل. ومن المنتظر أن تساهم في تحقيق طموح الكثير من الباحثين الوضعيين الذي سعوا، ولازالوا يسعون، إلى تقرّيب العلوم الانسانيّة والاجتماعيّة التي توصف بالرّخوة من العلوم الطبيعيّة التي تّوصف بالصلبة، فتكسبها المزيد من الشرعيّة[1]. فعالم الاجتماع الفرنسي ريمون بودون، على سبيل المثال، كان يعتقد بأنّ اعتماد العلوم الاجتماعيّة على لغة الرياضيات يمنحها النضح العلمي[2]. لكن بالتدريج حلّت كلمة الإحصائيات محلّ كلمة الرياضيات. وها نحن اليوم نشهد استبدالهما بمصطلح الغرافيك Graphic الذي يطبع المناهج الحاسوبيّة ويجر علوم الإعلام والاتصال إلى الانزياح من كونها علوم تأويلية تسعى إلى استخلاص المعنى إلى الالتحاق بالعلوم التجريبيّة التي تروم استخلاص القواعد وتقديم التنبؤات.
والاتجاه الثاني ذو طابع عملي، ويتعلّق بالسؤال عن الجديد في مناهج البحث في مجال علوم الإعلام والاتصال، وعن مكانة قديمها في السياق الرقميّ. فعلى الرغم من التغيير الكبير الذي أحدثته التكنولوجيا الرقميّة في الحقول المعرفيّة إلى درجة أن بعض الجامعات أنشأت تخصصا جديدًا قائمًا بذاته اسمته دراسات الانترنت Internet Studies ، إلا أن بعض الباحثين لازال يعتقد بأن المناهج التقليديّة ستظلّ فاعلة في دراسة الميديا الرقميّة طالما أن الملاحظة العلميّة بشتى أنواعها لازالت هي ذاتها، والمقابلات المعمّقة لم تتغير كثيرا عما كانت عليه قبل ميلاد شبكة الانترنت، وإن بدأ تحليل محتواها يستفيد من عُدَّة تقنيّة أكثر تطورا خلال السنوات الأخيرة.[3] وأن الطرائق المختلفة لقياس البيانات النّصّية وتحليلها Textometrics ، التي استُعملت في تحليل الخطابات السياسيّة والصحفيّة في عصر التكنولوجيا التماثلية، لازالت قائمة، و”تتجدّد” باستعانتها بالبرمجيات ذات السرعة العالية في التّحليل والقادرة على تمثيل هذه الخطابات في شكل كلمات وجمل سحابيّة ورسوم بيانيّة[4]. ويظلّ جزء كبير من استطلاعات الرأي يُصمّم وفق الأسس ذاتها وإن كان توزيع الاستمارة يتم عبر شبكة الانترنت وبياناتها ويُحلّل بطريقة آلية. لذا لا يمكن لتغيير سياق البحث العلمي من بيئة التكنولوجيا التناظريّة إلى البيئة الرقميّة أن يعطي مشروعيّة للقول بأن مدة صلاحية المناهج التقليديّة في البحث قد انتهت، بدليل أنه لا يوجد سياق نمطيّ موحد للكثير من البحوث الإعلامية، فسياق قراءة الصحف غير سياق الاستماع إلى الإذاعة، ويختلف عن سياق المشاهدة التلفزيونية في التلفزيون “التقليدي” التي تحدث عنه دفيد مورلي، وسياق هذه الأخيرة يختلف عن سياق مشاهدة شرائط الفيديو والأفلام عبر الخط ، مثلما تراه الباحثتان دوسنج كاترين و برتكوز لوسيان[5]. وسياق البحوث الإثنوغرافية، هو الأخر، ليس واحدا، فلكلّ بحث اثنوغرافي سياقه المخصوص[6]. لذا ظلّت البحوث الإثنوغرافية تتكيّف مع سياق كل موضوع من موضوعاتها. ويمكن أن نسمي هذا التكيّف ابتكارًا.
تعزّز الباحثة “كريستين هيل”، مؤسسة ” الانتروبولوجيا الافتراضيّة”، هذا الاستنتاج بالقول إن الابتكار كان دائما مطروحا في جدول نشاط البحوث الاجتماعيّة الأمبريقية مستشهدة في ذلك بتاريخ العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، وبالمقابلات المعمّقة التي أضافها “بول لازرسفيلد” و”روبرت ميرتون” إلى بحوثهما المسحيّة.[7]
ويصف الباحثان “سارج برولكس”، و”جليان رويف” الابتكار الذي ميّز المنجز المنهجي في البيئة الرقميّة المعقّدة بــ “الترميق المنهجي”[8]. ولا يعتبران هذا المفهوم استفزازيّا مقارنة بصرامة العلم ودقته أو تبخيسا للإستراتيجيات البحثيّة المعتمدة لحد اليوم.
يدلّ الترميق المنهجي على شئين في الوقت ذاته: عدم تجانس المنهجيات، وتكييفها مع خصوصية ميدان البحث وأسئلته. ووسيلة لحصر موضوع البحث والقبض عليه في نقطة تقاطع الرؤى المتعدّدة، ومضاعفة زوايا تحليله.[9] فالترميق في اعتقادنا هو دفع البحث للتجريب عبر السير في طريق غير معبد، بالقدر الكافي، في البيئة الرقميّة.
إذا، على الرغم من مرور أكثر من عقدين على البحوث الأولى التي أنجزت في الفضاء الافتراضي،[10] لازالت مناهج البحث في السياق الرقميّ توصف بالترميق، أي أنها موضع اجتهاد مستأنف، فلم ترسخ وتتجذر بعد لتصبح مناهج توافقية Conventional.
الإطار النظري والمنهجي:
يتطلب رسم خريطة لأبرز الاتجاهات البحثيّة في السياق الرقميّ الإجابة عن الأسئلة التالية: كيف تجسد “الترميق المنهجي” في الاستراتيجيات البحثيّة في علوم الإعلام والاتصال في البيئة الرقميّة؟ وماهي أوجه التشابه والاختلاف بين الاستراتيجيات المنهجيّة التي تستند إلى العُدّة الرقميّة أو تستعين بها؟ وماهي التداعيات الابستمولوجيّة والأخلاقية للمناهج البحثيّة ” المعاصرة” على علوم الإعلام والاتصال؟
نعتقد أن هذا “الترميق” لا يُفهم إلا بالنظر إلى المناهج السابقة ومكتسباتها، وما تمت إضافته إليها، وما يختلف عنها، وإلى تنوع الاجتهادات المنهجيّة.
للإجابة عن هذه الأسئلة نستأنس بالنّظريّة التّفكيكيّة، التي نعتقد أنها لا تعبر عن اتجاه فكري عدمي، بل تروم التفكيك وإعادة التركيب: تفكيك الأفكار والبُنى الفكرية والتجارب البحثيّة قصد بلوغ حقيقتها وإعادة تركيبها بتشغيل مفهومين أساسيين في التفكير الدريدي (نسبة إلى جاك دريدا)، وهما الإرجاء Différance والاختلاف Différence.[11] يساعدنا المفهوم الأول في مناقشة المناهج البحثيّة انطلاقا ممّا غاب فيها أو عنها أو بناءً على ما لم تفصح عنه. ويدفعنا إلى الالتزام بالحذر وإرجاء تقييم المناهج البحثية في السياق الرقمي وعدم الحكم عليها بطريقة حاسمة لا رجعة فيها، لأنها ترتبط بعُدّة رقميّة لا تكف عن التنوع والتطور والتغيير وتدرس ممارسات اتصالية وإعلامية متجدّدة ومتغيرة باستمرار. ويعيننا المفهوم الثاني في الكشف عن المشترك والمتباين في الاتجاهات المنهجيّة التي درست الميديا في البيئة الرقميّة، والاقتراب أكثر من مستويات الرهانات المعرفيّة لكلّ اتجاه منهجي تتضمّنه خريطة المناهج المعاصرة.
واعتمدنا على ” الميتا تحليل النوعي” Qualitative Meta-analysis ، المنهج الذي يُعدّ حديثا جدًّا وانبثق عن “ميتا دراسة Study-Meta ) ) والذي يشرحه الباحث “تشانينج زهو”[12] بالقول: ” إنه يدرس نتائج وصيرورة الدراسات السابقة، فهناك ظاهرة ما نقوم بدراستها وتحليلها، ثم ننجزِ دراسة عن الدراسة الأولى . فهدف “ميتا دراسة” لا يقف عند تلخيص نتائج الدراسات السابقة، بل التفكير في دراسة ثانية لتحلّل صيرورتها، ودليلها في ذلك السؤالين التاليّن: “أين وصلنا في هذه الدراسات؟ وإلى أين نريد أن نمضي؟)[13]. بعبارة أخرى إن “الميتا تحليل النوعي” هي البحث عن الدراسات السابقة لموضوع ما من زاوية خلفياتها النّظريّة والسياقات التي أنجزت فيها. إنها بمثابة جسر العبور من المنهج إلى المنهجيّة، إن سايرنا ما ذهب إليه الباحثان ” ميا كنسلفو” وشالز إسس” في تمييزهما بين المنهج والمنهجية. لقد اعتقدا بأن منهج البحث هو جملة من التقنيات الملموسة، بينما المنهجيّة هي تصورات تنقل أطر التأويل النظريّ إلى الميدان الأمبريقي”.[14]
أمام غزارة البحوث والدراسات ذات الصلة بالمناهج البحثيّة في السياق الرقميّ اعتمدنا على عيّنة ميسرة Convenience sampling قوامها 100 دراسة وبحث منشور في مجلات علميّة دوليّة محكمة صادر عن مراكز وهيئات بحثيّة أجنبيّة – أنظر الجدول رقم 1- وتتضمّن بحوثا ذات طابع نظري تناقش تأثير التكنولوجيا الرقميّة على مناهج البحث في العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة. وتقيّم وتصنف التجارب البحثيّة في حقل الإعلام والاتصال في السياق الرقميّ. وبعد محص مفردات هذه العينة فضلنا الوقوف على خريطتين أساسيتين رسمتا التوجهات المنهجية الكبرى لدراسة الميديا في البيئة الرقميّة، وهما مستمدتان، بالطبع، من مناهج العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة. الخريطة الأولى وضعتها “ماريس نورتاجي”[15] الباحثة في علم الاجتماع في 2012. والثانيّة صاغها كل من الباحثين “سارج برولكس” و”جليان رويف”[16] في 2018. إن مبرّر تفضيلنا لهاتين الخريطتين يعود لكونهما شاملتين وتلخصان أبرز الاتجاهات البحثية المعاصرة في حقل الإعلام والاتصال، وتتقاطعان في أكثر من مفصل، إضافة إلى أنهما تحولتا إلى مرجع أساسي من فرط تواترهما في البحوث التي تعالج مسألة مناهج البحوث. وبعد مناقشة الخريطتين على ضوء بحوث العينة المدروسة نقترح خريطة ثالثة- أنظر الجدول رقم 2 – نعرض فيها بعض الجوانب والأبعاد التي نعتقد أنها لم تبرز في الخريطتين المذكورتين.
وتضمّنت العيّنة المدروسة أيضا بحوثا ودراسات تشمل مختلف موضوعات الإعلام والاتصال التي تبنت استراتيجيات بحثيّة متنوعة لدراسة الميديا في البيئة الرقميّة. وحاولنا أن نستخرج منها القسمات المشتركة التي تجمع بعضها وأدرجناها في إحدى الاتجاهات البحثية الكبرى كمثال نموذجي -أنظر الجدول رقم 3.
الجدول رقم 1: موضوعات عيّنة البحوث والدراسات
الموضوعات العدد |
بحوث ودراسات عن المناهج في عصر البيانات الضخمة 29
تحولات الصحافة والميديا في البيئة الرقميّة 11 الصحافة الرقميّة 18 شبكة الانترنت 10 مواقع التواصل الاجتماعي 8 الأخبار عبر الخط 13 العبر ميديا والمواءمة 5 الصحافيون في بيئة الواب 3 دراسة الجمهور ومستخدمي الواب 3 المجموع 100 |
من نافلة القول أنّ هناك جملة من العوامل والمتغيرات التي شكلت الإطار الذي برزت فيه مناهج البحوث الإعلاميّة في البيئة الرقميّة وتطورت، نوردها كما يلي:
1-العُدَّة التقنيّة وتفكير التضادOxymoron [17]
تتّسم شبكة الانترنت، التي تعتبر العنصر المؤسس للبيئة الإعلاميّة، بقدرتها على جمع التصورات والممارسات التي تبدو أنها متناقضة، كالقول مثلا أن هذه الشبكة خاصة وعامة في آن واحد، ومنفتحة ومنغلقة، ومحليّة وكونيّة، وتتيح الاتصال التزامني وغير المتزامن أو المؤجل، وحرّة ومقيّدة، وتجمع الأفراد لإنشاء جماعات وتفكيك الجماعات، وتشجع الفرد على الإقامة ” وحيدا وسط الناس”، وتعزّز نرجسيّة الفرد على الاقامة في ذاته وخارجها في الوقت ذاته”،[18] بمعنى أن هذه الممارسات التي تبدو متناقضة تشكل معنى جديدا يميز شبكة الانترنت. لذا فإنّ التفكير في هذه الممارسات الإعلاميّة والاتصاليّة التي تجري في هذه الشبكة وعبرها تتطلب تطليق الخطاطة الذهنيّة الموروثة من الماضي وتبنى استراتيجية تروم الفهم وفق منطق تفكير التضاد. وهذا يشكل تحديًّا منهجيًّا للوقوف على تنوع الممارسات الإعلاميّة التي تجري في شبكة الانترنت وعبرها، واستخراج معانيها مع منتجي المحتويات ومستخدميها في آن واحد.
2- المنطق المتداخل في ظل هجانة البيئة الإعلامية
تعيش وسائل الإعلام مسارا مستأنفا من التغيير منذ نهاية القرن الماضي ومطلع الألفية الحالية سواء على صعيد جمع الأخبار، وتحريرها وإنتاجها، وتوزيعها، و” استهلاكها”. الأمر لا يقتصر على الصحافة التي وصف ها الباحثان ” أندرسون” و”بيل” و”شيركي” بــ } إنّها تمر من صناعة منسجمة، إلى حد ما، إلى طائفة من الممارسات المختلفة والمتنوعة (…) فالصناعة الصحفيّة ماتت بيد أنّ الصحافة توجد في أماكن عديدة”{.[19] لقد شمل هذا المسار من التحول كل وسائل الإعلام فأصبح من الصعب فصل قديمها عن جديدها. لقد ذابا في مفهوم ” هجانة الميديا” الذي لا يتعلّق بوسيلة إعلاميّة بعينها، بل يرتبط بالمنظومة الإعلاميّة بأَسْرِها التي أضحت هجينة على حد قول “أندري شادويسك”.[20] ووراء هذه الهجانة تختفي هجانة أخرى نادرا ما نتحدث عنها، وهي “هجانة الاستخدامات”.[21]
من المفترض أن منطق الميديا الاجتماعية يختلف عن منطق وسائل الإعلام التقليديّة لأنهما ولدا في مسارين تكنولوجيين واقتصادين مختلفين، لكنّ هجانة البيئة الإعلامية دفعت بهما إلى التقارب، بل إلى التداخل والاندماج من خلال اشتراكهما في العناصر التالية: قابلية البرمجة programmability، والنزعة الشعبيةpopularity ، والارتباط الاتصالي، connectivity, ، والنزعة البياناتية ) التحويل إلى بيانات(datafication.[22]
تَشَكّل منطق وسائل الإعلام التقليديّة تدريجيًّا في الممارسة من خلال دكّ الجدار الفاصل بين الإعلام والإعلان، وبين الأحداث والرأي، وبين تقديم خدمة عموميّة وبيع سلعة. وتطور منطق الميديا الاجتماعيّة بالاستفادة ممّا دكّته وسائل الإعلام التقليديّة إضافة إلى الممارسات المتضادة، التي تحدثنا عنها أنفا، مثل الجمع بين الخاص والعام، والفردي والجماعي، والمحلي ودولي. لقد فرضت تداعيات اندماج المنطقين في الممارسات الإعلامية والاتصاليّة على الباحثين الالتزام بتعدّدية المقاربات النظرية والمنهجيّة من أجل استجلائها وفهمها، مثلما سنوضح لاحقا.
3- من الإعلام إلى “ميتا اتصال”
لم يوسع التطور التكنولوجي السريع في قائمة مواضيع الأخبار الصحفية فقط، بل ساهم أيضا وبقوّة في تغيير جوهرها. فالأخبار لم تعد مقتصرة على نقل ما جرى، بل امتدت إلى نقل التعليقات، والتعليقات على التعليقات على ما جرى، مما يحفز فضول المرء على معرفة من علق على من؟ لذا يمكن القول أنّ الأخبار في الميديا المعاصرة سلكت عدة اتجاهات، منها تحويل القضايا العامة إلى قضايا شخصية من خلال تذويتها Subjectivisation. وتحويل الأمور الشخصيّة إلى قضايا عامة عبر تغليفها بغلاف الموضوعية Objectivisation. قد يقول قائل أنّ هذه الظاهرة ليست بنت اليوم، لقد شرعت صحافة المشاهير، وتلفزيون الواقع في تجسيدها منذ انطلاقاتهما. بالفعل، لقد وجدت هذه الظاهرة قبل ظهور شبكة الانترنت لكن ما يبدو جديدًا في هذه الظاهرة هو السياق الذي تجرى فيه المتسم بانفتاح المجالات على بعضها، حيث يتداخل المجال الخاص والاجتماعي والعمومي.
يمكن اختزال هذه الظاهرة فيما أسماه أحد مؤسسي مدرسة بالو ألتو ” غريغوري بيتسون” بالميتا اتصال والميتا إعلام،[23] الذي يفكّك عناصر مادة الاتصال ويطرحها للتداول، لتحوّل الإعلام ذاته إلى موضوع للاتصال والتواصل. لعل هذا التحول هو الذي دفع بعض المهنين[24] إلى التفكير فيما يمارسون، إذ لاحظوا بأن القالب التقريري والسردي للأخبار يتراجع أمام القالب الحواري، خاصة بعد أن توفرت الإمكانات للجمهور/ المستخدم ليشارك في إنتاج المادة الإعلاميّة.[25]
إذا، لقد تغيّر الحامض النووي للأخبار فأصبحت غير مستقرة، ومرنة، وقابلة للتعديل والتحوير.[26] فوُصفت بالعديد من الأوصاف، مثل الأخبار الجديدة New News، كما أشار إلى ذلك الباحث “جون كاتز” للدلالة على أن مضامينها أصبحت تمزج الإعلام عن الأحداث السّياسيّة بالتّرفيه والتّسلية[27]، والأخبار الديناميكيّة، أو المائعة أو السائلة.[28] وصفة السائلة لا تعود لكون الأخبار لم تستقر بعد على شكل تعبيري محدّد وثابت فحسب، بل أيضا لأنها متواصلة التشكّل نتيجة ارتباطها بتطور الأحداث وامتدادها الزمنيّ وتعدّد المساهمين فيها.
تطرح هذه التحولات جملة من الصعوبات والتحديات على البحث الأمبريقي، يمكن تشخيصها كالتالي:
1.3– لم تعد الطريقة الكلاسيكيّة لتحليل صحيفة ورقية ذات فائدة كبرى في تحليل صحيفة رقميّة تتكئ ممارستها على مصطلحات ومفاهيم إجرائية متعدّدة ومتنوعة، مثل التفاعلية، والتناص، والنص االمتشعب، والكتابة غير الخطية، وتعددية الوسائط، والمواءمة والنشر العبر ميديا Cross media publishing[29]، والمحتويات المشخصنة، وذاكرة الصحيفة ) الأرشفة(، وزمنيّة tempestivity المادة الإخبارية.[30]مع العلم أن السعي من أجل وضع بروتوكول لتحليل موقع الصحيفة الرقميّة أو الموقع الإخباري لازال قائما، وما تم إنجازه لم يتوطد بعد ليصبح مرجعًا عمليًّا.[31]
2.3-لا تنطبق أسس تصنيف الأنواع التعبيرية في الصحيفة الورقيّة على خصوصية الواب. فالنص الذي كان يعرف في السابق بطابعه المستقر وإمكانية “القبض” عليه في شموليته، لم يعد كذلك، إذ اتسم بطابعه المفتوح والمتحوّل في الواب، ممّا يصعب بلوغ شموليته دفعة واحدة. لذا اقترح اللسانيّ الفرنسيّ “دومنيك مانتنيون” ترسانة مفهوميّة لشرح خصوصية الواب في تحليل الخطاب، نذكر منها ثنائية: النوع المتشعب Hypergenre والسينوغرافيا. Scenography. [32]
3.3-لا تخضع الأخبار السائلة لمعايير القياس الكلاسيكي نظرا لطابعها المتحوّل[33] وتجدّدها المستمر، وانفتاحها على مشاركة المستخدمين ممّا يتطلب التفكير في طرق جديدة بديلة لقياس أبعاد سيولتها عبر الخط وإخضاعها لمتطلبات البحث الأمبريقيّ حتى يتمكن من تجاوز الحدود المنهجيّة التي تفصل مُنْتِج المادة الإعلاميّة والثقافية عن متلقيها/ جمهورها/ مستخدميها، خاصة في ظل رسوخ مفهومي “المحتوى الذي ينتجه المستخدم” ” user-generated content و” “الانتخدام”produsage”[34]، فالكلّ يعلم أن المُنْتِج بالمعنى التقليديّ قد زال في الميديا الاجتماعيّة مثل، تويتر، والفيسبوك واليوتوب، لأنها لا تنتج مواد سمعية-بصرية على غرار التلفزيون، بل تبث إنتاج مشتركيها ومستخدميها. كما أن مفهوم سيولة الاخبار يقتضي التفكير في برتوكول لتحليل النّصّ الإخباري المتشعب مختلف عن تحليل المضمون التقليدي للصحف الورقيّة.[35]
4.3 -على الرغم من لجوء وسائل الإعلام التقليديّة ) صحف، محطات إذاعية، قنوات تلفزيونية (إلى استخدام منصات التواصل الاجتماعي، وإدراجها ضمن استراتيجياتها الإعلاميّة، إلا أن تحليل مضامينها تختلف عن دراسة المحتويات المتداولة في المنصات الرقميّة التي تتماهى مع ” الميتا إعلام” ،مثلما ذكرنا أعلاه، مما يطرح صعوبات منهجيّة في دراستها. فهل يمكن التغلب عليها من خلال الاستعانة بتحليل الخطاب الشفهي والمحادثة في الاتصال الشخصي وجها لوجه وفق منظور إرفينغ غوفمان، خاصة بعد أن ظهرت الدعوة إلى تجديد نموذجه الدراميّ للحياة الاجتماعيّة قصد الكشف عن مسرحة الذات وسردها في هذه المنصّات؟ [36]
4-تعاضد الأطر النّظريّة
تستند كل معرفة علمية إلى ركيزتين: منطقية وأمبريقية. فالأطر النّظريّة تزود هذه المعرفة بالركيزة الأولى، بينما يزودها البحث العلمي بالركيزة الثانية.[37] وعلى هذا الأساس تبدو النّظريّة ومنهج البحث وجهان لعملة واحدة. إن الأطر النّظريّة تعطي معنى لما توصل إليه البحث الأمبريقي: تشرحه، وتقدم قراءة لآفاق تطوره بعد توظيف آليات تأويله أو تسّن قواعد لتعمّيمه. ويمنح المنهج المادة التي تمكن البحث من الارتقاء ببياناته الأمبريقيّة إلى “الفضاء المفهومي”.[38]
تُشكل الميديا الاجتماعيّة ملتقى العديد من التخصصات العلميّة، إذ تتقاطع العديد من العلوم في دراستها. لذا يبدو أن البحث عن إطار تأويلي لمختلف جوانب نشاطاتها صعب إن لم يكن مستحيلا. فالعُدّة النّظريّة التي يشغلها الباحث لدراسة هذه الميديا تختلف باختلاف نظرته إليها: هل يعتبرها نظامًا اجتماعيًّا؟ ممارسةً تقنو اجتماعيّة؟ هل أنها قوّة تغيير الممارسة السياسيّة؟ هل يعتبرها رافدًا ثقافيّا منتجًا للتمثّلات الاجتماعيّة؟ وهل تعدّ مخبرا لتطور الممارسات اللسانيّة والخطابيّة أو تشكل مرحلة متقدمة من الإنتاج ما بعد الصناعي للصحافة؟
بصرف النظر عن الإجابة التّفصيليّة عن هذه الأسئلة، يمكن القول أنّ حقل الإعلام والاتصال شهد الكثير من المحاولات لمراجعة نظريّات الإعلام المعياريّة التقليديّة في البيئة الرقميّة، مثل نظريّة حارس البوابة الإعلاميّة،[39] ونظريّة وضع الأجندة Agenda setting [40]، ونظريّة التأطير الإعلاميّ، ونظريّة الاستخدامات والإشباعات[41] ، ولولب الصمت[42]، ونظريات انتشار المبتكرات وتطبيقها على وسائل الإعلام[43]، ونظرية التلقّي الإعلامي[44]، وغيرها. يبدو أن تشغيل هذه النظريات كإطار لفهم تطور الممارسات الإعلاميّة في البيئة الرقميّة لم يحظ بإجماع الجماعة العلمية. لذا سعى الباحثون إلى فهم هذه الممارسات انطلاقا من أطر نظريّة مختلفة، نذكر منها: نظريّة الحقل The field لبيار بورديو[45]، التي تزايد استخدامها في البحث بعد تطور ممارسات الصحافة وتنوعها، وإلحاح السؤال عن من هو الصحافي في نهاية العقد الأول من الألفيّة الحاليّة. ونظريّة المجال العام[46] لهابرماس وألكس هونيث ، وحنا أرنت، وأوسكار نغيت، بعد أن تراجعت الديمقراطيّة التمثيليّة وبدأت تعيش أزمتها، وتزايد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في ” تجديد” الفعل السياسي، ونظريّة الوساطة الميدياتيكيّة Mediatization التي تعُدّ ضربا من “ميتا مسار” الذي يروم توطيد العلاقة بين الطرفين: المرسل والمنظومة الاقتصاديّة والسياسيّة والقانونيّة التي يشتغل فيها، والوسيط التقنيّ ) الميديا( الذي يضطلع بأدوار اجتماعيّة وسياسيّة ) التمثّلات والاندماج( . ويمكن تحديد هذه الوساطة انطلاقا من الخصائص الثلاث التالية[47]: المحتويات الإعلاميّة وما تحمله من تمثّلات، والاهتمام المتزايد بما هو اجتماعي باعتباره رافدا للفعل الإعلامي ومجالا لتأثير الميديا، وإمكانيات تأويل علاقة الميديا بما هو اجتماعي[48].
لقد اتسمت البحوث التي اعتمدت على هذه الأطر النّظريّة، التي تُعدّ تقليديّة وتصنف في خانة البحوث التوافقية، بانزياحها عن الأمبريقية المحضة وتوجهها نحو المعالجة النّظريّة لموضوعات الميديا.[49]
وتضاف إلى هذه البحوث تلك التي حاولت استخدام النّظريّات “المعاصرة” وتطبيقها على الميديا في بيئة الواب، مثل: البراغماتيّة الثقافيّة[50] والتي تعتمد على الدراسات النّصّية لتحديد معايير الاتصال بغرض تشخيص القيم الثقافيّة والكلمات المفتاحيّة الكاشفة عنها، ونظريّة السيولة لعالم الاجتماع “زغمنت بومان” لدراسة سمات سيولة الأخبار عبر الخط Online، [51] ونظريّة المواءمة والعبر ميديا لـ Transmedia للباحث “هنري جنكنز” والتي تنص على التوجه إلى إنتاج المحتويات واستهلاكها بطريقة متكاملة عبر مختلف الحوامل.[52] ونظريّة الفعل والشبكة [53] Action-Network-Theory التي تأخذ بعين الاعتبار العناصر المادية والبشريّة في دراسة الميديا علاوة عن الخطابات ، والتي قال عنها الباحث “رودني بيسون” ” أنّها جعلتنا نعي بالأدوات التي توجد بيننا، وبالدور الذي تقوم به في تشحيم علاقاتنا الاجتماعيّة والحفاظ عليها”[54]. ونظريّة “ ميديا التحول” Mediamorphosis والتي تستند إلى أطروحة ” أن الميديا بصيغة الجمع هي أنظمة معقّدة وقابلة للتكيّف استجابة للضغوطات الخارجيّة من خلال مسار تلقائي من التنظيم الذاتي.”[55] وقد حصر منظرها ” روجي فيلدر”[56] مبادئ هذا التحول وآفاقه في : التطور والتعايش المشتركين، وتحول الميديا التقليدية لتتكيف مع تغيير البيئة الإعلاميّة، والبقاء والانتشار، والفرصة والاحتياج، والتبني المؤجل. هذا إضافة إلى نظريّات الاستخدام الاجتماعي للعُدّة السوسيو تقنية ذات التوجه البنائي والتفهمي التي دفعت علم الاجتماع إلى دراسة العُدّة المذكورة وهي في حالة عدم الاستقرار، بعد أن دأب على دراسة الظواهر الاجتماعيّة المستقرة وذات الحدود الواضحة والثابتة[57].
تكشف هذه النظريات المختلفة عن تعدّد نظرة الباحثين للمواضيع التي طرحها ويطرحها تطور الميديا وتؤطر التفكير فيها. لكن ما يلفت النظر أكثر في دراستها في السياق الرقميّ، هو ما يلي:
1.4- تزايد عدد البحوث الإعلاميّة التي اتجهت إلى الاستعانة بالنّظريّة المتجذرة Grounded Theory لدراسة الميديا، التي لا تقرأ ما يتم جمعه من بيانات على ضوء نظريّة قائمة ، بل تحاول استقراءه من أجل صياغة نظريّة.[58] بالطبع إنّ هذا التوجه قديم ولم يفرضه السياق الرقمي لكنّ التحولات التي تعيشها الميديا المعاصرة عزّزته. هذا ما يؤكده الباحث الاسبانيّ “رومان سالافيريا” في تقييمه للبحوث عن الصحافة الرقميّة التي جرت في العديد من بلدان العالم ما بين 1994 و2009[59]
وتحاول هذه النّظريّة أن تستوعب هجانة الممارسات الإعلاميّة غير المستقرة وما تطرحه من مواضيع مستجدة، مثل دراسة مدى تأثير السرعة في نقل الأخبار على المعايير المهنيّة وروتين العمل الصحفي في قاعة التحرير.[60] وأشكال استبطان التطور التقنيّ في العمل الصحفي أو مقاومته، والتحوّلات في مصادر الأخبار ورهانات مصداقيتها، إلخ. وميزة هذه النّظريّة أنها تمكّن الباحثين من تسليط الضوء على خصوصيّة تطور الممارسة الصحفيّة في هذا البلد أو ذاك. هذا إضافة إلى أنها لم تنشأ لمواجهة صعوبات منهجية فحسب، بل لتجسد تصور فلسفي في دراسة الميديا يرى أن المشاكل الابستمولوجية لا تطرح في صيغتها المكتملة والجاهزة قبل الشروع في البحث، بل تتشكل تدريجيا عند الشروع فيه وأثناءه.[61]
- إن كان البراديغم التقنو اقتصادي قد طبع الكثير من البحوث، خاصة تلك التي تعتمد على المناهج الحاسوبيّة، لاحظنا في عينة البحث توجه متزايد إلى مزج النّظريّات المتناسلة من براديغمات مختلفة ومتباينة لدراسة الميديا في السياق الرقميّ لم يكن التقاؤها ممكنا في الماضي، بل لم تخطر ببال الباحثين في السابق. وهذا من أجل النظر إلى الممارسات الإعلاميّة الرقميّة من مختلف الزوايا، وتسليط الضوء على الفاعلين فيها على المستويات الاجتماعيّة الثلاث: الأصغر Micro، والوسيط Meso ، والأكبر Macro. ومن أشكال هذا المزج نذكر، على سبيل المثال وليس الحصر، أن الباحثة “ماري كارولين هيد” جمعت في الإطار النظري لبحثها، المتعلّق بظهور الممارسات المعاصرة في الصحافة التشاركية، المقاربتين البنائية والنسقية- وهذه الأخيرة تتعارض في جوهرها مع البنائية – ونظريّة التعقّد لكونها سببية.[62] وتوجه باحثو المدرسة النقديّة، الذين يرتكزون في دراستهم للميديا على نظريّة الاقتصاد السياسي ، إلى الاستعانة بالمقاربات السوسيولوجيّة التي تركز على المستخدمين[63]. والكل يعلم أن رواد هذه المدرسة يهمشون الجمهور في دراسة الميديا، إذ ظلوا يتحدثون باسمه ردحا من الزمن.
وفي دفاعه عن نظريّة البراغماتية الثقافيّة في دراسة الميديا، يؤكد “جيفري ألكسندر” أنها تجمع في آن واحد النموذجين التأويلي والسببي[64]. علما أن النموذج الأول ينتمي إلى البراديغم البنائي، وينتمي النموذج الثاني إلى البراديغم الوضعي. وأكد الباحث “دافيد ميلس” على الأهمية المتبادلة للإثنوغرافيا وتحليل الخطاب إن اجتمعا في دراسة الميديا في السياق الرقمي[65]
5-الآمال والمخاوف من الجيل الثالث في العلوم الاجتماعيّة
يرى دومنيك بويي[66]، المختص في علم الاجتماع الرقميّ، ورئيس تحرير مجلة ” كوسموبلتيك”، أن العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة مرت بثلاثة أجيال: الجيل الأول ظهر في أواخر القرن التاسع عشر وكان يعتمد على البيانات الناجمة عن التّعددات السنويّة التي تقوم بها الحكومات، ومؤسساتها المختلفة لمسح شامل للسكان أو شريحة منهم قصد رصد السلوك الفرديّ في المجتمع. بالطبع إن هذه البيانات تلبي بدرجة أساسيّة حاجة الدولة ومؤسساتها خدمة لسياستها. وظهر الجيل الثاني في ثلاثينات القرن الماضي مع إنشاء مؤسسة “غالوب” لاستطلاع الآراء وانطلاق عالم الاجتماع “بول لازرسفيلد” في انجاز بحوثه الميدانيّة التي تعتمد على استطلاعات الآراء بالاستناد إلى عيّنة تمثيليّة لدراسة المجتمع. إن الحاجة إلى هذه البيانات كانت وليدة السوق والحياة السياسيّة الديمقراطيّة. أما الجيل الثالث فقد بدأ في الظهور منذ ثمانيات القرن الماضي ومطلع الألفية الحالية مستندا إلى البيانات الكبرى Big Data . وتعزّز بزيادة الاستخدام الاجتماعي للأنترنت نتيجة قيامه بدراسة ما يخلفه مستخدمو الانترنت من آثار في إبحارهم عبر شبكة الانترنت، وما تحتفظ به المواقع والمنصات الرقميّة عن زوارها ومقدمو خدمة الانترنت.
على الرغم من المآخذ التي أخذت على هذا التصنيف لتطور العلوم الانسانيّة والاجتماعيّة، مثال الاعتماد على طبيعة البيانات وطريقة جمعها بدل التركيز على الغايات المنشودة من جمعها وتحليلها[67]، إلا نورتجي استندت عليها في إعداد خريطة مناهج البحث في السياق الرقمي – كما سنرى لاحقا- وعلى أساسها فتحت باب الحوار بين المقاربات البحثيّة) المقاربة بواسطة البُنى التي اعتمدها علم الاجتماع الدوركايمي – المجتمع-، والمقاربة عبر السوق – استطلاعات الرأي التي تنجزها المؤسسة، مثل غالوب- والمقاربة عبر العدوى المباشرة للميمات (Memes) الرقميّة والمحاكاة استندا إلى اطروحة عالم الاجتماع غبريال تارد(.
أمام دفع العُدّة الرقميّة إلى تحويل المجتمع إلى كميّة رهيبة من الآثار الرقميّة تزايدت الخشية من أن تجر الخوارزميات إلى الاستغناء عن طرق التّحليل العلميّ التي كرستها العلوم الإنسانيّة منذ نشأتها فأصبحت من المكتسبات المنهجيّة. فالعدد الهائل من الآثار الرقمية أصبح يشمل مجتمعات البحث بأسرها التي يزيد عدد مفرداتها عن عشرات الآلاف (الكلمات المفتاحية، الروابط الرقمية Links، التعليقات، الرسائل الإلكترونية، التفاعلات عبر أيقونة الإعجاب و ” الايموجات” Emoji [68]، والتغريدات، وشرائط الفيديو، والصور، والبودكاسات، إلخ) والتي يتعذر تحليلها دون الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، ناهيك عن البيانات التي تجمعها تطبيقات الجاسوسية لأغراض أمنية وتجاريّة، والميتا بيانات التي يتعذر جمعها يدويًّا. لذا يتخوف بعض الباحثين من “ذوبان دراسة الميديا في المعلوماتية والفيزياء”[69]، وتستغني بالتالي عن الأدبيات النظريّة التي تؤطرها. هذا ما يبشر به الباحث “أندرسون” في قوله ” أن زمن نظريّات السلوك البشريّ، من علم اللغة إلى علم الاجتماع مرورا بعلم النفس قد ولّى. ولا حاجة إلى معرفة لماذا يفعل الناس ما يفعلونه، فالمهم أنهم يفعلون ذلك وكفى، ويمكننا متابعة ما يقومون به وقياسه بدقّة وأمانة غير مسبوقة. فالبيانات موجودة وكافية، والأرقام تتحدث عن نفسها”.[70]
تأسيسا على ما سبق يمكن أن نتساءل، هل أن البيانات الكبرى تعمل على ” قرصنة” ممارسات البحث في حقل علوم الإعلام والاتصال على غرار ما تفعله بالعلوم الاجتماعيّة والانسانيّة وفق ما ذهب إليه البعض،[71] أم أنها ستنقذ البحوث الإعلاميّة من أزمتها؟
لازالت الإجابة عن هذا السؤال محل خلاف، فالبعض يعتقد أن التكنولوجيا الرقميّة دفعت العلوم الاجتماعيّة والانسانيّة إلى استئناف ” الثورة الكمية” التي عاشتها في ستينات القرن الماضي وسبعيناته[72]. ويرى البعض الأخر أن البيانات الكبرى ستفعل بالبحوث الاجتماعيّة، ما فعلته ” الفوردية”- نسبة ” جون فورد” مالك شركة صناعة السيارات- في عالم الصناعة، نتيجة تنظيم العمل وإعادة تقسيمه أفقيًّا وعموديًّا وزيادة الإنتاج[73]، ممّا يعني أن هذه التكنولوجيا لا تغير في طرائق الحصول على المعرفة فحسب، بل ستغير حتّى طبيعة هذه المعرفة.
تستدعى البيانات الكبرى أيضا فهم الاختلاف بين استراتيجيات البحث التقليديّة وتلك التي تعتمد على التكنولوجيا الرقميّة، والخلاف الذي تثيره مختلف البحوث التي تعتمد على هذه التكنولوجيا. والسؤال عن مفعول العُدّة التقنيّة التي انتجتها في توجيه البحث.
ما يبرّر هذا السؤال أن البيانات التي يعتمد عليها الجيل الثالث من العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة هي وليدة شركات المعلوماتية العملاقة[74] التي تضفي الطابع الميركنتلي mercantilization على الاتصال. لتوضيح هذه الفكرة يمكن القول أن وسائل الإعلام، خاصة الصحف العالمية الكبرى، قد تزودت، منذ أزيد من عشرين سنة، بــ” أدوات القياس أثناء العمل” Metrics at Work ” ؛ أيّ محركات البحث لقياس تفاعل الانترناتيين مع المواد الصحفية المنشورة عبر الخط، مثل ” غوغل أنالتيكس” Google Analytics و “شارتبيت” Chartbeat، والتي أدت إلى ميلاد وظائف جديدة في قاعة التحرير مثل ” مدير الجماعات ” الافتراضية Community Manager، و مسؤول فهرسة المحتويات SEO Manager وترقيتها في شبكة الانترنت والتعامل مع منظومة الوساطة الإعلاميّة Infomediary ، مثل محرك “غوغل نيوز”، و “ويكيو” Wikio ، والتي أضحت عبارة عن مؤشر دال عن العلاقة بين ما تعرضه وسائل الإعلام وما يطلبه الجمهور/ المستخدم. والنتيجة أن هاته المحركات كلها تتدخل في توجيه محتويات الصحف.[75]
إن كانت البيانات التي تقدمها هذه المحركات مفيدة لوسائل الإعلام على الرغم من الخلاف الذي اثارته وتثيره وسط الصحافيين حيث يعتقد الكثير منهم أنها تساهم في تسليعهم – تحولهم إلى سلعة- فإنّها تظلّ غير كاملة بالنسبة للبحث العلمي لكونها تكتفي بالتعبير عن ذاتها دون أن ترتقي لتصبح علامة أو قرينة بالمعنى السيميائيّ.[76] وهنا تكمن إحدى الإشكاليات المعرفيّة التي تطرحها العُدّة التقنيّة على البحث الإعلامي والمتمثلة في استجلاء معان الآثار التي يهتم بها الباحثون في علوم الإعلام أكثر مثل النقر على المواقع والنصوص والصور والفيديوهات والبودكاسات، والمواقف منها المعبر عنها بأيقونات الإعجاب علامة أو ” الإيموجي” Emoji والتعليقات والمشاركات، والروابط الرقميّة Links، وغيرها. إنها الآثار التي تنشئ بها وحدات تشكل الظاهرة الإعلاميّة والاتصالية المدروسة ،والتي يبدو أن عائدها العلمي متواضعا ما لم تؤول وتستنطق سيمائيًّا حتّى وإن ارتبطت بالمتغيرات المعهودة في البحوث الاجتماعيّة التقليديّة
اتجاهات البحوث الإعلاميّة في السياق الرقمي.
في مناقشتها لتداعيات التكنولوجيا الرقميّة على البحث الاجتماعي، والذي يشمل بالطبع بحوث الإعلام والاتصال، ومن أجل رسم خريطة لمناهج البحث وظفت الباحثة ” ماريس نورتاجي”[77] مفهوم إعادة التوزيع “Redistribution ” مؤكدة ” بأنّ الأدوار في ممارسة البحث العلمي وفق هذا المفهوم موزعة على طائفة متنوعة من الفاعلين: الباحثين، والمبحوثين (موضوع البحث- المستخدمين)، والوسيط أو العُدّة التكنولوجيّة، وممولي البحوث. وبمفهومها هذا سعت إلى تحديد المهارات، ومنح السلطة والشرعية في البحث للفاعلين المذكورين. وعلى الرغم من إقرارها بأن إعادة التوزيع هذه مسألة ” لزجة” لصعوبة حصر مساهمة أيّ فاعل من الأطراف المذكورة في تجسيد مناهج البحث إلا أنها أدرجت الاستراتيجيات البحثيّة المستخدمة في البيئة الرقميّة كما يلي:[78] المناهج التقليديّة أو المألوفة (Methods-as-usual) ، المناهج الحاسوبيّة أو الكبرى (Big Methods) ، والمناهج الافتراضيّة ) Virtual Methods ( والمناهج الرقميّة) Digital Methods).
تعرض هذا التصنيف إلى العديد من الانتقادات، لعل أبرزها تلك التي تتقاطع مع النقد الموجه لتصنيف أجيال العلوم الاجتماعية والإنسانية المذكورة أعلاه؛ بمعنى أن هذا التصنيف يرتب مناهج البحث في السياق الرقمي استنادا إلى مستوى قدرات الأطراف الفاعلة في البحث: من الحد الأدنى (المناهج التقليديّة) إلى الحد الأقصى والتي تكشف ضمنيًّا عن التطور في عُدّة جمع البيانات وتحليلها متجاهلة أهداف البحث التي تشكل قاعدة الفرز بين المناهج. [79] ولو أخذنا بعين الاعتبار النقد الموجه إلى المناهج الافتراضية، والذي مفاده أنها ضرب من ممارسة الاثتوغرافيا عبر الانترنت. بمعنى أنها ترحّل أدوات جمع البيانات وطرق التّحليل الممارسة في البحث الاثنوغرافي التقليدي إلى البيئة الرقميّة، فإننا نمحي الفرق بين ما تسميه الباحثة ماريس نورتاجي بالبحوث التقليدية والبحوث الافتراضيّة.
لقد أقرّ الباحثان سارج برولكس وجوليان رويف[80] بأنّ التكنولوجيا أثرت تأثيرا كبيرا على البحث العلمي، لكنهما لم يعتمدا على مفهوم ” إعادة التوزيع” المذكور أعلاه لوضع خريطة لمناهج البحث في البيئة الرقميّة بل وظفا مفهوم “النموذج المثالي”Ideal‑type بالمعنى الويبري ) نسبة إلى “ماكس ويبر” ( وهذا بناء على المقابلات المعمقة التي أجرياها مع 24 باحث متمرس في البحث الميداني في البيئة الرقمية في العديد من البلدان الغربية. ولا يقصدان بهذا النموذج أنه كامل أو الأفضل أو المرغوب أو الأكثر وفاء في تمثيله للواقع، بل يعني أنه يتضمّن خصائص يمكن ملاحظتها أكثر من غيرها. ويتم التعبير عنها من خلال إنشاء تركيبي مجرد يكشف عن القواسم المشتركة للعناصر التي تشكل الظاهرة المدروسة[81]. وعلى هذا الأساس أعدّا خريطتهما لمناهج البحث في البيئة الرقميّة وتضمّنت أربعة نماذج مثالية للمقاربات البحثية الكبرى، وهي: مناهج توافقية، وليست كلاسيكية مثلما ذكرت “ماريس نورتجي”، ويقسما هذه الأخيرة إلى صنفين: كميّة وكيفيّة، والمناهج الإثنوغرافيّة عبر الخط، والمناهج الحاسوبيّة المطبقة على البيانات الكبرى، والمناهج الرقميّة الكميّة- الكيفيّة[82]؛ أيّ مناهج مختلطة. إن اختلاطها هذا يجنبها الاقتراب من المناهج الحاسوبية أو التطابق معها. كما أن صفة التوافقية التي أطلقت على المناهج التقليديّة يمكن أن تثير بعض الإشكال، وذلك لأنه يمكن أن تتضمن المناهج الحاسوبية التي أضحت هي الأخرى مناهج توافقية، بمعنى أنها حقّقت نوعا من الاجماع على توظيفها في جل أصناف البحوث العلمية وليس الاجتماعيّة والإعلاميّة فقط، وهذا على الرغم من أن بروتوكولات تطبيقها لم توحد بعد، وربما لن تتوحد أصلا نظرا لتنوع المواضيع، وتطور العدة الرقميّة، وتجدّد الممارسات وتشذر المستخدمين، وتعدّد الغايات الجزئية من إجرائها.
المناهج التقليديّة أو “التوافقيّة”:
تدرس الظواهر الإعلاميّة والاتصالية في بيئة الواب بترسانة التقنيات التقليديّة ) الملاحظة، دفتر التدوين ، المقابلة، المجموعة البؤرية، صحيفة الاستبيان( . ويعتقد أصحابها أن التكنولوجيا الرقميّة لم تغير أساليب البحث بل لازالت مستمرة في البيئة الرقميّة وتستمد شرعيتها من ماضيها. وإن لم يطعن الكثير من الباحثين في إجراءاتها المنهجيّة فبعضهم يشير إلى أنها لم تأخذ بعين الاعتبار مكانة الوسيط التقني في البحث؛ أيّ لم تول الاهتمام للفرص التي يتيحها هذا الوسيط في مجال الاتصال والإعلام والإكراهات التي يفرضها على المستخدم. فتعاملت مع الموضوعات عبر الخط وكأنها تجري خارج شبكة الانترنت تمامًا.
وتصف “ماريس نورتجي ” هذه البحوث بالمحافظة.[83]ربما لعدم استخدامها للعُدّة التكنولوجيّة الرقميّة في البحث أو استخدامها في الحدود الدنيا.[84] بالطبع إن الانفتاح على دراسة “الميديا الاجتماعيّة” لا يتحقّق بقطيعة منهجيّة مع الممارسات السابقة، بل يتأسس بناءً عليها. لذا فالكثير من البحوث التي درست المدونات الإلكترونيّة في بدايتها، سواء لفهم دوافع التدوين واهتماماته أو للكشف عن التباين في أسلوبه والأسلوب الصحفي المعروف والمعتمد، استعانت بالمناهج التقليديّة مستخدمة أداتي تحليل المضمون والمقابلة.[85] وهذا لا ينفي القول أنّ البحوث التقليديّة شرعت في التحوّل والتكيّف تدريجيا مع البيئة الرقميّة منذ نهاية تسعينات القرن الماضي .[86]
المناهج الحاسوبيّة: تسمى أيضا المألوفة أو الكبرى. وتستمد وجودها من العُدّة التكنولوجيّة ( الكمبيوتر وبرامجه، وتطبيقات الانترنت، ومحركات البحث) وتستخدم في مختلف المجالات المعرفية. تقوم بالجمع الآلي للآثار التي يخلفها مستخدمو شبكة الانترنت والمنصات الرقميّة وتظهرها في رسوم بيانيّة، وخرائط توضيحيّة وغرافية، وخرائط سحابية للكلمات. تكشف عن العلاقات والآراء والمواقف والاتجاهات. وتستعين بالرياضيات من أجل نمذجة النشاط والسلوك البشري.
نشأت هذه المناهج في مخابر شركات المعلوماتية الكبرى لتلبية حاجة السوق مثل دراسة الأسواق وعادات الاستهلاك والإعلان. لذا فإنها تستخدم في مختلف قطاعات النشاط الإنساني. ولا يمكن اختزالها في عملية الجمع الآلي للآثار الرقمية فقط، بل تشمل أيضا تقييمها وتحليلها والأهم التعلم منها؛ أي ما أصبح يعرف بالتعلم الآلي Machine Learning الذي يهدف إلى ” إلى التطوير المتكرر لفهم مجموعة البيانات والتعلم التلقائي لإدراك أنماط معقّدة وبناء نماذج توضح وتتوقّع مثل هذه الأنماط “.[87]
وظفت علوم الإعلام والعلوم السياسية هذه المناهج لمعرفة زوار المواقع الإلكترونية بشكل أكثر تفصيل، وأشكال تفاعلاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، ومدى تعددية مصادر الأخبار في وسائل الإعلام، وآراء ومواقف واتجاهات الناخبين ومدى شعبية المترشحين، إلخ.[88]
لقد أثارت المناهج الحاسوبية الكثير من الجدل مقارنة ببقية أنواع المناهج المذكورة خاصة في علوم الإعلام والاتصال، ولا شيء ينبئ بأنها ستتوقف في القريب العاجل.
لقد رأى بعض الباحثين، ومنهم الباحث البريطاني “دافيد غنتلت” المناهج الحاسوبية بعيون متفائلة إذ قدر بأنها تنقذ بحوث الميديا، خاصة دراسات الجمهور التي شهدت تراجعا كبيرا،[89] إن التفاؤل بارتفاع عدد البحوث التي تعتمد على المناهج الحاسوبية لدراسة الجمهور يعود، بدون شك، إلى انخفاض كلفتها مقارنة بالبحوث التقليديّة وسرعة إنجازها، لكن أيضا بسبب كبر حجم مجتمعات البحث التي تدرسها والتي قد تتجاوز الآلاف، ولكمية البيانات الضخمة التي توفرها والتي لا تبلغها التقنيات التقليديّة لجمع البيانات.
يعتقد البعض أن قوّة المناهج الحاسوبيّة تكمن في عدم اعتمادها على نظام العيّنة في دراسة الموضوعات الإعلاميّة وبالتالي لا تطرح عليها مسألة تمثيل المجتمع المدروس. إنها تدرس كل الآثار الرقميّة Digital Traces التي يحتاجها البحث، لذا تكون نتائجها صحيحة ودقيقة. لكن هذا الاعتقاد يجانب الصواب. لأن ما تدرسه قد يكون في الغالب غير محدود لأن الآثار لا تتوقف عن التدفق كالسيل.) ففي “غياب الكل” يختفي اكتمال مجتمع البحث ويختفي معه تمثيله ([90].
وتستفيد المناهج الحاسوبيّة من اعتقاد راسخ بأنها أكثر موضوعيّة، وذلك انطلاقا من تصور مفاده أنه كلّما زاد حجم الآثار المدروسة ارتفع منسوب دقّة البحث ومصداقيته. وهذا خلافا لدليل المقابلات البحثية الذي يقلص كثيرا شريحة الواقع الذي على أساسه تُستنبط البيانات.[91] ويمنح الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في جمع البينات وتحليلها للبحث مصداقية أكثر، ويعطيه مشروعية أفضل من البحث الذي ينجز بالاعتماد على اللقاء المباشر مع المبحوثين سواء من خلال المقابلات الفردية أو المجموعات البؤرية أو صحيفة الاستبيان، والتي قد تشوبها الذّاتيّة. هذا علاوة على الايمان بأن كثرة الآثار” توفر أعلى مستوى من الفهم والمعرفة”.[92] والحقيقة أن المناهج الحاسوبيّة تكشف عن أبعاد “جديدة” في الموضوعات الإعلاميّة والاتصاليّة لتيسير هذا الفهم. وهي الأبعاد الكامنة في خصائص البيانات الضخمة. وقد حصرها البعض في ثلاث خصائص تشترك في الحرف اللاتينيV في بداية اسمها [93]، وهي: الحجم Volume الذي يعنى ضخامة البيانات المزايدة والتي تجاوز حدود عيّنة الدراسة، والتنوع Variety ، أي تعدّد أشكال الآثار والميمات القابلة للتحليل، والسرعة Velocity، التي تعد خاصية مستحدثة حقا ولا يوجد ما يعادلها في البحوث الكلاسيكية، إذ يقصد بها إيقاع توليد البيانات وفترة ظهورها في الشاشات قبل أن تختفي،[94] وسرعة التقاطها وتحليلها. وقد أضاف البعض لهذه الخصائص خاصيتين أخريين، وهما الحقيقية Veracity؛ أي إمكانية التأكد من واقعيتها ومن كونها ليست وليدة عملية تزوير رقمي، كقيام الخوارزميات بإعادة التوزيع الآلي والتلقائي لبعض التغريدات، والقيمة Value، ويقصد بهذه الأخيرة البيانات التي تملك قيمة عملية في ظل تخمة الآثار الرقمية لتصبح خمس خصائص.[95] وأُضيفت لها خاصية المرؤوئية [96]Visibity ، أيّ القابلية على الظهور ومشاهدتها، لتصبح ست خصائص.
لعل القول بأنّ المناهج الحاسوبية تقترح مقاربة جديدة للعلوم الاجتماعيّة وعلوم الإعلام يعود إلى توظيفها للخصائص الخمس المذكورة أعلاه، التي تعتبر متغيرات تختلف عن تلك المعتمدة في البحوث التقليديّة، والتي تكتفي بذاتها دون تقديم أي شرح يسلط الضوء على العلاقات الترابطيّة من أجل الكشف عن التوجهات العامة دون الاهتمام بالأسباب.[97] لاستيعاب هذه الفكرة بشكل جيد لابد من الإشارة إلى أن المناهج الحاسوبية تتعامل مع الآثار الرقميّة Digital Traces أكثر من البيانات Digital Data. وهل هناك فرق بينهما؟ بالطبع يجيب دومنيك بويي [98]قائلا: إنّ البيانات تُنسق وتُهيكل بطريقة تنشئ للمعلومات علاقة بالخصائص الاجتماعيّة والاقتصاديّة والديمغرافيّة والسّياسيّة لجماعة ما، بينما تعدّ الآثار الرقميّة، في تقديرنا، قرائن مخلفات التعامل مع العُدّة الرقميّة في حالتها الخام. لذا تغطى الآثار واقعا أكثر شسوعا من البيانات.
تأسيسا على الخصائص المذكورة أعلاه، هل يمكن القول أنّ هذه المناهج تقدم نموذجا من البحث الأمبريقي الذي لا يتبع أي طريقة مألوفة في البحث العلوم الاجتماعية والإنسانيّة؟ بمعنى أنها لا تسعى إلى التفسير من خلال الكشف عن العلاقة بين الظواهر والمتغيرات، ولا تعتمد على الفهم واستجلاء المعاني من أفعال الفاعلين وتأويلها نظرا لأن الخوارزميات أصبحت تشكل منهجا قائما بذاته يُغْنِي عن كل منهج من المناهج المعروفة.[99]
إن الإشكال لا يتعلق بالخوارزميات في حد ذاتها، بل يتعلق بالمنطق الذي يتحكم فيها، والآثار التي تشتغل عليها والتي يمكن تشبيهها بالآراء في بعض الجوانب، فينسحب عليها ما قاله بيار بورديو [100]عن الرأي العام. لقد نفى هذا الأخير وجود هذا الرأي كما تفصح عنه استطلاعات الرأي انطلاقا من اقتناعه بأن الآراء لا تتساوى. كذلك الأمر بالنسبة الآثار الرقميّة، إنها لا تتساوى. لكن المناهج الحاسوبيّة تتعامل مع تفاعلات مستخدمي موقع ما على أنها متكافئة، إذ تساوي ضمنيًّا، بين كتابة تعليق على نص ما أو منشور والنقر على ايقونة أحب. لذا فإنّ السباق إلى تقديم أكبر عدد من البيانات يصبح عديم الجدوى دون تفكير ملائم فيما نجمع، ولماذا نقيس.[101]هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ليس كل شيء يقبل القياس الكمي، بل أن هذا القياس قد يُفقد بعض الأشياء فيمتها. وأبرز مثال على ذلك هو “الإيموجي”، فحمولتها الثقافية تؤدّي الوظيفة ذاتها التي يقوم بها الاتصال غير اللفظي في الحياة اليومية. فلا معنى لإحصاء هذا الضرب من الاتصال، لأن قيمته في دلالته وليس في كميّته.
إذا، لتلخيص هذه الفكرة، يمكن القول ” هناك أشياء يمكن قياسها. وهناك أشياء تستحق القياس. لكن ما يمكن قياسه ليس دائمًا ما يستحق القياس. وما يتم قياسه قد لا تكون له علاقة بما نريد معرفته حقًا”. [102] ولإيجاد هذه العلاقة يمارس محللو البيانات الكبرى Big Data الاستسقاط Apophenia[103]، وهو المفهوم الذي اتكأت عليه الباحثتان “دانا بويد” و”كيت كرافورد” في نقدهما للبيانات الضخمة.[104] وهذا يعني إن المناهج الحاسوبية لا تنتج معارف بل تساهم في إنتاجها فقط. إنّها تشكل امتدادا متطورا للعُدّة التقنيّة التي كانت تعتمد عليها البحوث الكميّة التقليديّة مثل الآلة الحاسبة [105]
للتطور التكنولوجي تداعيات اقتصاديّة وتنظيميّة على مستوى المؤسسات والعلاقات بين الأشخاص. والخوارزميات تعيد إنتاج هذه العلاقات والممارسات الإعلاميّة والثقافيّة وفق منطق السوق. إنها ” علب سوداء”، على حد تعبير الكثير من الباحثين، تمنح لمناهج البحث الحاسوبيّة ما تريد أن تعطيه وتخفي ما تريد أن تخفيه. والتسليم بما تقدمه كمادة خام دون قراءة وتأويل قد يضلل البحث العلمي، بل قد يوجّهه وفق منطق البراديغم “التقني-الاقتصادي” الذي يرفع من القيمة التبادليّة لعلاقة المؤسسة الإعلاميّة بجمهورها، وأبرز مثال على ذلك تقدمه خوارزميات موقع “نتفليكس” التي لا تكتفي بتلبية طلب على الأفلام والمسلسلات، بل تسعى إلى توجيه هذا الطلب وفق ترتيب مخصوص بناءً على شعبيتها.[106] وينتهي هذا التوجيه في أخر المطاف إلى صقل الذوق الفنيّ لمستخدمي هذا الموقع.
بصرف النظر عن قدرة الذكاء الاصطناعي الذي تعتمد عليه المناهج الحاسوبية في جمع البيانات وتحليلها ومنحها بعدا مرئيًّا عبر الخرائط والغرافيك، يمكن إدراجها في خانة الدّراسات الكميّة التي تقيس أولا، ثم ّتفكر فيما قاستها. وترى أنّ مواضيع البحث توجد جاهزة ولا تتطلب بناءها. وتجدر الإشارة إلى أن بناء موضوع البحث لا يطرح في الأدبيات العلمية من باب الاستعارة، بل يملك أبعادا إجرائية في البحث، منها الإحالة إلى التخصص المعرفي؛ أيّ إلى علوم الإعلام والاتصال. ألم يقال أنّ لكل تخصص علمي موضوعاته ولغته؟ والتشكيك في المظاهر التي يكتسيها موضوع البحث كما تبرزها الممارسات المؤسساتيّة والاجتماعيّة بصفة عامة. والإفصاح عن المقاربة المنهجيّة التي يتبناها الباحث في معالجة موضوعاته.[107] وبناء موضوع البحث يعني أيضا تسييقه على الصعيد التاريخي. لكن يلاحظ أن المنصات الرقميّة تكتفي، في الغالب، بتقديم البيانات الآنية أو المرتبطة بأحداث راهنة معينة، ولا تقدم تلك الموغلة في القدم- وبالتالي فإن المناهج الحاسوبية لا تزود البحث بالبيانات التي تسمح له بربط موضوعه بمسار تطور البيئة الاجتماعيّة والثقافية، أي بـ “التناص الاجتماعي”[108] وبالمكتسبات النّظريّة.
إذًا، إن كانت الرهانات الأخلاقيّة التي تطرحها المناهج الحاسوبيّة معلومة وشكلت موضع احتجاج وحتّى تنديد المنظمات الحقوقية لكونها تتمثل في استغلال الآثار الرقميّة لمستخدمي شبكة الانترنت التي تكشف عن خصوصيتهم دون موافقتهم، والأدهى من ذلك دون علمهم، فإن رهاناتها المعرفيّة لازالت في طي المسكوت عنه الذي يعمق أزمة بحوث الإعلام والاتصال والتي يقول عنها الباحث ألكس ميتشولي: ” تبدو وكأنها تسبح في فراغ ابستمولوجي ونظري” [109]
المناهج الافتراضيّة أو “الاثنوغرافية”: تجمع هذه التسمية طائفة من الممارسات البحثيّة المختلفة، نذكر منها : الاثنوغرافيا عبر الخط[110]، والإثنوغرافيا الرقميّة [111] والنتغرافيا [112] وإثنوغرافيا الشبكات التي تزاوج بين الاثنوغرافيا وتحليل الشبكات.[113] والقاسم المشترك لكل هذه المسميات هو الاثنوغرافيا التي تعدّدت تعاريفها. لكنّنا نقتصر على التعريف المرجعي الذي يرى بأنها) بحث – ترابطي استقرائي – يتطور تصوره من خلال الدّراسة – بالاستناد إلى عائلة من الطرائق التي تستلزم لقاءً مباشرًا مع الأشخاص في سياقهم وفي حياتهم اليوميّة و(في ثقافتهم) ( …) تقرّ بدور النّظريّة والباحث في عملية البحث وتعتبر البشر كموضوع البحث وكطرف فيه.) [114]
من الصعب تقديم لوحة متكاملة للبحوث الاثنوغرافية الافتراضية، وإن كان البعض[115] لخصها وفق غايات البحث فيما يلي: اثنوغرافيا الجماعات عبر الخط والعوالم الافتراضية ومواقع الميديا الاجتماعي، واثنوغرافيا عبر الخط وخارج شبكة الانترنت، واثنوغرافيا الممارسات الابداعية في الميديا الرقمية التي حاولت استجلاء بعض الجوانب في ممارسة العمل الصحفي وتطوره، إذ ركزت على روتين قاعة التحرير ودوره في ترسيخ معيارية المهنة، وأشكال تقبل المبتكرات التكنولوجية أو مقاومتها في قاعات التحرير، وأشكال استنباط الصحافيين للسياسات التحريريّة، وما هو تصور الصحافيين لنتائج الوساطة الإعلاميّة Infomediary التي ذكرناها أعلاه على أدائهم، استخدام الجمهور للميديا الاجتماعيّة وتأويلهم لهذا الاستخدام، إلخ.
استحوذت المناهج الافتراضية على القسط الأكبر من النقاش والجدل حول مناهج البحث في السياق الرقميّ. ففي هذا الإطار تنفي الباحثة “مادلين بستليني” ضرورة استحداث مناهج اثنوغرافية جديدة ملائمة للسياق الرقميّ. وترى أن مشكل هذه المناهج لا علاقة له بميدان البحث بل يكمن في النظرة إلى الفضاء السيبري واعتباره موازيًّا ” للفضاء الواقعي والفعلي”، والتي تطالب بالتعامل معه كميدان مختلف جذريّا. وهذا ما حثّ الكثير من الباحثين على الدعوة إلى التجديد المنهجيّ لدراسته.[116]
إن كانت الاثنوغرافيا التقليديّة تستمد وجودها من اللقاء المباشر مع المبحوثين ومعايشتهم خلال مدة قد تطول أو تقصر حسب طبيعة موضوع البحث وظروف إنجازه. فاللقاء في الفضاء الافتراضي يتم عبر وسيط تقني، وملاحظة المبحوثين تتم أيضا عبر عُدّة تقنيّة، ممّا يطرح السؤال عن قدرتها على نقل كل ما يجري، والسياق الذي يجري فيه، خاصة عندما يحل الاستماع محل القراءة، ويتراجع الكلام لصالح الصورة، والفيدوهات، أو المدونات والأيقونات، أيّ أشكال التواصل التي تجري بطرق غير لفظيّة.[117] لذا تعد الاثنوغرافيا الافتراضيّة امتدادا لتلك التقليديّة المحتفظة بطبيعتها الكيفيّة لكنها تتسم، في الوقت ذاته، بتعدّديتها وقابليتها للتكيّف. [118]
إننا ندرك بأن للسوق دور في دفع البحث الاثنوغرافي في البيئة الإعلاميّة الرقميّة إلى مزيد من التفرع أو التخصص حسب الموضوع أو المنصات الرقميّة التي يجري فيها، [119]ممّا يدفع إلى التساؤل عن علاقتها بالنموذج الإثنوغرافي الأصلي.
بصرف النظر عن التداعيات الأخلاقيّة التي تطرحها ممارسة الاثنوغرافيا في السياق الرقمي، مثل احتمال التعامل مع مستخدمي شبكة الانترنت أو المنصات الرقميّة مجهولي الهوية ومنتحلي المكانة الاجتماعية والمهنية، تعرضت الاثنوغرافيا الافتراضية إلى الكثير من الانتقادات، منها الفصل بين الممارسة الإعلاميّة والثقافيّة والاجتماعيّة في الواقع اليومي الفعلي، وتلك التي تجري في الفضاء الافتراضي؛ وتهميش مكانة العُدة الرقميّة في الدّراسة. وعلى الرغم من ذلك نعتقد أن الاثنوغرافيا الافتراضيّة تجسد ما وصفه عالم الاجتماع “أنطوني غدنز” [120]بالتأويل المزدوج” للواقع. فالناس يتلقون العالم ما قبل التأويل، فيقومون بتأويله في حياتهم اليومية وفي الفضاء الافتراضي. ثم يقوم الباحث بتأويله معهم مرة ثانية، ويعرضهم عليهم وعلى المهتمين. ولعل ازدواجية التأويل هذه تحدّ مما أسماه بيار بورديو[121] بــــ ” الاثنو مركزية” الطبقية، والتي يعتبرها مرضا يصيب المثقفين ويدفعهم إلى تعميم رؤيتهم الخاصة للعالم على الآخرين، ويعمق الهوة بين مجتمع العلم وعامة الناس.
لقد عبرت الباحثة “كريستين هين” عن القلق الذي يسود ممارسة البحث الاثنوغرافي الافتراضي بالقول: إن البحث في هذا المجال لازال يحذوه الأمل في أن تقوم الميديا الجديدة بتمكين البحث من الوصول إلى مختلف المبحوثين بطرق جديدة. الأمل الذي لا يخلو من التلهّف لأنه لم يتضح لحد الآن كيف يمكن استثمار المناهج التقليدية في دراسة الميديا الجديدة، وما هي نقائص فهمنا للميديا التي يمكن أن نسلط عليها الضوء.[122]
المناهج الرقميّة Digital Methods: تعاني هذه المناهج من بعض اللُبس، إذ يعتقد بعض الباحثين، مثل “أناه نغوك هونغ “، و “كلير ماهيو”، و”ساندرا ملو،” أنّها تشمل المناهج التقليديّة التي تكيّفت مع الخصائص الجديدة للحوامل الرقميّة، والمناهج الجديدة التي أنشئت خصيصا لتحليل الموضوعات ذات المنشأ الرقمي.[123] بمعنى آخر، أنها مسمى ينطبق على كل مناهج البحث المستعملة في البيئة الرقميّة! بينما يرى الباحث الهولندي “روجرز ريشارد” الذي تنسب إليه هذه المناهج، ” بأنّها ممارسة بحثيّة، تندرج في إطار المنعطف الرقميّ الذي تعيشه العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، وتختلف عن المناهج المذكورة انطلاقا من نوعيّة البيانات التي تستخدمها) رقميّة المنشأ أو تمت رقمنتها( ، ومن كتابتها) هل كتبت خصيصا من أجل الحامل الرقمي أو رُحلت إلى الفضاء الرقمي(.[124]
إن المناهج الرقميّة لا تعني رقمنة مناهج البحث التقليديّة. بل إنها تصور قبل أن تكون تقنيّة يجسده شعار:” اتبع الوسيط ” follow the medium » ويشرحه ” روجرز ريشارد” بالقول إنّ المواضيع التي يدرسها في شبكة الانترنت تتسم بعدم الثبات، ويواجه الباحث في الغالب سرعة زوالها. لذا يجب استعمال الوسيط ” لتثبيتها” أو ” تجميدها” والحفاظ على ” حيويتها” في آن واحد قصد دراستها بعناية.[125] والبحث عن قدارة هذا الوسيط ) العلبة السوداء( وما يقدمه من توصيات وتعليمات للمستخدمين ومدى تطبيقهم لها. لذا، لا وجود للمناهج الرقميّة بدون العدّة الرقميّة شأنها في ذلك شأن المناهج الحاسوبية، لكن خلافا لهذه الأخيرة لا تكتفي المناهج الرقميّة بها. ولا تستغل البيانات ذات المنشأ الرقمي التي تستقيها من أجل وصف استخدامات الميديا الاجتماعيّة فحسب، بل تسعى أيضا إلى تمكّين العلوم الاجتماعيّة من رؤية الظواهر المدروسة بطريقة جديدة ،[126] لذا فإنها تُكمل غيرها من المناهج التي ذكرناها آنفا؛ [127] أيّ أنها تسد نقائص المناهج الحاسوبيّة من خلال الأخذ بعين الاعتبار سياق الممارسة الإعلاميّة، وتكمل المناهج الافتراضيّة ليس من خلال إعادة الاعتبار للعُدّة التقنيّة فقط، بل بالتعامل معها كأداة وموضوع بحث في آن واحد.
ويمكن تلخيص خصائص هذه المناهج فيما يلي:
- خلافا للمناهج الحاسوبية التي تطبق في مختلف التخصصات العلمية، يقتصر تطبيق المناهج الرقمية – إضافة إلى الافتراضية- على العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة. وقد استفاد منها الباحثون في فهم موضوعات الإعلام والاتصال المعقّدة في البيئة الرقميّة، ولا يلجؤون في الغالب إلى اختراع أدوات رقميّة مخصوصة لكل موضوع بحث وأهدافه، بل يسخرون ما هو متوفر منها في شبكة الانترنت وفي العالم الرقميّ، لاستقاء البيانات والميتا بيانات وتحليلها وتصنيفها، والكشف عن ترابطاتها.[128]
- تدرس هذه المناهج الخوارزميات والطرائق التي توفرها المنصات الرقميّة لجمع البيانات والإجراءات التي تتيح للأدوات التقنية إنتاج آثار المستخدمين عبر الخط ونوعيتها، مثل الكشف عن الميتا بيانات Meta Data التي لا تظهر في الشاشة ولا تفصح عن ذاتها للمستخدمين العاديين لكونها ” مدفونة” في الصور الرقميّة وشرائط الفيديو. وتتضمن معلومات عن تاريخ ووقت أخذ الصور أو شريط الفيديو، ومكان التقاطها؟ وبأي آلة تصوير أو تسجيل؟ ومن أرسلها؟ ومن قام بتعديلها؟ وأين نُشرت أو بُثّت ؟ لذا يمكن أن نعتبر هذه المناهج تطبيقا لنظريّة الوسيط Medium Theory لصاحبها “جوشوا ميروفتز” المستلهمة من مقولة ماكلوهان ” الوسيلة هي الرسالة”، وتجسد أيضا المنظومة Device التي استخدمها ميشال فوكو من أجل إعطاء بعد اجتماعي للعتاد التقنيّ، إذ رآها كأداة للرقابة الاجتماعيّة والاغتراب.[129]وإن كان المعنى المعاصر لمفهوم المنظومة التقنيّة لا يخفي ما رآه فوكو، فإنه يكشف عن أبعاد أخرى اتصاليّة وإعلاميّة واجتماعيّة يمكن للمناهج الرقميّة أن تكشفها، وتخفيها أيضا، وذلك لأنها تعتمد على الجزء المتاح فقط من الآثار والبيانات المستقاة التي تضعها برامج وتطبيقات وخوارزميات شركات المعلوماتية الكبرى ومالكو المنصات، والذي تضعه في متناول الغير بما فيهم الباحثين[130]. فالكثير من البيانات الرقميّة لا تنتج من أجل البحث العلمي، بل تُبنى لأغراض تسويقية، ممّا يدعو إلى التساؤل عن ظروف إنتاجها مثلما يوصي بذلك الباحثان ” “جون فيليب كونتت”، و”تومسو فنتريني”.[131] وما يثبت هذه الأغراض أن المنصات الرقميّة تعمل على تجديد خوارزمياتها باستمرار لعدة أسباب منها التجاريّة فصاحب شركة الفيسبوك، على سبيل المثال، أجرى تحديثا على خوارزميات موقعه في 2018 من أجل منح الأولية للبيانات في للمبادلات الشخصيّة في شريطه الإخباري على حساب نشر وإعادة نشر محتويات وسائل الإعلام.
الجدول رقم 2: خريطة مناهج البحث في السياق الرقميّ
الهدف | أدوات جمع البيانات | موقع موضوع
البحث |
تموقع الباحث | المرتكزات البحثيّة | البراديغم | المقاربات |
الوصف من خلال القياس الكمّيّ
التعمّيم/ التنبؤ |
صحيفة الاستبيان، تحليل المضمون | خاضع للبحث | مستقل عن موضوع البحث | ربط التمثيل بالكمّ | وضعي | التقليديّة الكميّة |
الفهم + التأويل
استجلاء المعنى |
الملاحظة بالمشاركة
المقابلة المجموعة البؤرية السيرة الذّاتيّة |
المبحوثون
شركاء في البحث |
الباحث جزء عُدّة البحث | فهم الظواهر الإعلاميّة بدراسة كيف تنتج عن دوافع وتصرفات فرديّة | بنائي- تفهمي | التقليديّة الكيفيّة |
الكشف عن البعد الأيديولوجي في الخطاب
الكشف عن العقل المدياتيكي الأداتي |
الملاحظة
المواد الوثائقية |
مجتمع البحث كلي مستقل عن الباحث | الباحث مستقل عن موضوع البحث | عدم الفصل الميديا عن البناء الاقتصادي والاجتماعي
التّحليل الكلياني Holism |
نقدي | |
الوصف من خلال القياس | الجمع الألى للبيانات
بأدوات تنشئها في الغالب[132] |
مستقل عن موضوع البحث | الباحث مستقل عن موضوع البحث | ربط التمثيل بالكم ّ
أتمتة البيانات كقرينة عن الموضوعية وتشخيصها مرئيا لاختزالها وتبسيطها إلغاء السياق في التّحليل |
وضعيّ
تقنو- اقتصاديّ |
الحاسوبيّة |
الفهم- التأويل
من خلال التوصيف المكثف والتفصيلي استجلاء المعنى |
الملاحظة بالمشاركة المقابلة عبر الخط، التعليق على زيارة المواقع الرقمية. المجموعة البؤرية، تحليل الخطاب: تحليل المحادثات
التفكير الانعكاسي |
المبحوثون شركاء في البحث | الباحث جزء من عُدّة البحث | فهم الظواهر الإعلامية من خلال دراسة كيف تنتج عن دوافع وتصرفات فردية
التثليث مسار للتأكد من مصداقية وصحة نتائج البحث |
بنائي – تفهمي | الافتراضيّة |
الوصف من خلال القياس التأويل+الفهم | الجمع الآلي للبيانات، تتملك في الغالب البرمجيات الموجودة
الملاحظة المقابلات عبر الخط وفي الواقع العملي |
موضوع الباحث خاضع والمبحوثون شركاء في البحث | الباحث مستقل عن موضوع البحث | المزج بين الكمّ والكيّف
عدم فصل السياق في التّحليل التثليث مسار للتأكد من مصداقية وصحة نتائج البحث |
وضعي- تفهمي- بنائي | الرقميّة |
بيّنت عيّنة البحوث التي درسناها أنّ الحدود الفاصلة بين مناهج البحث المدرجة في هذه الخريطة مفتوحة، ممّا يسمح بإعادة النظر فيها في المستقبل، خاصة بعد بروز ممارسات بحثية تستند إلى تعدّدية البراديغمات والمنهجيات والنظريات، مثلما أسلفنا الذكر، وبحوث تحاول الجمع بين المناهج التقليدية، والافتراضيّة والرقميّة.[133]ناهيك عن اشادة الباحثين بأهمية توظيف البحوث الحاسوبيّة مقرونة بالبحوث الكيفيّة لدراسة سبل الحصول على الأخبار أو الاستعلام عبر الخط من خلال المنصات الرقميّة، وذلك لأن ارتباطهما يتيح وصف هذه السبل وقياسها في الوقت ذاته.[134]
الجدول رقم 3: نماذج من البحوث المنجزة وفق المقاربات الكبرى لمناهج البحث في السياق الرقمي.
النموذج | سؤال البحث | عينة البحث | أدوات جمع البيانات |
المناهج التقليديّة [135] | ما هي استخدامات الأطفال لشبكة الانترنت والهاتف المتحرك؟
ما هو سلوك الأطفال عبر الخط؟ ما هو تصورهم للمخاطر التي تشكلها الانترنت عليهم؟ وكيف تصرفوا إزاء المخاطر الحقيقية التي واجهتهم؟ |
البحث شمل 29 بلدا من بلدان الاتحاد الأوروبي
وضمّ ما بين 26 إلى36 طفلا من كل بلد يستخدم الانترنت –استعمال الكمبيوتر أو الهاتف المتحرك أو الاثنين معا. أطفال منحدرون من أسر مختلفة تمثل: مالكي مصانع، وأصحاب مهن حرة، وكوادر سامية كوادر متوسطة موظفين عمال يدويين |
مراجعة الأدبيات عن الانترنت والأطفال
– استخدام 4 مجموعات بؤرية من كل بلد. يتراوح عدد كل مجموعة ما بين 6 و10، وزعت كالتالي: مجموعتان من الدين يتراوح سنهم ما بين 9 إلى 10 سنوات) الأولى خاصة بالذكور والثانية بالإناث( – ومجموعتان ممن يتراوح سنهم ما بين 11 و14 سنة ) الأولى خاصة بالذكور والثانية بالإناث( دليل النقاش: شمل 5 محاور وهي: § كيفية تعلم استخدام الانترنت وطرق استخدامها § الهاتف المحمول واستخداماته § ما هو تصور الأطفال لمشاكل ومخاطر استخدام الانترنت § ردود الفعل في حالة التعرض إلى هذه المخاطر § معلومات عن نوع المخاطر التي تعرض لها الطفل وكيفية إشعار الغير بها. |
المناهج الحاسوبية [136] | يتناول البحث استخدام موقع تويتر في سياق برنامج ” الحديث الاستعراضي Talkshow من خلال السؤال عن نوع العلاقات التي تقام بين الصحافيين والجمهور في هذا البرنامج عبر الموقع المذكور ؟ | جمع 2314 رسالة – تغريدة وإعادة التغريدة- التي تم تبادلها مع صحافيي برنامج Talk Show ” الحديث الاستعراضي ” الذي يبثه التلفزيون السويدي : Hübinette
من خلال “هاشتاع” البرنامج، وهاشتاغ مذيعة البرنامج خلال الفترة الممتدة من 29 أغسطس إلى 26 تشرين الأول 2011 |
جمع الرسائل وأخذ لقطات مصورة عنها وأرشفتها بواسطة أداة YourTwapperKeeper
التي تستقى الهاشتاغات و التغيردات بواسطة الكلمات المفتاحية، وتقدم ميتا بيانات عما جمعته. استخدام برمجية Gephi التي تسمج بالاستعراض المرئي الغرافي لرسم شبكة المغردين وتعيين المغردين الأساسيين، وزيارة صفحتهم استخدام برنامج SPSS لإحصاء التفاعل عبر التغريدات استخدام الختم الزمني timestamping لكل تغريدة، أيّ الربط بين تاريخ ووقت إرسال التغريدة وعلاقتها بحدث أو موضوع أو معلومة. |
مناهج الاثنوغرافيا الافتراضيّة[137] | اهتم البحث بظاهرة التراجع عن المواءمة التقنية والإعلاميّة De-converging في قاعات تحرير الصحف من خلال السؤال التالي: كيف استبقت الصحف عملية الرقمنة؟ وكيف أثرت هذه الأخيرة على إنتاج الأخبار؟ وكيف أدرك الصحافيون التغيرات التي أحدثتها؟ | الملاحظة في قاعتي تحرير الصحيفة الهولندية Volkskrant في أمستردام ولاهاي لمدة ثلاثة أشهر؛ أيّ ما يعادل 400 ساعة.
مقابلة معمّقة – نصف موجّهة- مع 37 صحافي على مختلف مسؤوليات التحرير والإدارة. |
معايشة قاعة التحرير: حضور اجتماعات التحرير
الملاحظة المقابلة الحرة مع الصحافيين المقابلة نصف المقننة مراجعة المراسلات الإدارية ومختلف الوثائق المتعلّقة باستراتيجية الصحيفة مراجعة المناشير والتعميمات الإدارية |
المناهج الرقميّة[138] | اهتم البحث بمسألة التشارك في الأخبار، كشكل من أشكال التفاعل التي تثيرها الأخبار. وتساءلت: لماذا ننشر مادة صحفية على جدار الفيسبوك؟ وماذا يعني هذا التصرف مقارنة بأشكال أخرى من التفاعل؟ | تحليل التعليقات المنشورة في موقعي، Rue89 ، وlemonde.fr عن أحداث الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 2012
و18 ألف مادة صحفية سجلها موقع الفيسبوك عن هذه الانتخابات إجراء مقابلات مع 240 شاب تتراوح أعمارهم ما بين 30-35 سنة من مختلف الأوساط الاجتماعيّة ومن مختلف المناطق السكنية من أجل استطلاع رأيهم |
ملاحظة منظومات اقتسام الأخبار عبر الخط وتطورها التقنيّ من خلال مراجعة الأدبيات
إجراء مقابلات معمقة تشكيل مجموعات بؤرية استبيان للاستطلاع الرأي استخدام برمجية ALGOFAL لجمع أكبر عدد من البيانات عن نشاطات الشباب في شبكة الانترنت: المدونات الإلكترونيّة، موقع الفيسبوك، وموقع تويتر من عناوين حسابتهم وحسابات أصدقائهم. وتقديمها في شكل مرئي عبر خرائط تفاعلية. |
الخلاصة:
على الرغم من الإرجاء يمكن أن نستخلص مما سبق بعض الدروس الأولية، سنقتصر على أبرزها، وهي كالتالي:
- لقد وضعت البحوث الإعلاميّة في السياق الرقمي حدًا للجدل العقيم والمتمثل في أيهما أفضل الدّراسات الكميّة أم الكيفيّة؟ لقد تكاملا فعلا في الميدان، بدليل أن المناهج الرقميّة أصبحت تسمى المناهج الكيفو-كميّة quali-quantitative. فمحاولة تبسيط الممارسات الإعلاميّة المعقدة وغير المستقرة في البيئة الرقميّة عبر الأرقام والنسب والرسوم البيانية تخل بالمعنى ما لم تستكمل بالسؤال عن الأطراف الفاعلة في هذه الممارسات واستجلاء دلالة ما يقومون به من خلال المقابلات المعمقة، ومقابلات المواجهة، وزيارة المواقع الرقميّة المعلق عليها، والتوصيف المكثف، والسير ذاتية، وغيرها، وبهذا قلصت الفجوة التي كانت قائمة في بحوث الميديا بين القياس والفهم. وينتظر أن تقوم البحوث المعاصرة بالقضاء عليها.
- يبيّن تحليل العيّنة أن البحث في السياق الرقمي وظف المفاهيم والأدوات البحثية القائمة لدراسة الظواهر الإعلاميّة والاتصاليّة الجديدة من جهة، واستغل الظواهر والاتصاليّة المعقدة لاقتراح مفاهيم وأدوات جديدة لدراستها مثل: المواجهة الذاتية self-confrontation، والزيارة المعلق عليها commented visit، والاستسقاط Apophenia، [139]والسرنديبية [140]Serendipity ، والقدارة Affordance، والقدرة على الفعل والتأثير Agency، والمواءمة Convergence ، وغيرها من المفاهيم التي فتحت مسالك جديدة لفهم الميديا الاجتماعيّة.
- كانت البحوث العلميّة في بداية ظهور شبكة الانترنت تفصل العالم الافتراضي عن العالم الواقعي الفعلي، أيّ تفصل بين الممارسات في شبكة الانترنت وعبرها وتلك التي تجري خارجها. لكن هذا الفصل أصبح اليوم غير منتج على الصعيد المنهجي.[141] وأضحى مضرًّا على الصعيد المعرفي، خاصة بعد أن تغلغلت الميديا الرقميّة في حياتنا اليوميّة وفي مختلف قطاعات النشاط الاقتصاديّ والسياسيّ والاجتماعيّ والثقافيّ، وأصبحت تشكل جزءًا أساسيًّا منها. ومن أضراره يكمن أن نشير إلى انصراف بعض البحوث على سبيل المثال إلى التبرير الضمنيّ لممارسات الأشخاص في الميديا الاجتماعيّة وتحمّيل العُدّة التقنيّة وحدها المسؤولية على كل الانحرافات التي تلاحظ في البيئة الافتراضيّة. هذا دون أن تتكبد مشقة البحث عن قَدّارة The Affordanceالميديا الاجتماعيّة ؛ أيّ ما تتيحه من إمكانات وفرص الاستخدام وما تفرض من إكراهات، مثلما تقتضي ذلك المناهج الرقميّة.
وكشفت البيانات الضخمة درجة تعقد الظواهر الإعلاميّة والاتصاليّة في البيئة الرقميّة، مما يتطلب تعدّد النظريّات لشرحها وتأويلها وفهمها وهذا عملا بمقولة: البيانات الضخمة Big Data تقابلها النّظريّة الضخمةBig Theory [142]ويتطلب هذا التقابل تعدّدية منهجيّة، لأنه في ظل التحولات التي تعيشها الميديا والصناعات الإعلاميّة التي ذكرناها آنفا أصبح الاعتماد على أحادية المنهج لدراستها دلالة على الانغلاق الذهني والدوغمائيّة. فمن أجل دراسة مشاهدة الشباب للمواد السمعية- البصريّة عبر الخط Online، على سبيل المثال، تم توليف مجموعة من المناهج التقليديّة والرقميّة من أجل الالمام بهذه المشاهدة والتطرق لمختلف جوانبها والتغلب على حدود كل منهج على حدّة.[143]
- تملك الكثير من المناهج المذكورة أعلاه قدرا كبيرا من المرونة والقدرة على التكيّف مع سياقات البحث مما يسمح لها بالكشف عن خصوصيّة موضوعاته، ويدفعها إلى تطليق طموح أصحاب الدّراسات الكميّة في علوم الإعلام والاتصال والذين كانوا يسعون إلى تعميم نتائج بحوثهم من أجل صياغة قاعدة أو قانون يسمح بالتنبؤ بمستقبل الظاهرة الإعلاميّة أو الصحفيّة المدروسة.
إننا نزعم بأن كل بحث من البحوث التي شملتها عيّنة دراستنا يعالج حالة خاصة. فعلى الرغم من النقائص التي قد تشوب الترسانة المنهجية التي استخدمتها إلا أنها تكشف، بهذا القدر أو ذاك، عن خصوصية هذه الحالة. فلا يمكن على سبيل المثال اقتراح وصفة جاهزة لحل أزمة انتقال الصحافة الورقية إلى بيئة الواب بناءً على نتائج البحث الذي يستخدم المناهج التقليديّة أو المناهج الحاسوبيّة وتعمّيمه على كل الصحف. فتجربة صحيفة “نيويورك تايمز، على سبيل المثال، للخروج من الأزمة تختلف عن تجربة صحيفة ” لوموند” الفرنسية، وتختلف أيضا عن تجربة صحيفة الغارديان البريطانية.[144]
- بعد أن ألغت الفصل بين العالمين: الافتراضي، والواقعي الفعلي الملموس أدرجت مناهج البحث المعاصرة الممارسات الإعلاميّة في بيئة أوسع، ووضعتها في قلب الحياة الاجتماعيّة والاقتصادية والسياسية والثقافية. وبهذا ستساهم بفاعلية في تطوير ابستمولوجيا علوم الإعلام والاتصال، بعد أن زودتها بأنظمة معرفيّة ومفاهيم مستحدثة.[145] فالاثنوغرافيا الرقميّة أثرتها بآليات استبصار أنماط التلقي في متخيل المستخدمين والكشف عن أبعاده السيمائية، وزودتها المناهج الحاسوبيّة بأدوات تحليل مسار تشكل النص الصحفي وتطوره. ولعلها تساعدها كذلك على الخروج من الامتثال الذي أسقطتها فيه المدرسة الوضعية.
أخيرا، إن مناهج البحث في السياق الرقمي أثرت على ممارسة البحث العلمي الإعلامي، إذ أضحى من الصعوبة بمكان القيام ببحث عن مستخدمي الميديا الاجتماعيّة وانتشارهم الجغرافي، وأشكال استخداماتهم، على سبيل المثال، أو تفاعلاتهم مع مواقع التواصل الاجتماعي، وعلاقة الصحافي بمستخدمي صفحاته في موقع التواصل الاجتماعي، وأشكال التواصل السياسي عبر الميديا الاجتماعيّة، ومصادر المعلومات، والتعددية الإعلاميّة في شبكة الانترنت وتطور المعجم اللغوي في النص الصحفي المعاصر، وغيرها من الموضوعات، دون الاستعانة بخدمات المختصين في المعلوماتية. فجلّ البحوث التي درسناها في عينتنا تستهل أو تُذيّل بتوجيه الشكر إلى الفني أو المهندس في المعلوماتية الذي ساعد الباحثين على جمع البيانات الرقميّة وجسد خاصية مرؤئيتها عبر الرسوم البيانيّة والخرائط السحابيّة للكلمات، والأسماء، والمصادر، والصحافيين، إلخ.
لعل ما سبق ذكره يحفز مراكز البحث في البلدان العربيّة على استدراك التأخر الملحوظ في تطبيق المناهج ” الحديثة” في دراسة الميديا. فباستثناء بعض الدراسات التعريفية بها[146]، والمحاولات القليلة للاستعانة بها لفهم ممارسات الاتصال في البيئة الافتراضية[147]، لم ينفتح البحث الإعلامي في هذه البلدان على المناهج الحاسوبيّة والرقميّة[148]. وبصرف النظر عن كل الانتقادات التي وُجهت إلى هذه المناهج مثل، تعزيز ظاهرة ” فقاعة التصفية” Filter Bubble ، و” غرفة الصدى ” Echo Chamber” إلا أنه يمكن لها أن تقدم ، على الأقل، بعض المؤشرات عن آراء مستخدمي الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية في هذه القضية أو تلك المسألة انطلاقا من آثارهم الرقميّة في شبكة الانترنت، بعيدا عن مراكز استطلاعات الرأي المطعون في استقلاليتها، وتعري حدود التعددية الإعلامية، وتكشف عن “أوهام” الحديث عن التفاعلية في الصحافة العربيّة في شبكة الانترنت. وتنقذ البحوث الجمهور ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية من سطحيتها الامتثالية[149].
المراجع والإحالات:
[1] – Hélène Bourdeloie: Ce que le numérique fait aux sciences humaines et sociales. Épistémologie, méthodes et outils en question, Revue tic& société, Vol. 7, N° 2, 2ème semestre 2013 pp 7-38
[2] – Boudon, R., Les mathématiques en sociologie, Paris, PUF, 1971, p7
[3] – Ramón Salaverría. Digital journalism: 25 years of research. Review article, “accessed october 20, 2021”.https://doi.org/10.3145/epi.2019.ene.01
[4] – يمكن أن نذكر على سبيل المثال طريقة Alceste التي ظهرت في 1979 على يد ماكس رينيت Max Reinert واستعملت في العلوم السياسية وعلوم الاتصال والإعلام والتسويق وإدارة الأعمال واللسانيات. وتتمثل هذه الطريقة في التّحليل المفصل لمعجم عيّنة من النصوص المختارة، ومنه يتم تشكيل قاموس الكلمات وجذورها اللغوية، ثم يتم تقطيع النص إلى مقاطع منسجمة تحتوي على عددا كافيا من الكلمات، وتصنف هذه المقاطع بتعيين تعارضها القوي. وتسمح هذه الطريقة باستخراج طبقات المعنى التي تشكلها الكلمات والجمل الأكثر دلالة. وتمثل هذه الطبقات الأفكار والتيمات المسيطرة في عينة النصوص المدروسة التي تبرز في شكل رسوم بيانية وخطية. لأخذ فكرة أكثر تفصيلا على هذه الطريقة يرجى الاطلاع على:
MaryseMarpsat, « La méthode Alceste », Sociologie [En ligne], N°1, vol. 1, 2010. Accessed November, 12, 2021. http://journals.openedition.org/sociologie/312
ويمكن أيضا الاطلاع على كيفية استخدامها في البحث الإعلامي الذي استعمل برمجية Iramuteq:
Cécilia Comelli, Grégoire Le Campion et Marie Jauffret-Roustide, « Le traitement médiatique des drogues dans la presse quotidienne française (2013-2018) », Echo Géo, N0 57, 2021. Accessed November, 12, 2021. http://journals.openedition.org/echogeo/22277
[5] – DESSINGES Catherine, PERTICOZ Lucien : Les consommations de séries télévisées des publics étudiants face à Netflix : une autonomie en question, Revue Les Enjeux de l’information et de la communication, France, n°1, 2019, PP 5-20
[6] – Pastinelli, M : Pour en finir avec l’ethnographie du virtuel ! Des enjeux méthodologiques de l’enquête de terrain en ligne. Anthropologie et Sociétés, 35(1-2) 2011, 35–52. Accessed october 20, 2021. https://doi.org/10.7202/1006367ar
[7] – Christine Hine: Virtual Methods Issues in Social Research on the Internet , Berg, 2005, p200
[8] -. لم نعثر على عبارة في اللّغة العربيّة تتطابق مع ” DO-it- yourself ” الإنجليزية و Bricolage الفرنسية. لذا اضطرنا إلى استعمال كلمة “الترميق”، رغم قناعتنا بأنها لا تتطابق مع الكلمة الأجنبية. إذ يقال في اللّغة العربيّة رَمَّقَ العَمَلَ أَو رَمَّقَ فيهِ أي بالِغْ فيهِ وَلَمْ يُحْسِنْهُ. لقد فكرنا في استعمال مصطلح” الاستنهاج” كبديل لــ «الترميق المنهجي”، لكننا تراجعنا حين أدركنا أنه يعني أن ما قام به الباحث من “تدبير” منهجي تحوّل إلى منهج . وهذا الأمر لا يتطابق مع نحن بصدد شرحه لأن الترميق لم يبلغ درجة المنهج الذي يُعتد به ويرسخ في الممارسة. ويصبح ضمن المناهج التوافقية. وتجنبنا كلمة ” الترقيع” لعلمنا المسبق بالتضمين السلبي الذي التصق بها في اللغة العربية والثقافة الشعبيّة.
[9] – Louis-Claude Paquin : La question de la méthode de la méthodologie en recherche et en recherche-création, December 2007.Accessed October, 21,2021. https://bit.ly/3HJuuQM
[10] – أنظر على سبيل المثال إلى البحوث الأولى التي أنجزتها الباحثة مارغريت باستني على غرف الدردشة في شبكة الانترنت.
Pastinelli M. : « Ethnographie d’une délocalisation virtuelle : le rapport à l’espace des internautes dans les canaux de chat », Terminal. Technologies de l’information, culture et sociétés, 79, 1999.pp 41-60
[11] – لفهم الفرق بين المفهومين اللذين اعتمدنا عليهما في هذا البحث: الإرجاء والاختلاف في فلسفة جاك دريدا، يمكن العودة إلى:
Charles Ramond Le vocabulaire de Derrida- Ellipses Édition 2001, PP 25-28
[12] – Shanyang Zhao : “Metatheory, Metamethod, Meta-Data-Analysis: What, Why, and How?,” Sociological Perspectives 34(3), 1991. pp 377-390, accessed September 5,2021. DOI:10.2307/1389517
[13] – Fuhrman and Snizek نقلا عن: Shanyang Zhao، المصدر ذاته.
[14] – Klaus Bruhn Jensen: New Media, Old Methods – Internet Methodologies and the Online/Offline Divide in Mia Consalvo and Charles Ess : The Handbook of Internet Studies, 2011, Blackwell Publishing Ltd, P49
[15] -Noortje Marres : The redistribution of methods: on intervention in digital social research, broadly conceived The Sociological Review, 60:S1, 2012, pp. 139–165 accessed September 5, 2021. DOI: 10.1111/j.1467-954X.2012.02121.x
[16] – Serge Proulx, Julien Rueff Actualité des méthodes de recherche en sciences sociales sur les pratiques informationnelles, Centre des études sur les médias, Université Laval , Québec , Novembre 2018, p 132
[17] – ترجم البلاغيون Oxymoron – Oxymore بالعديد من المرادفات، منها: التضاد، الضديد، الضادة، والارداف الخلفي؛ أو التّناقض اللّفظيّ، والتناقض الظاهري، والاختلاف الامتناعي، وبضمّ عبارتين متناقضتين في الظاهر يتحدان ليشكلان معنى جديدا. وقد استعملناه في البحث للتأكيد على التفكير المعقد في العُدّة التّكنولوجيّة في الاتصال.
أنظر: معنى Oxymore في قاموس المعاني في الموقع: urlr.me/QV9PR
[18] – الفرفار العياشي المجتمع الافتراضي و التصور الدوركايمي : قراءة في طبيعة التحولات الاجتماعيّة ، تم الاطلاع عليها في 15 أكتوبر2021 من الموقع:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=640845&r=0
[19] – Anderson CW, Bell E and Shirky C : Post-Industrial Journalism: Adapting to the Present. New York: Tow Center for Digital Journalism, 2012 p76
[20] – Chadwick Andrew: The Hybrid Media System, Politics and Power, Oxford University Press, P23
[21] – Virginie Sonet : Enjeux méthodologiques de l’hybridation des pratiques : le cas de
L’audiovisuel sur smartphone. Revue, Les Enjeux de l’Information et de la Communication, n°17/3A, 2016, p.213 – 224. Accessed September 30,2021. urlr.me/dqxJG
[22]– van Dijck, J., & Poell, T.: Understanding Social Media Logic. Media and Communication, 2013 , Vol 1 , Issue 1 , PP 2–14 . Acceced November, 23.2021. DOI: 10.12924/mac2013.01010002.
[23] – Bateson, G.: Steps to an Ecology of Mind. London: Granada, 1972, P150
[24] – أنظر إلى ما قاله آرون بيلهوف، مسؤول القسم الرقمي في صحيفة الغارديان البريطانية،
Jérémie Mani : le journalisme doit être une conversation , Stratégie, 30-04-2015. Accessed November 2,2021. urlr.me/2bTSz
[25] – يمكن أن نذكر على سبيل المثال، وليس الحصر، منصة CoveritLive، التي ظهرت في 2007 انتشرت في قاعات تحرير الصحف الرقميّة في كندا، وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، والتي تسمح بإنشاء واجهة يشارك عبرها الجمهور/ المستخدمون في المادة الصحفية لإنتاج نص صحفي يتسم بالتفاعلية والآنية، لمزيد من التفاصيل أنظر:
Steen Steensen: Cozy Journalism, The rise of social cohesion as an ideal in online, participatory journalism, revue Journalism Practice, Vol. 5, No 6, 2011. PP 687-703.Accessed October 27,2021. http://dx.doi.org/10.1080/17512786.2011.604243
[26] – Javier Díaz Noce: Why to Study the Internet (and Online Journalism, In Ainara Larrondo Koldo Meso Anna Tous (Coords.) Shaping the news online comparative research on international quality media, Livros LabCom, 2014, pp20.Accessed November 2,2021. urlr.me/sn1D3
Werner J. Severin ,James W. Tankard, Jr : Communication Theories Origins, Methods and Uses in Mass Media -Fifth Edition – Pearson Education Limited 2014 , p 18
[28] – أنظر على سبيل المثال:
Deuze, Mark ‘‘Liquid Journalism’’, Political Communication Report 16 (1), 2016. Accessed November, 2021. https://www.researchgate.net/publication/37611763_Liquid_Journalism
Pavlik J (2001) Journalism and New Media. New York: Columbia University Press, P21
Tremayne M, Schmitz A and Calmon Alves R : From product to service: The diffusion of dynamic content in online newspapers. Journalism and Mass Communication Quarterly 84(4),2007. pp 825–839.Accessed November 3,2021. DOI:10.1177/107769900708400411
-[29] للاطلاع على النموذج الذي اعتمد عليه أندرياس فغليس لدراسة النشر العبر ميديا ، أنظر:
Andreas Veglis: Journalism and Cross-media Publishing: The Case of Greece, in in Eugenia Siapera , Andreas Veglis: Global Online Journalism, Wiley & Sons, Ltd., Publication, 2012.PP 209-230
[30] – يقصد بالزمنيّة الوقت الذي تظل فيه المادة الصحفية مرئية في موقع الصحيفة أو واجهته دون أن تتقادم وتفقد قيمتها الإعلاميّة الأنية وتختفي أو تؤرشف في الموقع. أنظر:
Javier Díaz Noci Why to Study the Internet (and Online Journalism) in Ainara Larrondo, Koldo Meso , Anna Tous, ( Coords ). A comparative research on international quality media, Livros LabCom 2014, p 40
[31] – من بين الاجتهادات نذكر على سبيل المثال التّحليل الذي قام به الباحث جيرمان لوركا عباد لأبرز 25 موقع إعلامي في البلدان التالية: فرنسا، بريطانيا، الأرجنتين، الولايات المتحدة الأمريكية، البرازيل. أنظر
Germán Llorca Abad : Quality News Websites: International Online Media Evaluation Quality News Websites: International Online Media Evaluation in Ainara Larrondo, Koldo Meso , Anna Tous, ( Coords), op, cit. PP 63-77
[32] – Maingueneau, D. (2013). Genres de discours et web : existe-t-il des genres web ? In C. Barats, Manuel d’analyse du Web en Sciences Humaines et Sociales.: Armnd Colin, p 84
[33] -أنظر على سبيل المثال إلى تحليل مضمون الأخبار السائلة في الصحف السويدية عبر الخط الذي قام به “ميكائيل كارلسون”.
Michael Karlsson :Charting the liquidity of online news: Moving towards a method for content : analysis of online news : the International Communication Gazette-74(4), 2012. PP 385–402 . Accessed October 27, 2021. DOI: 10.1177/1748048512439823
[34] – مفهوم نحته الكتاب: أكسل برنس من إدغام كلمتين: الإنتاج والاستخدام للدلالة على بروز ممارسة إعلامية يتبادل فيها المنتج والمستخدم الأدوار ويتناوبون عليها واتخذ منه عنوانا فرعيا لكتابه:
Axel Bruns : Blogs, Wikipedia, Second Life, and Beyond: From Production to Produsage, Peter Lang, 2008 , 418 pages
[35]– للاطلاع على النموذج المقترح لتحليل النص المتشعب الإخباري في شبكة الانترنت، أنظر:
Ainara Larrondo Ureta, Javier Díaz Noci : hypertextual Structure of online News: A Comparative Research on Quality Media in in Ainara Larrondo, Koldo Meso , Anna Tous, (Coords), op,cit p 249-299
[36] -أنظر على سبيل المثال:
Nguyen Trung Kienn : Contemporary social interaction: How communication technologies alter Goffman’s dramaturgical model? Ho Chi Minh City Open University Journal of Science No.5 (1) 2015. P 54-65.Accessed November 1,2021. https://journalofscience.ou.edu.vn/index.php/soci-en/article/view/326
[37] -Rejoice seleman: Theories of mass communication, accessed October 31,2021.
[38] – Klaus Bruhn Jensen: op, cit , p49
Joshua M. Scacco, Alexander L. Curry, and Natalie Jomini Stroud : Digital divisions: Organizational gatekeeping practices in the context of online news . International symposium on online Journalism, Vol 5 Number 1, spring 2015, PP 106- 123.Accessed October 30, 2021. https://digitalcommons.usf.edu/spe_facpub/932
-Frank Michael Russell : Journalists, gatekeeping, and social interaction on Twitter: Differences by beat and media type for newspaper and online news . International symposium on online Journalism , Vol 5 Number 1, spring 2015, PP 188- 207.Accessed October 30,2021. https://urlz.fr/gJoP
[40] – أنظر على سبيل المثال:
Danka Ninkovic-Slavnic: Agenda setting in the world of online news: New questions for new environment. CM Communication and Media 11(36) ,2016. Accessed , November 17, 2021. DOI:10.5937/comman11-12462
[41] – – أنظر على سبيل المثال: نصر الدين لعياضي: التفكير في عدة التفكير، مراجعة نقدية لنّظريّة الاستخدامات والإشباعات في بيئة الواب، مركز الجزيرة للدراسات، ديسمبر 2020. تم الاطلاع بتاريخ 25 أكتوبر 2021 في الموقع:
https://studies.aljazeera.net/sites/default/files/articles/documents/2020-12 لتفكير%20في%20عُدَّة%20التفكير_0.pdf/
[42] – أنظر على سبيل المثال، كمال حميدو: التواصل الاجتماعي والنشاط السياسي في الحراك الجزائري، من دوامة الصمت إلى دوامة التعبير، مجلة لباب ، مركز الجزيرة للدراسات، عدد 3- 2019 ص 49- 99 تم الإطلاع بتاريخ 25 أكتوبر2021. https://studies.aljazeera.net/ar/mediastudies/2019/10/191010090016033.html
[43] – أنظر على سبيل المثال
Boczkowski, P.J. : Understanding the development of online newspapers. New Media & Society. Vol 1, Issue 1, 1999 pp 101-126. Accessed October 30,2021. https://doi.org/10.1177/14614449922225500
[44] – نصر الدين لعياضي: ماذا بقي من نظرية التلقي لدراسة الميديا الرقميّة؟ تم الاطلاع عليه يوم 15 سبتمبر 2021 في الموقع: https://cutt.ly/lYPdQZF
[45] – أنظرعلى سبيل المثال :
– Eugenia Siapera , Lia-Paschalia Spyridou: The Field of Online Journalism: A Bourdieusian Analysis, in Eugenia Siapera , Andreas Veglis: The hand book of global Online Journalism John Wiley & Sons, 2012. PP 77-98
-Ida Willig, Karen Waltorp, and Jannie Møller Hartley Field theory approaches to new media practices: An introduction and some theoretical considerations, MedieKultur, N0 58-2015,.PP 1-12. Accessed November 1,2021. DOI:10.7146/mediekultur.v31i58.20671
[46] – أنظر على سبيل المثال:
Maria Francesca Murru: New media – new public spheres? An analysis of online shared spaces becoming public agoras In Nico Carpentier and al , Communicative approaches to politics . The Intellectual work of 2009 ECREA European Media and communication doctoral summer School, Tartu University Press, 2009, PP 141-156
[47] – Nick Couldry Mediatization: What Is It? In Nico Carpentier, Andreas Hepp, Ilija Tomanić Trivundža and all Media Practice and Everyday Agency in Europe, édition lumière 2014; p35
[48] – لأخذ فكرة عن تشغيل الوساطة الميدياتيكية في بحوث الإعلام في البيئة الرقميّة، يرجى الاطلاع على :
Eliane Fernandes Azzari Endangered languages, social subjects and mediatization: the case of Wikitongue. International Journal of Innovation Education and Research, Vol 7 No 8, 2019. Accessed November 18,2021. DOI: https://doi.org/10.31686/ijier.vol7.iss8.1671
[49] – Ramón Salaverría : Op, cit
[50] – Gabriel Barbulet : Social Media- A pragmatic Approach: Contexts & Implicatures,
2nd World Conference on Educational Technology Researches , 2nd world Conference on Educational Technology Researchers, Procedia, Social and Behavioral Sciences, N°83, July 2013, PP 422-426 DOI:10.1016/j.sbspro.2013.06.083
[51] – – أنظر على سبيل المثال:
Michael Karlsson : op, cit
[52] – Ramón Salaverría : op, cit
[53] – أنظر على سبيل المثال:
-Plesner, Ursula: An actor-network perspective on changing work practices: Communication technologies as actants in newswork. Journalism 10 (5),009, PP 604-626.Accessed October 5,2021. 10.1177/1464884909106535
[54] – Rodney Benson: From Heterogeneity to Differentiation: Searching for a Good Explanation in a New Descriptivist Era, 2007. Accessed November 2,2021. https://urlz.fr/gJoR
[55] -Werner J. Severin ,James W. Tankard, Jr : Op, Cit , P 38
[56] – Filder Roger : Media morphosis, understanding new media, Sage Publications, 1997, p29
[57] – لأخذ فكرة شاملة عن مختلف التوجهات النظرية في سوسيولوجيا الاستخدام للعدة السوسيو تقنية، يرجى الإطلاع على:
Alexandre Coutant Jean-Claude Domenget: Un cadre épistémologique pour enquêter sur les dispositifs sociotechniques d’information et de communication, in Hélène Bourdeloie, David Douyère. Méthodes de recherche sur l’information et la communication, France, éd Mare & Martin,2014, 270 pages. https://hal.archives-ouvertes.fr/hal-01352927
[58] – Strauss A L : quantitative analysis for social Scientifics ; New York ; Cambridge university press 1993, p12
[59] – Ramón Salaverría: Op, cit
[60] – – لدراسة هذا الموضوع استعانت الطالبة أنيجلا مين-شييا لي، بالنّظريّة المتجذرة في أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه.
Angela Min-Chia Lee : How Fast is Too Fast? Examining the Impact of Speed-Driven Journalism on News Production and Audience Reception, Ph.D. of Philosophy Faculty of the Graduate School , The University of Texas at Austin, 2014 , 119 pages
[61] – Hervé Dumez: Les trois risques épistémologiques de la recherche qualitative (Réponse à Marie-José Avenier et Catherine Thomas) – Le Libellio d’ AEGIS Vol. 8, n° 4 – Hiver 2012
- 29-33
[62] – Marie-Caroline Heïd Modèle qualitatif pour l’analyse de pratiques émergentes contemporaines : le cas du journalisme participatif , Revue Recherches qualitatives – Hors Série – numéro 15 – pp. 270-289.
[63] – أنظر:
Eric George : L’analyse des mutations médiatiques : Une ouverture nécessaire des perspectives de recherche ? XVIIe Congrès de la Société des Sciences de l’Information et de la Communication :≪ Au coeur et aux lisières des SIC ≫ Dijon, 23-25 juin 2010 –P48-53
[64] – Jeffrey C. Alexander Performance and power, Polity Press, UK, 2011, P32
[65] – أنظر: دافيد ميليز : الفوائد المتبادلة بين الإثنوغرافيا وتحليل الخطاب في السّياق الرقميّ ،في مؤلف: ميلاني ميلات و فلورنس ميليروند وأخرون ( إشراف) ، ترجمة نصر الدين لعياضي، قيد الطبع، ص 103-118
[66] – Dominique Bouillier sociologie du numérique, 2ém édition, Armand Collin, 2014, P229
[67] – فلورنس ميلراند، ديفيد مايلز ، سارج برولكس: إعادة توزيع المناهج في سياق رقمي : نقد خريطة المناهج، في مؤلف: ميلاني ميلات و فلورنس ميليروند ، مصدر سابق، ص 39
[68] – كلمة يابانية مركبة من كلمة E صورة moji والتي تعني رمزا أو حرفا، استخدمت في المراسلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي صفحات الواب للتعبير عن موقف أو حالة شعورية . وقد عم استخدامها في كل لغات العالم رغم الحمولات الثقافية التي تتضمنها الرسوم والصور والتي لا يتطابق بعضها مع بعض الثقافات واللغات.
[69] – أنظر:
Franck Rebillard L’étude des médias est-elle soluble dans l’informatique et la physique ? À propos du recours aux digital methods dans l’analyse de l’information en ligne, Revue Question de communication, N0 20, 2011, PP 353-376
[70] – Anderson C, « The End of Theory: The Data Deluge Makes the Scientific Method Obsolete », Wired, 16, 7, 2008: Accessed October 5 , 2021. Accessed November 2, 2021 https://www.wired.com/2008/06/pb-theory
[71] – Simon Lindgren , Hacking social science for the age of the datafication, Journal of Digital Social Research, Vol 1, N°1, 2019. PP 1–9 Accessed September 3, 2021. https://doi.org/10.33621/jdsr.v1i1.6
[72] – Danah Boyd , Kate Crawford : Six provocations à propos des big data, Traduction de Laurence Allard, Pierre Grosdemouge et Fred Pailler, Symposium, « Une décennie avec internet », Oxford Internet Institute, le 21 septembre 2011, InternetActu, 23 septembre 2011. Accessed November2,2021. https://urlz.fr/gJoS
[73] – Idem
[74] – نذكر منهم على وجه الخصوص تلك التي تحتكر أضخم قدرا من البيانات المختلفة و تشكل مصدر دخلها الأساسي، وهي: فيسبوك ومنصاته واتساب وانستغرام، وأمازون، وأيربناب، وعلي بابا غروب، وآبل، وبوكينغ. كوم، ليكندن، ميكروسوفت، وتويتر، وإيبر، وياهو…
[75] – لتوضيح هذا التأثير، يمكن الإشارة إلى أن مسؤولي التحرير في صحيفة Slate الإلكترونية التي تصدر في نيويورك يأخذ بعين الاعتبار نتائج القياس التي يكشف عنها محرك شارتبيت، إذ تدخل على سبيل المثال إلى توجيه الصفحات الثقافية إلى الكتابة عن المسلسلات التلفزيونية التي تحظى عدد أكبر من النقرات من المواد التي تنشر عن حفلات ” الأوبيرا”. بينما يوجه مسؤولو صحيفة Rue 89 التي تصدر في باريس نحو الكتابة عن متابعة الرئيس الفرنسي ” ساركوزي” من طرف العدالة وفضائح رجال السياسة الفرنسيين بناءً على نتائج قايس المتابعة التي يقدمها محرك غوغل أنالتكس. أنظر:
Gilles Bastin: Le public et ses algorithmes, Revue La vie des idées ; November22 , 2021, accessed November 25, 2021. Le public et ses algorithmes – La Vie des idées (laviedesidees.fr)
[76] – Boullier, D.. Les sciences sociales face aux traces du big data. Revue française de science politique, N0 5-6 ( Vol 65) , 2015, pp 805-828
[77] – Noortje Marres : op, cit
[78] – ميلاني ميلات و فلورنس ميليروند وأخرون ( إشراف) ، مرجع سابق، ص 26
[79] – المرجع ذاته، ص 33
[80] – Serge Proulx, Julien Rueff : op cit, p 7
[81] – محمد سبيلا، نوح الهرموزي: موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الانسانيّة والفلسفة المركز العلمي العربي للأبحاث والدّراسات الانسانيّة، المغرب، 2017 ، ص 528
[82] – نتجت هذه الخريطة عن إجراء مقابلات مع 24 باحثا ناطقا باللغة الفرنسية من علم الاجتماع والاتصال وعلم الادارة والذين مارسوا البحث في السياق الرقمي. فما أدلوا بها يمثل تجاربهم.
[83] – Noortje Marres : op. cit
[84] – أنظر على سبيل المثال، البحث التالي الذي اكتفي باستخدام صفحة الفيسبوك للوصول إلى مجتمع البحث، ثم إجرى مقابلات معهم عبر الميسنجر:
Nabila Bestandji : Analyse discursive des représentations de «l’Algérie», du «nous» de «l’autre» et de «l’ailleurs» dans les discours des haragas, Revue Aleh (langue, médias et société) N0 8-Mars 2021. Accessed November 13,2021. https://aleph-alger2.edinum.org/4835?lang=fr
[85] – أنظر على سبيل المثال :
- Lowrey , W., et al., Predictors of Convergence Curricula in Journalism and
Mass Communication Programs. Journalism and Mass Communication Educator v. 60 no. 1 (Spring 2005) pp. 32-46. Accessed November 2, 2021. DOI: 10.1177/107769580506000108.
- Singer, J. B. : Strange bedfellows? The diffusion of convergence in
four news organizations. In: Journalism Studies, vol. 5, n. 1,2004. pp. 3-18. Accessed November 2, 2021.https://doi.org/10.1080/1461670032000174701
[86] – للاطلاع على البحوث التي كيفت المناهج التقليدية في البيئة الرقميّة. أنظر:
Schneider Steve , Foot, Kristen . The Web as an Object of Study’New Media & Society, 6(1):114-122.
[87] – هان جياوي Jiawei Han وأخرون، نقلا عن : روب كيتشن : ثورة البيانات المفتوحة والبنى التحية للبيانات والنتائج المترتبة عنها، ترجمة محمد بن أحمد الغوري ، مركز البحوث والدراسات، معهد الإدارة العامة، المملكة السعودية، 2018، ص 183
[88] – من بين التطبيقات وبرامج المعلوماتية ومحركات البحث التي تعتمد عليها المناهج الحاسوبية نذكر على سبيل المثال والتوضيح فقط لأنه يتعذر حصرها كلها: بوابة ” ستاتيستا” Statista “، وخدمة غوغل أنالتيكس ” Google Analytics “ المختصة في تعقب حركة زوار المواقع الرقميّة في شبكة الانترنت ، وAlexa” التابعة لشركة Amazon.com ، والتي تقدم معلومات عن شعبية المواقع في شبكة الانترنت وزوارها، ومنصة Yahoo Clues التي تقدم بيانات تكشف آنيا عما هو أكثر انتشارا لدى الجماعات خلال اليوم والشهر والسنة الماضية مصنف حسب السن والجنس. وبرنامج ATLAS.tiو NVivo لجمع البيانات وتحليلها، Ngram Viewer التي ترصد تواتر كلمة أو كلمات في النصوص خلال فترة معينة، وتتبع تزايد شهرة بعض الأشخاص وتراجعها حلال فترة من الزمن. و محرك Search Engine Land الذي يقدم احصائيات عن توارد الكلمات المفتاحية ، وتويت أناليتك Twitter Analytics الذي يقوم بتحليل التغريدات وانتشارها، وأداة NodeXL التي تعد إضافة لبرنامج Microsoft Excel لاستخراج البيانات الشبكية من مواقع التواصل الاجتماعي و إظهار تلك البيانات بشكل مرئي. وبولتوسكوب « “Politoscope أرضية رقميّة مفتوحة بمناسبة الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة التي جرت في 2017 لجمع التغريدات السّياسيّة في موقع تويتر وتحليلها، إلخ…
[89] – نقلا عن :
Ross, Karen, and Virginia Nightingale. Media and Audiences: New Perspectives. Maidenhead: Open University Press, 2003. P 158
[90] – Dominique Boullier : Vie et mort des sciences sociales avec le big data. La nouvelle revue des sciences sociales, N°4-2015. PP 19-37. Accessed November 3,2021. https://doi.org/10.4000/socio.1259
[91] – Klaus Bruhn Jensen : op, cit p49
[92] – Boyd, Danah, and Crawford, Kate. Critical questions for big data: Provocations for a cultural, technological, and scholarly phenomenon. Information, Communication & Society. Volume 15, 2012 – PP 662–679. Accessed November 3,2021. DOI:10.1080/1369118X.2012.678878
[93] – Schmidt. S : Les 3 V du Big Data : Volume, Vitesse et Variété, Le Journal du Net, le 31-05-2015. Accessed November 10, 2021. https://www.journaldunet.com/solutions/analytics/1102057-les-3-v-du-big-data-volume-vitesse- et-variete/
[94] – يستخدم مصطلح الختم الزمني horodatage- timestamping – أنظر كيفية توظيفه في البحث التالي:
Larsson, Anders Olof :’Tweeting the Viewer—Use of Twitter in a Talk Show Context. Journal of Broadcasting & Electronic Media 57(2), 2013, PP 135-152. Accessed November 3,2021. DOI:10.1080/08838151.2013.787081
[95] – Bathelot. B : 5V du big data 01/12/2016. Accessed November 10, 2021. https://www.definitions-marketing.com/definition/5v-du-big- data
[96] – Marketplace: Lumière sur… les 6V du Big Data du 9 septembre 2016. Accessed November 10, 2021. https://www.e-marketing.fr/Thematique/data-1091/Breves/Lumiere-Big-Data- -308562.htm
[97] – Serge Proulx Julien Rueff , op cit , P 61
[98] – Bouiller Dominique , Les sciences sociales, op cit
[99] – Klaus Bruhn Jensen,op cit, p52
[100] – Bourdieu P. “L’opinion publique n’existe pas”, Les temps modernes, n°318,1973. p.1292-1309.
[101] – Emmanuel Marty, Nikos Smyrnaios Franck Rebillard A multifaceted study of online news diversity: issues and methods : in RamÓn Salavería : Diversity of Journalisms, Proceedings of the ECREA Journalism Studies Section and 26 th International Conference of Communication ( CICOM) at University of Navara, Pamplona 4-5 July 2011, P228-242
[102] – Muller Jerry Z : The tyranny of metrics, Princeton University Press, 2018, p3
[103] – مرض إدراكي يُعرّفه الطبيب السويسري Peter Brugger المختص في مرض الأعصاب ، بأنه نوع من الإدراك التلقائي الذي يستخرج الدلالة من ظواهر لا علاقة بينها.، أي منح معنى مخصوص للأحداث العادية والمألوفة من خلال إقامة علاقة بين الأشياء دون مبرر.
[104] Danah Boyd, Crawford Kate : Six Provocations for Big Data, “A Decade in Internet Time: Symposium on the Dynamics of the Internet and Society” on September 21, 2011, Accessed November 10,2021. https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=1926431
[105] – Eglantine Schmitt Explorer, visualiser, décider : un paradigme méthodologique pour la production de connaissances à partir des big data , thèse de doctorat en épistémologie,
L’Université de technologie de Compiègne ,Paris, 2018 , 289 pages
[106] – أنظر على سبيل المثال :
غبريال سيلفا موتا درموند : علبة نتفليكس السوداء، تشكيل الاستخدامات بالواجهات والخوارزميات، منشور في : ميلاني ميليت و فلورنس ميليروند وأخرون ( إشراف) ، مرجع سابق، ص 275- 290
[107] – Pires Alvaro: De quelques enjeux épistémologiques d’une méthodologie générale pour les sciences sociales” 2007,p 29. Accessed November, 20, 2021. http://classiques.uqac.ca/contemporains/pires_alvaro/quelques_enjeux_epistem_sc_soc/enjeux_epistem_sc_soc.html
[108]– عبد الرحيم العطري : العلم الاجتماعي ضدا على “الكاست المعرفي” من التناص الاجتماعي إلى التداخل التخصصي، مجلة إضافات، العدد 17و18، شتاء وربيع 2012، ص 138-155
[109] – Mucchielli Alex : Pour des recherches en communication », Communication et organisation, N0 10, 1996. Accessed, November 6,2021 . Accessed November 10, 2021 http://communicationorganisation.revues.org/1877
[110] – التسمية التي أطلقها كل من ” كريستين هين، و سارج برولكس بمعية جوليان روف، أنظر:
كريستين هين : إثنوغرافيا الجماعات في شبكة الانترنت والميديا الاجتماعيّة: الإجراءات، والتّنوّع، والإمكانات.
ميلاني ميلات و فلورنس ميليروند وأخرون (إشراف) : مرجع سابق، ص 77-102
103-Sarah Pink, Heather Horst ,John Postill and all : Digital Ethnography Principles and Practice , 2015, 310 pages
[112] – Eric Vernette, Laurent Bertrandias, Jean-Philippe Galan Jean-Philippe Galan, Alexandra Vignolles : Identification d’un leader d’opinion: état des controverses. 28ème Congrès Afm (Association Française du Marketing, Brest -France, Volume : 28 -2012.Accessed .September 30,2021. https://tinyurl.com/evyztz s
[113] – Matt Carlson and all: Journalism Studies and its Core Commitments: The Making of a Communication Field Journal of Communication, Volume 68, Issue 1, February 2018, PP 6–25. Accessed September 30,2021. https://doi.org/10.1093/joc/jqx006
[114] – O’Reilly, K. Ethnographic Methods. London: Routledge, 2005, p3
[115] – Elisenda Ardévol and Edgar Gómez-Cruz, Digital Ethnography and Media Practices, in Angharad N. Valdivia : The International Encyclopedia of Media Studies, John Wiley & Sons, 2014 p 4051-4071
[116] – Pastinelli, M : Pour en finir avec l’ethnographie du virtuel ! op, cit
[117] – Sarah Pink Heather Horst John Postill and all : Digital Ethnography Principles and Practice , 2015, p17
[118] – Serge Proulx, Julien Rueff Actualité des méthodes de recherche en sciences sociales sur les pratiques informationnelles, Centre d’études sur les médias. Université de Laval , Canada , Novembre 2018. p7
[119] – نذكر على سبيل المثال التويتنوغرافيا Twitnography التي وضع «جون فيليب غلان” و”الكسندرا فيلون” أسسها كتخصص علمي في 2009 وتبناه العديد من الباحثين. يدرس هذا التخصص التدوين المصغر. microblogging ويتسم بكونه لا يبحث عن جماعة بعينها Community بل الأفراد من جماعات مختلفة تتقاطع عبر التغريدات التي يصل عددها إلى آلاف التغريدة في الثانية ممّا يعجز الباحث عن نسخها أو تحميلها دون الاستعانة بــ واجهة برمجة موقع تويتر API التي تمكنه من النفاذ إليها. لذا يقال أن هذا النمط الاثنوغرافي أبسط، واسرع، وأقل كلفة وأقل تطفلا من النموذج التقليدي.
Eric Vernette, Laurent Bertrandias, Jean-Philippe Galan Jean-Philippe Galan, Alexandra Vignolles , op cit
[120] – نقلا عن:
Klaus Bruhn Jensen, op cit, P53
[121] – نقلا عن:
Dominique Cardon : Pourquoi l’internet n’a-t-il pas changé la politique ? Interview accordée à Hubert Guillaud , Internet actualité du 07, octobre 2010.Accessed October 25,2021
[122] – Christine Hine : op, cit, P1
[123] – Anh NgocHoang, ClaireMahéo, SandraMellot, JuliePasquer-Jeanneet AnaïsTheviot, « Explorer les méthodes en ligne pour des terrains hors ligne », Revue Terminal No 129 – 2021, Accessed November 8,2021. https://doi.org/10.4000/terminal.7374
[124] – Richard Rogers: Digital Methods for Web Research, ResearchGate, May 2015, (pp.1-22). Accessed October 26,2021. DOI:10.1002/9781118900772.etrds0076
[125] – Richard Rogers, Digital Methods. The MIT Press, UK 2013, p 24
[126] – Serge Proulx Julien Rueff , op cit ; p43
[127] -Idem p 68
[128] – نذكر منها على سبيل المثال
برامج العنكبة ) Web crawler ( أو زاحف الواب، وبرامج تقشير البيانات) (scraping، أي استخراجها من شبكة الانترنت وتحليلها. ومرتب محتويات المواقع بطريقة تعاونية مع المستخدمين ) فولكسونومي( (Folksonomy)، و الختم الزمني timestamping) ( ، وسحابة الوسوم Tag cloudللتمثيل المرئي للبيانات وخوارزميات ترتيب الصفحات والمواقع PageRank
[129] – Hugues Peeters et Philippe Charlier : Contributions à une théorie du dispositif , Revue Hermès 25, 1999- P15-23
[130] – Bonnie S. Brennen Qualitative Research Methods for Media Studies – Second edition published 2017 by Routledge 2017, p 23
[131] – Tommaso Venturini Jean philippe cointet : Méthodes Digitales approches quali/quanti des données numériques – Réseaux n° 188/2014. PP 9-21. Accessed November 5,2021. DOI: 10.3917/res.188.0009
[132]– من باب التوضيح نشير إلى أن الباحثين نووي غمنت، ومازيار باناهي، ودافيد شافلاررياس، اخترع برمجية Politoscope لرسم الحياة السياسية الفرنسية ، وتوجهات الناخبين الفرنسيين عشية الانتخابات الرئاسية في 2017. أنظر:
Gaumont N, Panahi M, Chavalarias D : Reconstruction of the socio-semantic dynamics of political activist Twitter networks—Method and application to the 2017 French presidential election. PLoS ONE 13(9): e0201879. Accessed November 3,2021. https://doi.org/10.1371/journal.pone.0201879
[133] – يمكن أن ندكر على سبيل المثال البحث الذي أنجزته كل من كريستين توير ، فلورنس ميلرون ، نينا ديوك عن مشاهدة الشباب للمواد السمعية البصرية عبر الخط واستعانت بالمنهج التقليديّ، والافتراضيّ، والرقميّ، المنشور في: ميلاني ميلات و فلورنس ميليروند وأخرون ( إشراف) ، مرجع سابق، ص 137-152
[134] – هذا ما اشار إليه الباحثون الذين شملهم العمل الذي أنجزه كل من سارج برولكس Serge Proulx وجوليان رووف Julien Rueff ، مرجع سابق، ص 39
[135] – Commission Européenne, OPTEM : Internet plus sur pour les enfants, étude qualitative dans 29 pays européens , Rapport de synthèse , Mai 2007, 76 pages. Accessed November 3,2021 https://tinyurl.com/kmdm5n39
[136] – Larsson, Anders Olof :’Tweeting the Viewer—Use of Twitter in a Talk Show Context. Journal of Broadcasting & Electronic Media 57(2), 2013, PP 135-152. Accessed November 3,2021.DOI:10.1080/08838151.2013.787081
[137] – Klaske Tameling Marcel Broersma De-converging the newsroom Strategies for newsroom change and the influence on journalism practice. The International Communication Gazette, 1-75, pp 19-34. Accessed November 2,2021 DOI: 10.1177/1748048512461760
[138] – أخذنا النموذج الذي قدمه الباحثان سارج برولكس وجوليان رووف )مرجع سابق، صفحة 114-126 ( والمتمثل في أطروحة الدكتوراه التالية بعد أن قمنا بمراجعتها :
Bastard, I. : De proches en pages, de pages en proches: Exploration et réception des informations en ligne (Thèse de doctorat, Paris, Télécom ParisTech) , octobre 2015, 444 pages
[139] – الاستسقاط : مصطلح في علم النفس يدل على الربط التعسفي بين بعض الأحداث أو الأشياء المنفصلة عن بعضها ،ولا تملك أي قاسم مشترك، لتحميلها معنى جديدا غير كامن فيها.
[140] – “السرنديبية “، تعني “الحادث السعيد” أو “المفاجأة السارة”، التي تحدث أثناء العثور بالصدفة على شيء طيب أو مفيد دون نية البحث عنه.
[141] Klaus Bruhn Jensen: op, cit p44
[142] -James P. Crutchfield: The dream of theory, Wires Wiley Interdisciplinarity review, Volume 6, Issue2, March/April 2014, PP 75-79. Accessed , November 15, 2021.
https://doi.org/10.1002/wics.1290
[143] – أنظر :
كريستين ثوير وفلورنس ميلروند” و”نينا دوك : ممارسات المشاهدة عبر الخط لدى الشباب: مناهج تقليدية، وافتراضية ورقمية، في في مؤلف: ميلاني ميلات و فلورنس ميليروند وأخرون ( إشراف) ، مرجع سابق، ص 137-152
[144] – للنظر إلى اختلاف تجارب الصحف الثلاثة، أنظر:
– David–Julien Rahmil : Moins d’articles, plus de journalistes et plus d’audience : la formule gagnante du journal Le Monde, 5April, 2020. https://urlz.fr/cl9t
– Kiss and Brook ; quoted by Bob Franklinis : Newspapers Apart: Analysing Print Journalism- First published, Routledge, 2008 p 21
David-Julien Rahmil : Découvrez la stratégie de ces médias qui ne connaissent pas la crise. https://urlz.fr/cl9I
[145] – نذكر منها على سبيل المثال: التناص intertextuality، وما بين الميديا intermediality، والعبر ميديا Trans media ، والتفاعلية Interactivity، والتواجد في كل مكان ubiquity، و الآنية الإعلاميّة immediacy، القدراة The Affordance، و sérendipité, السرنديبية وتعني الحصول على شيء دون البحث عليه وغيرها.
[146] – أنظر على سبيل المثال: محجوبة قاقو: المجتمع الافتراضي، وإشكالية تحديد منهج البحث السوسيولوجي، نحو بناء نموذج لدراسة التفاعلات الإلكترونية بواسطة الحاسوب، الأكاديمية العربية، مجلة عمران للعلوم الاجتماعية، العدد 29، المجلد الثامن، صيف 2019، ص 89- 113
[147] – أنظر على سبيل المثال:
Hachemi Kemouche Nadia, Laradi Alliouche Bahia : La stratégie de contenu digital pour susciter la participation d’une communauté de marque en ligne “Exploration netnographique”. Revue des sciences Sociale et Humaines, Université de Batna1. Vol (21) N° (02) (décembre 2020), P 785-802
Berrached Sara . Impact Du Bouche à Oreille électronique Sur L’intention D’achat : Cas Du Consommateur Algérien. Exploration Netnographique .Revue algérienne d’économie et gestion, Algérie, Volume 14, Numéro 2, Pages 408-426
[148] – توجد بعض الاستثناءات القليلة جدا التي حاولت الاقتراب من هذه المناهج، نذكر منها دراسة عبد الوهاب بوخنوفة التي استعمل فيها وبرنامج MAXQDA2020 لتحليل النصوص الخاصة بمحتوى مساق: أخلاقيات الإعلام في الجامعات العربية والوقوف على مفرداته ومخرجاته. أنظر: واقع تدريس أخلاقيات الإعلام في الجامعات العربية، مناهج قديمة لبيئة إعلامية جديدة، بحث غير منشور.
[149] – بينت الدراسة التي قامت بتحليل موقع الصحف الجزائرية في شبكة الانترنت أنه لا يمكن اسقاط خاصية التفاعلية بمختلف أبعادها على هذه الصحف، وكشف استخدامها لمحرك Alexa.com عن حقائق مذهلة عن متصفحيها/ قرائها، مثل أن سنهم يتراوح ما بين 34- 64 سنة! وهذا خلافا للأفكار المسبقة عن عزوف كبار السن عن قراءة الصحف الرقمية لتمسكهم بالطبعة الورقية، بل يثبت عزوف أغلب الشباب عن قراءة هذه الصحف على الواب. وأن قسما كبيرا من متصفحيها يقيم خارج الجزائر. وأن معدل ما يتصفحونه لا يزيد عن أربع صفحات من الصحفية، والوقت الذي يخصصونها لكل صفحة يتراوح ما بين دقيقتين و46 ثانية للصفحة! وأن عدد متصفحي موقع صحيفة الوطن، أكبر الصحف الجزائرية الصادرة باللغة الفرنسية، من الإناث أكثر قليلا من الذكور رغم أن محتواها ذكوري! إلخ.
أنظر: نصر الدين لعياضي، الصحافة الجزائرية في بيئة الواب: ارهاصات التغيير، المجلة الجزائرية للعلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة الجزائر 3، العدد السادس، جوان 2016، ص 171- 193
هل ستقضى المناهج الحاسوبيّة على نظريّات علوم الإعلام والاتصال*؟
نصر الدين لعياضي
Can Big Methods make information and communication theories obsolete?
Abstract
This article seeks to contribute to the debate over the Big Methods in the field of information and communication sciences. It Explains its benefits in the era of big data and social media. It also highlight the limits of this new methods and its epistemological stakes. Moreover, this article tries to put forward various positions on the idea that began to spread slowly but surely in university literature, that big methods probably will make various theories in the social sciences and humanities obsolete.
Key words: Big Data, Metadata, Big Methods, Velocity, Ideal‑type, Redistribution, Apophenia, Digital Traces
Est-ce que les méthodes computationnelles pourront sonner le glas des théories des sciences de l’information et de la communication
Résumé :
Le présent article est une contribution au débat sur les méthodes computationnelles dans les sciences de l’information et de la communication. Il essaye de les définir ; d’argumenter leur utilité à l’ère de big Data et des médias sociaux en mettent en relief leurs limites et les enjeux épistémologiques qu’ils suscitent. Par ailleurs, Il expose les différentes positions sur l’idée que les méthodes computationnelles pourront sonner le glas des différentes théories en sciences sociales et humaines qui se répand lentement mais surement dans des écrits universitaires.
Les mots clés : Big Data, Méta data ; Méthodes computationnelles, Vélocité, Idéal‑type, Redistribution, Traces numérique, Apophénie
ملخص:
يحاول هذا المقال العلمي أن يساهم في النقاش الدائر حول المناهج الحاسوبيّة أو الكبرى في علوم الإعلام والاتصال. يشرح فوائدها في عصر البيانات الضخمة والميديا الاجتماعيّة. ويسلط الأضواء على حدودها والرهانات الابستمولوجية التي تطرحها. ويطرح مختلف المواقف من الفكرة التي بدأت تنتشر ببطء لكن بثبات في الكتابات الجامعية ويلخصها السؤال التالي: هل تتمكن المناهج الحاسوبيّة من القضاء على مختلف النظريات في علوم الإعلام والاتصال وبالتالي العلوم الاجتماعية والإنسانيّة؟
الكلمات المفتاحية: البيانات الضخمة، الميتا بيانات، المناهج الحاسوبية أو الكبرى، سرعة البيانات الكبرى، إعادة التوزيع، النموذج المثالي، الآثار الرقمية، الاستسقاط
المقدمة:
لازال الجدل حول التكنولوجيا الرقميّة ومنصاتها وتداعياتها على الحياة اليوميّة وعلى المجتمع قائما في الجزائر. ولم ينتقل، مع الأسف، إلى مناقشة تأثيرها على البحث العلمي[1]. وهذا خلافا لما جرى ويجرى في العديد من بلدان العالم التي انقسم فيها الباحثون إلى ثلاثة فرق: فريق من المتشائمين يرى أن هذه التكنولوجيا، التي توفر مصادر جديدة للمعلومات، تشكل خطرا جديًّا على التقاليد العلميّة وأشكال البحث العلميّ الراسخة في العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة( Savage, Burrows ,2007, 885-899 ) . وفريق من المتفائلين يرى أن التكنولوجيا الرقميّة تدشن عصرًا من التجديد المنهجيّ نظرا لقدرتها الرهيبة على جمع أكبر عدد من البيانات في أسرع وقت واظهارها على الشاشة وتحليلها، ممّا يسمح لها بتطوير مناهج البحث القائمة وابتكار أخرى جديدة ) ( Marres, 2012, 139–165. وفريق ثالث، يمكن أن نصفه بالواقعي، يؤمن بأن التطور سنة الوجود، وأن التجديد المنهجيّ كان دائمًا مطروحا على جدول أعمال البحث العلميّ ّفي العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، ودليله في ذلك أن الباحثين، مثل “بول لازرسفيلد” و”روبرت ميرتون” قد أضافا المقابلات المعمّقة إلى بحوثهما الميدانيّة المسحيّة(Hine, 2005,200 ). وأن “هذا التجديد” ليس سوى استئنافًا ” للثورة الكميّة” التي عاشتها هذه العلوم في ستينات القرن الماضي وسبعيناته ( Boyd , Crawford,2011) . وبهذا يحاول هذا الفريق التقليل من الخوف على مصير البحث العلمي في العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة والتخفيف من الافراط في التفاؤل بمستقبله على يد التكنولوجيا الرقميّة في آن واحد.
سنحاول أن نقدم في هذه الدراسة تعريفا لأبرز اتجاه منهجي يوظف التكنولوجيا الرقميّة، ممثلا في المناهج الحاسوبيّة Les méthodes computationnelles – Big Methods كاشفين عن خصوصيتها مقارنة ببقية الاتجاهات المنهجيّة التي ظهرت في بيئة الواب. ونسعى إلى الإجابة عن السؤال التالي: هل ستقضي هذه المناهج على النّظريّة التي كانت ولاتزال تؤطر بحوث الميديا وتوجَهها، وتشرح نتائجها، وتتنبأ بمستقبل تطور ما تدرسه من ظواهر إعلاميّة واتصاليّة؟
نعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال تتقاطع مع النقد الذي وُجه إلى هذه المناهج، والذي يرتكز أساسا على رهاناتها الابستمولوجية والأخلاقية. ونميل إلى الاعتقاد بأن فهم النقاش المذكور أعلاه يتطلب العودة إلى تطور العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة من منظور الباحث دومنيك بوليBouillier, 2014,229) (، المختص في علم الاجتماع الرقمي ، ورئيس تحرير مجلة ” كوسموبلتيك”، والذي حصره في ثلاثة أجيال: الجيل الأول الذي ظهر في أواخر القرن التاسع عشر وكان يعتمد على البيانات الناجمة عن التّعددات السنويّة التي تقوم بها الحكومات، ومؤسساتها المختلفة، ووهي عبارة عن مسح إحصائي شامل للسكان ولنشاطهم ووضعياتهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتعليميّة أو شريحة، منهم يُستخلص منها السلوك الفردي في المجتمع. بالطبع، إنّ هذه البيانات تندرج ضمن مسعى تلبية حاجة الدولة بدرجة أساسيّة. والجيل الثاني الذي ظهر في ثلاثينات القرن الماضي مع إنشاء مؤسسة “غالوب” لاستطلاع الرأي، وانطلاق عالم الاجتماع “بول لازرسفيلد” في انجاز بحوثه الميدانيّة التي اعتمدت على استطلاعات الرأي بالاستناد إلى عيّنة تمثيليّة لدراسة المجتمع. إنّ الحاجة إلى هذه البيانات كانت وليدة السوق والحياة السّياسيّة “الديمقراطيّة”. أما الجيل الثالث فقد بدأ في الظهور منذ ثمانيات القرن الماضي ومطلع الألفيّة الحاليّة مستندا إلى البيانات الضخمة Big Data . وتعزّز بزيادة الاستخدام الاجتماعيّ للأنترنت نتيجة قيامه بجمع ما يخلَّفه مستخدمو الانترنت من آثار في إبحارهم عبر شبكة الانترنت، وما يحتفظ به مقدمو خدمة الانترنت، والمواقع والمنصات الرقميّة عن زوارها.
قد نختلف مع الباحث “دومنيك بولي” في هذا التصنيف لنظرته إلى تطور البحوث الاجتماعيّة والإنسانيّة من منظور تعاقبي، بمعنى أنه ينفي ضمنيا إمكانية استفادة هذا البحث من البيانات التي تجمع بالأداة التي توطدت لدى الجيل الأول، ومن البيانات التي توفرها الأداة التي سيطرت على الجيل الثاني في الوقت ذاته. لكن هذا لا يقلّل من أهمية تصنيفه الذي يسلط الضوء على دور الآثار الرقميّة في تشكيل العالم الاجتماعي لمستخدمي التكنولوجيا المعاصرة، وإن كان الاختلاف قائما حول تقييم هذا الدور في بحوث الإعلام والاتصال.
سعى الكثير من الباحثين إلى رسم خريطة للاتجاهات المنهجية الكبرى التي تدرس موضوعات الإعلام والاتصال في إطار الجيل الثالث من العلوم الاجتماعية. وسنكتفي بذكر خريطتين أساسيتين، الخريطة الأولى وضعتها الباحثة الاجتماعية “ماريس نورتاجي”) ( Marres, 2012, 139–165. والثانية صاغها كل من الباحثين “سارج برولكس” و”جليان رويف”, 2018,132) ( Proulx, Rueff. تتسم هاتان الخريطتان بشموليتهما، إذ تلخصان أبرز الاتجاهات البحثيّة المعاصرة في حقل الإعلام والاتصال، وتتقاطعان في أكثر من مفصل، إضافة إلى أنهما تحولتا إلى مرجع أساسي من فرط تواترهما في البحوث التي تعالج مسألة مناهج البحوث.
في مناقشتها لتداعيات التكنولوجيا الرقمية على البحث الاجتماعي، والذي يشمل بالطبع بحوث الإعلام والاتصال، وظفت الباحثة ” ماريس نورتاجي” ) ( Marres, 2012, 139–165 مفهوم إعادة التوزيع Redistribution الذي توضحه بالقول ” إن الأدوار في ممارسة البحث العلمي وفق هذا المفهوم موزعة على طائفة متنوعة من الفاعلين: الباحثين، والمبحوثين ( موضوع البحث- المستخدمين)، والوسيط أو العُدّة التكنولوجيّة، وممولي البحوث. وقد سعت من خلال هذا المفهوم إلى تحديد المهارات ومنح السلطة والشرعية في البحث للفاعلين المذكورين. وعلى الرغم من إقرارها بأنّ إعادة التوزيع هذه مسألة ” لزجة” لصعوبة حصر مساهمة أي فاعل من الأطراف المذكورة في تجسيد مناهج البحث إلا أنها أدرجت الاستراتيجيات البحثية المستخدمة في البيئة الرقمية كما يلي: المناهج التقليديّة أو (methods-as-usual) ، والمناهج الحاسوبيّة (أو big methods) ، والمناهج الافتراضيّة ) virtual methods ( والمناهج الرقميّة ) digital methods) ) ميلاني، ميليروند، ميلز، لازكو توث ، 2021، 26 (
إن كان الباحثان سارج برولكس وجوليان رويف , 2018,7) ( Proulx, Rueff يقران بأن التكنولوجيا أثرت تأثيرا كبيرا على البحث العلمي، فإنهما لم يعتمدا على مفهوم ” إعادة التوزيع” المذكور أعلاه في وضع خريطة مناهج البحث في البيئة الرقميّة، بل وظفا مفهوم ” النموذج المثالي” Ideal‑type بالمعنى الويبري ) نسبة إلى “ماكس ويبر” (، والذي لا يعني النموذج الكامل أو الأفضل أو المرغوب، أو الأكثر وفاء في تمثيله للواقع، بل يقصد به ذاك النموذج الذي يتضمن خصائص يمكن ملاحظتها أكثر من غيرها، ويتم التعبير عنها من خلال إنشاء تركيبي مجرد يكشف عن القواسم المشتركة للعناصر التي تشكل الظاهرة المدروسة ) سبيلا، الهرموزي، 2017، 528 (. وعلى هذا الأساس تضمنت خريطتهما لمناهج البحث في البيئة الرقميّة أربعة نماذج مثالية للمقاربات البحثيّة الكبرى، وهي: مناهج توافقيّة، وليست كلاسيكية مثلما ذكرت “ماريس نورتجي”، وقسماها إلى صنفين: كميّة وكيفيّة، والإثنوغرافيا عبر الخط، والمناهج الحاسوبيّة المطبقة على البيانات الكبرى، و المناهج الرقميّة الكميّة- الكيفيّة[2].
ما هي البيانات الكبرى أو الضخمة ؟
ظهرت عبارة “البيانات “الكبرى أو الضخمة Big Data لأول مرة في أكتوبر 1997 ) Press, 2013 ( للدلالة على حجم البيانات التي تتزايد باضطراد في شبكة الانترنت. وتشمل مختلف ما ينتجه استخدام التكنولوجيا الرقميّة سواء لأغراض مهنيّة أو شخصيّة، من جهة، وللإحالة إلى الأشكال المختلفة لحساب هذه البيانات. وتلاها مصطلح الميتا بيانات Metadata ، أي بيانات البيانات التي لا تظهر في الشاشة وتتضمن معيطات دقيقة عن الصور وشرائط الفيديو: تاريخ ووقت التصوير، مكان التصوير ، وآلة التصوير وخصائصها التقنية، ومرسل الصور أو الشريط، ووسيط إرسالها )هاتف ذكي، كمبيوتر محمول أو ثابت، لوح إلكترونية( وغيرها من البيانات.
وتماشيا مع التطور الرقميّ ومع الجيل الثالث من العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لم تعد بحوث الإعلام والاتصال تكتفي باستغلال البيانات التي اعتمد عليها الجيلين الأول والثاني من العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة والتي تنشر في شبكة الانترنت؛ أي ما تتضمنه بنوك المعلومات من بيانات مرقمنة، بل اتجهت إلى استغلال الآثار التي يتركها مستخدمو هذه الشبكة وتطبيقاتها، وهي على سبيل المثال وليس الحصر : النقر على المواقع والنصوص والصور والفيديوهات والبودكاسات، والمواقف منها التي يعبر عنها النقر على أيقونات الإعجاب، و”الإيموجي” Emoji، والتعليقات والمشاركات المختلفة، والروابط الرقميّة Links، والرسائل النّصّية القصيرة، والهاشتغات، وغيرها، والتي لا تشكل في اعتقادنا عالما مفصولا عن العالم الاجتماعي الذي نصنعه فعليًّا وبشكل ملوس، ولا موازيا له، بل تعدّ امتدادًا له. وتكشف في الوقت ذاته عن أبعاده الخفيّة أو التي لم نكن نتصور وجودها. هذا ما يؤكده الكاتب سیث ستیفنز – دافیدوتس ) 2017 ، 38 ( الذي يُشبّه البيانات الكبرى بالمجهر الذي يكشف التفاصيل التي لا تصلها العين المجردة.
أمام تدفق سيل الآثار والبيانات التي يمكن جمعها يقف الباحث في علوم الإعلام والاتصال عاجزا على استغلالها دون الاستعانة بالعدّة الرقميّة. بالطبع لم تكن هذه العلوم هي السباقة إلى جمع هذه الآثار واستغلالها، لقد سبقها إلى ذلك قطاع المعلوماتية والعلوم التجاريّة والتسويق وقطاع الصحة العموميّة إلخ التي سخرت البرامج ومحركات البحث والمنصات، لدراسة اتجاهات السوق ومكانة السلع والخدمات وتطور الأمراض والأوبئة، وسلوك المستهلكين ودوافع الشراء، وسمعة المؤسسات. وبهذا وفرت للشركات الكثير من الوقت الذي كانت تحتاجه البحوث الكلاسيكيّة، وخفضت كلفة البحث فضلا على حصولها على البيانات الآنية التي تسمح لها باتخاذ القرارات بسرعة. ففي هذا الإطار ظهرت المناهج الحاسوبية أو المناهج الكبرى Big Methods التي شملت مختلف المجالات المعرفيّة لتغير بعمق التخصصات العلمية وابستمولوجيتها، وتغير شروط إنتاج المعرفة وتداولها ) Bourdeloie, 2013 (، كما سنبين لاحقا.
المناهج الحاسوبيّة:
ويقصد بالمناهج الحاسوبيّة تلك التي تعتمد على الرياضيات والمعلوماتيّة لجمع الآثار الرقمية ومعالجتها ونمذجتها وإبرازها في شكل جداول وخرائط ورسوم بيانيّة ومجسمات تفاعليّة. إنها الآثار التي يخلفها المستخدمون في إبحارهم عبر شبكة الانترنت، وما تحتفظ به محركات البحث، وألعاب الفيديو عبر الخط، والمنصات الرقميّة، ومزودو خدمات الأنترنت من بيانات عن الأشخاص وعن مبادلاتهم مقترحة بذلك نوعا جديدا من المقاربات العلميّة للظواهر الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة. بل رآها البعض بمثابة علم جديد: علم الشبكات الجديد) (new network science , 2018,139) Proulx, Rueff ( الذي يحل محل التقنيّات التقليديّة المستخدمة في استطلاعات الرأي، بل تقدم قدرا كبيرا من البيانات والميتا بيانات[3] التي لا تستطيع بحوث استطلاع الرأي بلوغها. فتستثمر هذه المناهج الرياضيات إلى أقصى درجة لتحويل الظواهر المدروسة إلى بيانات كميّة على حساب البيانات النوعية التي تنتج بطريقة ” تشوبها النزعة الذاتيّة”.
نعتقد أن “التحوّل الابستيمي” الذي تحدث عنه الفيلسوف بنار ستيغلر ( Stiegler, 2014,14 ) والذي دشنته التكنولوجيا الرقميّة، يعود إلى خصائص البيانات الضخمة التي وظفتها المناهج الحاسوبيّة، وجعلت منها متغيرات البحث في البيئة الرقمية تضاف إلى متغيرات البحث التقليدي في بيئة التكنولوجيا التناظرية، مثل السن، والجنس، ومستوى الدخل، والوضع الاجتماعي، والمستوى التعليمي، وإن كانت تختلف عنها. وقد حصرها البعض في ثلاث خصائص تشترك في الحرف V اللاتيني الأول من اسمها Schmidt, 2015) (، وهي: الحجم Volume ، والتنوع Varieté ، والسرعة Velocité . وإن كانت الخاصيتان الأوليان واضحتان، فإن خاصة السرعة، تعد متغيرا مستحدثا بالفعل، إذ يقصد به إيقاع توليد البيانات والتقاطها وتوزيعها. ويعدّ عالم التسويق أكثر اهتماما بهذه الخاصية، لأن كل تأخير في التقاطها وتحليلها يقلّل من قيمتها، ويؤجل اتخاذ القرارات بشأنها. وقد حاولت بحوث الصحافة تكييف هذه الخاصية فربطتها بآنية نشر/ بث البيانات، وبمدة ظهورها في الشاشة قبل أن تختفي أو تؤرشف، وحصرتها في إيقاع تجديد الأخبار أو تجديد واجهة موقع الصحيفة أو أي موقع إخباري في شبكة الانترنت[4].
وقد أضاف لها البعض خاصيتين أخريين، وهما الحقيقية Véracité، والقيمة Valeur، ويقصد بهذه الأخيرة التركيز على البيانات التي تملك إضافة عملية في ظل تخمة البيانات لتصبح خمس خصائصBathelot, 2016 ) (. وأضاف لها البعض خاصية المرؤوئية لتصبح ست خصائص ) Marketplace, 2016 (، أي جعل تمثيلها مرئيّا.
بصرف النظر عن عدد هذه الخصائص، يؤكد توظيفها في البحث العلمي على أن البيانات الضخمة ستفعل بالبحوث الاجتماعية، ما فعلته ” الفوردية”- نسبة “جون فورد” مالك شركة صناعة السيارات- في عالم الصناعة، نتيجة تنظيم العمل وإعادة تقسيمه أفقيا وعموديا وزيادة الإنتاج( Boyd , Crawford,2011) والتي امتدت إلى عدة قطاعات من النشاط الإنساني. والسؤال المطروح يتمثل في النظرة إلى الإضافة التي قدمتها هذه ” الفوردية” الجديدة للبحث الإعلامي.
قوة المناهج الحاسوبيّة:
إن ضخامة البيانات المتعلقة بالممارسات الإعلاميّة المختلفة في البيئة الرقميّة تجعل الاعتماد على العُدّة التقنيّة الرقميّة لجمعها وتحليلها أمرا ضروريًّا. وبفضلها يستطيع الباحثون تسليط الضوء على الظواهر الإعلاميّة والتعبير عنها بطريقة غير مسبوقة. فعلى سبيل المثال، إن التمثيل البياني للسرعة، كمتغير حديث في دراسة الميديا الرقميّة، ونمذجته الرياضيّة يثري البحث ويسمح بمعالجة موضوعات الإعلام والاتصال من زاوية كانت مفقودة في البحوث التقليديّة.
ويعتقد بعض الباحثين أن المناهج الحاسوبيّة أكثر دقة وموضوعيّة في قياس الظواهر المدروسة وذلك لأنهم يربطون كميّة البيانات المستقاة بتمثيل الواقع المدروس بشكل يكاد يكون متطابقا معه. ففي هذا الإطار يرى الباحثان “توماسو فنتريني” و”جون فيليب كونتت” بأنّ حجم البيانات الرقميّة تملك من الضخامة قدرا كافيا ” لاحتواء” الواقع وتمثيله بطريقة فاعلة) , cointet, 2014, 9-21 Venturini (. وبهذا تستطيع المناهج الحاسوبية أن تتجاوز المآخذ التي أخذت على البحوث التقليديّة في مجال الإعلام والمتمثلة في عدم اكتمال إطار المعاينة الذي يترتب عنه عدم اكتمال مجتمع البحث، وضعف العيّنة المختارة في تمثيل مجتمع البحث. ويمكن للمناهج الحاسوبيّة أن تتغلب على هذه النقائص لأن خاصيتي الحجم والتنوع للبيانات تحل محل الكمال والتمثيل في البحوث التقليديّة ( Boullier, 2015, 19-37 )
وتستطيع المناهج الحاسوبيّة أن تقدم صورة جدا دقيقة، تتضمن الكثير من التفاصيل عن ممارسات الجمهور- المستخدمين. والسبب في ذلك لا يعود إلى ضخامة البيانات التي يمكن جمعها عنهم، بل لابتعادها عن البيانات المصرح بها والتي توفرها عمليات استطلاع الرأي والمقابلات. فهذه المناهج “تعري” المستخدم إن صحت العبارة، وهي تقتفي آثاره في شبكة الانترنت ومنصاتها لأنه لا يستطيع أن يمحى كل الآثار الناجمة traçabilité La عن استخداماته الرقميّة. وتستمد المناهج الحاسوبية جزءا من أهميتها من الاختلاف في الهوية التي يصرح بها المستخدم طمعا في مال المعز أو خوفا من سيف الحجاج أو سهوا، والهوية الفعلية التي يمارسها في شبكة الانترنت. ونزعم أن الاختلاف بين الهويّة المصرح بها والهويّة الممارسة في الحياة اليوميّة الفعليّة أو الافتراضيّة تعود لأسباب ثقافيّة ونفسيّة في مجتمعنا تعبر عنها الخشية من نظرة الغير وتختزلها عبارة: ماذا يُقال عنا؟
يعتقد أن تحويل الظاهرة المدروسة إلى جملة من الإحصائيات والخرائط والرسوم البيانية تضفي الطابع الموضوعي على البحث العلمي في العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة لكونها تستغني عن الحقائق اللسانية التي تشوبها الذاتية. وتعطي، في نظر البعض، مشروعية علميّة لهذه المناهج، ويمكن أن تحقق طموح الكثير من الباحثين الوضعيين الذي سعوا ويسعون إلى تقرّيب العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة التي توصف بالرّخوة من العلوم الطبيعيّة التي توصف بالصلبة. فعالم الاجتماع الفرنسي ريمون بودون يعتقد بأن اعتماد العلوم الاجتماعيّة على لغة الرياضيات يمنحها النضح العلمي Boudon, 1971,7 ) (وبالتدريج تم التخلي عن كلمة الرياضيات واستبدلت بالإحصائيات، ونشهد حاليا استبدالهما بمصطلح الغرافيك Le graphique. ومن هذا المنظور ندرك أن المناهج الحاسوبية تسعى إلى جر علوم الإعلام والاتصال، التي تُعرف بأنّها علوم تأويلية تسعى إلى استخلاص المعنى، للالتحاق بالعلوم التجريبيّة التي تروم استخلاص القواعد والتنبؤ بتطورات الظواهر الإعلاميّة والاتصاليّة التي تدرسها.
ونظرا لكونها وليدة حاجة السوق، وسخرت لخدمة متطلبات الشركات لمعرفة سلوك المستهلكين، اكتسبت المناهج الحاسوبيّة الطابع الإجرائي أكثر من التفسيري، أي أنها تتوج، في الغالب، باتخاذ القرارات والشروع في الفعل، فالخرائط والرسوم البيانيّة والمجسمات ذات بعد استكشافي تحدّد اتجاهات التحول وتبيّن السمات التي يعتمد عليها لإجراء المقارنات.
وبفضل وفرة الكثير من البرمجيات والتطبيقات في شبكة الانترنت ومنصاتها الرقميّة التي تجمع البيانات وآثار الممارسات في الفضاء الافتراضي ” تدمقرطت” المناهج الحاسوبيّة، إذ أصبحت في متناول المؤسسات والشركات توظفها لقياس صدى نشاطاتها والاطلاع على مكانتها وصورتها لدى الزبائن والمستخدمين لتعزيز علاقاتها بهم .
لقد تملّكت علوم الإعلام والاتصال هذه البرمجيات والتطبيقات وسخرتها للكشف عن الكثير من الجوانب في الممارسة الإعلاميّة والاتصاليّة، بدءًا بعدد زوار مواقعها في شبكة الانترنت وتقديم بورتريهات عنهم Portraits، وأماكن تواجدهم، والوقت الذي يصرفونه في التصفح، وأشكال تفاعلهم مع المحتويات الرقميّة، ومصادر هذه المحتويات، مرورا بالتغيير الذي طرأ على بنية المحتويات وروابطها الرقمية، والموضوعات الأكثر انتشارا في مواقع التواصل الاجتماعي، والهشتاغات Hachtagالأكثر متابعة في المواقع، وصولا إلى الميتابيانات Metadonnées التي تتضمنها الصور والفيديوهات المنشرة في شبكة الانترنت.
لا ينظر بعض الباحثين بعين الرضا إلى هذا الاستخدام لمناهج البيانات، ولا يرون بأن هذه البرامج والتطبيقات ” تدمقرطت”، بل يعتقدون بأنها ” تخصصت” ) ( Marres, 2012, 139–165 ، بمعنى أنها لم تعد حكرًا على مخابر الشركات العملاقة المختصة في المعلوماتية، حيث أصبح إنجاز بحث إعلامي وفق المناهج الحاسوبيّة في متناول أي كان إن أحسن استخدام العُدّة الرقميّة. وهذا الأمر قد يؤدى إلى الاستغناء عن مراكز البحوث في حقل العلوم الاجتماعية والإعلامية الأكاديمية التي تعاني أصلا من قلة الطلب الاجتماعي عليها وإن كان متفاوتا من بلد إلى أخر. ويجعل الباحثين في حقول الإعلام والاتصال يواجهون تحديًّا كبيرًا، إذ أصبح المطلوب منهم تطوير أساليب البحث وتقديم إضافات تعجز المناهج الحاسوبيّة عن تقديمها.
نموذج من المناهج الحاسوبية.
لتوضيح خصوصية المناهج الحاسوبيّة، نتوقف عند احدى الطرق التي تعتمد على طريقة التحليل النصي بواسطة إحدى البرمجيات الحرة: Iramuteq – سنشرحه لاحقا.
في إطار مشروع بحثي مشترك فرنسي-ألماني قام ثلاثة باحثين بالبحث عن الطريقة التي تعالج بها الصحف الفرنسيّة مسألة المخدرات متسائلين عن موضوعاتها، وعن “جغرافية المخدرات” من خلال تحليل مضامين الصحف؛ أي الفضاءات التي تتحرك فيها المخدرات والممارسات السياسية ذات العلاقة بها، وتمثّلات الأماكن التي تجري فيها هذه الممارسات Jauffret-Roustide, 2021) , Le Campion Comelli, ( .ويزعم أصحاب البحث أن مقاربتهم لهذا الموضوع مبتكرة وقليلة الاستخدام في دراسة المخدرات Drug Studies. إنها تتمثل في القياس النّصّي textométrique للصحافة وتحليلها من أجل استكشاف الأبعاد الجغرافية للمخدرات.
في البداية شرع الباحثون في اختيار عناوين الصحف التي يدرسونها. فانتقوا خمس صحف يومية وطنيّة، وصحيفتين جهويتين بناءً على المعايير التالية: عدد النسخ التي تسحب، وتنوع الخط التحريري، والاهتمام بموضوع البحث، أي المخدرات. وغطى البحث فترة السنوات الخمس التي سبقت تاريخ إنجازه) مارس2018(. وانتقل الباحثون بعدها إلى استخراج المواد الإعلاميّة التي تناولت موضوع المخدرات من بنك المعلومات Europresse وقد بلغ عددها 10 آلاف مادة صحفيّة. ثم انتقل الباحثون إلى معالجة البيانات النصية بواسطة برنامج Iramuteq، وهو برنامج حرّ، أي يمكن استخدامه مجانا وتعديله وتطويره وفق خصوصية كل بحث. وتم تشغيله وفق الطريقة المعروفة باسم Alceste،[5] حيث تم تشكيل قائمة من المفردات التي تنتمي إلى المجال المعجمي للمخدرات وتضم: – الأسماء العامة التي تحدد المنتجات (مثل المخدرات ، وعقاقير الهلوسة..(- أسماء محددة للمنتجات المصنفة كمخدرات (مثل: الكوكايين ، القنب ، الكراك ، إلخ)- أسماء الأماكن التي يجري فيها الاستهلاك (قاعات استهلاك المخدرات الأقل خطورة ، قاعات الحقن ، وقاعات تدخين السجائر المحشوة بالمخدرات)- وأشكال العلاج- والممارسات المقلّلة من خطر استهلاك المخدرات. أما على الصعيد النحوي، فقد تم الاعتماد على الأفعال، والنعوت، والحال، والأسماء الشائعة. ويكمن الغرض من هذا التصنيف والقياس الإحصائي في استخراج طبقات الخطاب الصحفي.
تم جمع المقالات الرقمية المدروسة المكتوبة في صيغة HTML في ملف واحد Comma-separated – values ) جدول في صيغة Excel ( وفق المتغيرات التالية: المصدر، التاريخ، العنوان، الكاتب . وتم تحويل هذا الملف إلى قالب نص TXT حتّى يُنقل إلى برنامج Iramuteq حتى يتمكن من تحويله إلى خريطة من الكلمات السحابية التي تقدم الفكرة الأولية عن المعالجة الإعلامية لمسألة المخدرات في الصحافة اليوميّة الفرنسيّة. وتسمح قراءة هذه الخريطة بالإجابة بسرعة عن الأسئلة الأولية التالية: ما هو الموضوع؟ عما نتحدث الصحف؟ وكيف نتحدث عن موضوع المخدرات؟ وفي أي مكان تستهلك؟
حدود المناهج الحاسوبيّة:
من الطبيعي جدًّا أن تعرض هذه المناهج إلى نقد، بل معارضة الباحثين الذين لا يكنون الود للتكنولوجيا الرقميّة إن لم يكونوا معادين لها. لكن النقد الذي طالها لا يتعلق بجانبها الإجرائي الذي يتطلب قدرا من مهارات التعامل مع برامج المعلوماتية، والاستعانة بخدمات المختصين في تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات الرقميّة، بل ارتبط بأسسها الفكرية والابستمولوجية والأخلاقية التي يمكن التطرق إليها من خلال النقاط التالية:
- البيانات ليست مرادفا للمعارف:
يرى الكاتب والإحصائي نسيم طالب بأن البيانات الضخمة تحمل الكثير من المعلومات لكن هذه المعلومات تعتبر بمثابة إبرة وسط كومة قش كبيرة جدا) نقلا عن ستیفنز – دافیدوتس، 39(. ولا ترى الباحثة إيغلونتين سميث في أطروحتها الجامعية أن بمقدور أدوات البيانات الكبرى إنتاج المعرفة، بل بإمكانها المساهمة فيها فقط. ” فامتلاك ذاكرة للتخزين المعلوماتي وآلات حاسبة متفوقة، وبرمجيات لمعالجة الصورة، كلها لا تكفي لإنتاج المعارف. إنها تشكل امتدادا للحاسبات اليدوية أو الإلكترونية القديمة التي كان الباحثون الكميون يعتمدون عليها في السابق لجمع البيانات واستخراج النسب المئويّة. فما تقدمه البيانات الضخمة يجب أن يسيّق، ويؤول، ويدرج في إطار بروتوكول البحث حتى يكتسب دلالة علمية” ,2018 ) Schmitt (. ففي هذا الإطار يمكن القول إن الآثار التي تجمع وتحلّل لا تتساوى وبالتالي لا تملك الدلالة ذاتها. فالنقر على أيقونة الإعجاب بمنشور ما لا يتساوى مع تعليق صوتي أو مكتوب على المنشور ذاته. وهذا التعليق لا يعادل هو الأخر المشاركة في إنتاج المنشور ذاته. ” وكتابة مقال مطول في مدونة إلكترونية لا يعادل أو يتطابق مع لكز صديق في موقع التواصل الاجتماعي. إذا لا جدوى من التسابق في جمع أكبر عدد من الآثار التي يتركها مستخدمو شبكة الانترنت ومنصاتها لدراستها) Smyrnaios, Rebillard, 2011 ، Marty ( فالتكميم في بعض الحالات مُضيع للمعنى. مثل تكميم “الإيموجيات”،Emoji التي تتسم بشدة التصاقها بثقافة المجتمع. هذا بصرف النظر عن القول أن توظيف مستخدمي شبكة الانترنت ومنصتها لبعض “الإيموجات” لا يتم دائما بوعي لدلالاتها التي ظهرت في الثقافة اليابانية.
تأسيسا على ما سبق ذكره هل يمكن تحمّيل هذه النقائص للبيانات الرقميّة فقط؟ للإجابة عن هذا السؤال يقول الفيلسوف ميكائل بنسياغ : )إن الخطأ يكمن في التكنولوجيا الرقميّة : فالخوارزميات ذات التعلم الذاتي auto-apprenants وجدت خارج أي معنى. إنها تتبع منطقا ” غير سيميائي”، أي مجردا من المعنى لكونها تطبق في كل المجالات وعلى كل شيء! إنها الآلة التي تنجز العقلانية الفائقة التي لم نكن قادرين على تحقيقها! ) نقلا عن ,2019 Guillaud (
المناهج الحاسوبيّة وموضوعيّة البحث:
يزعم البعض بأن هذه المناهج الحاسوبيّة تقضي على مسالة تمثيل مجتمع البحث لأنها لا تكتفي بدراسة عيّنة منه بل تدرس كل مفرداته، وبهذا تكون أكثر موضوعيّة لعدم سقوطها في التحيز الذي قد ينجم عن اختيار عينة البحث. يمكن اعتبار هذا القول صحيحا نظريا، لكنه لا يصمد في اصطدامه بالواقع. لأن كمال المجتمع الذي تدرسه هذه المناهج غير متاح في بيئة الواب؛ بمعنى أن الآثار التي يتركها المستخدمون هي سيل متدفق لا يمكن إيقافه. وما يتلقط للدراسة وفق هذه المناهج يعتبر عينة بهذا القدر أو ذاك.
تجرى البحوث الحاسوبيّة في ظل الولع بالقياس الكمي، والتوجه لإحلال الأرقام محل الحكم الشخصي. الذي يُفهم دائما بأنه ذاتي، وموجه من قبل صاحبه، بينما من المفترض أن تقدم الأرقام والقياس معلومات مؤكدة وموضوعية ) ( Muller,2018,4 تثبت بالتالي موضوعية البحث.
إن ربط الموضوعيّة بالإحصاء هو اختزال مخل بإشكاليتها في العلوم الاجتماعية والإنسانية التي ظلت موضع سجال منذ صدور دراسة ماكس ويبر : ” موضوعية المعرفة في العلوم والسياسات الاجتماعية” في 1904. فالموضوعية لا تعني الحياد، بل ما يميز صحة المعرفة وصدقها. وليست مرادفا للحقيقة، فمثلما يقول إبراهيم واترا ) ,91-128 2017 (أنه يمكن لسرد ما أو نظرية معينة أن تكون ” موضوعية” دون أن تعبر بالضرورة عن الحقيقة. ونعني بذلك أنها تستند إلى مجموعة من الوقائع والملاحظات الحقيقية التي يمكن بلوغها، والتحقق منها. وأنها متسقة مع المعرفة النظرية المتاحة في ذلك الوقت. لكن قد يتضح مع الوقت أنها خاطئة.
إذا، إنّ الأرقام والاحصائيات أدوات غير محايدة لأنها لا تقيس في آخر المطاف، بل تشكل واقعا مما تقيسه[6]. هذا ما تؤكده أدوات البحث التقليدية، مثلما بيّن ذلك عالم الاجتماع الفرنسي، بيار بورديو، في مقاله المرجعي: الرأي العام غير موجود” ويقصد به أن بحوث استطلاع الرأي لا تعبر عن رأي قائم وتسعى إلى قياسه بل تحاول إنتاج رأي عام قد يكون غير موجود أو ليس بالضرورة كما تتصوره.) بورديو، 1995، 241-252(
- المناهج الحاسوبيّة ومنطق السوق:
الكل يعلم أن المناهج الحاسوبيّة تعتمد على البيانات التي توفرها المواقع في شبكة الانترنت أو المنصات الرقميّة ومقدمو خدمات الهاتف والانترنت. وهذا يعني أن هذه الأخيرة توفر بعض البيانات مجانا، وتعرض أخرى للبيع، وتحجب الكثير منها عن الاستخدام العام أو التجاري. وبهذا فإنها تتحكم في هذه البيانات. وإن تملّكت هذه المناهج مجموعة من محركات البحث، وتطبيقات وبرامج رقميّة فإنها لا تفلت من تأثير أصحابها الذين يوجهون، بهذا القدر أو ذاك، استخدامها لأن هذه العُدّة وجدت أصلا لتلبية حاجات السوق، مثلما ذكرنا آنفا، ومن أجل تطويرها تقنيا أو للمشاركة في نظام الرقابة على المستخدمين 2018,139) Proulx, Rueff (. وحتىّ وإن ابتكرت هذه البحوث برامج وتطبيقات خاصة بها فأقصى ما تقدمه هو تصنيف البيانات وتمثيلها بصريًّا، مثل الكلمات والموضوعات الأكثر تداولا في الميديا الاجتماعية، وعدد الرسائل القصيرة المرسلة ومواضيعها وتوزيعها الاجتماعي والجغرافي، وتكرار تداول صور المرشحين أو برامجهم في الحملات الانتخابيّة على سبيل المثال، وعدد زوار موقع معين في شبكة الانترنت وانتشارهم الجغرافي أو الكلمات أو الشخيصات التي بحث عنها أكثر في محركات البحث، مثل غوغل، وغيرها من المواضيع، وتنتهي بالكشف عن الاتجاهات. بالطبع كل هذا مفيد جدا لكنه يظلّ في اعتقادنا ناقصا لأن البيانات بحاجة إلى تسييق وتأويل حتى تُفهم. ولتوضيح أهمية السياق في دراسة الميديا يمكن إيراد المثال التالي: يذكر الفيلسوف الإيطالي أنبرتو إيكو ) 2010، 87 ( ، الذي اشتغل في الصحافة الإيطالية، أن هذه الأخيرة كانت تستخدم لغة مسننة عن قصد في ستينات القرن الماضي وسبعيناته ليس بغرض إعلام القراء كما تقتضي المهنة ذلك، بل من أجل إرسال رسائل مشفرة إلى لوبيات في السلطة. فجعلت القراء مجرد وسيلة فقط لأن اللغة المشفرة لا تفهمها سوى أقلية في ردهات البرلمان. أما الشعب فلا يفهم منها أي شيء. فعملية جرد تواتر كلمات هذه اللغات وموضوعاتها وتمثيلها مرئيا في شكل خرائط تكون ذات عائد معرفي ضعيف إن لم تأول في سياق الصراع على السلطة بين اللوبيات في إيطاليا في العقدين المذكورين.
إن المناهج الحاسوبية لا تتكبد في الغالب مشقة تأويل البيانات ممّا يدفعها في الغالب إلى ” مزجها” وتجرّيب كل ترابطاتها إلى غاية الحصول على نتيجة ذات دلالة إحصائية دون شرح أو تفسير ضروري , 2018-139) Proulx, Rueff ( . فكثرة البيانات يمكن أن تتيح كل الترابطات التي ” تشع في كل الاتجاهات مما تؤدي بالباحثين إلى الوقوع في نوع من الاستسقاط l’apophénie[7] الذي اتكأت عليه الباحثتان “دانا بويد” و”كيت كرافورد” في نقدهما للبيانات الضخمة في مقالهما الناقد ذي العنوان الاستفزازي.[8]
تأسيسا على ما سبق تلتحق المناهج الحاسوبيّة بالدراسات الكميّة التي طبقت في البحوث التقليديّة والتي تشرع في القياس أولا ثم تفكر فيما قاسته. ولا تستعين بالأطراف الفاعلة في موضوع البحث لتشاركها التفكير فيما قاسته، مثلما يؤكد ذلك التراث البحثي في العلوم الاجتماعية والإنسانية. وهنا تكمن خشية البعض من توجه هذه المناهج إلى الاستغناء عن العنصر البشري في انجاز البحث، فيترك برمته للآلة الرقمية وما على الباحث سوى استلام النتائج. فمن هذا المنظور تعد المناهج الحاسوبية نسخة جديدة البحث الأمبريقي المجرد من النظام التفسيري السببي، بمعنى أنها لا تبحث عن العلاقات السببية بين المتغيرات ، ولا ترى ضرورة للاهتمام بها.
إذا، الخوف على مصير البحث العلمي على يد المناهج الحاسوبيّة لا يقتصر على الاستغناء على البشر، وتوكيل الذكاء الاصطناعي للقيام به بدل عنهم، بل يمكن أن يقوض أسس المعرفة العلمية في مجال الإنسانية والاجتماعية، والتي ترسخت في الممارسة وفق التسلسل التالي: ” مزج البيانات، أي الآثار التي تمت ملاحظتها في الواقع المدروس، ثم تحويل البيانات إلى حجج تحمل أفكارا عامة تنقل إلى الغير. فالعلم في هذا المستوى، هو مسار من التعميم الذي ينتقل من الأحداث إلى إنتاج الأفكار” ) هووارد سول بيكر نقلا عن Didie، 2018(
كل ما سبق عرضه عن حدود المناهج الحاسوبية هو تمهيد للوقوف على الرأي القائل بأن استخدام هذه المناهج يعفي الباحثين والبحوث الإعلامية من الاتكاء على إي خلفية نظرية. وأبرز منافح على هذا الرأي هو الكاتب “كريست أندرسن” الذي دعا إلى الاستغناء عن النظريات في مقاله المشهور: ” نهاية النظرية، طوفان البيانات جعل المنهج العلمي مهجورا” . ويبرّر ذلك بأن حجم البيانات يغنينا عن الحاجة إلى معرفة لماذا يقوم البشر بما يقومون به. فالمهم بالنسبة إلينا أنه يمكن اقتفاء أثر ما يقومون به وقياسه بدقة وأمانة غير مسبوقة. والكم الكافي من البيانات يتحدث بذاته ولا يتطلب التوقف عن البحث عن نماذج. ويمكن بلوغ ما نبحث عنه دون اللجوء إلى الفرضيات. فيكفي أن نرمي بالبيانات إلى الحاسبات الفائقة التي لم يعرفها العالم من قبل، ونتركها للخوارزميات لتعثر على الظواهر التي يتعذر على العلم بلوغها) Anderson, 2008 (
1.تؤكد هذه الدعوة إلى دفع المناهج الحاسوبية للتموقع الابستمولوجي في موقع الدراسات الكمية، إذ تؤمن، بشكل عملي، أن موضوعات البحث توجد دائما جاهزة ولا تتطلب من الباحث سوى قياسها وليس بناءها. وعملية بناء موضوع البحث ليس عبارة عابرة، بل تملك ثلاثة أبعاد تأسيسية للبحث، إذ أنها تحيل أولا إلى التخصص المعرفي، إذ يقال، في الغالب أن كل تخصص علمي يبنى موضوعه. وتشكك ثانيا في المظاهر التي يكتسيها موضوع البحث كما تبرزها الممارسات المؤسساتية والاجتماعية بصفة عامة، ويدل ثالثا على المقاربة المنهجية التي يتبناها الباحث في معالجة الموضوع 29 ) Pires , 2007, (
2.تبدو المناهج الحاسوبية محرومة من البعد التاريخي الذي يمكن أن يساهم في تسليط الضوء على الموضوعات المدروسة، وذلك لأن مواقع التواصل الاجتماعي، مثل الفيسبوك وتويتر، التي تعد من المصادر الأساسية للبيانات الضخمة، لا توفر سوى البيانات الآنية، وتلك التي جرت في الماضي القريب والمرتبطة بأحداث معينة. وإمكانيات هذه المواقع في الأرشفة المتاحة للغير محدودة) Anderson, 2008 ( . وبهذا يصعب على المناهج الحاسوبية استغلال الآثار الرقميّة الموغلة في القدم.
فهل هذا الأمر يسمح لنا بالقول بأن المناهج الحاسوبية غير تاريخية؟ ولو تجاوزنا مسألة التاريخ ونظرنا إلى الحاضر فهل عزوف هذه المناهج عن تأويل نتائج البحث والانصراف عن استقاء استقراء المعنى مما يقوم به الفاعلون في الظواهر التي تدرسها كفيل بجعل النظرية زائدة دودية في البحث أم أنها توهم الباحثين فقط بأنهم فعلا في غنىً عن أي إطار تفسيريّ للنتائج التي توصلوا إليها؟
نعتقد أن الزعم بعدم الاعتماد على نظرية هو في حقيقة الأمر التزام عملي وضمني بالنظرية. فلو اقتصرنا فقط على التحليل النصي في بحوث الإعلام. فإن طرح أسئلة البحث والاستعانة بالمفاهيم لا تأتي من فراغ، بل يستمد ضمنيًّا، بهذا القدر أو ذاك، من نظرية معينة تؤثر على تحليل النص الصحفي وتوجهه. والفرق الوحيد أن المناهج الحاسوبيّة لا تذهب إلى أبعد مما تظهره الجداول والرسوم البيانية والغرافيك. وبهذا تعزّز النزعة الامتثاليّة في علوم الإعلام والاتصال وتدعم عقلانيتها الأداتية. فتساهم بفاعلية في تعميق أزمة بحوث علوم الإعلام والاتصال التي لخصها الباحث “ألكس ميتشيلي” في قوله: على الصعيد النظري لم يستطع أحد أن يستخلص بأن هذا المبدأ أو هذه النظرية صالحة في البحث، ويُثبها أو يقوم بتفنيدها بناءً على نظام معرفي. فأغلب بحوث الإعلام والاتصال تبدو وكأنها تجري في فراغ ابستمولوجي ونظري ) Mucchielli, 1996 (.
3.إن الرهانات الأخلاقية التي تطرحها المناهج الحاسوبيّة تكمن في جمع البيانات عن الهيئات والأشخاص دون إذنهم، وحتى علمهم، بما فيها البيانات التي تمس حياتهم الخاصة والحميميّة. وهذا يعدّ اختراقا للحق في الخصوصية. فملاك المنصات الرقميّة في شبكة الانترنت لم يترددوا في تحويل سلوك المستخدمين إلى سلعة، بدليل أن موقع الفيسبوك أجرى تحديثا على خوارزميات موقعه في 2018 لمنح الأولية في شريط أخباره للمبادلات الشخصية المتعلقة بالحياة الخاصة لمشتركيه على حساب نشر وإعادة نشر محتويات وسائل الإعلام. وهكذا فكل تغيير في خوارزميات المواقع والمنصات الرقمية يؤثر على آليات جمع البيانات التي تعتمد عليها المناهج الحاسوبيّة.
الخاتمة:
لا يجب أن يفهم من كل ما سبق ذكره الدعوة إلى الاستغناء عن المناهج الحاسوبيّة ناهيك عن معاداتها. ففي العصر الذي أصبح القسم الأكبر من تواصل البشر، وتداول المنتجات الإعلاميّة والثقافيّة يتم بواسطة العُدّة التكنولوجيّة الرقميّة لا يستطيع البحث العلمي الإعلامي أن يُفَرِّط في هذه العُدّة التي أصبحت الأداة الفضلى للولوج إلى الفضاء الافتراضي، ومتابعة آثار المستخدمين للكشف عن العالم الذي يصنعونه بممارساتهم المختلفة في البيئة الرقميّة. ويمكن تجاوز حدود هذه المناهج سواء بإضافتها إلى المناهج التقليديّة أو بدفعها إلى تعزيز المناهج الأخرى التي ظهرت في السياق الرقمي، مثل المناهج الافتراضية ) إثنوغرافيا الواب( أو المناهج الرقميّة Digital Methods. ففي نظر بعض الباحثين إن هذه المناهج الأخيرة جاءت لتكمل نقائص المناهج التقليديّة والحاسوبيّة.
أما الفكرة التي مفادها بأن التعاطي مع البيانات الضخمة يقضى على الحاجة إلى النّظريّة لتعميق فهمنا للظواهر الإعلاميّة والاتصاليّة المدروسة فإنها تحتاج إلى مراجعة. لقد بينت مختلف المناهج التي ظهرت في السياق الرقمي أو تطورت في ظله إننا بحاجة إلى نظرية ضخمة Big Theory ) , 2014 Crutchfield (لرفع التحدي المعرفي في معالجة البيانات الضخمة Big Data. كما أننا بحاجة إلى تعدّدية منهجيّة لدراسة هذه البيانات وتحليلها. فالكثير من الباحثين ما انفكوا ينسبون أزمة العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، بما فيها علوم الإعلام والاتصال، إلى أزمة المنهج. لأن الأحادية المنهجية أصبحت تقترن بالانغلاق الفكري والدوغماتية .
- من المنتظر أن تنشر هذه الدراسة في العدد الثاني من مجلة الرقمنة التي يصدرها قسم الإعلام بكلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر في شهر ديسمبر- كانون الأوّل 2021 ، لكن يبدو أن الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية، التي سلمت له هذه المجلة لطبعها لا يفرق بين مجلة علمية وكتاب ، فقد طبق عليها طريقته في نشر الكتب. إنها الطريقة التي اطلعت عليها بعد تجربة. لقد سلمت للديوان المذكور مخطوطا لنشره. واضطررت إلى سحبه منه بعد ثلاث سنوات من الانتظار. وصرفت النظر نهائيا عن طباعة الكتب بعد العديد من التجارب الخائبة مع الناشرين.
المراجع:
باللّغة العربيّة:
أمبرتو إ ( 2010 ): دروس في الأخلاق، ترجمة سعيد بن كراد، المركز الثقافي العربي، المملكة المغربية.
بورديو .ب ( 1995 ): أسئلة علم الاجتماع حول الثقافة، والسلطة، والعنف الرمزي، ترجمة إبراهيم فتحي، دار العالم الثالث.
سبيلا. م ، الهرموزي. ن ( 2017 ): موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الإنسانية والفلسفة المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية، المغرب.
ستیفنز – دافیدوتس. س ( 2017 ) : الكل يكذب، البیانات الضخمة، والبیانات الحديثة وقدرة الإنترنت على اكتشاف الخفايا، ترجمة أحمد الأحمري، الدار العربية للعلوم ناشرون، 2017
ميلات. م، و ميليروند. ف ، وميلز. د، وتوث لازكو. غ ( إشراف) ( 2021 ): مناهج البحث في السياق الرقمي، توجه كيفي، ترجمة نصر الدين لعياضي، قيد النشر
المراجع باللغات الأجنبية:
Bathelot. B (2016) : 5V du big data 01/12/ Consulté le 10 Novembre 2021. https://www.definitions-marketing.com/definition/5v-du-big- data
Boudon, R. (1971) Les mathématiques en sociologie, Paris, PUF
Bouillier. D (2014) sociologie du numérique, 2ém édition, Armand Collin.
Boullier. D (2015) : Vie et mort des sciences sociales avec le big data, La nouvelle revue des sciences sociales, N0 4. P P19-37. Consulté le 10 Novembre 2021.https://doi.org/10.4000/socio.1259
Bourdeloie H (2013) : Ce que le numérique fait aux sciences humaines et sociales », tic&société Vol. 7, N° 2, 2ème semestre. Consulté le 10 Novembre 2021. DOI : 10.4000/ticetsociete.1500
Boyd. D, Crawford K (2011) : Six provocations à propos des big data, Traduction de Laurence Allard, Pierre Grosdemouge et Fred Pailler, Symposium, « Une décennie avec internet », Oxford Internet Institute, le 21 septembre 2011, InternetActu, 23 Septembre. Consulté le 2 Novembre 2021. https://urlz.fr/gJoS
Comelli .C, Le Campion.G et Jauffret-Roustide, M (2021) « Le traitement médiatique des drogues dans la presse quotidienne française (2013-2018) », EchoGéo N057. Consulté le 05 novembre 2021. http://journals.openedition.org/echogeo/22277
Crutchfield. J P. (2014): The dream of theory, Wires Wiley Interdisciplinarity review, Volume 6, Issue 2, March/April, PP 75-79. Accessed , November 15, 2021.https://doi.org/10.1002/wics.1290
Didie. E (2018) : La preuve sociologique, le 30 mai, Revue la vie des idées, Consulté le 15 Novembre 2021. https://laviedesidees.fr/IMG/pdf/20180530_didierbecker.pdf
Guillaud. H (2019) : Défaire la tyrannie du numérique ? Internetactu.net du 23/10. Consulté le 14-11-2021.http://www.internetactu.net/2019/10/23/defaire-la-tyrannie-du-numerique/
Hine.C ( 2005) :Virtual Methods Issues in Social Research on the Internet , Berg.
Marketplace (2016) : Lumière sur… les 6V du Big Data du 9 septembre. Consulté le 10 Novembre 2021. https://www.e-marketing.fr/Thematique/data-1091/Breves/Lumiere-Big-Data- -308562.htm
Marres. N (2012) : The redistribution of methods: on intervention in digital social research, broadly conceived The Sociological Review, 60:S1. PP. 139–165 accessed September 5, 2021. DOI: 10.1111/j.1467-954X.2012.02121.x
Marpsat. M (2010) : « La méthode Alceste », Sociologie [En ligne], N°1, vol. 1. Consulté le 12 novembre 2021. http://journals.openedition.org/sociologie/312
Marty. E, Smyrnaios N , Rebillard. F (2011). A multifaceted study of online news diversity: issues and methods : in RamÓn Salavería : Diversity of Journalisms, Proceedings of the ECREA Journalism Studies Section and 26 the International Conference of Communication ( CICOM) at University of Navara, Pamplona 4-5 July
Muller Jerry Z : The tyranny of metrics, Princeton University Press, 2018
Mucchielli. A (1996) « Pour des recherches en communication », Communication et organisation N0 10. Consulté le 15 Novembre 2021. https://doi.org/10.4000/communicationorganisation.1877 Ouattara, I. (2017). L’objectivité dans les sciences historiques : entre mythe, exigence et idéal. Regards interdisciplinaires sur l’histoire Volume 48, numéro 2 , Université de Moncton,), Consulté le 21/11/2021.https://doi.org/10.7202/1061869ar
Pires Alvaro (2007) De quelques enjeux épistémologiques d’une méthodologie générale pour les sciences sociales”, Consulté le 20 Novembre 2021. http://classiques.uqac.ca/contemporains/pires_alvaro/quelques_enjeux_epistem_sc_soc/enjeux_epistem_sc_soc.html
Press. G (2013) : A Very Short History Of Big Data », Forbes, may 9. Accessed November 9,2021. https://www.forbes.com/sites/gilpress/2013/05/09/a-very-short-history-of-big-data/?sh=47117a765a18
Proulx. S, Rueff.J (2018): Actualité des méthodes de recherche en sciences sociales sur les pratiques informationnelles, Centre des études sur les médias, Université Laval , Québec , Novembre
Savage, M. and Burrows, R (2007): The coming crisis of empirical sociology’, Revue of Sociology, vol 5, N0 41. PP 885–899 accessed November 9,2021. 0.1177/0038038507080443
Schmitt. E (2018) : Explorer, visualiser, décider : un paradigme méthodologique pour la production de connaissances à partir des Big Data , thèse de doctorat en épistémologie, l’Université de technologie de Compiègne Paris
Schmidt. S (2015) : Les 3 V du Big Data : Volume, Vitesse et Variété, Le Journal du Net, le 31-05. Consulté le 10Novembre 2021. https://www.journaldunet.com/solutions/analytics/1102057-les-3-v-du-big-data-volume-vitesse- et-variete/
Stiegler B. (2014) : Pharmacologie de l’épistémè numérique », dans Stiegler B. (dir.), Digital Studies, Organologie des savoirs et technologies de la connaissance, Fyp Editions,
Venturini .T, cointet. J P (2014) : Méthodes Digitales approches quali/quanti des données numériques , Réseaux n° 188. PP 9-21. DOI :10.3917/res.188.0009
الهوامش والإحالات:
[1] – الأمر يتعدى الجزائر ليشمل كل البلدان العربية تقريبا. فالنقاش في الفضاء الأكاديمي كان في الغالب خاضعا لمنطق المناهج، ولم يرتق إلى مستوى المنهجية التي نعتقد أنها تربط المناهج بالنظريات، وتضع البحث العلمي في قلب الابستمولوجيا هذا إذا استثنينا بعض الملتقيات أو المقالات التي طرحت مسألة العلوم الإجتماعية والإنسانية العربية أو الإسلامية التي نعتقد أنها تندرج في إطار انشغال أيدولوجي أكثر منه علمي.
[2] – نتجت هذه الخريطة عن إجراء مقابلات مع 24 باحثا ناطقا باللغة الفرنسية من علم الاجتماع والاتصال وعلم الادارة والذين مارسوا البحث في السياق الرقمي. فما أدلوا بها يمثل تجاربهم.
[3] – لأخذ فكرة عن تحليل المتابيانات يمكن الاطلاع على :
نتالي كزماجور : التحليل المرئي للواب: مقاربة الأدلة الجنائية لميتا بيانات الصور، منشور في ميلات. م، و ميليروند. ف ، وميلز. د، وتوث لازكو. غ ( إشراف) ) 2021 (: مناهج البحث في السياق الرقمي، توجه كيفي، ترجمة نصر الدين لعياضي، قيد النشر ، ص 243-258
[4] – يستخدم مصطلح الختم الزمني horodatage- timestamping – أنظر كيفية توظيفه في البحث التالي:
Larsson, Anders Olof :’Tweeting the Viewer—Use of Twitter in a Talk Show Context. Journal of Broadcasting & Electronic Media 57(2), 2013, PP 135-152. Accessed November 3,2021.DOI:10.1080/08838151.2013.787081
-[5] لشرح هذه الطريقة بشكل بسيط ومختصر يمكن القول أن هذه الطريقة ظهرت في 1979 على يد ماكس رينيت Max Reinert وتستعمل في العلوم السياسية والاتصال والإعلام والتسويق والتسيير واللسانيات. وتتمثل هذه الطريقة في التحليل المفصل لمعجم عينة النصوص المختارة، ومنه يتم تشكيل قاموس الكلمات وجذورها اللغوية، ثم يتم تقطيع النص إلى مقاطع منسجمة تحتوى على عددا كافيا من الكلمات، ثم يتم تصنيف هذه المقاطع بتعيين تعارضاها القوي. وتسمح هذه الطريقة باستخراج طبقات المعنى التي تشكلها الكلمات والجمل الأكثر دلالة. وتمثل هذه الطبقات الأفكار والتيمات المسيطرة في عينة النصوص المدروسة التي تبرز في شكل رسوم بيانية وخطية.
Maryse Marpsat, « La méthode Alceste », Sociologie [En ligne], N°1, vol. 1, 2010, mis en ligne le 09 mai 2010, consulté le 12 novembre 2021.http://journals.openedition.org/sociologie/312
[6] – هذا مأ أثبته عالم الاجتماع الفرنسي ميشال كولون في مجال النشاط الاقتصادي، نقلا عن:
Paul du Gay and Michael Pryke Cultural Economy Cultural Analysis and Commercial Life Sage Publication, UK , 2002 , P12
[7] – مرض إدراكي يُعرّفه الطبيب السويسري المختص في علم الأعصاب ، بأنه نوع من الإدراك التلقائي الذي يستخرج الدلالة من ظواهر لا علاقة بينها.، أي منح معنى مخصوص للأحداث العادية والمألوفة من خلال إقامة علاقة بين الأشياء دون مبرر.
[8] – العنوان هو: ست استفزازات بخصوص البيانات الضخمة، أنظر:
Danah B, Crawford K, op cité
الرأي العام وانزياح السؤال
نصر الدين لعياضي
افتتاحية العدد 8 – المجلة الجزائرية لبحوث الإعلام والرأي العام ، مجلة فصلية محكمة تصدر عن قسم علوم الإعلام والاتصال، بجامعة عمار ثليجي – الأغواط- الجزائر
في الوقت الذي تتيح لنا عُدّتنا التكنولوجيّة التقييم والحكم بطريقة أسرع من ظلنا، نحتاج إلى أن نكون أكثر انتقادًا لأنفسنا من أي وقت مضى. إريني رينولد : مؤسس المدونة الإلكترونية إلى أين يمضي الواب؟
دأب المسؤولون الذين تداولوا على إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزة الجزائريّة في مطلع ثمانينات القرن الماضي، ثم المؤسسة الوطنيّة للتلفزيون لاحقا، على الرد على الانتقادات التي توجه إلى ما يبثّونه من برامج إلى ترديد الجملة المقتضبة التالية: أصْبروا حتّى تُسْبروا”. لقد أرادوا أن يقولوا لنا عبر هذه الجملة أنهم لم يدخروا جهدا لتقديم ما يعتقدون أنه يرضى المشاهدين في ظلّ غياب عملية سبر أو استطلاع آرائهم! وأنّهم سيعملون على تلبية جميع متطلبات وأذواق الجمهور بمجرد القيام باستطلاع رأيه ومعرفة ما يفضله، وإلى ذلكم الحين ما علينا سوى الصبر. ولو سحبنا هذا القول على الوضع الحالي، فلا بد لنا من الكثير من الصبر حتى نصبر إلى غاية أن نُسبر.
لا يمكن أن نعتبر ورود هذه الجملة من باب التبرير فقط، بل يجب النظر إليها باعتبارها تتضمن تصورا لقياس آراء المشاهدين ودوره في “تجويد” البرامج التلفزيونيّة. وإن كان البعض يعتقد أن هذا التصور لا يجانب الصواب إن نظرنا إليه في المطلق، فإن البعض الأخر يرى أنه لا يصمد بمجرد اصطدامه بالواقع العملي، بدليل أن برامج التلفزيون المذكور ظلّت على حالها، بل تراجعت بعد حصول المؤسسة الوطنيّة للتلفزيون على استطلاع رأي المشاهدين الذي طلبته من المركز الوطني للدراسات من أجل التخطيط (CENEAP)[1] في تسعينات القرن الماضي.
لا يجب أن يُفهم مما سبق ذكره أنني أزكي غياب مراكز استطلاعات الرأي شبه التام في الجزائر أو أشجع على عدم التعويل عليها أو استصغر قيمة عملية “سبر” الآراء في ظل تزايد دقتها نتيجة تطور العُدّة التقنيّة لقياسها. إن الغاية مما ذكرناه هو لفت الانتباه إلى انزياح النقاش في الفضاءات الأكاديمية إلى القضايا الإجرائيّة والتقنيّة في استطلاعات الرأي وقياسه وانصراف التفكير عما يجب قياسه، ولماذا نقيسه ولأي غاية.
عندما نستعرض محتويات مقياس الرأي العام في العديد من اقسام الإعلام والعلوم السياسية في الجامعات العربية، نلاحظ قلة التركيز على العلاقة بين الرأي العام والفضاء العمومي، وحتّى غيابه، وكأن الرأي يمكن أن يوجد ويعمّم؛ أي يصبح عاما، بمنأى عن الفضاء العام أو الفضاءات العمومية. لقد دفعت المدرسة الوضعية إلى الاقتناع بأن وجود الرأي العام هو تحصيل حاصل، ومن البديهيات السياسية والإعلاميّة الكونيّة، ولا يتطلب سوى تصنيفه واستعراض سيماته وأنواعه، والتذكير بتاريخه ودوره في حياة الشعوب والدول، وتقديم طرائق قياسه. وهذا دون التركيز على ماهية الرأي وكيف يتشكل؟ وآليات تعميمه؛ أي تحويله ليصبح عاما. فالقليل من برامج تدريس الرأي العام في البلدان العربيّة انطلقت من النقاش الذي أثير في سبعينات القرن الماضي ونعتقد أنه لازال يحتفظ بوهجه، والذي شارك فيه العديد من الباحثين في العلوم السياسية وعلم الاجتماع، منهم على سبيل المثال وليس الحصر فليب كونفرس [2] الباحث الأمريكي في العلوم السياسيّة، وبيار بورديو[3] الباحث الفرنسي في علم الاجتماع، ولويك بلونديو الباحث الفرنسي في العلوم السياسيّة.
فند بيار بورديو وجود الرأي العام كما تعتبر عنه عمليات استطلاع الرأي انطلاقا من الفرضيات الثلاث الأساسية، وهي.[4]
- يفترض كل استطلاع الرأي بأنه بإمكان أي فرد أن ينتج رأيًّا: قد يقول البعض أن هذه الفرضية لا تملك أي قيمة معرفية، لأن كل صحائف الاستبيان لا تتجاهل الذين لا يدلون برأيهم لأسباب شتى، ومنها عدم القدرة على تقديم رأي. إن المسألة لا تتعلق “بتحايل” نتائج استطلاعات الرأي على المبحوثين الذين لم يفصحوا عن رأيهم، بل ترتبط بظاهرة أعمق وأكثر تعقيدا. فلا وجود لرأي من فراغ، ووجوده مرتبط بموضوع معين أو قضية محددة أو تصريح أو فكرة أو موقف. وهذا يعني لابد من امتلاك معرفة مسبقة عن هذا الموضوع أو القضية أو الفكرة حتى نشكل رأيّا عنه. وهنا تطرح مسألة آليات تكوين هذه المعرفة، ومدى مصداقيتها، وقدرات الأشخاص المختلفة على ولوج هذه المعرفة والاستفادة منها. فالحصول على معلومات عن موضوع معين لا يعني بالضرورة معرفته.
- الآراء لا تتساوي: إن جمع الآراء وتحويلها إلى قيمة إحصائية في عملية استطلاعها تتم بناءً على اقتناع بأنها ذات وزن وقيمة متساوية، وتملك دلالة واحدة. وهذا يعني أن استطلاعات الرأي تفقر بعض الآراء الثريّة وتسطحها من خلال الاصطفاف وفق الثنائيّة التاليّة: نعم/لا، موافق/ معارض، إلخ…
- طرح السؤال عن موضوع واحد على الجميع، يعني التسليم بوجود اجماع مسبق بين من يُسألون عن هذا موضوع بالذات، وأنه يشغلهم جميعا. وهذا الأمر يجانب الصواب، فلو سلمنا ورقة وقلم لأي شخص وطلبنا منه أن يسجل الموضوع الذي يشغله لوجدنا عددا من المواضيع يضاهي عدد من طلبنا منهم ذلك.
دون أن نقدم تفاصيل الحجج والشواهد التي استند إليها بيار بورديو في بناء فرضياته هذه يمكن القول أنّ “لويك بلونديو” استند إليها لتثبيت ركائزه [5] في نقده للتعريف التبسيطي لمفهوم الرأي العام. الركائز التي تغذت من الجدل الذي واكب ظهور مؤسسة “غالوب” لاستطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية إلى غاية تسعينات القرن الماضي والذي شارك فيه على وجه الخصوص كل من هربرت بلومر( 1948) [6] ولندسي روجرز[7] ) 1949 ( ، وينيجر جمس) 1992 ( [8]. ومن هذه الركائز نذكر باختصار:
العقلانية: التي ترى أن الرأي العام يجب أن يكون مستنيرا ومطلعا، ويتمتع بالحرية والحق في الإعلام وحاصل على المعلومات الضرورية، وقادرا على التعبير عنها، بينما استطلاعات الرأي تتوجه بالسؤال إلى أشخاص لم يفكروا قط في موضوعه في السابق ولا يملكون رأيًّا للإجابة عنه.
النشر: إن الرأي العام هو تعبير عن مسار من المواجهة في ظل التفاعل بين المواقف والآراء والانطباعات ولا يمكن أن يكون عبارة عن تكميم وجمع للآراء.
الطابع الفعلي: نظرا للصراعات الدائرة في المجتمعات وما تفرزه من أفكار متعددة ومتباينة وذات دلالات مختلفة فمن غير الصواب أن نقوم بجمعها والقول أنّها تمثل الرأي العام.
الأصالة: يؤخذ على استطلاعات الرأي أنها توحي بأنها تعبر عن رأي عام تلقائي بينما الواقع ينفي أي تلقائية في استقصاء الآراء.
ومن هذه المرتكزات تغذى النقد الموجه إلى استطلاعات الرأي العام الذي تزعم وسائل الإعلام أنها تعبر عنه بينما تتوسله، أي تحوله إلى وسيلة. لقد ذهل كولن ليموان[9]، مؤرخ الفنون، من كثرة استطلاعات الرأي التي تنشر في الصحف وتبث عبر محطات الإذاعة والقنوات التلفزيونية يوميّا في البلدان الديمقراطية، فحذر من “استبدادها” لأنها أصبحت تقدم، في نظره، الأرقام التي تحاكم الأحداث الجارية ومعها تاريخنا الذي يمضي. فلا تجزئي، بل تقسم وتخلق الخلافات التي تجعل هؤلاء الذين يعبرون عن رأيهم بنعم يعارضون أولئك الذين يقولون لا. أما الذين لا رأي لهم فتصفهم بالضعاف أو الفاترين. ليس هذا فحسب، بل يتهم الكاتب ذاته استطلاعات الرأي بإنهاك الديمقراطية وتفريغها من محتواها، إذ يؤكد ” بأن هذه الاستطلاعات ليست مادة للتفكير، بل لإنهاء التفكير في موضوع ما أو فكرة معينة أو وضع حد لها. إنها تستدعي الاحصائيات عندما تتعثر الكلمات أو تهرب، وتعالج نطق الأرقام عندما يتلعثم الفكر”.[10]
هل يفهم من كل هذا النقد للاستطلاعات الرأي الدعوة إلى الكف عن مناقشة أشكال قياس الرأي العام والاعتكاف على التفكير في ماهيته وإعادة تعريفه؟ كلا، إنها تحثّ على إعادة التفكير فيه وقراءة تجلياته في السياق الرقمي بكل ما يثير قياسه من إشكاليات ورهانات معرفيّة وأخلاقيّة معاصرة. ونتمنى أن تساهم المجلة الجزائرية لبحوث الإعلام والرأي العام في هذا المجال انطلاقا من الانتقادات والتحفظات على ممارسات استطلاع الرأي العام، خاصة وأن المناهج الحاسوبيّة Big Methods، التي أصبحت تهدد وجود مراكز استطلاعات الرأي، والطرق التقليديّة لقياسه من خلال اعتمادها على جمع وتحليل الآثار الرقميّة التي يخلفها مستخدمو شبكات الانترنت ومواقع التواصل والتي تكشف عما يفكرون به بخصوص هذا الموضوع أو ذاك وعن سلوكهم وتصرفاتهم تجاه هذا الحدث أو ذاك وعن أحاسيسهم ومشاعرهم وانشغالاتهم واهتماماتهم، وأذواقهم ومشترياتهم. باختصار إنها تقدم ما تعجز عن تقديمه عمليات استطلاع الرأي التقليديّة بأسرع طريقة، وبأقل كلفة مع هامش كبير من الاستقلالية، وبعيدا عن النزعة الذاتية التي تشوب تصريحات المبحوثين في صحيفة الاستبيان أو المقابلات البحثية لأنها تستند إلى الأفعال- الممارسات عبر العُدّة الرقميّة- أكثر من الأقوال. وبهذا ترد على الكثير من الانتقادات التي وجهت إلى عمليات استطلاع الرأي التقليديّة التي ذكرنا بعضها أعلاه، بل أنها تعيدنا إلى نقطة البداية لنطرح السؤال من جديد: ما هو الرأي العام في ظل تشذر الممارسات الإعلاميّة وتعدّد حواملها، وتجدّد الفعل السياسي عبر وسائط متعدّدة ومتنوعة أمام رسوخ مفاهيم سوسيو سياسية، مثل ” التوحد الرقمي” Homophily وفقاعة التصفية” Filter Bubble ، و” غرفة الصدى ” Echo Chamber” ؟
المراجع والإحالات:
[1] – حلّ هذا المركز محلّ الجمعية الجزائريّة للدراسات الديمغرافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة AARDES التي أنشئت في 1963. وانتقل إلى وصاية وزارة الداخلية بعد أن كان تابعا لوزارة التخطيط والتهيئة العمرانية
[2] – Philip E. Converse: Attitudes and non-attitudes: continuation of a dialogue, in Tufte, Edward R : The qualitative analysis of social problems, Reading, Addison-Wesley Pub. 1970,
[3] – Bourdieu P. L’opinion publique n’existe pas, Les temps modernes, n°318, janvier 1973 (pp 1292-1309)
[4] – وضعنا بمعية طلبة الماجستير في معهد علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر في مطلع تسعينات القرن الماضي مقال بيار بورديو المذكور أعلاه على طاولة التشريح في مقياس وسائل الإعلام والرأي العام، ونشرناه في المؤلف التالي:
نصر الدين لعياضي، مساءلة الإعلام، المؤسسة الجزائرية للطباعة، 1991
[5] – Blondiaux L. Ce que les sondages font à l’opinion publique, Politix, vol. 10, 37, 1997/1, Télévision et politique, p. 117-136.
[6] – Herbert Blumer, «L’opinion publique d’après les enquêtes par sondages» [1948], in Padioleau (J. G.), dir., L’opinion publique, examen critique, nouvelles directions, Paris-La Haye, Mouton, 1981.
[7] – Lindsay Rodgers , The Pollsters. Public Opinion, Politics and Democratic Leadership, New York, Alfred Knopf, 1949
[8] – Beniger (James.), «The Impact of Polling on Public Opinion : Reconciling Foucault, Habermas and Bourdieu», International Journal of Public Opinion Research, 4 (3), 1992
[9]– Colin Lemoine: De la tyrannie du sondage, Le monde du 27.02.2013
[10] – Idem
التفكير مع ماكلوهان ضد الماكلوهانيّة في عصر الميديا الرقميّة
نصر الدين لعياضي
The Reflection with McLuhan against Mcluhanism in the age of digital media
Nacer Eddine Layadi
Abstract
This study puts forward another reflection with McLuhan against McLuhanism in the era of digital media. It involves a re-reading of the foundations of McLuhan’s thought expressed in his works. It focuses on presenting the reasons for the rediscovery of McLuhan in the contemporary era, while trying to question what writers and other researchers still pretend. Indeed, they are convinced that the great changes in the media today are an evidence of the accuracy of McLuhan’s outlooks.
Moreover, this study tries to figure out the place that McLuhan occupies in the teaching of information sciences and communication in the Arab world which serves to improve the media research
Key Words
The dual message, The media ecosystem, Technological Determinism, The Media Device, The affordance, Discarnate Man, Medium Theory
ملخص:
تتضمن هذه الدراسة دعوة إلى التفكير مع ماكلوهان ضد المكلوهانية في البيئة الرقمية. وتطالب بمراجعة أبرز مرتكزات فكر ماكلوهان التي تضمنها منشوراته. لقد حاولت تقديم الأسباب التي أدت إلى إعادة اكتشاف” ماكلوهان” في العصر الراهن . ودفعت إلى مساءلة ما يزعمه الكثير من الكُتاب والباحثين الذين يرون أن ما تعيشه الميديا اليوم من تحولات في البيئة الإعلاميّة يثبت صحة ما تنبأ به ماكلوهان في حياته.
وتحاول هذه الدراسة أن تبيّن، أيضا، مكانة مكلوهان في الدرس الإعلامي العربي بما يخدم تطور البحوث الإعلاميّة في المنطقة العربيّة.
الكلمات المفتاحية: الرسالة المضعفة، البيئة الإعلامية،الحتمية التكنولوجية ، الإنسان غير المجسم”، القدارة، المنظومة الإعلاميّة، نظرية الوسيط
المقدمة:
ماذا لو أمتد العمر بالباحث الأمريكي “إليهو كاتز”، فما عساه أن يقول عن ماكلوهان بعد أن تزايد الاهتمام بأفكاره؟ لقد قال عنه في 1987: ( الآن، بعد أن أصبح “مكلوهان النيزك”[1] بعيدا، يجب أن نأخذه مأخذ جد). لقد فرضت عودة السجال من جديد حول أفكار ماكلوهان التي توحي بميلاد ماكلوهانية جديدة ” New Macluhanism [2]، التعامل مع كتاباته بكل جدية وبصيرة. هذا ما يستشف من جهود بعض الباحثين، مثل” جوشوا ميرويتز” ، الذي بعث الحياة في تراث ماكلوهان من خلال أطروحته العلمية: “لا معنى للمكان”[3]، والتي قدم فيها تصورا متكاملا لما أحدثته وسائل الإعلام الإلكترونيّة من تغيير في المجتمعات على الصعيدين الاجتماعي والثقافي. وحاول فيها الفصل في الرهان على نهاية أفكار ماكلوهان نتيجة التراجع في استخدام التكنولوجيا التناظريّة التي كرس الكثير من حياته للتنظير لها.
لقد مرت 41 سنة بعد أن غيّب الموت ماكلوهان، وهي مدة كافية لإعادة التفكير في مؤلفاته بترو. لقد كانت مهمة الباحثين في علوم الإعلام والاتصال في ستينات القرن الماضي وسبعيناته يسيرة، إلى حد ما، إذ اقتصرت على فهم أفكار ماكلوهان، لاسيما وأن البعض اعتبرها معقدة جدا. أما اليوم فقد أصبحت مهمتهم أعسر، إذ ليس المطلوب فحص أفكاره فقط للتحري في صحة ما يدعيه بعض الباحثين، مثل القول أن تنبؤات مارشال ماكلوهان لم تكن مفهومة قبل ظهور “الميديا الجديدة،[4] أو بعبارة أدق أن تنبؤاته أصبحت اليوم أكثر وضوحا ومستوعبة بشكل أفضل مما كانت عليه بيئة الاتصال التناظري[5]، وأن أفكاره تنطبق على الثّقافة الإعلاميّة المعاصرة بشكل أفضل وتلائم اندماج التكنولوجيا المتنقلة في حياتنا اليوميّة،[6] بل يجب اليوم الكشف عن الرهانات العلمية لــ” الماكلوهانيّة في البيئة الرقميّة.
تتسم كتابات ماكلوهان بالتعبير المكثف عن أفكاره في جمل أو فقرات قصيرة تحولت إلى أقوال مأثورة. وتتميز بالاستخدام المفرط للاستعارات “الساحرة”، مثل “الإنارة في، والإنارة على” من أجل التمييز بين التلفزيون والسينما. و” الإنسان غير المجسم” « Discarnate Man » للحديث عن مستخدم الهاتف، والمتحدث في الإذاعة والتلفزيون، والفضاءين “الصوتي والإلكتروني” للكشف عن الاختلاف بين بيئة الاتصال الشفهي والاتصال البصري[7]. وأفرط في الاستنتاجات المدهشة كالإقرار مثلا بأن المصباح الكهربائي وسيط – حامل- بدون محتوى أو محمول! وأن الكهرباء هي متا وسيط Meta medium [8] لأن جلّ وسائط الاتصال تعتمد عليها، وينتفي وجودها بدونها، وأن الكتاب أكثر مرؤئية من التلفزيون.[9] واستند في نظريته إلى التطابقات والتشبيهات التاريخيّة “الجريئة”، مثل تشبيه عصر ما قبل الحروف الهجائية بعصر الاتصال الإلكتروني[10]. وانفرد ماكلوهان باسقاطاته التاريخيّة من خلال ربط بعض الظواهر بوسائط الاتصال، كالقول مثلا أن النمط الخطي الذي فرضته المطبعة أثر على مختلف الممارسات الاجتماعية حتّى على طريقة اصطفاف التلاميذ في المدرسة، وعلى جلوسهم في القاعة بشكل خطي بعد أن كانوا يجلسون متحلقّين في التعليم الديني الذي ساد في عصر ما قبل المطبعة![11] ولم يلجأ ماكلوهان إلى البحوث الأمبريقية لإثبات صحة حدسه الافتراضي أو أطاريحه “النظرية”. ولم يستعن بما توصلت إليه البحوث الإعلامية الأمبريقية في عصره، بل لم يتردّد في وصف روادها في الولايات المتحدة الأمريكيّة بعدم المعرفة، إذ رأى أنهم } ضحية جهلهم الابستمولوجي في تحليلهم للتلفزيون ( بالنسبة لولبر شرام) والإذاعة ( بالنسبة لبول لازرسفيلد). واعتبر نفسه مجدّدا للبحوث في مجال الميديا”{.[12]
إذا تأسيسا على استعارات ماكلوهان التي تشي بتنبؤاته في مجال الإعلام والاتصال يمكن أن نفترض ، على غرار ما ذهب إليه “رو باتريك”[13]، وجود اختلاف كبير، في بعض الأحيان، بين بلاغة خطاب ماكلوهان ومختلف تأويلاته. هذا إن لم نؤكد بأن أفكاره تعرضت التشويه،[14] وقُوِلت ما لم تقله[15] لاسيما في الدرس الإعلامي العربي. لقد توجت هذه التأويلات بإلصاق بعض النعوت بماكلوهان مثل نبي الميديا[16]، ونبي الانترنت[17]، والفيلسوف[18]، ومُنَظِّر الميديا[19] و”الفنان”[20] و”القديس”[21]. هل تفصح هذه النعوت على أننا أمام شخص متعدد الأوجه أم أنها تعبر عن غياب التوافق في تحديد مكانة ماكلوهان في بحوث الإعلام والاتصال؟ مهما كانت الإجابة عن هذا السؤال فإنها تعجز عن إخفاء اللبس الذي اكتنف بعض أفكار مارشال ماكلوهان. لذا نتسأل هل ساهمت البيئة الإعلاميّة الرقميّة في إزالة هذا اللُّبْس وكشفت عن خطورة تأويلات خطابه، وأكدت صواب القوانين التي اعتقد أنها تتحكم في الميديا الاجتماعية؟ وما هي القيمة المعرفيّة التي تقدمها أفكار ماكلوهان اليوم لفهم التحولات التي يعيشها قطاع الإعلام والاتصال؟ وما هي مكانة ماكلوهان في الدّرس الإعلامي في المنطقة العربيّة؟ وهل ساعدت أفكاره فعلا في تطوير هذا الدرس؟
التموقع الابستمولوجي والمنهجي
تتطلب الاجابة عن هذه الأسئلة والتحري في صحة الافتراض المذكور أعلاه، تسليط الضوء على أبرز مرتكزات أطروحات ماكلوهان ومناقشة بعض تأويلاتها في ظل التحولات التي تعيشها البيئة الإعلامية الحالية، والافصاح عن اختيار تموقعنا الابستمولوجي في براديغم البناء الاجتماعي للتكنولوجيا ” SCOT” Social construction of technology “وما يفرضه من مقاربة استقرائية ، وبراديغم التعقد Complexity Paradigm. ويختلف هذان البرديغمان جذريًّا عن براديغم الحتميّة التكنولوجيّة لأننا نعتقد أن أي قراءة نقديّة ” للماكلوهانية ” تكون قاصرة ما لم تقم بتفكيك آليات التفكير التي تدير براديغم الحتميّة التكنولوجيّة وكل الحتميات؟
انطلق عالما الاجتماع الأمريكيين “تريفور بنش” و”ويب بيجكر” في صياغتهما لبراديغم “البناء الاجتماعي للتكنولوجيا” من نقدهما للتفكير الخطي للمسار التعاقبي والمتواصل للتكنولوجيا، الذي يؤمن بأن للعلوم سلطتها المحايثة على المخترعات التقنيّة. وتملك هذه المخترعات بدورها سلطة محايثة تؤثر على الناس فيستسلمون لها بشكل كامل فتعيد صياغة المجتمع. وركزا تفكيرهما على أن التكنولوجيا ليست معطى خارج المجتمع، بل إنها ثمرة بناء اجتماعي يجب دراسته بدل القيام بتحليل التأثير الاجتماعي للتكنولوجيات.[22] فإذا كانت التكنولوجيا عبارة عن علبة سوداء فيجب النفاذ إلى داخلها من أجل استيعاب كيف يؤثر العامل الاجتماعي على صياغتها وصقلها وتكييفها.[23] ولا يمكن اختزال العامل الاجتماعي في سياق الاستخدام الفردي للتكنولوجيا في راهنيته لكونه يجمع حزمة من التفاعلات التي يتدخل فيها الموروث الثقافي والتنظيم الاجتماعي بتفرعاته. وينتهي البناء الاجتماعي للتكنولوجيا إلى الاقتناع بجدليّة التأثير المتبادل بين العُدّة التكنولوجيّة والمستخدمين في السياق الاجتماعو سياسي للاستخدامات.
يؤكد “إدغار موران” بأن ” هدف البحث عن منهج ليس العثور عن مبدأ موحد لكل معرفة، لكن في الإشارة إلى بروز الفكر المعقّد الذي لا يختصر في العلم أو الفلسفة، بل يكمن فيما يسمح بتواصلهما الداخلي وتشغيل حلقات الحوار بينهما”[24]. ففهم الظاهرة الإعلاميّة والاتصاليّة في بيئة رقميّة سريعة التغيير تتداخل فيها العديد من المتغيرات وتتفاعل، مثل العُدّة التقنيّة، والاقتصاد، والسّياسّة، والقانون، والاجتماع (الجماعة، والبُنى الاجتماعيّة والثقافيّة)، وإرادة الفرد ورغباته ( حاجاته ودوافعه ومزاجه النفسي)، ويتطلب فكرا معقّدا يطلق التفكير التبسيطي والاختزالي السببي.
لقد وضع ” أسامة بويس”[25] مجموعة من المبادئ للفكر المعقّد نعتقد أنها تنطبق، بهذا القدر أو ذاك، على التفكير في بيئة الاتصال الرقميّة، منها التخلي عن الخطاطة الذهنيّة الموروثة من الماضي واستبدالها بتلك المالكة للقابليّة على إدراك التغيير وتقبله، والربط ( ربط وجهات النظر، والتخصصات، ومستويات التحليل) وعدم الاختزال ( الإلمام بمختلف الأبعاد )، واستبدال معطى الحوار بمعطى التناقض، وتجاوز ثنائية العون/ البنيّة لدراسة الظواهر قصد الانتقال إلى تقديم صورة ثلاثية الأبعاد للظواهر الإعلاميّة والاتصاليّة.
مارشال مكلوهان ومصادر إلهامه:
التحق مارشال مكلوهان ( 1911-1980) بجامعة كامبرج بالمملكة المتحدة لدراسة الأدب. وعاد إلى موطنه، كندا في 1944 لتدريس الأدب الإنجليزي في كلية بوندرسور بأنتاريو، ثم في جامعة طرونتو. وابتعد عن تدريس الأدب بعد أن هُمِش ليتجه إلى دراسة وسائل الإعلام، فأسس مدرسة طورنطو للاتصال بكندا، بمعية أريك هفلوك، وإيدموند كربونتي، وأصبح من أبرز مفكريها.
توجد العديد من المصادر التي تظافرت في تكوين شخصية ماكلوهان الفكرية، أولهما هو دراسته للنقد الأدبي الحديث الذي أتاح له الاطلاع على أهمية الإدراك في تشكيل ثقافة المرء. إذ اعتقد أن ( الحس المرئي ينتمي إلى نمط التفكير المنطقي والخطي بينما يرتبط الاحساس السمعي بعالم حدسي أكثر شمولية.)[26] وقادته دراسته الأدبيّة إلى الاهتمام بالشاعر “جيمس جويس”، ساحر الكلمات، ومفجر اللّغة. فتأثر بأسلوبه الثري بالدلالات الذهنية. وهذا ما تجلى في باكورة أعماله: “العروس الميكانيكية، فلكلور الرجل الصناعي” الذي صدر في 1951 وقدم فيه نقدا اجتماعيا للمجتمع المعاصر من خلال استجلاء المعاني المتلبدة في الإعلان والشريط المرسوم والنصوص الصحفية. وثانيهما اطلاعه على كتابات المؤرخ “لويس ممفورد”، لاسيما كتابه: “التقنيات والحضارة” الذي نشره في 1934. لقد ساعده هذا الكتاب على فهم تطور التكنولوجيا ودورها التاريخي في المجتمعات. وثالثهما، وهو الأهم، يتمثل في لقائه بعالم الاقتصاد، هارولد إنيس، في نهاية أربعينيات القرن الماضي، الذي انشغل بدور المؤسسات في احتكار المعرفة بفضل الاتصال. لقد حاول هذا العالم التفكير في دور وسائل الاتصال في بروز الحضارات المهيمنة من خلال مكانة الوسيط في المكان ( الفضاء) والزمن. لقد رأى بأن ألواح الفخار، على سبيل المثال، تحافظ على التقاليد لصعوبة تغيير ما يكتب عليها ونقلها، فلا تسمح بممارسة السلطة بالوكالة. وهذا خلافا لورق البَرْدِيّ الذي يتسم بخفته مما يسهل نقله وتبديل ما يكتب عليه. ويُمكّن من بسط السلطة على العديد من الأقاليم وفرضها.[27] ويعتقد البعض أن ماكلوهان تأثر بكتابي هارولد إينس: “الأمبراطورية والاتصالات”، و”تحيز الاتصال”، إلى درجة يمكن اعتبار كتبه: “مجرة غتنبرغ” بمثابة تهميش في أسفل صفحاتهما.[28]
مرتكزات الفكر الماكلوهاني.
تصب مختلف كتابات ماكلوهان في إشكالية العلاقة بين البشر والتكنولوجيا التي شدّت اهتمام الكثير من الباحثين. فوظف أطروحة “هارولد إنيس” التي تعتمد على عنصرين: الفضاء والزمن، لتفسير دور وسائط الاتصال في نشوء الامبراطوريات واستمرارها. لقد آمن ماكلوهان بأن كل وسيط يملك خصائص تسمح له بالتحكم في احد العنصرين المذكورين. ومن أجل ديمومة الامبراطوريات يجب إحداث التوازن بين الوسيط الذي يروم التحكم في الفضاء، والوسيط الذي يسعى إلى إعادة إنتاجه عبر التحكم في الزمن مستثمرا الخصائص التالية: الخفة/ الثقل، والديمومة / شدة الزوال.[29] وإن كان ماكلوهان استوحى أطروحاته من تبعات هذه الثنائية على النظام المركزيّ، وبسط النفوذ، واحتكار المعرفة، والسرعة في نقل الأوامر والمعلومات، فإن قوة مقاربته تكمن في فكرة التحول الذي يطرأ على الوسيلة وما تحدثه من تغيير في البيئة في الوقت الذي كانت البحوث الإعلاميّة عاكفة على دراسة قدرتها على نقل الرسائل،[30] وتحليل مضمون ما تنقله.
من الصعوبة بمكان تلخيص جلّ أفكار مارشال ماكلوهان التي تضمّنتها كتبه ومقالاته التي حررها في مجلة ” إكسبلوراسن” Explorations [31]، ومقابلاته الصحفية. لذا سنكتفي بعرض أبرز أطروحاته في المحاور المتداخلة التالية:
- من الوسيط “Medium” كامتداد للإنسان إلى البيئة الإعلاميّة:
آمن ماكلوهان بأن “الوسيط هو امتداد للإنسان”.[32] ولم يحصره في وسائل الإعلام التي تحظى بالإجماع، مثل الصحيفة، والمجلة، والمذياع، وجهاز التلفزيون، بل رآه في كل وسائل النقل والمواد والتجهيزات التي تمدّد حواس الإنسان، وتوسع نشاطه. ووصفها بأنها امتداد للإنسان لكونها تتوسل بإحدى مؤهلاتنا البدنيّة أو الحسيّة.
في تأويل مقولة ” إن الميديا امتداد للإنسان” في البيئة الرقميّة ذهب بعض الكتاب، مثل “لفينسون” و”لوغان” إلى التأكيد على ” إن مستخدم الميديا الاجتماعي أصبح عبارة عن محتوى “، أي أن الانسان الذي يستخدم الواب 2، على سبيل المثال، قادر على إنتاج المحتوى أو يساهم فيه،[33]بل أن الانسان ذاته تحول إلى ميديا، وهذا يحيلنا إلى كتاب” نحن الميديا.[34]
وعندما يتحدث ماكلوهان عن الوسيط Medium فيقصد به البيئة أحيانا والتي تعنى أن ظهور أي ميديا جديد يخلق بئته الخاصة التي تسعى إلى تغيير شروط الإدراك الحسي الخاص الذي يميز هذه الثقافة.[35] وغني عن القول أن هذا المعنى الذي منحه ماكلوهان للبيئة الإعلامية، في سبعينات القرن الماضي، يختلف عن المعنى الذي اكتسبته في مطلع الألفية الحالية، ( أي أنها منظومة الفاعلين، والتكنولوجيات، ومحتويات المنتجات في مجال مخصوص أو المتعلق بموضوع معين).[36]
في انتقاله من التفكير في الوسيط Medium إلى البيئة الإعلاميّة توصل ماكلوهان إلى فكرة هامة جدًّا مفادها أن كل ميديا لا تولد مكتملة، بل تسعى في بدايتها إلى استعمال محتويات الميديا التي سبقتها وحتّى لغتها. وهذا ينطبق تماما على كل وسائل الإعلام تقريبا. لقد لخص أول معد لشبكة البرامج في التلفزيون الفرنسي في 1946 هذه الفكرة في الجملة التالية: ” إن التلفزيون يتوجه بإمكانيات الإذاعة إلى جمهور ينتظر منه أن يقدم له ما يعادل السينما.”[37] وبالتدريج تستقل الميديا عما سبقها من وسائط الاتصال بعد أن تفرض خصوصيتها؛ أي تشكل بيئتها الخاصة.
2-الرسالة المُضَعَّفة: على الرغم من الطابع المطاطي الذي يتسم به تعريف ماكلوهان للوسيط Medium، إلا أنه تضمن فكرة أصيلة، لم يلتفت إليها مجايلوه أو من سبقوه إلى الدراسات الاتصاليّة والاعلاميّة، تجسّدها المقولة التاليّة: ” إن الوسيلة هي الرسالة”. لقد شكلت هذه المقولة مركز الثقل في فكر ماكلوهان. ففي الوقت الذي هيمنت فيه المدرستان: الوظيفيّة والسلوكيّة على بحوث الإعلام والاتصال لغاية سياسيّة ( الدعاية) أو تجاريّة ( الإعلان)، طرح ماكلوهان }إشكالية ظلّت غائبة عن بحوث زمانه وترتبط بعلاقة أنماط الاتِّصَال في المجتمعات. لقد وُرد الوسيط Medium في مخطط الاتِّصَال الذي وضعه “هارولد لازويل ” بَيْد أنّ معظم النظريّات لم تركز عليه، ولم تسأل قط عن البعد التقني المحض في الاتِّصَال الاجتماعيّ. لقد ظلّ الوسيط ( الوسيلة) ، بشكل ما، علبةً سوداء تُركت مهمة شرحها وطريقة تشغيلها وبثّها لمؤرخي التّقنيّة والمهندسين}.[38]
لتوضيح فكرته هذه ضرب مرشال ماكلوهان مثلا بمصنع الصناعات الميكانيكيّة الذي يؤثر على عماله وعلى المجتمع بصرف النظر عما ينتجه، بل أن تأثير وجوده في حد ذاته يكون أكثر أهمية من تأثير منتجاته[39]. ففي هذا الإطار يمكن أن نفهم كيف ربط ماكلوهان المطبعة بتشكل القوميات ونشوء الإمبراطوريات ( الرومانية على سبيل المثال) والحروب “الدينية” في القرن السادس عشر.
إن الميديا من منظور ماكلوهان تتضمن في الغالب رسالة مضعفة. فالقول بأن ” تأثير الوسيط medium قوي وكثيف لأننا مَكَّناه من وسيط ثان كـ “محتوى”. فمحتوى الفيلم هو رواية، أو أوبيرا . وتأثير الفيلم لا علاقة له بمحتواه.[40]
- من الخصائص التاريخيّة للميديا إلى الخصائص الميدياتيكيّة للتاريخ“.[41]
لم تكن غاية ماكلوهان التحقيب التاريخي لوسائل الاتصال، بل سعى إلى الكشف عن التحول الذي أحدثته وسائل الاتصال في نماذج الإدراك لدى البشر وتأثيرها الاجتماعي والثقافي على المجتمعات. لذا
قسم التاريخ البشري إلى ثلاث مراحل أساسية انطلاقا من هيمنة وسيلة الاتصال في كل مرحلة، وهي: المرحلة الشفوية، تسيطر فيها الكلمة، التي يعتبرها ماكلوهان أول ميديا وأول تكنولوجيا في تاريخ البشرية، والتي تنجز التواصل عن طريق الصوت. لقد سيطرت فيها حاسة السمع لإدراك الكلام، وشكلت بذلك الفضاء الصوتي الذي يمنح له ماكلوهان الكثير من الأهمية في تفسير العديد من الظواهر العلميّة، مثل الهندسة الإقليديّة.
ومرحلة الكتابة والطباعة ( مجرّة غتنبرغ) : تشكل الكتابة في نظر ماكلوهان مرحلة انتقال حاسمة في تاريخ البشريّة إذ ازاحت هيمنة الاتصال السمعي لصالح الاتصال المرئي: بروز الثّقافة المرئيّة بعد الثّقافة السمعيّة التي رسخت أكثر بفعل اكتشاف المطبعة التي مكنّنت الثّقافة. وعملت على توطيد التَّصَوُّر الخطّيّ للزمن والفضاء، ورسخت التّفكير العقلانيّ، وأحدثت التخصصات المعرفيّة، وأقامت نظاما من التراتيب الاجتماعيّة في المجتمع، وساهمت في تطوير القوميات وتعزيز الديمقراطيّة.
وأعادت وسائط الاتصال الإلكترونيّة البشريّة إلى مرحلتها الأولى، وفق ما ذهب إليه ماكلوهان،؛ أي المرحلة الشفويّة. فدمجت ما شذرته المطبعة. وبعثت أشكال التنظيم الاجتماعي القديمة ممثلة في القبيلة. فالميديا الإلكترونيّ لا يعتبر في نظر ماكلوهان امتدادا لحاسة واحدة، مثل القول أن الكتاب امتداد للعين، والكلام امتداد للأذن، بل أنه عبارة عن شبكة عصبية بأكملها.[42] فالثّقافة المرئيّة والسمعيّة سمحت ببعث النزعة الجماعيّة والمصلحة العامة التي تشكل “القرية العالميّة.[43] بالطبع، لقد تجلّت صورة هذه القرية لماكلوهان في مجرّة ” ماركوني” عبر التكنولوجيا التناظريّة. فماذا عن هذه القرية في ظل التكنولوجيا الرقميّة؟ يعتقد الكثير من الباحثين أن التكنولوجيا الرقميّة، وشبكة الانترنت تحديدا، جعلت من هذه القرية واقعا ملموسا.[44] وبهذا تحققت تنبؤات ماكلوهان.
لم يطعن الباحث “روبرت لوغان” في التقسيم الذي وضعه ماكلوهان لوسائل الإعلام ، بل حاول تكيّيف أفكار هذا الأخير مع التطور التكنولوجي ما بعد العصر الإلكتروني، واقترح إضافة مرحلتين إليه، وهما: مرحلة الاتصال عبر الميمات memes قبل المرحلة الشفويّة، ومرحلة “الميديا الجديدة”. ففي نظره إنّ الاتصال الإلكترونيّ الذي تحدث عنه ماكلوهان يشمل عصر الاتصال الجماهيري، وعصر التكنولوجيات الرقميّة التفاعليّة[45].
يعتقد ديريك دي كيركوف [46]، من جهته، أن التأمل في الميديا الرقميّة يساعد على فهم حدود أفكار ماكوهان، ويدعو إلى الاستعانة بها في الوقت ذاته للمضي إلى أبعد ما وصل إليه ماكلوهان. واقترح إضافة مرحلة رابعة، وهي مرحلة اللا سلكي wireless التي تستند إلى الوظيفيّة التقنيّة للميديا الرقميّة، والتي تُحَرِّر الجسد من إكراهات الوقت والمكان بإدماج مستخدميها في المسار الإعلامي.
ومن “مجرة ماركوني” استوحي ماكلوهان استعارة ” الإنسان غير المجسم” لدلالة على أن الشخص الذي يتكلم عبر الهاتف أو الإذاعة يتحول عبر هذا الجهاز إلى مجرد صوت دون بدن. ويصبح الذي يتحدث في التلفزيون مجرد صوت وصورة ! لقد أُوِلت هذه الاستعارة وكُيّفت مع البيئة الرقميّة لتدلّ على مقدرة التكنولوجيا الرقميّة على جمع أكبر عدد من البيانات عن مستخدم الانترنت من خلال ما يخلفه من آثار في إبحاره في هذه الشبكة. وأضحى باستطاعة محركات البحث وتطبيقات التجسّس في الانترنت جمع أكبر عدد من البيانات التي تشكل “المستخدم غير المجسم”.[47] وفي إطار هذا المعنى استلهمت بعض الاستعارات التي تؤكد سيطرة التكنولوجيا على الانسان، مثل: الإنسان الرقمي[48]Homo Numericus ، و” الإنسان العاري”[49] ، والإنسان وثيقة كأي وثيقة أخرى.[50]
- تصنيف وسائل الإعلام: صنف مارشال ماكلوهان وسائل الإعلام إلى صنفين، ساخنة Hot وباردة Cool. واستند في تصنيفه هذا إلى مدى مشاركة الجمهور بحواسه في تعامله مع الوسيلة. فتلك التي تتطلب مشاركة ضعيفة من قبل المتلقي – الجمهور- وهي ذات مستوى عال من الوضوح صنفت بأنّها ساخنة على غرار الإذاعة، والطباعة، والصور الفتوغرافية، والأفلام، والقراءة، لكونها تركز على حاسة واحدة تسخنها وتخدر بقية الحواس؛ بمعنى أن الحواس تفقد توازنها في استخدامها. وهذا خلافا للوسيلة الباردة التي تتطلب مشاركة قوية، مثل الهاتف، والخطابة، وأفلام الكارتون، والتلفزيون، التي تستدعي كل الحواس. وتحقّق توازنها. لقد توصل ماكلوهان من تصنيفه هذا إلى نتائج مذهلة، إذ يقول على سبيل المثال بأنّ التلفزيون يجذب، ويقود انتباهنا بشكل مكثف يكاد يكون تنويمي، فيتفاعل إحساسنا وعقلنا معه عبر الإنارة والبلورات الزجاجيّة.[51]
عودة الاهتمام بنظرية ماكلوهان
توجد العديد من العوامل التي نعتقد أنها ساعدت على عودة الاهتمام بأفكار ماكلوهان إلى درجة بات الاعتقاد راسخا بـ “إعادة اكتشاف” ماكلوهان في العصر الحالي. سنقتصر على ذكر عاملين فقط يبدوان غير مفصليين، وهما:
- تطور التكنولوجيا الرقميّة: في استحضار دور العامل التقني في عودة نجم مكلوهان إلى السطوع لا يسعنا سوى القول ما أشبه اليوم بالبارحة. يرى الكاتب الأمريكي “سدني فنكلستين”[52] بأن قطاعا واسعا من الأمريكيين كانوا يعيشون في ستينات القرن الماضي حالة شديدة الاضطراب إن لم تكن أزمة، نتيجة تنامي القلق الكبير الذي انتابهم من تجدّد الحرب الساخنة والباردة والتسابق نحو التسلح، وتزايد البطالة والخوف من تفشيها بعد أتمتة الإنتاج، وسطوة التلفزيون على المجتمع والإدمان على مشاهدة برامجه السطحية والمبتذلة… وكانوا يتساءلون: هل أن التطور التقني الذي يعيشونه يخدم ازدهار البشرية أو يسبب خرابها؟ لقد وجدوا في كتاب ماكلوهان: كيف نفهم وسائل الإعلام؟ الإجابة التي تطمئنهم، وهذا ما يفسر كثرة الإقبال عليه ساعة صدوره. إذا كان الناس يخشون من سطوة التلفزيون في العقد السادس من القرن الماضي، فقد بدأوا يخشون من سطوة شبكة الانترنت وتطبيقاتها، التي لا تكف عن التطور، في مطلع الألفية الحالية. هكذا عاد الاهتمام بأفكار ماكلوهان لعلها تهدئي من روعهم.[53]
حقيقية، هناك من يعتقد أن الميديا التي تحدث عنها ماكلوهان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لا وجود لها اليوم، لذا لم يكن باستطاعته التكهن بالكمبيوتر وتطبيقاته[54] وما تحدثه من تغيرات على الصعيدين الماكرو والميكرو اجتماعي لكن الكثير من الكُتّاب انصرفوا إلى سحب ما قاله ماكلوهان عن المطبعة، في بداية اختراعها، والهاتف والتليغراف والإذاعة والتلفزيون في ستينات القرن الماضي وسبعيناته على شبكة الانترنت والمنصات الرقميّة، ورأوا أنها تجمع كل هذه الوسائط. وبلغ الحماس بتلميذه الوفي، ” ليفينسون بول”، ” درجة أنه لم ير ماكلوهان إلا في صورته الرقميّة. [55]
-2 انتشار الفكر ما بعد الحداثي: لم تكن لمؤلفات ماكلوهان تأثير على الأوساط الأكاديميّة الأمريكيّة التي انشغلت بالاتصال والإعلام إلا بعد أن تبناها منظرو ما بعد البنيويّة وما بعد الحداثة الفرنسيين في مطلع سبعينات القرن الماضي. حقيقة، لقد اعترف ماكلوهان بأن كتاباته لا تمت بأي صلة لبنيويّة “دو سوسير”، ويعارضها جملة وتفصيلا، لكن الباحث الأمريكي ” دونالد ثيال”[56] رأى أن مؤلفات ماكلوهان تشكل كتابات ما قبل البارثية ( نسبة إلى رولان بارث) والدريدية ( نسبة إلى جاك ديريدا) الليوتارية ( نسبة إلى فرنسوا ليوتار) والبوردرالية ( نسبة إلى جون بورديار). ولشرح هذه الفكرة يمكن القول أن مكلوهان نشر كتابه “العروسة الميكانيكية” في1951، أي قبل أن ينشر رولان بارث ” مؤلفه: مثيولوجيا” في 1956، لكنهما تشابها بشكل مذهل، فكلالهما تضمن نقدا اجتماعيا من خلال معالجة وقائع الحياة الثّقافة الشعبيّة وتأثيرها على المجتمع. لذا وصف ماكلوهان بأنه “بارثي” قبل رولاند بارث. واعتقد “جون فكيت”[57] أن جاك دريدا استعار الكثير من الموضوعات والمفاهيم التي تناولها مارشال ماكلوهان في ستينات القرن الماضي وسبعيناته، مثل “التمركز العقلي Logocentrism، والتمركز الصوتي Phonocentrism، والحروف الصوتية وأثرها، والتتابع الخطي linearity الكابح للفكر متعدّد الأبعاد، والحس المتزامن simultaneity synaesthesia. لذا أعتبر ماكلوهان بأنه ” داريدي” قبل الأوان. وبناء عليه تسأل الباحث “باتريس فليشي”[58] قائلا: ألا يعتبر ماكلوهان، في أخر المطاف، أول مفكر في تيار ما بعد الحداثة؟
أكد بعض الباحثين على تأثر بودريار بماكلوهان- لذا قيل أن ماكلوهان “بودرياري” قبل الأوان – لكن الباحثة “مرجوري فرغيسون”( Marjorie Ferguson ) استنتجت بأن بودريار } نقل حتميّة ماكلوهان التكنولوجيّة إلى عدميّة تقنيّة (…) وقد نتج عن هذا النقل نموذجا أكثر حتميّة لم يتنبأ به ماكلوهان قط. فوسائل الإعلام فائقة الواقعية أورلية ( نسبة إلى “جورج أورويل”) في العالم الشمولي والاستبدادي الذي وصفه في روايته الشهيرة )}.[59]
وعاد الاهتمام بأفكار ماكلوهان أيضا بعد أن تأسست، مجموعة “الميديولوجيا” La médiologie من نخبة من الكُتّاب والفلاسفة والفنانين الفرنسيين، مثل “دانيال بنيو”، و” لويز مرزو”، و” كاترين برتو-لافنير” بقيادة الفيلسوف “رجيست دو بري”، التي اهتمت بالوساطة التقنيّة والعديد من المواضيع والأفكار التي تضمنتها كتابات ماكلوهان، لاسيما موضوع الوسيط Medium التي نحتت منه اسمها. وعلى الرغم من أن “رجيست دو بري” أكد بأن مشروع ” الميديولوجيا” لا صلة له بأطروحات مكلوهان، ووجه نقدا لاذعا لهذا الأخير، إذ وصفه ” بالنبي الدجال، والمُشَوَش والمُبَهْرج “[60] إلا أنه سعى ومجموعته إلى إضفاء الطابع “الميدياتيكي على التاريخ البشري”. فقسمه إلى ” لوغوسفير” Logosphere و”الغرافو سفير” Graphosphere و” الفيديو سفير” Videosphere محاكيا في ذلك التقسيم الماكلوهاني للتاريخ البشري إلى المراحل التالية: ” العصري الشفاهي، و” مجرّة غتنبرغ” و” مجرّة ماركوني”.[61]
ماكلوهان في الدرس الإعلامي “العربي”:
للبحث عن موقع ماكلوهان في الدّرس الإعلامي العربي استبعدنا من الدراسة الكتب المترجمة إلى اللّغة العربيّة هي قليلة جدا. واعتمدنا على عينة قصديّة من الكتب قوامها 32 كتابا، يعتبر الكثير منها مرجعًا في تدريس نظريات الإعلام والاتصال في كليات وأقسام الإعلام في المنطقة العربيّة. ولم نعثر سوى على ثمانية كتب فقط! تطرقت، بهذا القدر أو ذاك، إلى مارشال ماكلوهان وأطروحاته، كما هو مبيّن في الجدول التالي:
المرجع | التعريف | ملهمو مكلوهان | أطروحات مكلوهان | مرتكزات النقد |
نظريات الإعلام والاتصال الجماهيري[62] | التعريف بماكلوهان | هارولد أنيس
سيغفريد غيديون لويس مفورد |
§ الوسيلة هي الرسالة
§ الوسيلة امتداد للإنسان § مراحل في تاريخ وسائل الاتصال § وتطور المجتمعات |
|
الأسس العلمية لنظرية الإعلام[63] | التعريف بماكلوهان | هارولد أنيس
سيغفريد غيديون لويس ممفورد |
§ الوسيلة هي الرسالة
§ وسائل الإعلام امتداد § مراحل تطور وسائل الاتصال § تصنيف وسائل الإعلام: ساخنة/باردة |
|
نظريات الاتصال [64] | § تصنيف وسائل الإعلام ساخنة/باردة
§ مراحل تطور وسائل الاتصال |
نقد رشارد دبلاك : القرية العالمية.[65] | ||
نظريات التأثير الإعلامية[66] | عرفت بنظرية وسائل الاتصال كامتداد للحواس وليس نظرية ماكلوهان | § وسائل الاتصال امتداد لحواس الإنسان
§ الوسيلة هي الرسالة § تصنيف وسائل الإعلام: ساخنة- باردة |
نقد رشارد دبلاك : القرية العالمية | |
نظريات الاتصال[67] | عرفت كنظرية التأثيرات التراكمية | هارولد أنيس | § وسائل الاتصال امتداد لحواس
§ مراحل تطور وسائل الاتصال § الوسيلة هي الرسالة § تصنيف وسائل الإعلام: ساخنة/باردة |
نقد رشارد دبلاك : القرية العالمية |
نظرية الحتميّة التكنولوجيّة[68] | عرفت كنظرية الحتميّة التكنولوجيّة | § طبيعة وسائل الإعلام
التي يتصل بها الإنسان تشكل المجتمعات أكثر ممّا يشكلها مضمون ما تبثه § ذكر مراحل تطور وسائل الاتصال § تصنيف وسائل الإعلام § وسائل الإعلام امتداد لحواس الإنسان § الانجراف التكنولوجي |
نقد رشارد دبلاك : القرية العالمية
التفاعلية تنفي تصنيف مكلوهان لوسائل الإعلام واستبدال حتمية بأخرى |
|
الاتصال الجماهيري والاعلام التطور الخصائص والنظريات[69] | § من قرية ماكلوهان العالمية إلى المدينة العالمية لبرجنسكي
§ شرح مراحل تطور وسائل الاتصال § الوسيلة هي اللغة ؟ |
نقد مفهوم القرية العالمية والدعوة إلى مراجعتها نتيجة التشتت والانعزال بفعل التكنولوجيا | ||
الاتصال ، المهارات، والنظريات، واسس عامة[70] | § شرح مراحل تطور الاتصال
§ الرسالة هي الوسيلة § تصنيف وسائل الإعلام |
لا ندري لماذا استبعدت أطروحات ماكلوهان من 24 مرجع يتعلق بتدريس نظريات الإعلام والاتصال؟ هل أن مصممي الخطة الدراسيّة في أقسام الإعلام وكلياته تجنبوها عن سهو أو لاعتقادهم أنها فقدت أهميتها ، وأن التطور التكنولوجي تجاوزها، علما أن هذه المراجع اهتمت بنظرية القذيفة أو الطلقة السحريّة وتأثير وسائل الإعلام المطلق.
على ضوء قراءة ما كتب عن ماكلوهان في الكتب المذكورة في الجدول، استنتجنا ما يلي:
- إن القسم الأكبر من محتوى ما كُتِب عن أطروحات ماكلوهان مكرّر ومستنسخ من مؤلف جيهان رشتي.[71] ومن المحتمل أن يكون البعض لم ينسخها مباشرة من هذا المؤلف، بل نسخها من مصدر ثالث نسخها بدوره من المؤلف المذكور. والنتيجة أنه تم تدوير المعلومات ذاتها في أغلب الكتب المدروسة !
- لا تساعد الكتب المدروسة على معرفة ماذا قال ماكلوهان بالضبط، وربما السبب في ذلك يعود إلى ضعف توثيق ما تضمنته من معلومات، إن لم نقل غيابه في بعضها. فهناك تداخل، إن لم يكن خلطا، بين ما نسب إلى ماكلوهان دون ذكر المصدر، وبين ما كتبه البعض عن ماكلوهان، وبين ما يفكر فيه صاحب الكتاب عما قاله ماكلوهان ![72]
- يتفق الكثير من الكُتَّاب والنقاد على أن أفكار ماكلوهان تعرضت إلى التأويل حتى من لدن الناطقين باللّغة الإنجليزيّة وفي أوساط أبناء الثقافة الأنجلوساكسونية[73]، مما يبعد تهمة سوء ترجمة كتبه أو ضعفها. لقد فسر بعضهم مقولته المشهورة : ” الوسيلة هي الرسالة”، على سبيل المثال، بأن الرسالة لا قيمة لها في الإعلام والاتصال[74] أو لا تضاهي أهمية الوسيلة! وأن “القرية العالميّة” هي صنيعة التلفزيون.[75] وإن كان التأويل حقا مشروعا في البحث العلمي، فإنه يوسع الهوة الفاصلة بين قصد المُؤلِف والمعنى الذي يستخلصه المُؤَوِل إلى درجة نسف ما أراد المُؤلِف قوله أو تقويل هذا الأخير ما لم يقله. وهذا ما حدث إلى حد كبير، مع الكتب التي درسناها.[76]
- تنظر مختلف الكتب التي درسناها إلى ماكلوهان بعيون جيهان رشتي. لقد أصدرت هذه الأخيرة كتابها في 1978، أي قبل عشر سنوات من صدور كتاب ماكلوهان: “رباعيّة قوانين الميديا”[77] الذي يعد كتابا مهما للتقييم الملموس لنشاط وسائل الإعلام. لذا، لم تتضمن الكتب في العينة المدروسة أي إشارة إلى هذه الرباعيّة. ولم تلتفت إليها المقالات العلمية التي كتبت باللغة العربية محاولة الحديث عن ماكلوهان اليوم![78]
- لم يسع الدّرس الإعلامي العربي، مع الأسف، إلى الاستفادة من مساهمات بعض الكُتّاب العرب الذين استعانوا ببعض أطروحات ماكلوهان في كتاباتهم على غرار عبد الله الغذامي،[79] وعبدالسلام بنعبد العالي.[80]
6- لم يشر أي مرجع من المراجع التي اعتمدنا عليها كعينة في هذه الدراسة إلى كتاب ماكلوهان الوحيد الذي ترجم إلى اللّغة العربيّة: كيف نفهم وسائل الاتصال؟[81] بعد أحدى عشر سنة من صدور نسخته الأولى باللّغة الانجليزيّة! فهذا الكتاب، الذي بفضله اكتسب ماكلوهان شهرته العالمية، لم يتلفت الدارسون العرب إلى طبعته العربيّة، فأصبحت نسيا منسيًّا ! وبالتالي لم تؤد إلى بعث النقاش عن “الماكلوهانية” في الفضاءين العربيّن: الأكاديمي والصحفي. وهذا خلافا لترجمة كتابه “مجرّة غنتبرغ” إلى اللّغة الفرنسيّة بعد سنة فقط من صدوره بلغته الأصليّة. لقد دشنت هذه الترجمة النقاش عن ” الماكلوهانية” في فرنسا، وساهمت في استلهام رواد ما بعد الحداثة الفرنسيين من أفكار ماكلوهان في كتاباتهم، مثلما ذكرنا آنفا.
وما وُجِه من نقد إلى أطروحات ماكلوهان في الكتب التي درسناها، على قِلَّته، يكرّر، هو الأخر، النقد الذي وجهه “ريتشارد بالك” إلى مقولة “القرية العالمية، إذ يرى أنه (لم يعد لها وجودا حقيقيا في المجتمع المعاصر، موضحا ذلك بأن التطور التقني الذي استند إليه ماكلوهان عند وصفه للقرية العالمية استمر في مزيد من التطور، وأدى إلى تحطيم هذه القرية العالمية وتحوليها إلى شظايا، مبينا أن العالم الآن أقرب ما يكون إلى البناية الضخمة التي تضم عشرات الشقق السكينة يقيم داخلها أناس كثيرون، وكل منهم يعيش في عزلة ولا يدري عن جيرانه الذين يقطنون معه في البناية).
وانفرد كتاب واحد [82] في نقد كتابات ماكلوهان انطلاقا من بعض ممارسات البيئة الرقميّة التي أضحت “حسا مشتركا” في الدّرس الإعلامي، مثل التفاعليّة والتشتّت والانعزال، بيد أن هذا النقد لا يخرج عن منطق الحتميّة. فإبراز ظاهرة التشذر والعزلة الاجتماعيّة ونسبها إلى عامل وحيد وهو التكنولوجيا، والحديث عن الانجراف التكنولوجي يدعمان رؤية ماكلوهان المعظمة للتكنولوجيا وسطوتها في المجتمع، وإغفال دور هذه التكنولوجيا يعني، أيضا، الهروب من حتمية إلى أخرى.
واعترض كتاب واحد[83]من الكتب المدروسة على تصنيف وسائل الإعلام إلى باردة وساخنة، بالقول أن التطور التقني، مثل التلفزيون التفاعلي يطعن في هذا التصنيف.[84]
لم تغامر جيهان رشتي وتنقد بعمق أطروحات مكلوهان، بل أشارت بنغمة يشوبها الاعتذار، بأنها لم تقدم أفكار ماكلوهان منظمة (لأن ماكلوهان نفسه يؤمن بالتعمق والاستكشاف أكثر من ايمانه بتقديم تعريفات نهائية. لهذا ، نادرا ما يقدم أي فكرة من أفكاره على أنها حقيقة قاطعة. فنادرا ما يبلور مكلوهان فكرة من أفكاره حتى تكتمل، وهو يحتقر الأدلة التي يتم التوصل إليها بالأساليب العلمية للبحث لأنه يشعر أن الأبحاث متحيزة لصالح المطبوع والسطري). [85]
وحتى نعفي جيهان رشتي من كل اعتذار أو حرج نشير إلى أن أفكار مكلوهان لم تكن أبدا منظمة ومتسلسلة إذ وصفت كتابته للتاريخ البشري بالفسيفساء[86]. لقد رسم، في كتابه كيف نفهم وسائل الإعلام؟ ( جدارية لتاريخ البشرية، بثوراته العرقيّة وبالتطور في اللّغة والتقنيات والاختراعات والفنون والعلوم. وعرض هذا التاريخ بشكل مشوش، فَقَرّب العصور والمواضيع المتباعدة جدًّا وكأن هذا التقريب أفرزته آلة مجنونة تعمل على استعادة الزمن ).[87]
ولم يلجأ أي كتاب من الكتب التي درسناها إلى وضع مقولات ماكلوهان على محك التاريخ الثقافي والإعلامي في بعض البلدان العربيّة. فلم نعثر على أي تحليل للعوامل التقنيّة والدينيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة التي أخّرت طباعة المخطوطات العربيّة في البلدان العربيّة.[88] لذا لا يمكن تعميم ما ذكره ماكلوهان عن دور المطبعة في أوروبا وتطبيقه في المنطقة العربيّة بعد أن وصلتها على يد القوات الاستعماريّة. ولم نعثر أيضا في الكتب المدروسة على بداية تشكل “مجرّة غتنبرغ” في المنطقة العربيّة على غرار ما قام به “فرانس فانون”، على سبيل المثال. لقد درس تطور علاقة الجزائري بالمذياع قبل الثورة التحريريّة وإبانها بشكل دقيق يدحض ما طرحه ماكلوهان عن الإذاعة.[89] ولم تناقش الكتب المدروسة أطروحات مكلوهان على ضوء الدراسات الميدانيّة التي أجريت في بعض البلدان العربيّة، على قِلّتها. فلم يكن تصور هذا الأخير للصحيفة والكتاب والتلفزيون، والأفلام السينمائية، حتّى في مجازيته، ينطبق على تصور الجزائريين في القرى والأرياف لهذه الوسائط في مطلع الستينات والسبعينات من القرن الماضي. ولا يتطابق حتّى مع نظرة السلطة السّياسيّة لوسائل الإعلام آنذاك، لأن علاقة هؤلاء الجزائريين بوسائل الإعلام كانت صنيعة المصادفة والظروف العابرة نظرا لضيق ذات اليد وانتشار الأمية[90].
يتضح مما سبق أن ما تضمنه الدّرس الإعلامي في المنطقة العربية عن ماكلوهان لا يساعد في مجمله الدراس كثيرا على فهم نظريته، ولا يرتقي إلى مستوى ما هو مطروح في كليات الإعلام الأجنبية التي تعكسه المراجع التي استعنا بها لإعداد هذه الدراسة.
الماكلوهانية في البيئة الرقميّة:
يمكن أن نرصد اتجاهين للماكلوهانية في البيئة الرقميّة. الاتجاه الأول ظل وفيًّا لنزعة ماكولهان الاستعارية، إذ اتجه إلى تكييف أطروحاته مع معطيات البيئة الرقميّة وتعميقها. واتجاه أخر سعى إلى إعطاء بعد تطبيقي لها من خلال تنزيل “قانون الميديا” على العُدّة الرقميّة، كالهاتف الذكي، ومواقع التواصل الاجتماعي، مثل الفيسبوك.
يمثل الاتجاه الأول مجموعة من الكُتّاب مثل، “جيفري ريبورت” و”بروكر ويل” و”توركل شيري” ، وغيرهم الذين اجتهدوا في تفسير ما كتبه ماكلوهان منذ أزيد من نصف قرن على ضوء الواقع الراهن.
يؤكد ماكلوهان على ” أننا وجدنا أنفسنا مغمورين في عالم يحدث فيه كل شيء في آن واحد؛ أي بطريقة كهربائية. فالمعلومة أو الخبر ذاته متوفر في اللحظة عينها في مختلف أطراف العالم… وأنظمة البحث الكهربائية تَعِدُنا بأننا نتذكر أي شيء بشكل آني”[91]
لقد استنتج بعض الكتاب من هذه الفقرة أن ماكوهان تنبأ بالهاتف المحمول وبتأثيره الاجتماعي. فـ ” جيفري ريبورت”، رأى بأن استخدام هذا الجهاز يجعل منه امتدادا لذاكرتنا.[92] وأكدت “توركل شيري” أننا نستعمل الهاتف المحمول كامتداد لعقلنا، وكأننا نحمل معنا “أنا” ثانية.[93] ورأى “ويل بروكر” بأن الناس يستعملون الهاتف المحمول كواجهة بين العالم الحقيقي والفعلي و”العالم الرقمي”، فتُحوّل العالم الفعلي إلى بيانات، تُحَسِّنه هذه الواجهة، وتعرضه كطبعة أسمى من العين المجردة”.[94]
لعل أبرز من يمثل هذا الاتجاه هو ” ليفينسون بول”، الذي خصص كتابه:” ماكلوهان الرقمي، دليل للإعلام في الألفية” للبحث عن خصائص العصر الرقميّ على ضوء سمات وسائل الإعلام المختلفة من المنظور الماكلوهاني، إذ أكد في هذا الصدد على أن ” جذور العصر الرقمي توجد في الهاتف والمطبعة. إنها أقوى من التلفزيون على الرغم من أن هذا العصر الذي يُعرض علينا في الشاشات أصبح مألوفا بفضل التلفزيون.[95]
لقد سار هذا الكاتب على خطى أستاذه في مطابقاته التاريخيّة واستعاراته، إذ يذكر بأن “الفضاء الصوتي” الماكلوهاني ليس سوى الفضاء السيبري. ويشرح فكرته هذه بالربط بين التواصل عبر الخط Online والاتصال الشفهي من خلال سهولة كتابة النصوص على الشاشة وتغييرها، وسرعة إرسالها بشكل تزامني لتضاهي الاتصال الشفهي. وهذا خلافا للاتصال المطبوع على الورق. وبهذا يرى أن الاتصال عبر الخط يشبه إلى حد كبير الاتصال الشفهي. ” فالأصابع لا تتحرك فقط عبر الشاشة بل تفكر”.[96]
بالفعل، يعتقد البعض أن التكنولوجيا الرقميّة تمنح الفرصة لإثبات صحة رؤية مكلوهان لوسائل الإعلام، إذ يذكر بأن كل وسيلة إعلام جديدة تستعين بخصائص الوسيلة التي سبقتها في الوجود وحتى لغتها، مثلما ذكرنا آنفا، وتستغلها لصقل خصوصيتها وتشكيل لغتها الخاصة. وهذا ما حصل فعلا مع شبكة الانترنت التي تشكل محتواها من وسائل الإعلام التي سبقتها إلى الوجود، وأنتجت “وسيلة هجينة” تجمع خصائص الوسائل السمعية، والسمعية البصرية، والمكتوبة، وفرضت شكلا مبتكرا من الكتابة والقراءة والمشاهدة. ومكّنت مناصري ماكلوهان من نقل ” الأخوة الكهربائية” التي بشر بها في قريته العالمية إلى ” الأخوة الرقمية” التي يعبر عنها مصطلح “الوعي الفائق” Hyper consciousness ” الذي يقول عنه الكاتب “هارفي فيشر”[97] ( أنه جماعي ومترابط عبر شبكة الانترنت ، ويشترك فيه الجميع رقميًّا. لقد نتج هذا الوعي من مضاعفة المعارف والمعلومات الطافحة في مواقع التواصل الاجتماعي التي تغير قيمنا وسلوكنا وتمس عواطفنا وتحمّلنا المزيد من المسؤولية تجاه الآخرين البعدين عنا جغرافيا والمختلفين عنا ثقافيا، فنصبح أكثر تسامحا واحتراما للآخرين).
ويمثل الاتجاه الثاني، الذي اتخذ طابعا تطبيقيا، كل من “إيان بوغوست ” و”غودن تورنس” اللذان انطلقا في بحثيهما من ” القانون” الذي صاغه ماكلوهان، والذي يبدو أنه أكثر منهجية وتبصرا من كل مقولاته لكونه يوفر أداة عملية لدراسة الميديا ويضع أفكاره موضع التنفيذ. وينص هذا القانون على أن لكل وسيط اتصالي أو إعلامي تأثير يمكن حصره في أربع فئات، وهي: التحسين والتعزيز، والتقادم ، والاسترجاع ، والتحويل[98]. بمعنى أن دراسة أي “ميديا” يتطلب النظر إلى تكنولوجيا الاتصال التي سبقتها، وبماذا تجاوزتها، وما هي الإضافات التي قدمتها أو التعديلات التي أدخلت عليها. فالإذاعة وفق هذا القانون حسّنت الأخبار( مقارنة بالصحافة، لكن لا نعرف كيف؟ هل على المستوى الكمي أم الكيفي؟ ربما الأصح على مستوى النقل الآني للأحداث ( و حسّنت الموسيقى. وقلَّلت من أهمية المطبوع والصورة ( هل تقدمت عليهما؟ (، واسترجعت مكانة الكلام ( أعادت مكانة الاتصال الشفاهي).
يصحّح ” إيان بوغوست ” تقييمنا لقانون الميديا المذكور، ويرى أنه استعارة تلائم جدران موقع شبكة الفيسبوك. ويدعونا إلى مساءلة دور هذا الموقع، وتخيل التغيير الثقافي والاجتماعي الذي يمكن أن يحدثه في امتداد الأجساد والأذهان من خلال الفئات الأربعة المذكورة أعلاه، ويستنتج في الأخير أن موقع الفيسبوك ليس مجرد وسيط، بل إنّه بيئة إعلاميّة. واقترح إضافة فئة خامسة إلى قانون الميديا المذكور، تتمثل في تطوير موقع الفيسبوك ذاته.[99]
وقدم الجدول التالي الذي يبيّن ما أحدثه موقع الفيسبوك من تأثير وفق القانون الرباعي المذكور[100]:
يهمل/يزيل | يسترجع | يتحول إلى | يعزّز/ يحسن |
الاجتماعات
الوقت، الذّاكرة، الماضي، السر. |
البلدة الصغيرة، القرية، والشارع الرئيسي، والتسكع ، ومحل المشروبات الغازيّة ، الممرات، تدوين اليوميات الحميمية، والصحف. | حياة جامعيّة، المراهقة،
المدرسة الثانويّة |
دليل الهاتف
جهاز الرد الآلي لوحة إعلانات سجل الأسماء ، كتابة اليوميات الآنية (الجدّة) والشهرة |
وعلى الرغم من تأكيد ماكلوهان على أن قانونه هذا يستند إلى مقاربة بنيويّة ومتزامنة ويضمن وجودا آنيًّا للفئات الأربعة [101] إلا أن تطبيقه اسفر عن نتائج بسيطة جدًّا وفوقيّة وعامة. والسبب في ذلك لا يكمن في تحييده لمستخدم الفيسبوك وسياق استخداماته، بل بالنظر إلى ما توصلت إليه البحوث الاجتماعيّة التي تناولت بالدراسة دور مواقع التواصل في تشكيل رأسمال الاجتماعي[102] والتنشئة الاجتماعيّة، والدراسات النفسيّة التي ركزت على ” تخريج ما هو حميمي” extimacy” في مواقع التواصل الاجتماعي، ودك الحدود بين ما هو خاص وما هو عام.[103] والدراسات السّياسيّة التي لم تكتف بالإشارة إلى قدرة مواقع التواصل الاجتماعي على التنظيم، وعلى سرعة تداول الأخبار وتقاسم المعلومات التي تُنَشِّط الفعل النضالي. هذا إن صرفنا النظر عن مبالغتها في القدرة التجنيديّة والنضاليّة للعُدّة التقنيّة إلى درجة أن المناضلين أصبحوا يُعَرفون بالمنصات الرقمية التي يستعملونها في نضالهم أكثر من القضايا التي يدافعون عنها . وأصبحت بعض الثورات توصف بهذه العُدّة، مثل ثورة “تويتر” في بلد يقِلّ فيه عدد المشتركين في هذا الموقع ![104]
فعلى الرغم من تأكيد مرشال ماكلوهان على مفهوم البيئة إلا أن تطبيق قانونه على الميديا الرقميّة لا يُمكّن الدارسين من الغوص في عمق ما افرزته ؛ أي فيما أصبح يعرف بالميديا الهجينة Hybrid التي تسعى إلى تحقيق التوازن، بهذا القدر أو ذاك، بين منطق وسائل الإعلام التقليديّة المتمثل في التوزيع والتلقّي، ومنطق الميديا “الجديدة” القائم على الانتشار والتفاوض.[105]
وبتركيزه على العدّة التقنيّة، اغفل “قانون الميديا المكلوهاني” القطب الهام في الظاهرة الإعلاميّة، أي المتلقّي/ المستخدم، وطابق بالتالي، من حيث لا يدري، بين جمهور الميديا التقليدية ( صحف، مجلات، إذاعة، وتلفزيون)، الذين يقتصر نشاطه على القراءة والاستماع والمشاهدة ، ومستخدمي الميديا الاجتماعيّة الذين اتسعت ممارساتهم، وتعمقّت وتنوّعت، لتشمل المراقبة، والتحري، والمسح الضوئي، والنظر، ومشاهدة ما يعرض في الشاشة عبر الخط Online، والقراءة، والاستماع، والبحث، والتحمّيل والتخزين، والنقر على الايقونات والروابط الرقميّة، والتعليق، والتعبير عن الإعجاب، وإعادة التوزيع أو النشر، والتشارك، وكل ما ينجر عن هذه الممارسات على الصعيد الاجتماعي والثقافي.
يسمو قانون “الميديا” الماكلوهاني، في تعميمه، على المجتمع ، ويغفل أن الاتصال ( يتموضع في نهاية المطاف داخل مجتمع معين، وينفذ بأدوات مجتمعيّة معينة).[106] وهذا يعني عمليًّا أن ما تفعله العُدّة التقنيّة في هذا المجتمع على سبيل المثال لا يتطابق حرفيّا مع ما تحدثه في ذاك المجتمع، لأنها تنغرس في التقاليد الاتصاليّة في المجتمع فتحيي موروثه الثقافي أو تفكّكه أو تستغني عنه.[107]
نقد الماكولهانية:
لم تفلت أي أطروحة من أطاريح ماكلوهان من النقد على ضوء الحقائق التي تضمنها التاريخ البشري، وتاريخ وسائل الإعلام، والمخترعات التقنيّة، ودراسات علم النفس الإدراكي، والاقتصاد السياسي.
لقد أقصى ماكلوهان في مقولته ” إن الميديا امتداد للإنسان ” مكسبا من المكاسب المعرفية التي تحقّقت في عصر الأنوار، والمتمثل في التمييز بين ما هو طبيعي وما هو ثقافي.[108] وبالتالي الوقوع في الخلط الذي حذر منه البنيويون، وعلى رأسهم كلود ليفي شترواس، والمتمثل في أن عدم التمييز هذا يؤدي، في أخر المطاف، إلى الإخفاق في إدراك ما هو إنساني،[109] وإلى القفز على ما يُجْمِع عليه الانتربولوجيون ويختصرونه في القول بأن ما هو طبيعي وثقافي هو نتيجة بناء اجتماعي.
ركز النقاد على المغالطات التاريخيّة التي بنى عليها ماكلوهان تحليله واستنتاجاته. لقد كشف “سدني فنكلستين” العديد منها، نورد بعضها في شكل أسئلة من باب التوضيح فقط [110]: عندما يذكر ماكلوهان بأن الفضاء الإقليدي هو نتيجة مباشرة لظهور الحروف الصوتية، فهل كان يجهل بأن الفينيقيين هم الذين اخترعوا هذه الحروف، وأنهم عاشوا قبل المسيح بعشرة قرون، وأن اقليدس عاش قبل المسيح بثلاثة قرون، أم أن لعبارة ” مباشرة” معنى خاص لدى ماكلوهان؟ وإن كان ورق البَرْدِيّ وراء قيام الإمبراطورية الرومانيّة، مثلما يزعم ماكلوهان، فلماذا لم يؤد هذا الورق بالمصرين إلى إنشاء إمبراطوريتهم قبل الرومان بحكم أنهم كانوا الأسبق في استخدامه؟ وإن كانت الحركات القومية أدت الى اسقاط حكومات نتيجة توزيع الأخبار بفضل المطبعة ذات الحروف المتحركة، مثلما يؤكد ذلك ماكلوهان، فلماذا لم تنطلق الثورة من الصين التي استخدمت المطبعة ذات الحروف المتحركة منذ القرن الثامن ميلادي؟
تشاطر الباحثة إليزابث إزنستين ماكلوهان في فكرته التي تنص على أن انتقال الكِتاب من المخطوط إلى المطبوع قد أحدث انقلابا في المعرفة، لكنها لا تعتبر، بأي حال من الأحوال، أن الأداة التقنيّة هي العنصر المحدّد والحتمي للتغيرات الاجتماعية في الأزمنة المعاصرة. وترى أن للمطبعة علاقات بالسلطات الدينيّة والسّياسيّة التي تشرف على الإنتاج الفكريّ أو تحظر نشره. [111] لذا نلاحظ أن المطبعة في أروبا ساهمت في تعزيز النزعة الفردانيّة والنهضة بينما أدت إلى مركزيّة المعرفة والسلطة في الصين[112].
وإن كانت الرقمنة قد طالت مختلف وسائط الاتصال، وأخضعتها لمنطق المواءمة الذي فتح المجال لبروز ظاهرة ” العبر الميديا” transmedia ، ممّا يبطل تصنيف ماكلوهان لوسائل الإعلام بالساخنة والباردة، فإن الكثير من الباحثين حكموا على هذا التصنيف بالسطحى وحتى الأسطوري. فالميديا الساخنة، على سبيل المثال، ثريّة في البيانات والمعلومات حسب ماكلوهان الذي لم يقس هذا الثّراء بكميّة المعلومات وتنوعها التي تنقل الواقع أو التجربة الاجتماعيّة التي تعبر عنها، بل قاسها بالأثر النفسيّ الذي تتركه على الحواس ممّا يؤدي إلى إضعاف مشاركة الجمهور. لقد صنف المطبوع بالساخن لضعف مشاركة حواس القارئ في القراءة. فلننظر إلى قراءة أي نص، حتّى وإن كانت قراءة صامتة، ألا تتطلب جهدا بصريّا وذهنيّا لفك الحروف وإعادة تركيبها في جمل وربطها لإنتاج المعنى؟ وقد يرافق هذا الجهد تركيز الأذن الباطنية. [113]
إن تصنيف ماكلوهان للتلفزيون بأنه وسيلة باردة، نظرا الى فقر محتواه الذي يدفع المشاهد إلى تشغيل حاستي السمع والنظر من أجل إعادة تشكيل الصور التي يبثّها، دفع بعض الكُتّاب الى التندّر بالقول إن جهاز التلفزيون الذي يملكه ماكلوهان بحاجة إلى من يصلح عطبه![114]
يفتقد تصنيف مكلوهان لوسائل الإعلام إلى ساخنة وباردة التماسك والانسجام الذي ميّز تصنيف “جون فيسك”[115]، على سبيل المثال، والذي قسمها إلى ثلاثة أقسام، وهي:
- ميديا التقديم: الصوت، والوجه، والجسد. وتستعمل اللّغات” الطبيعيّة، والكلمات والتعابير والايماءات. وتشترط وجود متصل communicator لأنها مجرد وسيط.
- ميديا التَمَثُّل: الكتب، والفن التشيكيلي، والصور الفتوغرافية، التي تستعين بالمدونات الثقافيّة والجماليّة لإنتاج نص بمعزل عن المتصل ومواد للاتصال.
3- الحوامل الميكانيكيّة: الهاتف، الإذاعة، والتلفزيون وهي فئات ناقلة لفئتين الأولى والثانية، تخضع أكثر للاكراهات التقنيّة.
وتتضمن مقولة ” الوسيلة هي الرسالة” فكرة حق أريد بها باطلا في البيئة الرقميّة، إذ لا يمكن الحديث عن قوة الميديا الاجتماعية وفاعليتها بمعزل عن المستخدم وتَمَلّكه لها، لكنها فتحت أفاقا للبحث في علوم الإعلام والاتصال وفق مفهومين مركزيين، وهما: ” منظومة الميديا” “” The media device والذي يختلف عن مفهوم البيئة الإعلاميّة الذي ذكرناه آنفا ، إذ يقصد به ” الأداة المفهوميّة والمنهجيّة التي تسمح باستيعاب موضوع الميديا المعقد من خلال المساهمة في تحديد أبعادها التنظيميّة والمنمذجة الملازمة لتصوّر الإنسان لنشاطه. وأخيرا، التمفصل الذي يحدث بين الإشكاليات التقنيّة والاجتماعيّة والرمزيّة والاقتصاديّة والوجوديّة أو الإدراكيّة.”[116] ويمكن الإشارة إلى أن بيار بورديو شغّل مفهوم “المنظومة” في كتابه الشهير الذي ينقد التلفزيون الفرنسيّ.
ومفهوم القَدَارة The Affordance، الذي يُعرّف بأنّه ( مجمل الإمكانات للفعل في بيئة ما، التي تكون موضوعيّة لكنها ذات علاقة بالفاعل الذي يستخدمها).[117] فقدارة الميديا الاجتماعية تتمثل فيما تتيحه للفعل وما تفرضه عليه وعلى الفاعلين من إكراهات. فالقدرة على الفعل والتأثير لا تتوقف على العُدّة التقنيّة، على أهميتها ، ولا على الفاعلين ونشاطهم، بل إنها موزعة على الاثنين في سياق الاستخدام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. يوجد العديد من الباحثين الذين تأكدوا من أن قدارات التكنولوجيا الرقمية تساهم في تطوير ديناميكية وثقافة معينة تتطلب مناهج وأدوات بحث مخصوصة،[118]بعيدا عن الحدس الماكلوهاني الذي يستند إلى الزمن الدائري: العودة إلى العصر الشفهي، وإلى القبيلة الذي يتنافى مع فكرة التقدم. فالبحث عن قدارة مواقع التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، دفعت بالتفكير إلى أبعد من حدود المنصة الرقميّة حيث يستطيع مستخدموها من البشر وغير البشر تقديم إضافات إليها.[119] لذا يعتقد علماء الاجتماع أن مواقع التواصل الاجتماعي “لا تشكل بذاتها موضوعا مبنيًّا للدراسة ، وكل خطاب يُحَمِّلها مسؤولية التغيرات الاجتماعيّة ينزاح ، بالضرورة، إلى الحتميّة التكنولوجيّة”.[120] وتُعدّ هذه الأخيرة، في أبسط تعريف لها، عبارة عن موقف فكري يجسده الايمان بأن التكنولوجيا تحدّد، بشكل أساسي وفي أول مقام، التنظيم الاجتماعي والسلوك البشري.[121] وبهذا فهي التي ترسم القدر التاريخي المحتوم العالق بالإنسان وبتاريخه، والذي لا مندوحة عنه.
ويعتقد أنصار هذه الحتميّة أن لوجود موقع التواصل الاجتماعي تأثير اجتماعي بالقوة ذاتها والشكل ذاته في أي مجتمع؛ أي أن هناك علاقة سببية بين المتغير المستقل ( العُدّة التقنيّة) والمتغير التابع ( التأثير الاجتماعي). يصعب على هذه السببية الصمود أمام الواقع لأن ” الأحداث لا تصنعها تكنولوجيا الإعلام والاتصال، ولا تقودها، بقدر ما تكون وليدة لنسيج مُعَقَّد لتفاعلات إنسانية-تقنية humano-technical”[122]. وتستبعد هذه الحتمية كل تفكير في إنتاج العُدّة التقنيّة ذاتها؛ أي التّفكّر في ديناميكية العلاقة بين العلم والتقنيّة والسوق، وتملّكها من قبل المستخدم. ”
تغيرت النظرة في البيئة الرقميّة إلى ثنائية الزمن والمكان التي استوحاها ماكلوهان من هارولد أنيس وبنى عليها صرحه النظري في قراءته لتأثير وسائل الإعلام على المجتمع، ليس من ناحية احداثيات الاتصال: الوقت، والمسافة، بل ضمن رؤية أشمل يتضمّنها مفهوم ” الحضورية” Presentism The الذي صاغه المؤرخ ” هارتوغ فرنسوا”. فمقولة: “هنا والآن” التي كان الاتصال يخضع لها أصبحت “هنا وهناك والآن”، والانترناتي أصبح يتصل داخل الزمن وخارجه. لقد تغيرت علاقة الإنسان بالزمن الذي يتسارع. فالحاضر يسرع ويدفع التاريخ نحو المستقبل، والماضي لم يعد يملك قيمته المرجعية.[123]
هل يمكن اعتبار ماكلوهان من مؤسسي إيديولوجيا الاتصال؟ هذا ما يستشف من تفسير العديد من الظواهر الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة المُعقّدة بعامل يتيم وحاسم، إنه الاتصال وعُدَّته التكنولوجيّة، مثل الحروب[124] ، والقوميات، والامبراطوريات، والثقافة، والكتابة، والفنون، وتشتت الحواس وتنافسها وتوازنها. فالميديا من هذا المنظور سببا ونتيجة في آن واحد. فالورق من منظور ماكلوهان كان سبب قيام الامبراطوريّة الرومانيّة وسبب فنائها[125]!
تتجدّد الخطابات الطوباوية مع كل مبتكر جديد في تكنولوجيا الاتصال فتعِد البشرية بثورة عارمة تقضي على كل مشاكلها وما تعانيه من صعوبات في شتى المجالات. وما انفكت قائمة منتجي هذه الخطابات تتمدد، يأتي في صدارتها كل من هاورد رينغولد ، وجوال دو روزني، وبيار ليفي، وومانويل كاستلز ، ولن يكون أخرها دان غيلمور. إنها الخطابات التي تغذي المخيال التقني المنفصل عن الممارسات الاجتماعية الفعلية والملموسة التي تدفع إلى الايمان بأن التكنولوجيا ليست كيان مادي فحسب، بل إنه معطى أيديولوجي أيضا ” يمنح لتقنيات الاتصال سلطة معياريّة تجعلها العامل الأول في تنظيم المجتمع وإعطائه معنى”.[126] فالمبالغة في دور التكنولوجيا الحاسم في المجتمع هو ضرب من “الإيديولوجيا غير المرئية”[127] التي تَعِدُ البشرية بوعود وردية تروم تفسير الواقع بإخفائه. فوراء الخطاب الاحتفائي بــ “الواب التشاركي”، على سبيل المثال، واظهاره بأنه يجسد التحول التكنولوجيّ الحاسم، والتطور الثقافي الكبير، ومؤسس عصر سياسي ومجتمعي جديد، يختفي واقع آخر، يندمج فيه ” الواب 2″ مع الصناعات الاتصاليّة والثقافيّة التي تتكيّف باستمرار مع السوق.[128] والخطاب الذي يروج للميديا الاجتماعيّة، مثل موقع الفيسبوك، ويبرزها كمنصة رقميّة للتحرّر من الوساطة الاجتماعيّة والسياسيّة ومؤسساتها المتسلطة ذات التراتيبية الهرميّة[129] ، يحجب ما يثبت بأنها تساهم، أيضا، بفاعليّة في إعادة إنتاج الذاتيات التي تجدّد تكيّفها مع المجتمع التجاري، فقدارتها تُمكّنها من رسم “بروفايل” Profil المستخدم بناءً على ذوقه، وما يستهلكه، وعادات هذا الاستهلاك. وبهذا يساهم هذا الموقع في بناء هوية المستخدم/ الزبون/ المستهلك أكثر من المواطن/ المناضل. وإن ظهر نضاله في “بروفايله” العام فإنه لا يسقط “هويته الاستهلاكية” بل يخدمها. ففي مواقع التواصل الاجتماعي كل شيء يتحوّل إلى سلعة لها قيمتها التبادلية.
قد يعتقد البعض أن ماكلوهان لم يجانب الصواب في حديثه عن الحرب الأبديّة بين وسائط الاعلام نظرا للتحولات التي تجري في عالم الإعلام والاتصال اليوم والتي يصفها البعض بالفوضى أو الأزمة والتي وقعت الصحافة الورقية ضحية لها. لكن بالمقابل لا أعتقد أنه يوجد اليوم من يفسر توقف الكثير من الصحف الورقية عن الصدور، أو “موت” بعض مواقع التواصل الاجتماعي، ” مثل موقع شبكة التواصل المهني ” ريس دوت كوم” Ryse.com” ، و موقع “سكند ليف Second life، بأنه نتيجة حرب الحواس التي تمزق نفسية المرء، مثلما فسر ذلك ماكلوهان نظرا لأن وسائط الاتصال هي امتداد لهذه الحواس. وأن ما يوصف بالفوضى في العالم الافتراضي لا يعبر عن الحرب الميدياتيكية بالمفهوم الماكلوهاني، بل يفصح عن التوجس من مآل التحولات المتسارعة التي تعيشها وسائل الإعلام وتبعاتها السياسية والثقافية والتي أدت إلى زعزعة ” هيمنة النظام الرمزي” بالمفهوم البوردوي- نسبة إلى بورديو- في المجتمع، وذلك لأن السلطة في ظل “الثورة الرقميّة” تبدو حسب مُنَظِر براديغم الفوضى، “بريان ماك ناير” سائلة ودائمة التغيير ومنتشرة عبر قنوات الاتصال والإعلام. تتراكم، تتبخر، تذوب عندما تتغير شروط البيئة”.[130]
حقيقة إن التطور السريع الذي يعيشه “الواب” بمختلف تطبيقاته يبدو فوضويًّا، لكن مفهوم الفوضى يظلّ نسبيًّا لأن المواقع في شبكة الانترنت والمنصات الرقمية تخضع للوائحها التنظيمية والمعلن عنها ولـ”ضبط الخوارزميات” التي تغربل وتنتقي ما تنشره. لقد أصبحت الخوازميات تضطلع بالدور الذي كان “حراس البوابة الإعلامية” يقومون به في وسائل الإعلام التّقليديّة. ولم يؤد هذا التغيير إلى فتح النقاش عن فوضى المعلومات والأخبار بقدر ما طرح ، بإلحاح، الأسئلة التالية: ما مدى تعدّد الأخبار والمعلومات وتنوعها في شبكة الانترنت ؟ ومدى صدقيتها؟ وهل تخدم حرية التعبير والفكر أم تعمل على استقطاب الآراء وتعزيز” التوحد الرقمي” Homophilia؟
الخاتمة:
يتضح ممّا سبق أن هناك أكثر من حاجة ملحّة لإعادة النظر في موقع ماكلوهان في الدّرس الإعلاميّ في المنطقة العربية وذلك بالفصل بوضوح بين ما قاله ماكلوهان وبين ما نفكر فيه عن ماكلوهان تجنبا لتشويه أفكاره ومن أجل عقلنة تأويلها، وإلى دفع هذا الدرس ليشمل كتابات الكُتّاب العرب سواء تلك التي استلهمت أفكارها من أطروحات ماكلوهان أو عارضتها، والتي ذكرنا بعضها في ثنايا هذا النّصّ. ويتطلب هذا الدرس الاستعانة بالكُتَاب الذين ساهموا في إعادة قراءة مؤلفات ماكلوهان في البيئة الرقميّة، والتي ذكرنا بعضها آنفا. فليس من المعقول أن تظل مرجعيته لفهم ماكلوهان تقتصر على كتاب جيهان رشتي الذي صدر في نهاية سبعينات القرن الماضي.
إن إعادة النظر في تدريس ماكلوهان يحرّر الدارسين العرب من القراءة الانطباعية لمقولاته والتي حولتها الكتابة الصحفية إلى أنماط مقولبة stereotype. ويفتح المجال لإعادة كتابة تاريخ الميديا في المنطقة العربيّة، ومواقع التواصل الاجتماعي، بعيدا عن سطوة التكنولوجيا وهيمنة الأفكار الجاهزة التي لم تتحرّر من منطق التأثير المطلق الذي يساوي بين الميديا والاجتماعيّة ووسائل الإعلام التقليدية. وهذا يعني نفي الطابع الديناميكي والمتحول لمواقع التواصل الاجتماعي حسب سياقات الاستخدام. فمواقع التواصل الاجتماعي في أخر المطاف هي ثمرة ما ينشره مستخدموها. لقد شكل موقع الفيسبوك فضاءً بديلا للإعلام ولإدارة النقاش السياسي أثناء الاطاحة بالرئيس بن علي من على السلطة في تونس لكنه تحول إلى وسيلة للقدح والتهكّم السياسي[131]. الأمر لا يختلف كثيرا في الجزائر. فموقع الفيسبوك كان مسرحا لنقاش النخب حول مستقبل البلاد وآليات التغيير في الحراك الشعبي في شباط / فبراير2019 لكنه تحول بعد الانتخابات الرئاسية في كانون الأول / ديسمبر 2019 إلى أداة للوشاية والتخوين، وممارسة ما يسميه ” مانويل كاستيلز” بسياسة المُفاضَحةً”[132]، أي التشهير بالخصم كأسلوب وحيد للمعارضة أو معارضة المعارضة لغياب برنامج واضح يمكن نقده.
على الرغم من النقد الذي وُجه لمؤلفات ماكلوهان إلا أنها تتضمّن أفكارا مفيدة يمكن توظيفها في البحوث الأمبريقية في المنطقة العربية حتى ترسخ نظرية الوسيط Medium Theory في الدرس الإعلامي العربي. ومن المعلوم أن هذه النظرية التي حدّد معالمها الباحث “جوشوا ميرويتز” في مؤلفه المذكور أنفا استنادا إلى أطروحة ماكلوهان، دفعت الدراسات الإعلامية إلى التركيز على الوسيط الإعلامي، وعدم الاكتفاء بتحليل مضمون ما يبثه. فالوسيط ليس ناقلا محايدا للمضمون، بل مؤثرا بنجاعة فيه ويسمح بأشكال من تفاعل المتلقّي مع الميديا . لقد توطدت هذه النظرية في البيئة الرقميّة بعد اعتمادها على المفهوم الإجرائي لقدارة الميديا الاجتماعية.
لعل أكبر خدمة يقدمها نقد المكالوهانية للدرس الإعلامي في المنطقة العربية هو تحريره من الفكر الاختزالي والتبسيطي الذي تقع فيه بعض البحوث، ربما لا شعوريا، في دراستها للظواهر الإعلاميّة. فما يميز كل حتميّة أنها تهمش بعض المتغيرات الفاعلة في دراسة الميديا إن لم تلغها، فتسد الطريق أمام كل فكر انعكاسي، ومعقد، وتغلق أبواب الاستكشاف، مما يؤدي إلى اجترار التبرير وتقديم الإجابة الجاهزة العابرة للأزمنة والسياقات.
المراجع والهوامش
[1] – Elihu Katz, La recherche en communication depuis Lazarsfeld.. Revue Hermès, France, No 4, 1989 /1, pp 77-91
[2] – هذا ما يستشف من قراءة الفصل السادس المعنون بــ: “استخدام أدوات ماكلوهان، في كتاب Mcluhan, a guide for the perplexed ” لــ و. تيرونس غوردن، الذي حاول فيه الاجابة عن 68 سؤالا يتعلق بأفكار ماكلوهان وقدم من خلالها قراءة معاصرة للفكر “المكلوهاني” وتجديده ليستوعب التكنولوجية الرقميّة وممارساتها معتمدا في ذلك على مؤلفات كُتّاب سيرته ومن يعتبرون ورثة ماكلوهان. أنظر:
- Terrence Gordon: Mcluhan, a guide for the perplexed , NY, Ed Continuum, 2010, PP 151 -165
[3] – أنظر:
Meyrowitz Joshua: No Sense of Place, The Impact of Electronic Media on Social Behavior, Oxford University Press, USA, 2005, 432 pages
[4] Levinson Paul , McLuhan digital a guide to the information millennium , New York , Routledge 1999, p. 3.
[5] – W. Terrence Gordon , Mcluhan, a guide for the perplexed ,p151
[6] -Raphael Peter: The Medium in Your Pocket’, A McLuhanian Approach to New Media ,in Carmen Birkle, Angela Krewani and Martin Kuester: McLuhan’s Global Village Today, UK ,
Pickering & Chatto, p 197
-[7] يذكر ليفنسن بول، تلميذ ماكلوهان ومتابعيه أن رهانات الاستعارات التي يستخدمها ماكلوهان ” تساهم في توجيهنا إلى المعارف التي لم نحصل عليها بعد، لكنها تتضمن حملا يمكن أن يشكل حاجزا أمام معارفنا عندما نحاول فحصه وإثباته، فنخلط بين الحمل واللباس الذي يلفه”.
Levinson Paul : McLuhan digital a guide to the information millennium, p26
[8] – Ibid, p26
[9] – Roy Patrick : Le retour de Marshall McLuhan : Ré-explication et positionnement de sa théorie. Mémoire de maître es arts (M.A.) à la Faculté des études supérieures de l’université Laval – Canada-1999
[10] – Levinson Paul : McLuhan digital a guide to the information millennium, p2
[11] – W. Terrence Gordon : Mcluhan, a guide for the perplexed, p153
[12] – نقلا عن: Jeffrey L : The Heat and the Light: Towards a Reassessment of the Contribution of H.Marshall McLuhan , Canadian Journal of communication, Vol. 14 N04, 1989 DOI: https://doi.org/10.22230/cjc.1989v14n4a529
[13] – Roy Patrick : Le retour de Marshall McLuhan : Ré-explication et positionnement de sa théorie.
-[14] ربما لهذا السبب بادر كل من دافيد ستنس وستيفاني ماكلوهان بإصدار كتاب: مكلوهان مارشال ، افهموني. عنوان يحاكي كتاب ماكلوهان: كيف نفهم وسائل الإعلام؟ أنظر:
Stephanie McLuhan & David Staines : MacLuhan Marshal Understanding Me, Lectures and Interviews, Toronto: McClelland & Stewart, 2003, 344 pages
[15] – أنظر:
Macmillan , Robert : Marshall McLuhan at the Mercy of his Commentators, Revue Philosophy of the social sciences, vol. 22, no 4, December,1992, P483
[16] – Bernhard J. Dotzler , Cambridge was a shock: Camparing media from a literary media from a literary critic‘s point of view in Carmen Birkle, Angela Krewani and Martin Kuester, McLuhan’s Global Village Today, UK ,Pickering & Chatto, 2014, p86
[17] – Mark A. McCutcheon , Dubjection: A Node ( Reflections on web – conferencing, McLuhan and intellectual Property) in Carmen Birkle, Angela Krewani and Martin Kuester, p66
[18] – Ibid,
[19]– Kane Oumar: Marshall McLuhan et la théorie médiatique : genèse, pertinence et limites d’une contribution contestée , revue tic & société, Vol. 10 N° 1 , 1er semestre 2016. URL : https://doi.org/10.4000/ticetsociete.2043
[20] – Roy Patrick : Le retour de Marshall McLuhan : Ré-explication et positionnement de sa théorie.
[21] – Gwolf, Gary .The Wisdom of Saint Marshall, the Hoiy Foob, in Wired. vol. 4, no 1, janvier 1996, pp. 122-126
[22] – Doray Pierre: Construction sociale des technologies, in Frédéric Bouchard, Pierre Doray, Julien Prud’homme, Sciences, technologies et sociétés de A à Z, Canada, Presses de l’Université de Montréal, 2017, p 57
[23] -Ibid
[24] – Nelson Vallejo-Gomez :La pensée complexe : Antidote pour les pensées uniques Entretien avec Edgar Morin. Roumanie, Revue Synergie Romanie; N03, 2008, pp 77-90
[25] – Bouiss Ousama : Dix principes pour penser dans le “monde complexe” d’Edgar Morin, Url :https://www.latribune.fr/opinions/tribunes/dix-principes-pour-penser-dans-le-monde-complexe-d-edgar-morin-802548.html
[26] – Paré Jean, Conversations avec McLuhan, Montréal, Boréal, 2010, P45
[27] – Roy Patrick : Le retour de Marshall McLuhan : Ré-explication et positionnement de sa théorie.
[28] – Marchand Philipp, Marshall McLuhan. The medium and the messenger, Toronto, Random House, 1989, P123
[29] – Gaëtan Tremblay De Marshall McLuhan à Harold Innis ou du village global à l’empire mondial– France, Tic & société, Vol. 1, n°1 , 2007, P106-129
[30] – Kane Oumar: Marshall McLuhan et la théorie médiatique
[31] – يقول الكاتب فيليب مارشون : ” إن جوهر مقاربة ماكلوهان للواقع التي عبر عنها بقوة لا مثيل لها لا توجد سوى في هذه المجلة الغريبة والرائعة. أنظر:
Marthe Pelletier : De la médianomie à l’autonomie :Explorations éthiques et christologiques de la pensée de Marshall McLuhan, (Ph.D.) Université de Laval, Canada, 2000
[32] – Marshall McLuhan and Eric McLuhan, Laws of Media: The New Science (University of Toronto Press, 1988), p. 93.
[33] – Raphael Peter: The Medium in Your Pocket’, A McLuhanian Approach to New Media, p197
[34] – Gillmor Dan: We the Media: Grassroots Journalism By the People, For the People , O’Reilly Media; New edition, 2006 , 334 pages
[35] – Breton philippe, Proulex Serge : l’explosion de la communication ; introduction aux théories et aux pratiques de la communication, France, 4 édition la découverte ,1992, p 194
[36] – Victor Wiard :News Ecology and News Ecosystems, Feb 2019 DOI: 10.1093/acrefore/9780190228613.013.847
[37] – François Jost: Nouveaux comportements pour d’anciens médias ou anciens comportements pour de nouveaux médias ?Revue MATRIZes, Brasil , nº 2 jan./juin année 2011, pp 93-109
[38] – أريك ميغري: سوسيولوجيا الاتصال والميديا، ترجمة نصر الدين لعياضي، هيئة البحرين للثقافة والآثار، 2018، ص 199
[39] – Marshall McLuhan, Understanding Media ,McGraw Hill, 1964, p. 7
[40] – McLU HAN, Marshall, Pour comprendre les médias: les prolongements technologiques de l’homme, traduction de Jean Pare, Montréal: Bibliothèque Québécoise, 1993, p52
[41] – بهذه الجملة ميّز بول عطا الله الفرق بين رؤيتي مرشال ماكلوهان و ملهمه ” هارولد أنس” للميديا ، إذ وصف الأول بأنه يضفي الطابع الميدياتيكي على التاريخ، بينما يضفي الثاني الطابع التاريخي على الميديا، أنظر:
Attalah Paul: Théories de la communication : Histoire, contexte, pouvoir, Québec, Presses de l’université du Québec 1989, p 275
[42] – Kane Oumar: Marshall McLuhan et la théorie médiatique
[43] – Marshall McLuhan, The Gutenberg Galaxy: The Making of Typographic Man , University of Toronto Press, 1962, p. 31.
[44] – Raphael Peter: The Medium in Your Pocket’, P 196
[45]– Logan Robert , Understanding New Media: Extending Marshall McLuhan , New York: Peter Lang Publishing, 2010, p. 29
[46] – نقلا عن
– Raphael Peter: The Medium in Your Pocket’, A McLuhanian Approach to New Media, p189-191
[47] – أنظر:
Raphael Peter The Medium in Your Pocket’, A McLuhanian Approach to New Media, p198
[48] – Negroponte, Nicolas, L’Homme numérique, Paris, éd. Pocket, 1997, 290 p.
[49] – Dugain Marc , Labbé Christophe : « L’homme nu. La dictature invisible du numérique », France, Plon, 2016, 186 p
[50] – أنظر:
Ertzscheid Olivier : L‘homme est un document comment les autres: du Word Wide Web au Word life Web, Revue Hermes 53- 2009, pp.33-40.
[51] – نقلا عن :
Levinson Paul : McLuhan digital a guide to the information millennium, p 6
[52] – Sideny Finkelstein : McLuhan prophète ou imposteur? Maison Mame, France, 1970, P 12
[53] – Roy Patrick : Le retour de Marshall McLuhan : Ré-explication et positionnement de sa théorie. Mémoire de maître es arts (M.A.) à la Faculté des études supérieures de l’université Laval 1999- Canada
[54] – Martina Leeker and Schmidt Kerstin . Quoted by Raphael Peter The Medium in Your Pocket p197
[55] – هذا هو عنوان كتابه المذكور أعلاه.
[56] – Donald. F. Theall : The Virtual Marshall McLuhan,McGill-Queen’s University Press, UK, 2001, pp26-28
[57] – Fekete, John: Massage in the Mass Age: Remembering the McLuhan Matrix. “Canadian Journal of Political and Social Theory, No 63 ,March 1982, pp 50-66
[58]– باتريس فليشي: الاتصال وأوهام الحتمية التقنية والاجتماعية، ترجمة د. نصر الدين لعياضي، مجلة الرافد، 2013 ، ص 25-35
[59] – نقلا عن باتريس فليشي، المرجع ذاته.
[60] – Debray , Régis .Manifestes médiologiques, France , Éditions Gallimard. 1994, P94
[61] – Kane Oumar: Marshall McLuhan et la théorie médiatique
[62] – نضال فلاح الضلاعين، مصطفى يوسف كافي، علي فلاح الضلاعين وأخرون، نظريات الاتصال والإعلام الجماهيري دار الإعصار العلمي للنشر والتوزيع، الأردن، 2006
[63] – جيهان أحمد رشتي: الأسس العلمية لنظرية الإعلام، دار الفكر العربي، 1978
[64] – بسام عبد الرحمن المشاقبة : نظريات الاتصال ، دار أسامة للنشر والتوزيع ، نبلاء ناشرون وموزعون، الأردن، 2005
[65] – لا وجود للقرية العالمية، العالم أقرب إلى ما يكون إلى البناية التي تضم عشرات الشقق السكنية التي يقيم فيها أناس كثيرون ولكن لكل فرد منهم يعيش في عزلة ولا يدري شيئا عن جيرانه الذين يقيمون معه في البناية
بسام عبد الرحمن المشاقبة، مصدر سابق، ص 161
[66] – – أسامۀ بن مساعد المحیا ( جمع وتنسيق) محاضرات، نظريات التأثير الإعلامي ، مسترجع من الموقع: https:// https://urlz.fr/fLXN
[67] – – منال هلال المزاهرة، نظريات الاتصال، دار المسيرة للنشر والتوزيع ، الأردن، 2012
[68] – م.م. حيدر فالح زايد، السنة الجامعية 2009- 2010 جامعة قار يونس، مسترجع من الموقع: https://www.researchgate.net/publication/340661990
[69] – كامل خورشيد مراد: الاتصال الجماهيري والاعلام التطور الخصائص والنظريات، دار المسيرة للنشر والتوزيع الأردن، 2014
[70] – خضراء، عمر المفلح : الاتصال ، المهارات، والنظريات، واسس عامة، الحامد للنشر والتوزيع، الأردن، 2014
[71] – معظم ما كتب عن ماكلوهان في الكتب التي درسناها سُلخ حرفيا من كتاب جهان رشتي دون الإشارة إليه. نكتفي بإيراد فقرة واحدة من باب التوضيح:
“كانت طريقة تنغيم الكلمات تنقل الغضب والموافقة أو الرعب أو السرور أو التهكم إلخ. وكان رد فعل الرجل القبلي – الذي يعتمد على حاسة السمع – على المعلومات يتسم بقدر أكبر من العاطفة. فكان من السهل مضايقته بالإشاعات، كما أن عواطفه كانت تكمن دائما قريبة من السطح لكن ريشة الكتابة وضعية نهاية للكلام وساعدت في تطوير الهندسة وبناء المدن وجعلت الطرق البرية والجيوش والبيروقراطية من الأمور الممكنة” والتي نشرت في المراجع التالية:
جيهان أحمد رشتي: مصدر سابق، ص 375
نضال فلاح الضالعين ، وأخرون، مرجع سابق، ص 188
خضرة عمر مفلح: مرجع سابق، ص 179
[72] – توحي الفقرة التالية أن هذا ما استنتجته جيهان رشتي من فكر ما كلوهان، إذ تقول فيها: “وفي الواقع بدل الحديث عن الحتمية التكنولوجية قد يكون من الأدق أن نقول أن المتلقي يجب أن يشعر بأنه مخلوق له كيان مستقل قادر على التغلب على الحتمية والتي تنشأ نتيجة تجاهل الناس ما يحدث حتما ولا مفر منه…”
جهان رشتي، مرجع سابق، ص374
وقد استنسخ مؤلفو الكتب المدروسة هذه الفقرة دون ذكر مصدرها، مما يوحي بأنها من بنات أفكارهم، بيد أن ابتسام عبد الرحمان المشاقبة، تقول بأن ماكلوهان هو الذي طالب بالابتعاد عن مصطلح الحتمية التكنولوجية والاستعاضة عنه والاستعاضة عنه بمصطلح آخر وهو أن المتلقي يجب أن يشعر……
ابتسام عبد الرحمن المشاقبة: مرجع سابق، ص 157
[73] – شمل تأويل ما كتبه ماكوهان بطريقة مغلوطة حتّى الكتاب الأنجلوسكسونين، للاطلاع أنظر:
Macmillan , Robert : Marshall McLuhan at the Mercy of his Commentators, Revue Philosophy of the social sciences, vol. 22, no 4, December,1992, P 483
[74] – Levinson Paul : McLuhan digital a guide to the information millennium , Routledge New York 1999, p 2
[75] – W. Terrence Gordon : Mcluhan, a guide for the perplexed , ed Continuum, 2010,NY, p158
[76] – عن مقولة “الوسيلة هي الرسالة” يقول حيدر فلاح زايد ( مرجع سابق) ما يلي: ( يشير ماكلوهان أن لكل وسيلة خصائص خاصة بها جمهور من الناس الذين يفوق حبهم لهذه الوسيلة اهتمامهم بمضمونها، فالتلفزيون كوسيلة هو محور لاهتمام كبير)
وعن المقولة ذاتها تقول خضرة عمر مفلح ( مرجع سابق، ص 1983) ( إن الرسالة هي الوسيلة تعني أشياء أخرى فقول مكلوهان بشير أيضا إلى أن لكل وسيلة جمهورها الخاص الذي يفوق حبهم لهذه الوسيلة اهتمامهم بها ، بمعنى أخر التلفزيون كوسيلة هو محور لاهتمام كبير…. . )
وتفسر خضرة عمر ( المرجع ذاته، ص 189) المدينة العالمية بدل القرية بالقول: بالطبع إن تطور المطبوع يسبب تماثلا بين أبناء البلد الواحد، ويقرب البعيد وبهذا تحل المدينة محل القرية وتحل دولة الأمة محل دولة المدينة . وهو التفسير ذاته الذي قدمته منال هلال المزاهرة ( مرجع سابق، ص 373 ) للمدينة ذاتها.
[77] – الكتاب من تأليف مارشال مكلوهان وابنه أريك، أنظر:
McLuhan, Marshall, McLuhan, Eric. Laws of Media: The New Science, Toronto University of Toronto Press, 1988, p. 93.
[78] – ينطبق هذا القول على:
نور الدين تواتي: ماكلوهان مارشال…قراءة في نظرياته بين الأمس و اليوم، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، الجزائر، عدد مارس، 2015، ص 277- 290
[79] – تبنى عبد الله الغذامي التقسيم التاريخي للميديا ذاته تقريبا الذي طرحه ماكلوهان، إذ يقول: (مرت الصيغ التعبيرية في الثقافة البشرية بأربع صيغ جذرية تمثل أربع مراحل مختلفة في التصور البشري، وهي مرحلة الشفاهية، ثم مرحلة التدوين وتتلوها مرحلة الكتابية وأخيرا مرحلة ثقافة الصورة، ولكل مرحلة من هذه المراحل خصائصها المميزة، وهي خصائص لا تزول مع ظهور مرحلة جديدة بل إن آثارا من الصيغ تبقى وتظل فاعلة حتى ظهور صيغ جديدة( ص، 8-9). وغالى في دور الصورة عندما أكد بأنها ( ستكون حتما هي العلامة الثقافية ومصدر الاستقبال والتأويل،ولسوف يجري تغيير جذري في الذهنية البشرية تبعا لذلك.) ص 10 و )إن استقبال الصورة أدى ” إلى زعزعة مفهوم النخبة وصار الجميع سواسية في التعرف على العالم واكتساب معارف حديدة للتواصل مع الوقائع والثقافات (
عبد الله الغذامي: الثقافة التلفزيونية سقوط النخبة وبروز الشعبي، المركز الثقافي العربي، 2005، ص 11
[80] – عبد السلام بنعبد العالي: ثقافة الأذن وثقافة العين، المملكة المغربية، الطبعة الثانية، دارتوبقال، 2008، 140 ص
يمكن أن نذكر من باب الطرافة، أن موقع مكتبة “نور” في شبكة الانترنت صنف هذا الكتاب ضمن كتب الطب، تخصص أمراض الأنف والحنجرة!
[81] مارشال ماكلوهان “كيف نفهم وسائل الاتصال” ترجمة خليل صابات، محمد محمود الجوهري، دار النهضة العربية، القاهرة- نيويورك،1975
[82] – أنظر: – م.م. حيدر فالح زايد، مرجع سابق
[83] – المرجع ذاته
[84] – م.م. حيدر فالح زايد، مرجع سابق
[85] – جيهان رشتي، مرجع سابق، ص ص 394
[86] – ذكر الكاتب “سدني فنكلستين ما يلي ” رسم في واجهة إحدى المحلات التجارية رسما ساخر مرفق بما يلي: هنا نتحدث بالطريقة الماكلوهانية!
Sideny Finkelstein : McLuhan prophète ou imposteur, P 9
[87] – Ibid, P 10
[88] – ظهرت المطبعة على يد يوحنا غونتبرغ في 1454 ولم تشرع في بث المخطوطات العربية إلا في منتصف القرن التاسع عشر.
[89] – يذكر فرانس فانون أن 95 % من الفرنسيين كانوا يملكون المذياع قبل 1945 مقابل 5% فقط من الجزائريين الميسورين ، ولم تفلح فرنسا في رفع هذه النسبة الأخيرة رغم التشجيعات. لقد كانت محطة الإذاعة الفرنسية من الجزائر أداة ربط المعمرين بالدولة الأم (فرنسا) ووسيلة ضغط سياسي وثقافي ونفسي على الجزائريين، الذين كانوا يتحرجون من الاستماع إليها داخل أسرهم، لكن بمجرد انطلاق “صوت الجزائر الحرة” تزايد عدد الجزائريين المالكين للمذياع فأضطر الاستعمار إلى تجريم مالكيه من الجزائريين بدءا من 1957. لقد جعل المذياع من الجزائريين الذين يستمعون إلى صوت الثورة الجزائرية أمة.
Frantz Fanon, L’an V de la révolution algérienne, France, La Découverte, 2011, P 53-82
-[90] لتوضيح هذه الفكرة يذكر فرنسوا شفالدوني أن الفلاح الجزائري لا يدخل قاعة السينما إلا عندما ينتقل إلى المدينة لزيارة أقاربه وتسمح له ظروفه المادية ولا يتصفح الصحيفة إلا في قاعة الانتظار في العيادة الطبية. فهناك تفاوت صارخ في “الاستهلاك الثقافي والإعلامي” ليس بين بلدان الشمال والجنوب، بل داخل البلد الواحد، مثل الجزائر. أنظر:
François chevaldonné: La communication inégale, l‘accès aux médias dans les campagnes algériennes, France, éd CNRS, 1981 p 36-40
[91] – M. McLuhan, ‘The Marfleet Lectures’, quoted by Ian Bogost : Ian became a fan of Marshall McLuhan on facebook and suggested you become a fan too, in D.E. Wittkower , Facebook and Philosophy, What’s on your mind?USA, Carus Publishing Company, 2010, P 195
[92] – Rayport J: Quoted by Ian Bogost : Ian became a fan of Marshall McLuhan on facebook, P 195
[93] – Turkle S, ‘Always on/Always on You’, Quoted by Ian Bogost : Ian became a fan of Marshall McLuhan on facebook, P 195
[94] – W. Brooker, ‘“Now You Are Thinking with Portals”, Quoted by Ian Bogost : Ian became a fan of Marshall McLuhan on facebook, P 195
[95] – Levinson Paul : McLuhan digital a guide to the information millennium, p5
[96] Ibid, P 33
[97] – Hervé Fischer : À l’âge numérique ,l’émergence de la « conscience augmentée », Revue société, n° 129, Mars 2015, pp 63 -71
[98] – أنظر:
McLuhan, Marshall, McLuhan, Eric. Laws of Media: The New Science, pp 98-99
McLuhan Eric, Zingrone Frank, Essential McLuhan, UK, Routledge , 1997, p 372
[99] – Ian Bogost : Ian became a fan of Marshall McLuhan on facebook and suggested you become a fan too, in D.E. Wittkower , Facebook and Philosophy, What’s on your mind?USA,